tag:blogger.com,1999:blog-89266034902640392412024-03-19T04:18:09.084-07:00سيرة حياة محمود البدوى فى الأدب والحياة من خـلال أحـداث قصـص محمـود البـدوى " 4 ديسمبر 1908 ـ 12 فبراير 1986 " يستطيـع القـارىء أن يلم بأحـوال مصـر والمصريين منـذ ثورةالشعب سـنة 1919 وحتى عام 1985 "تاريخ آخر قصة كتبها ونشرها قبل وفاته "كما يستطيع أن يتبين أحوال الشعب اليابانى والصينى فى فترة ما قبل عام 1957ـalyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.comBlogger51125tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-91565788310276958832015-04-17T05:55:00.002-07:002015-04-17T05:55:57.040-07:00<div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<!--[if gte mso 9]><xml>
<w:WordDocument>
<w:View>Normal</w:View>
<w:Zoom>0</w:Zoom>
<w:Compatibility>
<w:BreakWrappedTables/>
<w:SnapToGridInCell/>
<w:ApplyBreakingRules/>
<w:WrapTextWithPunct/>
<w:UseAsianBreakRules/>
</w:Compatibility>
<w:BrowserLevel>MicrosoftInternetExplorer4</w:BrowserLevel>
</w:WordDocument>
</xml><![endif]--><br />
<!--[if gte mso 10]>
<style>
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:"Table Normal";
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-parent:"";
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:"Times New Roman";}
</style>
<![endif]-->
<br />
<div class="MsoNormal" dir="RTL">
<b><span lang="AR-EG" style="font-size: 16.0pt;">نشرت
جميع أعمال محمود البدوى فى العنوان</span></b></div>
<div class="MsoNormal" dir="RTL">
<b><span style="font-size: 16.0pt;"><a href="http://elbadawy73.blogspot.com/"><span dir="LTR">http://elbadawy</span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-EG"><span dir="RTL"></span>73</span><span dir="LTR"></span><span dir="LTR"><span dir="LTR"></span>.blogspot.com</span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-EG"><span dir="RTL"></span>/</span></a><span lang="AR-EG"></span></span></b></div>
</div>
alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.comtag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-21109957976688804782006-12-27T15:45:00.001-08:002015-04-13T05:07:04.265-07:00ص 1 سيرة حياة محمود البدوى<div dir="rtl" style="text-align: right;" trbidi="on">
<a href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgdxPoxSD6SLnF67aaEq6ye79aq7andJ8iPWqlG6HpjfvbWI5b9Od2yFx3E5Hc9q-xIdVGUuRT5s-G-PPN-89-YjGprd0tkg6ZN1xgkbjY3x1EUA3rVMbLLmk5ouz6D1KDMqJpYKm-Ir7j1/s1600-h/%C3%99%C2%85%C3%98%C2%AD%C3%99%C2%85%C3%99%C2%88%C3%98%C2%AF+%C3%98%C2%A7%C3%99%C2%84%C3%98%C2%A8%C3%98%C2%AF%C3%99%C2%88%C3%99%C2%89+%C3%99%C2%8A%C3%98%C2%AA%C3%98%C2%B3%C3%99%C2%84%C3%99%C2%85+%C3%99%C2%88%C3%98%C2%B3%C3%98%C2%A7%C3%99%C2%85+%C3%98%C2%A7%C3%99%C2%84%C3%98%C2%B9%C3%99%C2%84%C3%99%C2%88%C3%99%C2%85+%C3%99%C2%88%C3%98%C2%A7%C3%99%C2%84%C3%99%C2%81%C3%99%C2%86%C3%99%C2%88%C3%99%C2%86+%C3%99%C2%85%C3%99%C2%86+%C3%98%C2%A7%C3%99%C2%84%C3%98%C2%B7%C3%98%C2%A8%C3%99%C2%82%C3%98%C2%A9+%C3%98%C2%A7%C3%99%C2%84%C3%98%C2%A3%C3%99%C2%88%C3%99%C2%84%C3%99%C2%89+%C3%98%C2%B3%C3%99%C2%86%C3%98%C2%A9+1978.jpg"><img alt="" border="0" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgdxPoxSD6SLnF67aaEq6ye79aq7andJ8iPWqlG6HpjfvbWI5b9Od2yFx3E5Hc9q-xIdVGUuRT5s-G-PPN-89-YjGprd0tkg6ZN1xgkbjY3x1EUA3rVMbLLmk5ouz6D1KDMqJpYKm-Ir7j1/s400/%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF+%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%89+%D9%8A%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%85+%D9%88%D8%B3%D8%A7%D9%85+%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85+%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86+%D9%85%D9%86+%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%82%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89+%D8%B3%D9%86%D8%A9+1978.jpg" id="BLOGGER_PHOTO_ID_5119166366585656946" style="cursor: hand; display: block; margin: 0px auto 10px; text-align: center;" /></a><br />
<b></b><br />
<br />
<b></b><br />
<!--[if gte mso 9]><xml>
<w:WordDocument>
<w:View>Normal</w:View>
<w:Zoom>0</w:Zoom>
<w:Compatibility>
<w:BreakWrappedTables/>
<w:SnapToGridInCell/>
<w:ApplyBreakingRules/>
<w:WrapTextWithPunct/>
<w:UseAsianBreakRules/>
</w:Compatibility>
<w:BrowserLevel>MicrosoftInternetExplorer4</w:BrowserLevel>
</w:WordDocument>
</xml><![endif]--><br />
<!--[if gte mso 10]>
<style>
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:"Table Normal";
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-parent:"";
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:"Times New Roman";}
</style>
<![endif]-->
<br />
<div class="MsoNormal" dir="RTL">
<b><span lang="AR-EG" style="font-size: 16.0pt;">نشرت
جميع أعمال محمود البدوى فى العنوان</span></b></div>
<div class="MsoNormal" dir="RTL">
<b><span style="font-size: 16.0pt;"><a href="http://elbadawy73.blogspot.com/"><span dir="LTR">http://elbadawy</span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-EG"><span dir="RTL"></span>73</span><span dir="LTR"></span><span dir="LTR"><span dir="LTR"></span>.blogspot.com</span><span dir="RTL"></span><span lang="AR-EG"><span dir="RTL"></span>/</span></a><span lang="AR-EG"></span></span></b></div>
<br />
<div>
<br /></div>
<a href="http://img513.imageshack.us/img513/2057/740nd6.jpg"><b><img alt="" border="0" src="http://img513.imageshack.us/img513/2057/740nd6.jpg" style="cursor: hand; display: block; margin: 0px auto 10px; text-align: center; width: 320px;" /></b></a><b><br /></b><br />
<div align="center">
<br />
<b><span style="color: #6633ff; font-size: 180%;">محمود البدوى 1908 ـ 1986</span><br /><br /><br /><span style="color: #6633ff; font-size: 180%;">النشأة الأولى</span><br /><br /><span style="color: #6633ff; font-size: 180%;">قرية الإكراد</span> :<br />ــــــــــــــــــــ<br />قرية الأكراد إحدى قرى مركز أبنوب بمديرية " بمحافظة " أسيوط وهى قرية تقع على النيل مباشرة وقريبة من خزان أسيوط ، عاش أهلها عيشة هادئة بفضل عمدتها الرجل القوى الجسور الشيخ حسن عمر الذى إتبع أسلوب والده وجده وسار على نهجهما فى المحافظة على إستتباب الأمن والنظام فى القرية ، فكانت بمنأى عن الإجرام والمجرمين وقطاع الطرق ورجال الليل ، رغم ما كان يعرف عن هذه المنطقة من الصعيد " أبنوب " بأنها مرتع للجرائم والأخذ بالثأر ..<br /><br />تزوج عمدة القرية بزيجتين ورزق منهما بثمانى ذكور وست إناث ، وسأكتفى بذكر الذكور دون الإناث ، والذكور هم على الترتيب محمد وأحمد ورياض وحسين وحفظى وعمر وزينهم ومحمود ..<br /><br />وكان العمدة وأولاده يقيمون فى دار كبيرة وواسعة ، ويقوم على شئونهم وقضاء حوائجهم أربعة من العبيد وبعض الخدم ، وبجوار هذه الدار وملاصقة له مقر العمدية وبيوت بعض أفراد الأسرة وأمامه مساحة من الأرض الفضاء واسعة ، ويحتوى مقر العمدية على حجرة السلحليك ومضيفة العمدية وبيت كبير للضيافة يتم الصعود إليه بعدد من السلالم وأحيط المقر بسور مبنى من الطوب ( لا يزال المقر موجودا وتعتنى به الأسرة وبملحقاته حتى الآن ) ..<br /><br />ويمتلك العمدة أرضا زراعية تقع فى القرية وفى القرى المجاورة لها ويباشر زراعتها بنفسه ..<br /><br />***<br /><br />وتوفى العمدة سنة 1905 واستمر أولاده من بعده يتولون العمدية ، فقد تولاها على الترتيب :<br />* محمد فى سنة 1905<br />* أحمد من نهاية سنة 1905 إلى أن توفاه الله عام 1941 تخللتها فترة تولى فيها شقيقه رياض العمدية<br />* زينهم من سنة 1941 إلى تاريخ وفاته عام 1991 "ولم يتم شغل المنصب بالقرية حتى الآن "<br />* أما حفظى وعمر فقد التحقا بالبوليس وتدرجا فى الترقى إلى أن وصل كل منهما إلى رتبة اللواء<br />وحسين ومحمود أتما تعليمهما العالى بمدرسة الحقوق العليا والتحق الأول بالسجل التجارى والثانى بالنيابة العامة ثم القضاء<br /><br /><span style="color: #6633ff; font-size: 180%;">والد محمود البدوى عمدة القرية</span><br /><br />تولى أحمد العمدية عام 1905 ، وكان فى الثامنة عشرة من العمر ، ويقتضى الأمر تزويجه ، وكانت والدته على صلة كبيرة بالأسر الطيبة فى جميع أنحاء قرى ومديرية أسيوط ، فاختارت له بنت عبد المنعم التونى عمدة إتليدم، وكانت هذه القرية آخر حدود مديرية أسيوط (حاليا تتبع القرية محافظة المنيا) وبدون أن يرى العروس ، أتمت الأم إجراءات الزواج ، وقام العمدة بتشييد مسكن الزوجية أعلى بيت الضيافة الملحق بمقر العمدية ويتم الصعود إليه من خارج السور المحاط بالمقر " لا زال موجودًا حتى الآن " ..<br />كان والد العروس يرسل إليها فى موسم جمع ثمار الفاكهة مركبا شراعيا كبيرا محملا بثمار الفاكهة من نتاج بساتينه وأشياء أخرى ، ويجىء إلى القرية صباح يوم وصول المركب ، ويجلس مع العمدة أمام الدوار ، وحينما يشاهد المركب ترسو بالمرساة ــ مكان قريب من الدار ــ يرسل الخدم والخفراء والعبيد إليها ويحملون حمولة المركب حتى باب الدار (لا يستطيع أحد من الرجال الولوج من باب الدار إلى داخله ) ثم تقوم النساء بحمل الأشياء إلى صحن الدار ، وبعد الإنتهاء من تفريغ حمولة المركب ، ينصرف والد العروس، وتترك العروس لأم زوجها (حماتها) توزيع هذه الأشياء على الفقراء من أهل القرية والقرى المجاورة لها ..<br /><br />ويقول محمود البدوى فى حوار له نشر بمجلة أسرتى الصادرة فى 31 يناير سنة 1981 " ولدت أمى لأب صعيدى غنى ومن أسرة معروفة ، وكان من الأعيان المتنورين ، وهو عبد المنعم التونى .. وكان يملك مساحة كبيرة من الأرض تبلغ 800 فدان ، فجعلته يبنى لنفسه قصرا فى أوائل هذا القرن فى قريته إتليدم مركز ملوى مديرية أسيوط ــ وتتبع اليوم محافظة المنيا ــ إستورد لها الرخام والزجاج الملون من إيطاليا " ..<br /><br />وأثمر زواج العمدة من السيدة تفيده عن الأبناء ـ بالترتيب ـ محمد ومحمود وفاطمة وأبو الفتوح .. وما يهمنا هنا هو الابن الثانى " محمود أحمد حسن عمر " ..<br /><br />ولد محمود فى 4 من شهر ديسمبر سنة 1908 ، وشب طفلا مدللا وشقيا إلى حد بعيد ، وفى سنين عمره الأولى كان يحب ويهوى معاكسة النساء المتواجدين بالبيت مع أمه وخاصة معاكسة عماته أثناء جلوسهن فى صحن الدار ، كان يقوم ــ فى غفلة منهن ــ بربط الحصى أو لصق الورق فى طرحة إحداهن ــ وحينما يتنبهن لفعلته ، يضحك ويجرى ، أو يقوم بإشعال النار فى الورق ، ولا أحد كان يجرؤ أو يستطيع ردعه ، وما كان لأحد من أفراد الأسرة أو غير أفرادها يجرؤ بلمسه ، وكان يلعب فى الأجران مع لداته، فيصعدون الأجران العالية وينحدرون منها ، ويجرى بحماره الأبيض الصغير على الجسر بعضا من النهار ، وحينما تغمر مياه الفيضان القرية وينطح بيوتها، ينزل الماء مع لداته ويلعبون وهم فرحين بماء الفيضان ، وكانوا يتسابقون ويتنافسون على تسلق صوارى المراكب الراسية بجوار القرية ويقفزون من قمتها إلى الماء ، وذلك منذ بداية الفيضان فى شهر أغسطس .<br />كان مدللا للغاية ، خفيف الظل ، نحيف العود ، براق العينين ، سوداء اللون .<br /><br /><span style="color: #6633ff; font-size: 180%;">وفاة والدة محمود البدوى</span><br /><br />كانت أم محمود حاملاً حينما توفى والدها ، فأصابها الحزن والكرب العظيم ، فأثر ذلك على صحتها وعلى الجنين ، وفى أثناء الولادة عام 1915 بالبيت ، ماتت ، ولم ير الطفل النور وإنتهى معها ..<br /><br />إنطلق الصراخ من جنبات الدار وسرى الخبر فى القرية مسرى النار فى الهشيم وإنتقل منها إلى القرى المجاورة ، وحضرت الجموع وتحولت القرية إلى مناحة ، فولولت النساء ولبسن السواد ولطمن الخدود ، وارتفع صراخهن ، ولطخن وجوههن بالزهرة الزرقاء ، وأهلن على رؤوسهن التراب ، وحملت إحداهن رقا وطافت فى طرقات القرية تحمل لأهلها خبر الفاجعة ، وإزداد ورود النساء وهن ينشجن نواحًا تتفطر له القلوب ، وكلما تعدد إحداهن محاسنها وخلقها وأفعالها وأعمالها يزيد صراخهن ويشتد لطمهن للخدود ، وكل حاضر من هذه الجموع يصرخ والأطفال الصغار يبكون فى حرقة ..<br /><br />ومحمود يشاهد هذا كله بعين الطفل ، فلم يكن بلغ السابعة من عمره ، ولأول مرة فى حياته ــ وهو الذى لم يعرف الحزن ــ يرى الموت يدخل البيت، ومنظر النساء الباكيات حوله ؛ ففطر قلبه وشعر فى أعماقه بالتعاسة ، وظلت الغمامة متأصلة فى نفسه وهو لا يدرى ..<br /><br />وحمل الجثمان بالمركب ــ صندل بموتور يدار بالفحم ــ ورافقه الأطفال وأفراد الأسرة وأهالى القرية ، وسار المركب إلى دار أبيها ، ونقل الجثمان إليه ، وتكررت مأساة الصراخ والعويل ولطم الخدود من نساء أهل قرية إتليدم ، وحمل مرة أخرى ونقل بالمركب حتى شرق النيل حيث دفنت بجوار والدها ، وعاد الجميع إلى الأكراد ، واستمر العزاء مدة أربعين يومًا ..<br /><br /><span style="color: #6633ff; font-size: 180%;">حالة محمود البدوى بعد وفاة والدته</span></b></div>
<br />
<div align="center">
<b><br />تبدل وتغير حال محمود وإنقلب كيانه بعد أن ماتت أمه وانقلب لعبه وضحكه ومرحه وشقاوته إلى حزن وانطواء ، فقد كانت الفاجعة أكبر من أن يحتملها طفل فى مثل سنه وتكوينه ، وإرتسمت مسحة الحزن على وجهه ، فذبل جسمه وإصفر لونه ، فكان ينزوى سحابة النهار وطول الليل فى المزارع والحقول هائما شاردًا لا يحادث أحدًا ، وكان أحد الخفراء يتبعه كظله فى كل حركة ، وحينما ينهكه المشى والتعب يعود إلى البيت لينام ، وكان يشعر بأنه قريب من الموت الذى أخذ أمه فجأة دون سابق إنذار وهى فى بكائر أيامها وربيع عمرها ، وأصبح يستريح إلى رهبة الليل وسكونه وهوله ..<br /><br />وأصاب والده البلاء والكرب العظيم ، فشعر بعد فراق زوجته بالوحشة والانقباض والضجر ، واستبشر بالصبر ونزل على حكم القدر وسلم أمره إلى الله ، وزاد عطفه على أولاده ودللهم وكان يأتى لهم بأكثر مما يحتاجون إليه ، وكانوا فى رعاية جدتهم (أم الأب) وإحدى النساء من العاملات فى البيت والتى كانت بمثابة المربية وعرفت محمود أن الاهتمام أو الحب لا ينبع من داخل الأسرة فحسب بل يمكن أن يأتى من الخارج .. </b></div>
</div>
alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-30542197477567655412006-12-27T15:44:00.001-08:002006-12-27T15:44:41.673-08:00ص 2 سيرة حياة محمود البدوى<div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#330099;">مرحلة التعليم<br /></span><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">كتاب القريـــــة<br /></span><br />بعد وفاة والدة محمود وما حدث فى جنازتها المفجعة والألم الذى أصابه وألم به ودفن داخل قلبه ، ظهر على السطح فى تصرفاته وافعاله ، وحينما بدأت تنقشع الغمه وترتاح نفسه قليلا ، ذهب كأخيه محمد وأعمامه الذين سبقوه إلى كتاب القرية ـ كتاب مسجد الخطباء ـ ليتعلم فيه القراءة والكتابه وليحفظ فيه القرآن الكريم .<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">التعليم الابتدائى فى مدينة أسيوط</span><br />تقدم محمود للالتحاق بمدرسة أسيوط الابتدائية ، وكانت تجرى فى ذلك الوقت إختبارات تحريرية وشفوية لراغبى الالتحاق بهذه المرحلة من التعليم ، ويمر منها من يجيد القراءة والكتابة ويعرف قواعد الحساب وحلها ، وإجتاز الإمتحان ودخل المدرسة ، وكان يقيم فى المدينه شقيقه الاكبر محمد الذى كان يدرس بمعهد أسيوط الدينى الازهرى ، فأقام معه ، وكان يقوم على خدمتهما ورعاية شئونهما رجل من عند والده ومن أهل القرية ، وأنهى شقيقه دراسته من المعهد وإنتقل إلى القاهرة لاستكمال تعليمة قبل أن يتم محمود دراسته الإبتدائيه .<br /><br />وجد محمود نفسه وحيداً ، وكانت تجربته الاولى التى يعيش فيها بمعزل عن أحد أفراد أسرته ، ومن هنا نشأت عنده ضرورة الاعتماد على النفس ، وكان والده يجئ للاطمئنان عليه والاطلاع على أحواله فى بعض أيام الأسبوع ..<br /><br />يخرج محمود من المدرسة يوم الخميس ، يجد الحمار الأبيض الخاص به ، والذى كان يركبه وهو صغير مع أحد الخدم فى إنتظاره ليركبه ويصل به إلى القرية لقضاء ليلته فيها ـ كان يوجد لدى والده خيول ولكنه كان يخشى عليه من ركوبها ـ ويشعر بسعادة طاغيه ، فيركب الحمار ويستوى عليه ويتخذ هيئة الفارس ويحرك رجليه ليحثه على الاسراع ، ويسرع والغبار يتطاير من أرجل الدابه ، ويركب المعدية لعبور النيل وإختصار الطريق ، فالقرية فى العدوة الأخرى من النيل ، كل ذلك ليقضى ليلته فى الحقول ووسط الفلاحين ومع رفقائه فى القرية ، وكانت سعادته الحقه وهناؤه فى أثناء فترة الاجازه الصيفية ..<br /><br />كان أهل القرية جميعا دون إستثناء رجالاً وأطفالاً يجيدون السباحة والغوص تحت الماء ، ومحمود يتسابق مع رفقائه ولا يشعرون بخوف ولا رعب ولا يرهبون الماء ولا يخافون الغرق ، وقد يخرجون بزورق صغير ويجدفون ويبعدون عن القرية ويتوغلون إلى الجانب الآخر من النيل ، إلى جزيرة القرية الصغيرة ( جزيرة الأكراد ) حيث يوجد جزء من أراضى العائلة ، وهناك يستقبلهم الفلاحون بالبشر والترحاب ويجلسون حولهم خارج العرائش ، ويتندرون ويفيضون بأعذب الاقاصيص والسير ويوقدون النار فى الدريس لعمل الشاى ، ويجذبون سمعه بحكاياتهم الشيقه ، ويمر عليهم فى جلستهم رجال الليل بأثوابهم الداكنه ، مغطين رؤوسهم وأعناقهم بالملاحف وهم مسلحين بأحدث طراز من البنادق وهم الذين اذا دخلوا قرية فى وضح النهار أرعبوها وأفزعوا أهلها والذين كانت الفرائص ترتعد لذكرهم والقلوب تنخلع لوقع أقدامهم ، ويجلسون معهم يشربون الشاى ويقصون عن مغامراتهم فى الليالى السوداء وهم يسطون على العزب والمزارع الغنية لبعض الثراه ويحكون عن حوادثهم مع القرويين الذين يتأخرون فى الحقول والتجارالعائدين من الاسواق ..<br /><br />وفى بعض الليالى يخرج محمود وحده بزورق صغير يجدف ويسير فى النيل إلى أن يصل إلى سد أسيوط فيمد الحبل ويربطه فى أحد الاشجار على الشط ، ويسير على الجسر حتى تنقضى فترة من الليل ويعود من حيث أتى مرتاح النفس ناعم البال ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">التعليم الثانوى فى القـــاهرة</span></strong></div><div align="center"><strong><br />بعد أن أتم محمود تعليمه الابتدائى ، إصطحبه والده إلى القاهرة ليلحقه بالمدرسة السعيديه الثانوية بالجيزه وليسدد له المصاريف ويشترى له حاجاته وليطمئن على مكان إقامته ـ وكان شقيقه الاكبر الذى شاركه بعض الوقت فى السكن بأسيوط وتركه ليكمل تعليمه بالأزهر عاد إلى القرية لمراعاة الارض والزراعة واكتفى بهذا القدر من التعليم ـ وكان والده كثير التردد على القاهرة لمقابلة اصحاب الشأن وانجاز بعض الطلبات التى تحتاجها القرية وحضور المناسبات التى يحضرها الملك والاعيان وذوى النفوذ ، ويعرف أماكن الإقامة والمبيت فيها من فنادق وبنسيونات ، فاختار لمحمود إحدى الغرف المفروشة بالقرب من المدرسة .<br />وأحس محمود بالفراغ وبحكم طباعه الريفية المتأصلة نفر من أهل المدن فلم يستطيب صحبتهم ، فكان يرى السيارات الفخمة التى يقودها الشبان الناعمون الطائشون تخطف الطريق ، وكان يفكر فى الحياة التى يعيشها هؤلاء الفلاحون وفى ليل الريف وظلامه وقارنها بحياة الناس فى المدينة ، ويشعر بالضيق الشديد ، ومع مرور الوقت رضخ لحكم الواقع ، ثم أخذ يحاول ان يرفع الحاجز بينه وبين أهل المدينة بالتدريج واستطاب العيش فيها إلا أن حنينه إلى الريف لم ينقطع .<br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">دار الكتب المصرية<br /></span><br />عرف طريقه إلى دار الكتب المصرية بباب الخلق ، فكان يقرأ ويطالع كيفما أحب وشاء من كتب السيرة ومن الأدب العربى القديم ، فاختار لسكنه إحدى الغرف المفروشة بالحلميه الجديدة ليكون بجوار الدار وكانت هذه الغرف موجودة بكثرة فى قلب العاصمة فى حى عابدين وفى حى قصر النيل على الأخص حيث يكثر الافرنج ، فكانت هذه الأسر تنزل عن غرفة من سكنها للطلاب البعيدين عن اهليهم .. وكان كثير التنقل بينها ويستقر بعد أن يجد الاسر الهادئة الكريمة الخلق والحجرة الطيبه الهواء والمفروشة ببساطه وأناقة ..<br /><br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">تعلم الموســـيقى<br /></span><br />كان محمود البدوى يجد لذته الكبرى فى الاستماع إلى الموسيقى .. فاجنر وبيتهوفن وتشايكوفسكى وهاندل ........ ولحبه وعشقه لها أراد أن يتعلمها ، وتعلمها فعلا على يد رجل موسيقى من أصل تركى ، وكان يذهب اليه بعد الفراغ من دروسه المدرسيه وبعد أن تقفل دار الكتب أبوابها ، ويسكن المعلم قريبا من الدار ، ثم جاءت فرصته فى أن يتعلمها بمعهد فؤاد الأول للموسيقى العربية ..<br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">المرور على المكتبات<br /></span><br />كان يهوى المرور على المكتبات ويتفحص عناوين الكتب دون كلل أو ملل ولوظل نهار اليوم كلة يسير على قدميه ، فكان مغرما بقراءة الكتب القديمة النادرة الطبع واقتنائها ، فهى فى نظره تحمل فى طياتها أسرار القرون وعبير الدهور ، فيشترى منها ما يستطيع دفع ثمنه ..<br /><br />وفى أحد الأيام وكان يسير فى مدينه أسيوط أثناء عطلة الأجازة الصيفية ، ذهب إلى مكتبه أدبيه يمت له صاحبها بصله قرابه لشراء بعض الكتب الأدبية فوجد عنده داخل المكتبه شخصين معممين جالسين ويقرأ الأول فى كتاب البيان والتبين للجاحظ وبجواره الثانى ينصت ويستمع اليه وعرفه صاحب المكتبه بهما ، والأول هو محمد على غريب المحرر فى جريدة عظمة الشرق بأسيوط والثانى هو أحمد الحجار من تلاميذ الجاحظ ومن أشد الناس إعجابا به، وتوطدت بين الجميع صداقه قويه ( إستمرت حتى نهاية العمر ) ..<br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">كلية الآداب<br /></span><br />نجح محمود فى إمتحان البكالوريا والتحق بكلية الأداب بالجامعة المصرية إبان عماده الدكتور طه حسين لها ، وقام بتأجير أول مسكن مستقل له بشارع الأمير بشير بالحلمية الجديدة ..<br /><br />لم يشعر محمود بأى حب للجامعه ، فقد غمره تيار الأدب ، وكان يجد لذته الكبرى فى القراءة والاطلاع ليزيد من ثقافته وليوسع مداركه فاستغرقت كل وقته ، وكان يشعر بالغبطة والسرور والرضى النفسى كلما قرأ شيئا ، ويؤلمه عدم وجود الفراغ ليقرأ أو ليطالع من الكتب ما يشاء ويرغب ، فأصبح لا يذهب إلى الجامعة إلا قليلاً ثم إنقطع كلية عنها ..<br /><br />ولم يرغب فى أن يكون عالة على والده فى القريه فيطعمه ويكسيه ويصرف عليه بعد أن شب وأصبح رجلاً ، ولم يكن من السهل عليه أن يتبطل ويعتمد فى معيشته على ما يرسله له والده من نقود ، وقرر أن يفعل شيئاً ، وأن يخطو خطوة عمليه ، فاتجه إلى الوظيفه كغيرة من الشبان وترك الدراسة بالجامعة ..<br /><br />يقول محمود « التحقت بكلية الآداب ولم اكمل المشوار لأننى إنتقلت إلى كلية الحياة وهى أرحب ولاشك من كلية الآداب ولم آسف على ذلك قط » ..<br /><br />ويقول صديقه الناقد " <span style="font-size:130%;color:#6633ff;">علاء الدين وحيد</span> " فى كتابه المعنون باسم " محمود البدوى " دار سنابل للنشر والتوزيع ط 2000 يقول :<br />" كان قد ترك الجامعة ـ كلية الآداب ـ فى عمليه رومانسية تستشعر ضرورة رفع الاثقال عن الأب فى المصاريف "<br /><br />ولكن الناقد " <span style="font-size:130%;color:#6633ff;">رجاء النقاش</span> " يقول فى مجلة الشهر عدد يناير 1959 تحت عنوان القصاص الشاعر :<br />" عرفت من بعض المتصلين به أنه أصيب بصدمة عاطفيه فى مطلع حياته وهو طالب فى الجامعة ، وقد أدت هذه الصدمة به إلى أن يترك الدراسه بل ترك مصر كلها وسافر لفترة إلى أوربا ، وكان لديه بعض المال فصرفه كله على هذه الرحلة التى أراد بها أن يجرب وينسى .. وربما تكون هذه التجربه هى السبب فى إنطوائه وعزلته "<br /><br /></strong></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-32531259535593528692006-12-27T15:42:00.000-08:002006-12-27T15:43:28.482-08:00ص 3 سيرة حياة محمود البدوى<div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#333399;">الحياة العمليه</span><br /><br /><span style="font-size:180%;">ا</span><span style="color:#6633ff;"><span style="font-size:180%;">لوظيفـــــــة</span> </span></strong></div><div align="center"><strong>ـــــــــــــــــــــ</strong></div><div align="center"><br /><strong>التحق محمود بتاريخ 12/ 3/1932 بالعمل بقلم حسابات الحكومة بوزارة المالية بمرتب سبعة جنيهات ونصف ، وكلف بالعمل فى مصلحة الموانى والمنائر بالسويس ، وعندما ذهب إليها لم تكن الحرب العالمية الثانية قد إشتعلت .. ولم يكن الإنجليز يعسكرون مدن القناة .. وأقام بفندق بالسويس .. وفى شارع السوق الرئيسى ، وكان يضيق بالضجيج والحركة فى الشارع وركوب القطار كل يوم ليذهب إلى مقر عمله فى بور توفيق ..<br /><br />أخذ يسعى فى العثور على سكن ، ووجد غرفة مفروشه فى بور توفيق مع أسرة إيطاليه تسكن فى منزل صغير على شط القناة ، وكانت تؤجر الغرفة لتستعين بإيجارها على مواجهة الحياة ، وأقام معها فى هدوء وإطمئنان ..<br /><br />وولعه بالمطالعه وحبه للهدوء خففا مما كان يلاقيه من وحدة ..<br /><br />كان يصطفى زميلا له يحب رياضة المشى كما كان أديبا .. فكانا يقطعان الطريق من بور توفيق إلى السويس سيراً على الأقدام .. وفى بعض الحالات كانا يواصلان السير إلى الأربعين .. وكان يقرأ ويتحدث عن الأدب .. ويرى فى يده أكثر من كتاب لبروست وزولا ..<br /><br />كان محمود أثناء التمشيه على شاطئ القنال يرى المراكب الذاهبه إلى أوربا وهى محمله بخليط غير متجانس من البشر وتطلق صفاراتها وتسير فى القناة منطلقه إلى عرض البحر ، فولدت عنده الرغبه الشديده فى أن يركبها ويجوب الآفاق ، فيجلس على شط القناة ويحلم ويمنى نفسه بأعذب الأمانى وألذ الأحلام ، والصور الذهنية تبرز وتتداعى فى ذهنه رائعه خلابه ساحرة عن جمال المدن الخارجية وروعتها وروعة ما فيها ..<br /><br />وعاد من السويس فى عام 1934 للعمل بمقر الوزارة بميدان اللاظوغلى وذهنه مشغول بالسفر إلى الخارج ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الرحيل إلى أوربا</span><br />ــــــــــــــــــــــ<br />كانت أوربا عام 1934 تعانى أزمة اقتصادية طاحنه ، والرخص والكساد بعمان كل مكان ، والأزمة الاقتصادية تأخذ بخناق الناس ، وبجنيهات قليله تعيش فى أوربا وتستطيع أن تأكل وجبه غذاء كامله فى أفخم المطاعم بما قيمته ثلاثين مليما ..<br /><br />وكثرت الاعلانات بالجرائد والمجلات المصرية والأجنبية تشجع قرائها على السفر إلى البلاد الأوربيه بجنيهات قليله ، وكان أصحاب شركات البواخر من جنسيات مختلفه التركى .... اليونانى .. المصرى .. إلخ يتنافسون على جذب المقيمين بالبلاد للسفر إلى الخارج ، وكل شركة تذكر إسم الباخرة ومميزاتها وخط سيرها ، وبعضها يظهر صورتها فى الإعلان بطريقه مشوقه وهى فى وسط الماء ، وبعضها يعلن عن السفر من الإسكندرية أو من بور سعيد ذهابا وأيابا والإقامة فى اللوكاندات المفتخرة فى البلاد التى ترسو فيها ومدد الإقامة فى كل بلد من البلدان وميعاد السفر وميعاد الوصول ، وتتراوح مدة الرحلة بين 14 يوم وحتى 42 أو تزيد ..<br /><br />إعلنت إحدى الشركات عن أسعار السفر وعلى الظهر الدك درجة أولى 700 قرش ، درجة ثانية 500 قرش ، درجة ثالثة 200 قرش<br /><br />كان البدوى فى وفرة شبابه وفتوته ، وعمره لا يتجاوز الخامسة والعشرين، معه من المال ما يكفيه للطواف حول العالم سنه كاملة ..<br /><br />فى صباح يوم من ايام شهر يوليو ذهب محمود إلى مكتب أنيق فخم من مكاتب السياحة تديره حسناء المانية ، وقلب بصره فى صور البلدان ، وبعد بحث طويل واستقصاء دقيق وإمعان فكر .. تخير أرض الدانوب ، وأخرج من جيبه أوراق البنكنوت وتناول تذكرة السفر ومعها تذكرة سكة حديد فى القطار إلى الإسكندرية ، وتحدد ميعاد السفر يوم 3 أغسطس 1934 ..<br /><br />إستخرج جواز السفر فى 25 يوليه 1934 وحصل على إجازه من جهة عمله ، وأخذ فى المرور على السفارات وقنصليات البلاد التى إنتوى زيارتها وحصل على التأشيرات ولكن بعض هذه الدول ليس لها قنصليات فى القاهرة وقنصلياتها فى الإسكندرية ، كالقنصلية الرومانيه ، فأرجأ التأشير إلى حين ذهابه إلى الإسكندرية لركوب الباخرة ، وأرسل إلى والده خطابا يطلعه فيه عن عزمه على الرحيل إلى أوربا الشرقية ، ولم يخبر أحداً سواه ..<br /><br />وصل محمود إلى الإسكندرية ، وخرج من القطار ، وركب السيارة إلى فندق على شط البحر فى محطة الرمل ، وكان سعيداً جزلاً ، طروبا ، وفى الصباح ذهب إلى القنصلية الرومانية وحصل على التأشيرة وعاد إلى اللوكانده ، وجمع متاعه واتجه إلى الميناء ليركب المركب والتى كان محدداً لها مغادرة الميناء فى الرابعه من مساء اليوم ، وكاد يطير فرحا ، لأنه سيحقق أمنية عزيزة على نفسه ويركب البحر وحده ويجوب الآفاق ..<br /><br />ويقول الناقد علاء الدين وحيد فى كتابه السابق الاشارة إليه .." وإنتهت إجراءات السفر جميعا ولم يبق إلا الصعود إلى الباخرة .. ولكن سلطات الميناء وأكثر موظفيه من كونستبلات الإنجليز تمنعه .. فى البداية الجمتة المفاجأة ولم يستطع أن ينبس .. أحس بالفراغ .. هل ضاع الأمل حقيقة فى الرحيل ؟ ولكن لماذا ؟ وكيف ؟ ويسترد أنفاسه ثم يعرف ما ومن يختفى وراء هذا القرار .. إنه أبوه ؟ كان صاحبنا قد بعث إلى والده خطابا فى آخر ساعة ينبئه بعزمه على السفر ، وكان رد الأب الذى لم يعلمه الابن .. حديثا تليفونيا إلى عم عمر ضابط البوليس فى الإسكندرية يطلب منعه من السفر وحجزه ، ولذلك عندما دخل صاحبنا مكتب بوليس الميناء ثائرا مناقشاً قضيته ، فوجئ بأبيه الذى حضر تواً من الصعيد وعمه جالسين ، وعندما تحدث إلى موظف الجوازات عن حق المواطن المصرى الشريف فى السفر بلا قيد أو شرط ، وبلوغه سن الرشد منذ وقت طويل ، وضرورة عدم منعه حتى يلحق بالسفينه قبل أن تغادر الرصيف، وجوبه بصمت الموظف .. حمله صارخاً مسئولية حجزه بلا وجه حق ، ولكن هذا كله لم يفد شيئاً .. وبكى صاحبنا .. لقد خشى عليه الأب من السفر .. ولنذكر أننا فى عام 1934 ، والمفهوم التقليدى السائد آنذاك عند أكثر الناس عن بلاد بره ، أنها مهد الفساد الخلقى والفكرى معا ، زيادة إلى ما ينفثه الجهل فى الأشياء المجهولة من خزعبلات .. خاصة وأنه لم يكن يعرف الطريق إلى مثل هذا السفر إلا الطبقة الثرية فى بلادنا ..<br /><br />ولكن العم وضابط أجنبى يعملان على إقناع الاب حتى يقتنع ، ويسمح للابن الحزين بالسفر ويقوم بتوديعه "<br />ويغادر الأب والعم الميناء ومحمود لا يصدق بأن والده سمح له بالرحيل وإطمأن قلبه ..<br /><br />عندما ركب الباخره ، وكانت هذه هى المرة الأولى فى حياته سمع صفيرها يرن فى جو الميناء ويتجاوب صداه فى قلب البحر ، ورفعت الباخرة السلم ودارت محركاتها ، وتصاعد دخانها ، وأخذت فى حركة استعراضية تبعد عن الرصيف ، فصعد إلى ظهر السفينه وإتكأ على سورها الحديدى مع الواقفين يرقب حركة المسافرين ويستقبل تحيات المودعين ، ولم يكن له مودع كغيره من ركاب السفينه ..<br /><br />لم يصبح وحيدا منذ ركب الباخره ، فاختلط بالركاب وشاهد ألوانا مختلفة من الناس من كل لون وجنس ، ووجوه كثيره وثقافات متعدده ، وتصادق مع من إرتاحت له نفسه ..<br /><br />كان محمود يتكلم بالإشارة فى كل بلد يزورها ، وقل أن يجد من يتكلم الانجليزية أو الفرنسية اللتان يجيدهما ..<br /><br />فى كل بلد يحل بها يخرج يتجول مع أنفاس الصباح يجتلى مجالى الطبيعة ، يذهب ويتحرك هنا وهناك على غير وجهة وعلى غير هدى ، يشاهد مدنها ويتقدم ويتوغل فى طرقاتها وينظر إلى حدائقها ومنازلها ويرمى المارين بنظرة سريعة هادئا مسروراً ، ويستعرض حوانيت بائعى الكتب القديمة والحديثه ، ويقف يقرأ عناوينها ويغرق فى بحار من الفكر ، ومن مكتبه بوخارست اشترى كتب "لاسكار وايلد ولورنس وجويس ، وإذا عضه الجوع ورمق أحد المطاعم يميل إليه ليأكل ويجلس بعد الطعام ليستريح ..<br /><br /><br />* * *<br /><br />ومنذ عودة البدوى من الرحلة وهو يعشق الرحلات فى الداخل والخارج ، فسافر إلى جميع المدن المصرية من أسوان وحتى الإسكندرية ، وطاف وجال فى أوربا وآسيا وبعض البلاد العربية فى رحلات ثقافية وغير ثقافية ..<br /><br />وحينما ذهب إلى دمنهور فى الثلاثينيات من القرن العشرين والتقى بأدبائها فى مقهى المسيرى وجد الغالبية منهم لم تكن قد خرجت من المدينة وتعجب وقال " من أين تأتى التجارب ، ويزخر الرأس بالأفكار .. فليسافر الأديب وليسافر ، ففى السفر تلتقى بأصناف مختلفة من البشر وتحتك بهم وقد تتعاطف معهم وقد تنفر منهم ، وقد تجد بينهم بطلة لقصه " .<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">حياة محمود البدوى بعد وفاة والده</span> </strong></div><div align="center"><strong>ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ</strong></div><div align="center"><br /><strong>توفى والد محمود البدوى فى 19 يناير سنة 1941 ووجد نفسه مسئولاً، فذهب إلى إعلانات الأهرام وسدد تسعون قرشا صاغا فقط مقابل نشر إعلان بالصحيفة عن الوفاة، ونشر الإعلان فى 20/1/1941 بالعدد 20246 وجاء فيه :<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الشيخ أحمد حسن عمر</span></strong></div><br /><strong>انتقل إلى رحمه ربه الشيخ أحمد حسن عمر عمدة الأكراد وعميد عائلة عمر ، والد الشيخ محمد من العلماء ومحمود بالماليه وأبى الفتوح بالمدارس العالية وشقيق حضرات رياض العمدة السابق وحسين رئيس السجل التجارى ببنها والصاغ عمر أركان حرب الحاكم العسكرى بالقنال واليوزباشى حفظى رئيس مباحث شبين الكوم ومحمود وكيل نيابه كفر الشيخ وزينهم من الأعيان وعم الطيب ويس وفؤاد من الأعيان وحسن رياض بالمواصلات وابن عم محمد الصادق نائب العمدة وخال الأساتذه عبد الحكيم أبو المعالى بالمحاكم الشرعيه وثابت أبو المعالى المدرس بمعهد أسيوط ومجدى من الأعيان وعبد الهادى طالب ثانوى وابن خال الشيخ عزب عثمان وصهر الحاج حسن إبراهيم بالطوابية ومصطفى بك التونى عمدة أتليدم والأستاذ شوكت التونى المحامى وقريب عائله عبد الهادى ومحمد سيد بشطب وستقام ليالى المأتم بديوان العائله بالأكراد مركز أبنوب"<br /><br />كما وجد نفسه مسئولاً عن إدارة الأطيان الزراعية التى آلت إليه عن طريق الميراث والأراضى التى أعطاها له والده حال حياته فى عامى 1935 و1937 ونقلت إليه ملكيتها بعقود مسجلة ، ويتعين عليه أن يقيم فى الريف وبجوار الأرض لمراعاة الأنفار وإعطائهم أجورهم وتفقد الزرعة خشيه هلاكها ويضيع ماله ، وكان يسجل مصروفات الزراعة فى دفتر صغير .. (السماد ـ التقاوى ـ أجر عربة نقل السماد والتقاوى ـ جاز لادارة ماكينة الرى ـ زيت ـ تصليح الماكينه ـ أجر أنفار الرى ـ كوز للزيت ـ صفيحة جاز ـ أجر مشال ـ سباخ للزراعة الصيفى ـ ضم المحصول الشتوى ـ أجر عامل تطهير القنوات ـ ضم المحصول الصيفى ـ أجر أسطى الماكينه ـ أجر أنفار) ومن الملفت للنظر أن أجر عامل السقيه فى ذلك الوقت من عام 1941 35 مليم واجر أسطى ماكينه الرى 45 مليم وأجر النفر 30 مليم . كما كان يسجل بالدفتر أثمان بيع المحصول الصيفى (قمح ـ ذره صيفى ـ ذره شامى ـ تين ـ قطن) والمحصول الشتوى ( فول ـ عدس ـ حلبه ) ..<br /><br />بعد مدة من الزمن قام البدوى بتأجير الأرض إلى الفلاحين ، وفى نهاية شهر سبتمبر من كل عام يترك بيته فى القاهرة ويسافر إلى الصعيد ، وبمجرد أن يراه أحد الفلاحين سائرا على الجسر متجها إلى الدار يسرى الخبر بينهم فيتدافقون ويتسابقون فى الوصول إليه ، كل منهم يريد أن يستأجر قطعة ، ومنهم من كان يزيد فى قيمة الإيجار ليفوز ولو بقطعة صغيرة ، وكان المستأجر يسدد الإيجار بالكامل عند التوقيع على العقد والذى كانت مدته سنة زراعية واحدة ..<br /><br />( بعد صدور قوانين الإصلاح الزراعى ) كان يذهب إلى الفلاحين فى موسم جمع المحصول ويستعمل كل وسائل المواصلات للوصول إليهم ويلاقى المشقه وتعب الأعصاب فى كل مشوار للعثور عليهم ـ يكون ذلك نهاراً ـ وإذا وجدهم يحتفون به ويفرشون له حراما فى ظل عريشة إتقاء من حرارة الشمس الملتهبه ، ويجلسون ويلتفون حوله مرحبين ، ويقدمون له الشاى ويدعونه إلى الطعام ، إلا أنهم حينما يسمعون كلمة الإيجار فكأنما لسعتهم عقرب ، ويقضى النهار كله فى منازعات وجذب وشد وكل واحد يريد أن يترك له جزءًا من الإيجار لأن زراعته بارت وفسدت ، ومنهم من كان يدعى أن جاره أخذ جزءًا من القطعة المؤجره له ، أو أن النيل قد أكل جزءًا منها ويطلبون قياسها ، فكان يعطف ويشفق عليهم ويتأثر بكلامهم ويتنازل لهم عن جزء من الإيجار ..<br /><br />وبعد ما عاناه من مشقه عهد الأمر كله إلى وكيل عنه من أهل البلد ليحصل الإيجار ويريحه من مشقة السفر ومن المشوار وإيداع الأموال ببنك مصر فرع أسيوط لتحويله وإضافته إلى حسابه بفرع البنك بالقاهرة ..<br /><br />ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ</strong>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-78153579189192260562006-12-27T15:39:00.000-08:002006-12-27T15:40:49.834-08:00ص4 سيرة حياة محمود البدوى<div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">اللقاء مع ابنة العم</span><br />و<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">زواج محمود البدوى</span><br /><br />تزوج ضابط البوليس عمر حسن عم محمود البدوى من إبنة خاله وأنجب منها ولد وأربع بنات ، وما يهمنا هنا هى إبنته حكمت التى أصبحت فيما بعد زوجة محمود البدوى ..<br /><br />ولدت حكمت فى مدينة كفر الزيات عام 1930 ، وكان والدها معاون نقطه بوليس المدينة وفرح بها والديها كثيرا ، فقد كانت الإبنه الأولى وسميت على إسم المولدة ، وحينما كبرت وشد عودها التحقت بمدارس مختلفة نظرًا لظروف عمل والدها والذى كان دائم التنقل بين بلاد القطر ( نوتردام بالزيتون ـ ليسيه مصر الجديدة ـ ليسيه بور سعيد ـ راهبات الإسماعيلية ) ..<br /><br />* * *<br /><br />إنتقل محمود من مسكنه بالحلمية الجديدة إلى منطقة المنيل بشارع محمد سالم ، وأتى بسيدة من القرية للاعتناء بشئون بيته ، وكانت لا تفعل أكثر من غسل ملابسه وإعداد فنجان القهوة فى الصباح ولم تكن تعرف الطهى ، وإستعان بطباخ يطهو له طعامه ، وتعددت سرقاته ، يسرق نقوده وملابسه ، ويسرق وهو يشترى مستلزمات البيت ، حتى قطعة الصابون لم تسلم من يده فطرده ، وخرجت من بعده الخادمه من البيت ، ولم تعد ، فحرر مذكرة بنقطة بوليس المنيل قيدت تحت رقم 36 فى 14/4/1943 ..<br /><br />إستعان بعد هذه الواقعة بسيدة أرمل ولديها طفلتان وإسمها أم محجوب ( وهى لا محجوب لها ) تقوم بشئون البيت وتطهو له طعامه ثم تذهب إلى بيتها لمراعاة طفلتيها ..<br /><br />* * *<br /><br />فى عام 1945 جاءت شقيقته فاطمة من الريف بصحبة عمه حسين لعرضها على الأطباء فى المدينة لشدة مرضها ، وتركها العم وذهب إلى حال سبيله ، وأقامت شقيقته معه ، وتوقف محمود عن السفر والترحال ، وعن مزاولة التمرينات الرياضية بنادى الجمباز بالمعهد المصرى للرياضة البدنيه ( الإشتراك السنوى ستة جنيهات والإشتراك الشهرى جنيه واحد ) كما توقف عن الجلوس مع أصدقائه بالمقهى ، فكان يخرج من عمله إلى البيت مباشرة لمراعاة المريضة وحتى لا يتركها وحدها ، وكثرت زيارات أعمامه حسين وحفظى ومحمود وترددهم على مسكنه لمعاودة المريضة ..<br /><br />* * *<br /><br />فى أحد أيام صيف عام 1945 جاء عمه عمر من بور سعيد ومعه زوجته وإبنتهما حكمت الطالبة بمدرسة الليسيه لزيارة المريضة والإطمئنان عليها ، وكانت حكمت تلبس رداء محتشما بسيطا مصففه شعرها الطويل فى جدائل وملقى وراء ظهرها ، وهى على جانب كبير من الجمال وبشرتها نقيه وعيناها خضراوين ..<br /><br />إنتهز محمود الفرصة وطلب من عمه إبقاء إبنته خلال فترة الإجازة الصيفيه لتؤنس إبنة عمها المريضة وليستطيع إنجاز بعض أعماله الخاصه ، فوافق العم ..<br /><br />عاد محمود إلى البيت بعد إنتهاء عمله بالمصلحة ليتناول الغداء كعادته ، فوجد تغييراً حدث فيه وأن يدًا جديدة مرت عليه وبجو أنيق ممتع ، وبعد تناول قهوة العصر خرج من البيت ..<br /><br />كان يعود بعد منتصف الليل بقليل ، ويفتح الباب ويدخل فإذا أحس بأنهما لم يناما يجلس يتسامر معهما ويحكى عن سفرياته فى الداخل والخارج ، ويتحدث فى هدوء وإتزان ويصف ما شاهده فى أوربا وحكمت تستمع إليه فى شغف ومأخوذه بحلاوة حديثه ، وتنصت ، وتنظر إليه نظرة إكبار وإجلال ، وحينما يشعر أن النوم بدأ يداعب أجفانهما ، يتركهما ويذهب إلى غرفته ليقرأ أو ينام ..<br /><br />كان البيت وما حوله هادئاً ، فكانت حكمت تسلى وحدتها فى الوقت الذى كانت تنام فيه المريضة ، تتصفح المجلات وتنظر إلى مجموعة الصور التى جاء بها من البلاد التى زارها حتى تشعر بالنوم ..<br /><br />* * *<br /><br />عاد محمود إلى البيت ليلا ، فى غير ميعاده ، مبكراً قليلاً ، فوجد ابنة عمه ساهرة وحدها ، جالسة أمام المكتب تتصفح إحدى المجلات المصورة ، وحينما رأته قامت ، فأشار عليها بأن يجلسا قليلا ليتحدثا حتى تشعر بالنوم ، فإستجابت ـ وأخذ يتحدث معها ويسألها عن أخواتها ودراستها وبور سعيد وضواحيها وملاعبها ـ سبق له أن ذهب إلى هذه المدينة كثيرا وطاف فى أحيائها ـ ولكنه كلما سألها عن شئ يظهر الخجل عليها وتحس بأن لسانها يقف فى حلقها وترد عليه ردود مقتضبة ، وحينما ينظر إليها تحول وجهها عنه وتتلعثم ، ولما لم تجد مفرا مما هى فيه ، ولإنقاذ نفسها مما أصابها ، تتصنع التثاؤب وتتركه وتدخل حجرة المريضه مدعية غلبة النوم عليها ..<br /><br />وعلى الرغم من أن محمود صادق وعرف الكثير من الأجانب والمصريين فى شرق البلاد وغربها أثناء إقامته بالبنسيونات والغرف المفروشة لدى الأجانب بالقاهرة السويس والإسكندرية وأثناء تجواله ورحلاته بالخارج ، إلا أنه لم تستطع واحده منهن أن تجذبه إليها ويتخذها زوجة له على مدى الأيام التى إنصرمت من عمره الفائت ، حيث طالت مدة عزوبيته ، وذلك بسبب حبه للأدب وعشقه له اللذين لم يتركا لنفسه مهلة للتفكير فى الزوجة والأسرة ، ولكن ابنة العم لفتت نظره وشدت إنتباهه لأنها لم تنطلق بالقول وتفيض وتثرثر كغيرها من النساء ، ورآها أنها ستكون أصلح زوجة له ، وعزم على ذلك ، ولكنه لم يتخذ أى خطوة عمليه ، وظل مترددا يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، وجاء عمه عمر وزوجته واطمأنا على المريضه ، واصطحبا ابنتهما وإنصرفوا وشفيت المريضة وعادت إلى الريف لترعى شئون بيتها ، وانتقل محمود إلى مسكن آخر بالسيدة زينب والتحقت حكمت بمدرسة راهبات بمدينة الإسماعيلية بعد نقل والدها إليها ..<br /><br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">زواج محمود البدوى</span><br /><br />جاء أحد الأقارب الأبعدين لخطبة ابنة عمه حكمت ، وعلم محمود بالخبر ، وأحس بمجرد سماعه بالألم ، فقد كان يحس بأنه يحتجزها لنفسه ، وفاتح عمه حسين فى أول زيارة له ، وبارك الخطوة وشجعه عليها وآل على نفسه أن يساعده حتى بلوغ غايته ويذلل له كل الصعاب التى تعترض طريق هذا الزواج وإتمامه وخاصة مما يصدر عن والدتها ، وطلب منه تجهيز المهر وأن يكون مستعدَا ، فأجاب محمود من فوره بأنه جاهز ومعد نفسه لهذا اليوم ..<br /><br />* * *<br /><br />قدم محمود إلى عمه عمر فى الإسماعيلية ، وكعادته كان حسن الملبس والمظهر ، وصاحبه فى تلك الزياره عمه حسين ، ورحب والد حكمت بطلب ابن أخيه ، وسمعت حكمت وغمر كيانها السرور الباطن ، ولكن الاعتراضات كانت من جانب والدتها التى دست أنفها فى الموضوع ـ وهذا حقها ـ لسبب فارق السن بينهما ، ولما انطلق العم حسين فى مناقشات معها ، ارتسم الأسى على وجه محمود وعلق بصره بها وجلس صامتا ، ونظر إليه عمه وتبسم واشار إليه وجلسا على كرسيين فى الصالون الأخر يتحدثان ويرقبان عن بعد ما تسفر عنه المناقشات ، وحكمت ترمق أمها فى جانب من خارج الحجرة وتنصت باهتمام شديد إلى الحوار الدائر بينهما ، فقد كانت أمنيتها وسعادتها أن تتزوجه وتعيش معه تحت سقف واحد ، وتتطلع بشغف إلى إنتهاء المناقشات لتعرف النتيجة النهائيه ، ولكن النقاش والحديث استمر إلى الساعات الأولى من الصباح ، وأخيرا حسم العم الموقف وصمم على أنه لا رجعة عن إتمام الزواج بعد موافقه شقيقه والد حكمت ، وانصاعت الأم ورضخت للأمر ووافقت ، وهزت الفرحة قلب محمود ، وأخرج المهر من جيب سترته وسلمه إلى عمه عمر ..<br /><br />* * *<br /><br />رقى والد حكمت إلى رتبه القائمقام ونقل للعمل بالإسكندرية مأموراً لقسم محرم بك ، وفى صباح يوم أثناء وجوده بالقسم دخل عليه أحد العساكر ممسكا بيده طفله صغيره عمرها لا يتجاوز الثمان سنوات وقال له وجدناها ليلا فى الطريق تبكى ولا تعرف شيئا من أمر نفسها وعلم منها أنها من الفلاحين وتعمل لدى أسرة ضربوها فخرجت إلى الطريق ، فسألها المأمور عن هذه الأسرة وعنوانها واسمها ، فقالت .. معرفشى ، فسألها كانوا بينادوكى بإيه ، قالت .. مبروكه ..<br /><br />وتحرر محضر بالواقعة وتسلمها المأمور وأرسلها إلى البيت إلى حين ظهور من يسأل عنها ( لم يسأل عنها أحد ) وظلت فى البيت مع الشغالين ( طباخ أسمر اسمه محمد من أسوان ومعه شقيقه الأصغر حسن وعمره سبع سنوات وزايده التى تعتنى بشئون البيت ) ..<br /><br />* * *<br /><br />كان محمود يعشق الإسكندرية وكثير التردد عليها ويقضى فيها ليلته فى البنسيون الذى إعتاد أن ينزل فيه كلما هبط المدينه ، وفى الليل يسير بجوار البحر ويجلس على الشط حالما مفكرا ويمتع بصره بجمال الطبيعة ، وتطيب له الجولة الليلية لأنها رياضة عضلية للجسم ويستطيع أن يتبين جمال المدينة بعد أن تنقطع الرجل ، فكان يعرفها ويعرف كل شبر فيها جيداً ، أسماء الشوارع والبنسيونات واللوكاندات ، بدرجة مذهله ..<br /><br />حرص محمود فىالذهاب إلى عروسه ، واصبح يخرج معها ويرافقه فيها والديها للنزهة ، ومن فرط سعادتها وسعادته كانا يحسان بأنهما فى حلم جميل ، وكانت منبهره بأسلوب تعامله معها وطريقته فى الحديث وبالكلمات الحلوة الجميلة التى يلقيها على سمعها ، وبعد السير على شط البحر يجلسون فى أحد الكازينوهات ، وبعد انتهاء السهرة والعشاء فى الكازينو ، يعودون من حيث أتوا ، ويتركهم ويذهب إلى البنسيون للمبيت ..<br /><br />* * *<br /><br />أخذ محمود فى البحث عن شقة الزوجية بحى مصر الجديدة ـ كانت جميع العمارات بلا إستثناء تعلق يافطة على باب المنزل وفى واجهة الشرفات تشير إلى وجود شقة خالية ، وكان الملاك يحاولون بكل السبل وشتى الوسائل جذب ساكن لها ـ فعثر على شقه فى بناية حديثه ( تقع على ناصيه ) بالدور الثالث بشارع محمد رمزى ( الإمام على سابقا ) نمرة 32 بإيجار شهرى عشرة جنيهات وخمسمائه مليم ، وسر بها كثيرا لأنها فى منطقة هادئه وبها بلكونه واسعه وفسيحه وتطل على شارعين ، وراقه الهدوء ، ويستطيع أن يجلس يقرأ فيها ويكتب ، وكان السكان حوله خليطا من المصريين والأجانب وسر عمه وزوجته بها كثيرا وبموقعها الجميل ، واستأجرها من أول أبريل 1947 ..<br /><br />نقل العفش من تاجر الأثاث إلى عش الزوجية ، وجاء الخدم من عند والدها بالإسكندرية ، وأشرف بنفسه على تنظيم الغرف وإعداد الفرش ولم ينس الحجرة الخاصة بالضيوف لمن يهل عليه من الأهل ، وتحدد يوم الزفاف بفيلا عم العروس المستشار محمود بالجيزه يوم 19 مايو 1947 .<br /><br />حينما علم الخادم الصغير الأسمر ومبروكه اللذين يخدمان عند والد العروس ، بزواجها وإنتقالها إلى القاهرة ، بكيا ، وأصرا أن يسافرا ويكونا معها وفى خدمتها ـ كانا يحبونها حبا خالصا ـ وأبدت العروس رغبتهما لمحمود فلم يمانع وعرض عليها ـ إن شاءت ـ الإبقاء على أم محجوب التى تطهو له طعامه وتعنى بشئون البيت ، فرحبت ..<br /><br />كان بالشقه صندره فسيحه أعلى الحمام يتم الصعود إليها بسلم خشبى متحرك من المطبخ وبها شباك ، وضع فيها فرش ومراتب وأعدت لتكون مكانا لنوم الشغالين ..<br /><br />* * *<br /><br />جاء اليوم المحدد للزفاف وقصرت الحفلة على عدد قليل من الأهل والأقارب الموجودين بالقاهرة ، لأن الأسرة لم تزل فى فترة حداد على والد محمود الذى توفى عام 1941 ، ولم تكن بالحفلة دفوف تدق وموسيقى تصدح ومطرب يغنى أو راقصة تحيى الفرح ولمبات تضاء للزينة ، وفى المساء وصل المأذون من قرية الأكراد ، وتم العقد ( مسجل بوثيقة الزواج أن الصداق قدره 700 جنيه مصرى حالا ومؤجلاً والحال منه مبلغ 350 جنيها ) وبعد تناول العشاء هنأ الحاضرون العروسين وإنصرفوا وإصطحب محمود عروسه فى سيارة خاصة قامت بجوله فى أنحاء القاهرة ..<br /><br />غادر المأذون الحفل بعد العشاء ، وذهب إلى أقاربه المقيمين بحى روض الفرج ، وأثناء سيره هناك اعترضه بعض اللصوص وجردوه من ملابسه ونقوده ، وكانوا رحماء به بأن تركوا له دفتر إثبات الزواج ..<br /><br />* * *<br /><br />بعد حفلة العرس ، قضى محمود الأسبوع الأول من الزواج بالبيت ، وكان أول من يستيقظ من النوم فى الصباح ، ويستهل يومه ببعض التمرينات الرياضية ويحلق ذقنه ويأخذ حماما سريعا بالمياه الطبيعية دون تسخين فى الصيف لينشط ، ويقرأ بعض آيات من كتاب اللّه ، وتقوم زوجته وتقدم له فنجان الشاى وتعد له طعام الأفطار ، وبعده يعد لنفسه فنجانا من القهوة يصنعه بنفسه ويخرج إلى عمله ..<br /><br />تترقب زوجته عودته من العمل للغداء ، وكانت الفترة التى تعقب الغداء ثقيله على نفسه ، فيستريح ساعة أو ساعتين وفى الأصيل يستمع إلى الموسيقى ويخرج من البيت إلى نادى الجمباز لمزاوله بعض التمرينات الرياضية أو يذهب إلى مقهى بور فؤاد بشارع فؤاد ، فقد كان لا يقابل أحدًا من أصدقائه فى البيت عدا المقربين إليه من أصدقائه الأولين وكان يحرص على ألا يزوره أحد فى مكتبه بالمصلحة ، لأنه ليس مكانا لزيارات الصحاب والأصدقاء وكل مقابلاته تكون فى المقهى ، ويعرف الصحاب المكان الذى اعتاد الجلوس فيه من المقهى ، يشرب القهوة يطالع أو يكتب .. يقول الأديب يحيى حقى رحمه اللّه بصحيفة الأخبار فى 19/2/1986 " كنت أذهب لزيارته وهو موظف بوزارة الماليه ، فأجد على وجهه إمارات الصبر والخشوع ، وكان ذلك فى الخمسينيات تقريبا " ويقول صديق عمره عاشور عليش بمجلة الثقافه ـ عدد نوفمبر 1978 ـ " كنت أزوره فى مقر عمله فلا أجد ورقه واحده على مكتبه ، فقد أنجز الرجل عمله كاملا فى الساعات الأولى من الصباح ، الأمر الذى أدهش رؤساءه الكبار وجعله دائما موضع التكريم والاعتبار ـ وقبل الرؤساء الكبار ، حظى محمود بحب الأرامل واليتامى الذين كان فى خدمتهم دائما والذين يذكرونه بالخير والدعاء حتى اليوم .. إذ وجدوا فيه شيئا فريدًا لن يتكرر ، كان يستشعر مآسيهم باحساس الأديب وقلب فنان " ..<br /><br />وكان محمود أثناء جلوسه فى المقهى يتطلع إلى الوجوه ويشاهد الحياة تجرى أمامه ، ( وفيها ينسى العمل الروتينى الذى يقوم به فى المصلحة ) ثم يحمل كتبه وأوراقه ويستأنف تجواله فى المدينة يستعرض ما فى واجهات المتاجر من ملابس وعطور وأدوات الزينة ، ويرى وجوه السائرين فى الشارع والمارين أمامه ، ثم يركب المترو إلى البيت ، أو يتخذ طريقه ماشيا على الأقدام ، وتطيب له هذه الجوله الليلية ليفكر ويتأمل فيما حوله ، وقد يجد أثناء سيره فى الطريق بعض المشاهد التى تعذب نفسه فتزيده سخطا ، ولا يجد متنفسا لها غير صبها بالكتابة ( غلمان الشوارع يجمعون أعقاب السجاير ـ السكارى والمعربدون ينسلون من الحانات ـ الإنجليز السكارى يصخبون ويعربدون ويتعرضون للاهالى ويشتبكون معهم ) ..<br /><br />بعد العشاء ينام إذا أحس بالنوم أو يظل ساهرا ويستغرق فى المطالعة ـ كان مغرما بالإطلاع على ما هو جديد وما يدور فى الإنسانية من أحداث ـ غافلا عمن حوله ، ويستلقى بعدها فى ثبات عميق ..<br /><br />* * *<br /><br />إذا أرادت زوجته شراء بعض الأشياء اللازمه للبيت أو النزهه ، تمر أمام القهوة فى وقت معين متفق عليه ، وحينما يبصر بها ينهض من مقعده وينطلق فى إثرها ، ويمضى معها يسيران أمام الفاترينات مستعرضين الحوانيت ، وبعد الحصول على حاجتها ، يذهبان إلى السينما أو الكازينو وهى مسرورة فرحة وبعد أن يتعشيا يركبان المترو أو سيارة أجره إلى البيت ..<br /><br />وكانت زوجته تحيط بيتها بجو من الهدوء المطلق ، وكان هذا الهدوء يحبب إليه الإقامه فيه جانبا كبيرا من النهار والليل ، فيجلس فى الشرفه يستمتع ويمتع بصره بما يحيط به من المناظر يحمله على التأمل ويكتب ..<br /><br />* * *<br /><br />كان بيته محطة للقادمين من الصعيد من الأهل والأقارب ، وإذا أصاب زوجته مرض إنتشر خبر مرضها فى الأسرة ويزدحم المنزل بالرائحين والقادمين ويصبح البيت كخلية النحل ، ويظل فى الليل ساهرا بجانب فراشها وحينما يمن اللّه عليها بالشفاء ، يخرج معها للنزهة لتسترد كامل صحتها ..<br /><br />* * *<br /><br />يخرج من غرفته ليلا بعد أن ينام جميع من فى البيت ويتجه إلى المطبخ ليصنع لنفسه فنجانا من القهوة ، فإذا وجد اللمبه ( لمبة جاز ) مشتعله تحت دماسه تدميس الفول يطفئها ويعود إلى مكانه من غرفته وكأنه ما فعل شيئا ، وحينما تصحو زوجته فى الصباح لتجهيز الإفطار تفاجأ بانطفاء اللمبة فتعتقد أن الهواء أطفأها ، ولما تكررت عدة مرات ، سألت محمود ، فطلب منها أن يكون إشعال اللمبة وعمل الفول نهاراً ، أما فى الليل فقد يحدث حريق دون أن يحس به إنسان ..<br /><br />* * *<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الابنـــــة الأولى</span><br /><br />يحرص محمود على راحة زوجته وجلب المتعه والهناء لها ، فكان يذهب معها إلى الإسكندرية من حين إلى حين لتزور أهلها ويقضيا هناك أياما ، وحينما كانت زوجته فى الشهور الأخيرة من الحمل ، رافقها إلى والديها لتكون بينهما وبين أخواتها ولتضع هناك أول مولود لها ، وظل يتردد عليها ويخرج معها للنزهة ، ثم يتركها فى وقت متأخر من الليل ويذهب إلى الفندق للمبيت فيه ( رغم أن والدها مقيم بفيلا مكونة من ثلاث طوابق فى منطقة مصطفى باشا ، ولأنه بطبيعة تكوينه لا يحب أن يثقل على أحد حتى ولو كان عمه أب زوجته ) ويأتى إليها فى صباح اليوم التالى مدة وجوده بالإسكندرية ، وحينما يتركها ويعود إلى القاهرة لظروف عمله ، كان يتصل بها بالتليفون فى الساعة السادسة والنصف صباحاً قبل الخروج إلى عمله ..<br /><br />فى اليوم الذى شعرت فيه زوجته بأنها على وشك وضع حملها كان موجودًا معها وطلبت منه أن لا يتركها وحدها ، وظل بجوارها ، وفى الساعة الحادية عشر مساء أحست بآلام الوضع ، فأيقظ والدتها من النوم وقام بنقلها إلى المستشفى اليونانى ( حجز لها جناح طوال مدة إقامتها بالمستشفى ) وأنجبت أول مولودة لها يوم الأربعاء 21 سبتمبر 1949 وسماها ليلى ، وظل مقيما معها بالمستشفى مدة عشرة ايام وفى أثنائها ذهب إلى شركة نادلر للحلويات وجاء بعلب الملبس ووزعها على المرضى والممرضات والعاملين بالمستشفى الذين قاموا باحياء حفل السبوع للمولوة ، وحينما رجعت زوجته بالرضيع إلى البيت ذبح محمود الذبائح وقام بتوزيعها وظل فترة من الزمن على ذلك حينما يحين موعد عيد ميلاد إبنته ..<br /><br /><br /><br />كثيرا ما كان يصطحب زوجته وإبنته إلى الإسكندرية وبعد زيارة والدى زوجته يصطحبهم إلى الكابينه الخاصة على البحر بمنطقة جليم ، ويلبس المايوه ويجلس على الشط مدة وينطلق يعدو فى نشوه وتجرى إبنته وراءه كالجرو الصغير ثم يحملها على كتفيه وينزل بها الماء وهى فرحة جذله ويخرج بها على الشط ، وفى الكابينه يسلمها لأمها ويعود ينزل البحر ويغطس فى الماء ، وبعد قضاء النهار يصطحب ابنته وزوجته للمبيت فى الفندق ..<br /><br />كانت زوجته تعتنى بالخدم ومظهرهم ولكل منهم عمل ، وجئ بمربية يقتصر عملها على العناية بالطفلة ومراعاة شئونها ، والخادم الصغير حسن يلبس جلبابا أبيض ويربط فى وسطه شريط أحمر وعلى رأسه طاقية بيضاء ، وعمله مقصور على شراء الأشياء الصغيرة من السوق ، فكان يخرج فى الصباح لإحضار طعام الإفطار ينطلق يعدو ويعود بنفس السرعة وتبهره مجلة البعكوكة فيشتريها بقرش ويخفيها بين ملابسه ، ويدخل الحمام الإحتياطى ويغلق الباب يتصفح المجلة ( رغم عدم معرفته للقراءة ) وقد حباه الله بذكاء فتعلم القراءة وحده دون معلم ، وتغير وتبدل حاله ، فأصبح يخرج فى الصباح ليأتى بالإفطار ويعود قرب الظهر ، وفى أغلب الحالات يكون ممسكا بالسلة فارغة كما خرج بها ويعول والسبب أن النقود ضاعت منه ..<br /><br />فى أحد الأيام أثناء سير محمود فى الطريق إلى عمله شاهد الخادم فى الحديقة العامه وحوله بعض الصبية يستظلون تحت ظل شجره والسلة موضوعة فى جانبه ويقرأ لهم من مجله البعكوكة ( كان ينسى نفسه وينسى طلبات البيت ، وحينما يفيق إلى نفسه لا يجد النقود ) ..<br /><br />كان جسمه ينمو سريعا ويزداد كل يوم طولاً ، وجاء شقيقه من الإسكندرية وأخذه معه إلى أسوان لرؤية أمه بعد فوات سنين وهو بعيد عنها ، وسافر ولم يعد ، ولكنه عاد بعد مدة من الزمن ، كزائر ، وقد فرع طوله وعمل فى إحدى الهيئات الكبرى بالقاهرة ولم ينقطع عن زيارتهم ..<br /><br />حدث أن تعطل الجرس الكهربائى فى البيت ولما جاء قام بإصلاحه دون الإعتماد على السلم ، ففرح محمود من عبقريته ، وأتت زوجته بنجفة كريستال جديده ، ولما جاء حسن قام بتركيبها ..<br /><br />وفى أحد ليالى أيام شهر رمضان كان محمود يجلس مع زوجته وابنته فى البلكون ، سمعوا دويا هائلا وإنفجارًا رهيبا أعقبه ظلام تام فى البيت كله ، فقد سقطت النجفة ..<br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">إصابة محمود البدوى فى حادث<br /></span><br />فكر محمود فى شراء سيارة صغيرة يستخدمها فى سفرياته الكثيره ، وفى 4/5/1951 إشترى سيارة ملاكى جديدة ماركة فولكس واجن موديل 1951 لونها أخضر من شركة النقل الميكانيكى بالقاهرة بمبلغ خمسمائه وستين جنيها وواظب على شراء مجلة إسمها الموتور وتصدر كل اسبوعين عن دار المطبوعات الحديثه وتتضمن إرشادات لقائدى السيارات لصيانة السيارة وإصلاح الأعطال البسيطة المحتمل حدوثها أثناء السير وموضوعات أخرى وكان سعيدا باقتنائها ، ويجلس فى مقعد القيادة وبجواره زوجته وإبنته وينحشر فى المقعد الخلفى الشغالين ويقوم بجوله ، وسافر بها كثيرا إلى الأسكندرية وأسيوط والبلاد الواقعه بينهما ..<br /><br />* * *<br /><br />فى أحد أيام شهر مارس وتحديدا صباح يوم 14/3/1952 إستيقظت زوجته وهى شاعرة بألم فى الأذن اليمنى ، وكان الجو شديد الحرارة كثير الغبار ، على خلاف الحالات فى شهر مارس ومضت أم محجوب مسرعة وحملت قليلا من الماء الساخن ووضعت الكمادات عليها ، ولكنها لم تحس بالراحة وازداد الألم وتحاملت على نفسها وارتدت ملابسها<br />وهبطا السلم ومحمود يحمل ابنته وركبوا السيارة وخرج من شارع البيت ، وأثناء السير كانت زوجته تتأوه من الألم وهو ينظر يمنه ويسره على اليفط المعلقة على شرفات المنازل والتى تشير إلى طبيب أذن ليعالجها من علتها حتى وصل إلى ميدان الإسماعيلية ، ولمح لافته صغيرة تشير إلى طبيب أنف وأذن ، فركن السيارة جانبا ، وصعدوا إليه ومحمود يحمل طفلته وكان عمرها سنتين ، وأستقبلها الطبيب وعلى وجهه البشر والإيناس ومد يده وهو يبتسم ، فقد كانت العيادة خالية من المرضى ، وتحدث مع الزوجه ، وشرحت له آلامها ونظر وفحص وعرف السبب ، ونظف الأذن وغسلها وبدأ يزول الألم ، ونزلوا من عنده وركبوا العربة إلى البيت ، ونزلت زوجته وإصطحب محمود إبنته فى جولة بالسيارة ، ولكنه تذكر ميعاد له فعاد بها ، وركب السيارة وحده ومشى ..<br /><br />* * *<br /><br />على حين غره ، وأثناء سيره بالسيارة فى مصر الجديدة إعترضته عربه كبيره تابعة للجيش المصرى قادمة مندفعة من طريق جانبى وصدمته صدمة عنيفة وهشمت سيارته وسحقتها وفرت بعد الحادث دون أن يلتقط رقمها أحد ، وكانت أم الملكة ناريمان فى شرفتها وأول من رأت الحادث ، فصرخت تنادى الحرس للحاق بسيارة الجيش الهاربة ، وإتصلت بالبوليس والاسعاف ، وجاؤا سريعا ، وكان الدركسيون حط على صدره ووجهه يدمى وقد غطاه الدم وحملوه على المحفة وهو غائب عن وعيه بين حى وميت ، وركب معه بعض الحرس ولم يتركوه وحده ، ومضت العربه فى الطريق إلى مستشفى الدمرداش ، وتم إسعافه بعملية نقل دم فى الحال من أحد الحراس المرافقين له والذى تبرع بدمه لعدم وجود دم كاف بالمستشفى فى الساعة التى نقل فيها ولولا هذا لمات ، ووضعت الضمادات على رأسه وصدره وذراعيه ، ونقل إلى الجناح الخاص بحرس القصر الملكى ..<br /><br />فى الساعة الرابعة من مساء ذات اليوم ، رن جرس التليفون بالبيت وكان المتحدث يحمل خبر إصابة محمود البدوى فى حادث سيارة ونقل إلى مستشفى الدمرداش ، ونزل الخبر على زوجته كالصاعقة وصرخت وجاء الجيران يتساءلون ويطمئنون على إبنته التى كانت معه ، وأجريت الإتصالات بعمه بالإسكندرية والأعمام بالقاهرة ..<br /><br />تزاحم الأهل بالمستشفى وأرادوا نقله إلى مستشفى خاص تتولى علاجه ، ولكن الطبيب رفض ذلك بشدة لخطورة حالته على النقل وصرح لهم بالبقاء معه كيفما شاؤا ..<br /><br />لما رجع محمود إلى صوابه وفتح عينيه وجد نفسه ممددا على السرير لايقو على الحركة وحوله أقاربه الأقربين والأبعدين والدموع فى أعينهم ، وظهرت الفرحه على الوجوه بأن وهبه اللّه الحياة ، ثم أخذه النوم ، فجلسوا جميعا فى هدوء ينظرون إليه ووجهه يعبر عن آلامه ، وكثر المواسون والزائرون له ، وأخذت زوجته تلازمه ليلا ونهارًا حتى ظهرت عليه دلائل العافية واراد الخروج من المستشفى على مسئوليته وليكمل علاجه بالبيت ..<br /><br />ومنح من العمل أجازه طويله حتى إسترد فيها عافيته وشفى وبدأ يزاول نشاطه فى المشى والكتابه ..<br /><br />وتحرر عن الحادث الجنحة رقم 757 لسنه 1952 مصر الجديدة ، وباع السيارة بمبلغ 125 جنيها فى 1/6/1952 إلى ورشه جبور السيارات ، ولم يكرر محاولة إقتناء سيارة بعد ذلك أبدًا ..<br /><br />يقول صديقه عاشور عليش فى صحيفة المساء 30/5/1963 " أذكر أنه فى عام 1950 إقتنى محمود البدوى سيارة صغيرة ، إشتراها لا ليركبها ويقودها داخل القاهرة وإنما إشتراها لهدف آخر بعيد ، هو أن يقوم برحلة بها حول العالم .. ولولا حادث مفاجئ أودى بالسيارة وأنقذ منه البدوى بأعجوبة لكان البدوى قد قام برحلة حول العالم بالسيارة ولكن إرادة اللّه شاءت أن يقوم بها بالطائرات والبواخر "<br /><br />* * *<br /><br />عاد محمود إلى الخروج للعمل ، وفى المساء يصنع لنفسه القهوة ( بن تقيل وسكر خفيف ) ويرتدى ملابسه كاملة ويجلس فى البلكونة وأمامه ترابيزة عليها لمبة مكتب ضوئها خافت ودورق مياة وكوب وأقلام رصاص وأستيكة ، ويكتب ، وتدخل عليه إبنته قبل الذهاب إلى النوم ، فيترك ما فى يده ويداعبها ، ويربت على خديها ويضمها إلى صدره ، وحينما تشعر بالنعاس ، تشرب من المياة الموضوعة أمامه وتنصرف إلى حجرتها لتنام ، وذلك إذا كان الوقت صيفا ، وأما فى الشتاء ، فيجلس فى حجرته بجوار الشباك يكتب بالقلم الرصاص وقد يحمل حقيبته وبها أوراقه واقلامه ويخرج إلى كازينو بميدان تريومف يكتب أو يقرأ إذا كان الجو لطيفا ..<br /><br />ويقول تبارك بمجلة الفن الصادرة فى يوم الإثنين 4 يوليه 1955 تحت عنوان كيف يكتبون فى الصيف .. " وفى أقصى مصر الجديدة يعيش الأديب الأستاذ محمود البدوى ..<br />ومحمود البدوى لا يكتب فى الصيف إلا إذا توافرت شروط خاصة منها .. أن يكون مرتديا ملابسه كاملة ولابد أن يجلس كذلك فى مكان يستطيع منه مشاهدة السماء .. ثم يبدأ فى الكتابه ..<br /><br />وفى الصيف لا يجد الأستاذ البدوى مكانا أصح للكتابة فى منزله .. من " البلكون " فيجلس على مقعد مريح وأمامه منضدة عليها أوراقه وبعض الأقلام الرصاص التى تعود دائما أن يكتب بها .. وعلى المنضده " لمبه مكتب " ينبعث منها ضوء هادئ .. ويظل الأستاذ البدوى غارقا فى الكتابة ولا يفيق إلا عندما تأتىابنته " ليلى " لتستعير منه قلم رصاص أو أستيكه .. أو لتشرب من ماء الدورق الذى أمام والدها .. فإن المياة التى أمامه .. تختلف فى نظر ابنته عن بقية أنواع المياة الأخرى ..<br /><br />وعندما يضيق الأستاذ البدوى ذرعا بابنته .. يحمل أوراقه وأقلامه الرصاص .. ويجلس فى أقرب كازينو من منزله .. وبعد ساعات يعود إلى منزله .. ويجلس فى مكانه المعتاد ليواصل كتابته من جديد بعد أن ينام جميع أفراد أسرته ، وبقدر مدة نومه بعد الظهر .. تطول أو تقصر مدة كتابته .."<br /><br />* * *<br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الابنة الثانية<br /></span><br />حملت زوجة محمود للمرة الثانية وكان والدها نقل للعمل فى قنا وترك لابنته خادمته زايده لترعى شئونها خلال فترة الحمل ( رغم وجود أم محجوب ومبروكة ونعناعة التى تعتنى بابنتها ليلى ) ..<br /><br />وفى حوالى الساعة الحادية عشر من مساء يوم 31/12/1953 شعرت بقرب وضع حملها ، فاتصل محمود تليفونيا بعيادة الطبيب وبالمستشفى فلم يجده فإتصل ببيته وأخبرته الخادمة بأنه يقضى ليلته فى سهره بالهرم ، فرجاها أن تتصل به وتخبره بالحالة وجاء الطبيب بسيارته سريعا ونقلها إلى مستشفى الدكتور مظهر عاشور وهيأ لها جناحًا خاصا ، وتمددت على السرير ، وظل محمود بجانبها ، ولما إقترب ميعاد الوضع حملوها على عربة صغيرة إلى جحرة الولادة ، ومرت دقائق الانتظار قاسيه وشديدة الوقع على نفسه ( لم يكن معه أحد فى ذلك الوقت ) ..<br /><br />جاءت فاطمة الابنة الثانية مع خيوط فجر الأول من يناير 1954 ( وضاعت حفلة رأس السنة على الطبيب ) واتصلت الخادم زايدة بالتليفون من البيت باللواء عمر فى مديرية قنا وقالت له " الست حكمت بتولد وراحت المستشفى دلوقتى هى وسيدى محمود " فاتصل سريعا بأخواته الموجودين فى القاهرة اللواء حفظى والمستشار محمود وحسين وأعلنهم بالخبر وجاء هؤلاء إلى المستشفى ووجدوا زايده أمامهم وعنفوها لعدم الإتصال بهم ، فقالت .." أنا معرفشى النمر بتاعتكم ، أعرف نمرة سيدى عمر بس " وجاء والدها ووالدتها ..<br /><br />إرتبك الحال فى المستشفى فى اليوم الثالث وامتلأت بالزهور وبالزائرين من أعضاء مجلس قيادة الثورة ، اللواء محمد نجيب .. جمال عبد الناصر .. صلاح سالم .. جمال سالم .. وأقاربهم من السيدات وازدحمت طرقة المستشفى بالرجال والسيدات .. جاؤا لزيارة كمال الدين حسين الذى كان فى الحجرة المجاورة وأجريت له عملية الزائدة ..<br /><br />فتحت أم حكمت الاستراحة الملحقة بالجناح وأدخلتهم ، جلسوا فيها ورحبت وقدمت لهم الشيكولاتة ، وكان محمود سعيدا بأن من اللّه عليه بالإبنة الثانية ..<br /><br />* * *<br /><br />كان محمود يصطحب ابنته ليلى فى الصباح للذهاب بها إلى المدرسة قبل الذهاب إلى العمل وفى العوده يمر عليها ويصطحبها إلى البيت ، وحبه الشديد لإبنتيه وتعلقه بهما كان له تأثير شديد على حياته ، ومن شده حرصه عليهما وعلى مستقبلهما ، علمتاه الخوف ، الخوف من السجن والإعتقال والتعذيب ، ولذلك نأى بنفسه عن السياسة ، فهناك فرق كبير ، كما يقول ، بين الوطنيه والسياسة ، فحب الوطن فى لحمه ودمه وعظامه أما السياسة فقد كرهها وكره مشتقات الكلمه ولعنها كما لعنها وكرهها الإمام محمد عبده ..<br /><br />وكانت إبنته الكبرى تجمع طوابع البريد وتنزعها من على الخطابات التى ترد إليه قبل وصولها إلى يده باستثناء القليل منها التى لم تقع تحت يدها حتى تجمعت وتكونت لديها على مدى السنين مجموعة كبيره جدًا جدًا من مختلف أنحاء العالم ..<br /><br />كان لا يحب الاختلاط ويتوق إلى الوحدة وقد أثر ذلك على إبنتيه ، وفى ذلك يقول .. "مع أننى تثقفت وخالطت الأجانب وسافرت كثيرا إلى الخارج ودرست الآداب الأجنبيه وترجمت بعضها .. إلا أننى شديد الحفاظ على مصريتى وتقاليدها وصعيديتى أيضا التى لا أتجرد منها أبدًا .. لأننى أجد فى جوهرها الحقيقى الكثير من القيم النبيلة ، التى لا تقل بحال من الأحوال عن المثل الأوربية ..<br /><br />لقد ولدت ابنتاى فى القاهرة ، ومع ذلك لم أرد لهما الإختلاط الزائد عن حده .. الذى أصبح يتسم به المجتمع .. ولذلك لم تنضما إلى ناد من النوادى الكبيرة .. وإنما كان إختلاطهما فى حدود محيط الأقارب والأصدقاء الخلص فقط .. مما يتمشى مع تربيتى الريفية "<br /><br />* * *<br /><br />كان محمود يجلس يكتب أو يقرأ فى كازينو النزهة بميدان تريومف ، ويشاهد العمارة الضخمة التى تقيمها المنتجة آسيا أمام الميدان وأعجب بموقعها الفريد والمتميز وإستأجر فيها شقة بالدور الرابع وتطل واجهتها على الميدان وعلى شارع عثمان بن عفان مقابل أجرة شهرية مقدارها ستة عشر جنيها فى 28 مايو 1956 ..<br /><br />ويقع الكازينو على الناصية الأخرى المواجهة للبيت ، ومفتوح من جميع الجهات ، وقد يكون فى صحبته صديقيه عاشور عليش وسعد حامد يجلس كل منهم يقرأ أو يكتب ، وإبنته الكبرى لا يغمض لها جفن حتى تأخذها مربيتها إلى الكازينو لتحية والدها قبل النوم ، فيأخذها بين يديه ويداعبها ، وقد ينضم إلى صحبته الأصدقاء أمين يوسف غراب وهلال شتا ومحمد على غريب ، ثم تنفلت ابنته وتقوم بدوره بين الموائد ، وبعد اللف والدوران قليلا ، تلقى تحية المساء على والدها والموجودين معه وتعود مع مربيتها إلى البيت لتنام ..<br /><br />* * *<br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">تغيير الإسم<br /></span><br />محمود البدوى لم يكن هذا اسمه ، واسمه المكتوب بشهادة الميلاد هو محمود أحمد حسن عمر المولود ناحية الإكراد مركز أبنوب مديرية أسيوط ..<br /><br />قام بتغيير هذا الإسم إلى محمود البدوى ، ونشرت جريدة أبو الهول ( جريدة يومية سياسية جامعة ) يوم الثلاثاء 29 يناير 1957 بالعدد رقم 9223 إعلانا يقول :<br /><br />" تعلن وزارة الصحة العمومية أن محمود بن أحمد حسن عمر المقيم بميدان النزهة رقم 7 تبع قسم مصر الجديدة يرغب فى تغيير إسمه إلى محمود البدوى المشهور به ..<br /><br />فالمعترض يتقدم للوزارة خلال خمسة عشر يوما .<br />مدير قسم الإحصاء<br /><br />***<br />واستخرج شهاده ميلاد فى 9/6/1957 بالإسم الذى تم تغييره ومسجل فيها " صدر قرار اللجنة بتاريخ 28/2/1957 بتغيير الإسم إلى محمود البدوى أحمد حسن عمر بدلاً من محمود أحمد حسن عمر بدون التعرض لإسم الوالد بالكتاب رقم 341 فى 4/3/1957" كما قام بتغيير إسمه فى جميع الأوراق والمستندات الرسمية ..<br /><br />فى نهاية عام 1957 سافر إلى الهند والصين واليابان فى بعثه ثقافية تضم نخبه من أساتذه الجامعات ورجال التعليم فى مصر ، وقبل السفر توجه فى 17/10/1957 إلى شركة يونيون للتأمين ضد خطر الطيران والحوادث التى تنتج عنها الوفاة خلال رحلته من القاهرة إلى الصين واليابان والعودة منهما فى المدة من 20/10/57 وحتى 20/12/57 لصالح زوجته وإبنتيه بمبلغ (5000 جنيه) خمسة آلاف جنيه ..<br /><br />***<br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">حياة البدوى الوظيفية<br /></span><br />استمر البدوى فى العمل بوزارة الماليه منذ التحاقه بها فى 12 / 3 / 1932 ولم يطلب نقله للعمل فى وظيفة اخرى لها صلة بالآداب وفنونه مثلما فعل زملاء آخرين له من الأدباء ، وكان راضيا قانعا بوظيفته إلى أن احيل إلى المعاش لبلوغه سن الستين .<br />وحياته الوظيفيه كما سطرها بخط يده<br />تاريخ الالتحاق بالعمل<br />12 / 3 / 1932<br />تاريخ التثبيت<br />1 / 9 / 1934<br />تاريخ العمل بحسابات الحكومة<br />9 / 2 / 1938<br />تاريخ الترقية إلى الدرجة السادسة<br />1 / 11 / 1949<br />تاريخ الترقية إلى الدرجة الخامسة<br />1 / 12 / 1954<br />تاريخ الترقية إلى الدرجة الرابعة<br />1 / 3 / 1958<br />تاريخ الترقية إلى الدرجة الثالثة<br />30 / 3 / 1961<br />تاريخ الترقية إلى الدرجة الثانية<br />29 / 11 / 1962<br />وشغل وظيفة مراقب عام بوزارة الخزانة<br /><br />***<br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الأيام الأخيرة<br /></span><br />أصيب البدوى بقصور فى الدورة الدموية للقلب ، ورغم ذلك ظل يكتب ، وكان يشعر بالانقباض والتشاؤم من توقف الساعة المعلقه فى صالة البيت ، ويطمئن بعد تحرك بندولها ، ويفكر فى الموت كأمر حتمى يقع لكل إنسان ..<br /><br />وقال للأديب محمد جبريل فى الحوار الذى اجراه معه ونشر بمجلة السياسة الكويتية بعددها الصادر 16 / 2 /1986 « يشعر دائما بأنه سيموت فى الشارع مثلما مات إدجار ألان بو .. صحيح أن الموت واحد ، ولكن الفارق الوحيد بين شبح الأديب الأمريكى ، والشبح الذى أراه ، أن بو وجد كرسيا فى الشارع مات فوقه ، أما أنا ، فلم أشعر أنى سأجد حجرا أرقد عليه » ..<br /><br />وكانت آخر رحلة قام بها فى 6 / 6 / 1984 إلى الأراضى المقدسة وحينما عاد من هذه الرحلة بدأ يكتب القصة الدينية ، فكتب قصة سماها « الطوق » وتحكى قصة سيدنا موسى منذ ولادته أيام فرعون وحتى ذهاب الرئيس السادات إلى القدس « لم تنشر » والقصة الثانيه باسم « المعراج » وكان لا يتخلف عن حضور لجان القصة بالمجلس الاعلى للثقافة وتقول صوفى عبد اللّه « .. أخر مرة كان يجلس أمامى فى الاجتماع منذ 3 أسابيع واثناء جلوسه تدفق الدم من أنفه فوضع منديله عليه ولم يتكلم وعدت به إلى منزله وانا فى غاية الاضطراب »<br /><br />ويقول رستم كيلانى بذات الجريدة « إتصل بى تليفونيا يشكرنى على سؤالى عنه وهو مريض بالرغم من أن الاطباء كانوا ينصحونه بعدم الكلام » ..<br /><br />وجاءت ابنة عمه هدى ، جاءت من الخارج لزيارته ، ووجدت الطبيب معه يطمئنه عن حالته فقال له إنى أرى<br />الموت أمام عينى ، وبعد بضعة أيام قليلة .. ! إنتهى ، إنتهى فى يوم الأربعاء الثانى عشر من شهر فبراير سنة 1986 بمنزله ونقل جثمانه إلى قريته ـ الاكراد بمحافظة أسيوط ـ حيث دفن بمقابر الأسرة بالجبل الغربى ..<br /><br /></strong></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-60832418293409042592006-12-27T15:36:00.000-08:002006-12-27T15:37:33.992-08:00البـــــــــاب الثـــــــــــــانى ـ ذكريات محمود البدوى وأحاديثه الصحفيةalyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-23000271113238673132006-12-27T15:27:00.000-08:002006-12-27T15:31:56.180-08:00ص 2 ذكريات محمود البدوى فى الأدب والحياة<div align="center"><br /><strong>(1)<br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">صفحة من حياتى<br /><br />بقلم : محمود البدوى</span><br /><br /><br />وصلت إلى مرحلة من حياتى أجد فيها نفسى مسوقة بدافع من الواجب المريح للنفس إلى الحديث فى ايجاز عن الأساتذة والصحاب الذين ساعدونى فى مستهل حياتى الأدبية على النشر وفتحوا أمامى الآفاق ..<br /><br />وهذا بعض الاعتراف بالجميل .. قبل أن أعجز حتى عن الشكر والوفاء ..<br />***<br /><br />نشأت فى قرية صغيرة بقلب الصعيد تقع على النيل مباشرة وقريبة من الخزان .. فى جو تتجلى فيه الطبيعة بأجمل مظاهرها .. الماء والخضرة ويسوده الهدوء .. فعشت عيشة هادئة لم يعكر صفوها أى شىء ..<br /><br />وأحسست بالحزن لأول مرة فى حياتى عند موت والدتى ، وكنت فى السابعة من عمرى ، ولأن جنازتها كانت مفجعة .. كرهت من بعدها كل الجنائز وحتى الأفراح ، كرهت كل التجمعات ..<br /><br />ولم أشعر بزوجة الأب فى حياتى ، لأنى لم أحس بوجودها قط ، ولذلك لا أثر لها فى قصصى ..<br /><br />ولكن فقدان الأمومة وحنانها ، يظهران من حيث لا أشعر ، فى بطلات القصص وغالبيتهن فى سن الثلاثين ..!<br /><br />وليس فى أسرة والدى من تعلق بالأدب من قريب أو بعيد ، ولكن أسرة والدتى فيها أكثر من أديب عشق الأدب إلى حد الوله ..<br /><br />وألفيت نفسى أتجه إلى الأدب ، وأنا فى مرحلة الدراسة الابتدائية .. وكان أستاذ اللغة العربية هو الذى نتلقى عليه حصة الدين .. فبدأ بسيرة ابن هشام فى توسع وفهم .. فحبب إلينا الاستماع والتلهف على ما يأتى من الدروس ..<br /><br />ولما انتقلت إلى القاهرة فى الدراسة الثانوية شغفت بالمنفلوطى .. وكانت العبرات تثير فى مآقينا الدموع ..<br /><br />ولقد سيطر المنفلوطى بروائعه على جيلنا بأجمعه ، وكانت كتبه تتداول بين الطلبة ، وتخفى فى بطون الأدراج ، لتقرأ خفية فى حصص الجبر والهندسة ..<br /><br />وفى نهاية الدراسة الثانوية وبداية الدراسة الجامعية التى لم تتـم .. قرأت الأدب القديم والحديث .. ونوعت وسائل الاطلاع .. وساعدنى على ذلك ذهابى إلى دار الكتب يوميا ..<br /><br />قرأت فى دار الكتب مجلة " البيان " لعبد الرحمن البرقوقى ، وكان يكتب فيها محمد السباعى وعبـاس حافظ والعقـاد والمازنى .. مقالات وترجمات عن أدب الغرب ، فى كل ألوان الأدب وفنونه ..<br /><br />ثم قرأت مؤلفات الزيات والمازنى والعقاد وتوفيق الحكيم وزكى مبارك وصادق الرافعى وطه حسين وعلى أدهم وسلامة موسى وحسين فوزى وشوقى وحافظ وطاهر لاشين وابراهيم الحصرى ويحى حقى ومحمد تيمور ومحمود تيمور ..<br /><br />كما قرأت فى دار الكتب عيون الأخبار وصبح الأعشى والأغانى .. والبيان والتبيين .. ودواوين المتنبى والبارودى وابن الرومى ومهيار ..<br /><br />واستأثر بلبى كتاب الأغانى ، فكنت أطلبه من مخزن الدار فى كل صباح .. وهو الذى أبقانى أثناء عطلة الدراسة الصيفية مقيما فى صالة الدار طول النهار ، لأن الاضاءة كانت معطلة فى الليل ..<br /><br />وكانت الجلسة فى دار الكتب مريحة وتساعد على طول المكوث .. ونسيان المرء أوقات الطعام ..<br /><br />وفى دار الكتب تعلمت من الحكمة المسطرة على الجـدران " كل كتاب تقرأ تستفد .." .<br /><br />فكنت أقرأ كل كتاب يقع تحت يدى حتى ولو لم يكن هو الذى طلبته ..<br />كما تعلمت " وخير جليس فى الزمان كتاب " ..<br /><br />ولقد عشت وحيدا ، ولست اجتماعيا بطبعى .. وقد جعلنى الخجل الفطرى ، أستطيب الوحـدة ، وأحن إليها ، وأنفر من المجتمعات والناس ..<br /><br />ولقد كرهت السياسة ، وكل مشتقات الكلمة ، ولعنتها كما لعنها وكرهها الامام محمد عبده ..<br /><br />ولكن الوحدة وسكنى فى الغرف المفروشة فى القاهرة والسويس ، جعلانى أعيش عن قرب مع خليط غير متجانس من البشر ..<br /><br />وأفادتنى هذه التجارب كثيرا عندما سافرت بعد ذلك إلى الخارج ، وتجولت فى كثير من البلاد ..<br /><br />وكان محمد السباعى وعباس حافظ يترجمان كثيرا من روائع الأدب الروسى .. فشغفت بهذا الأدب الواقعى ، لأنه يصور الحياة بصدق ويصف حياة الانسان المطحون الذى لاحول له ولا قوة ..<br /><br />ثم بدأت أقرأ هذا الأدب مترجما من الروسية إلى إنجليزية من ترجمـة الكاتبة الإنجليزية كونستانس جارنت .. وكانت تحـب الأدب الروسى وعاشت لتنشره بلغتها ..<br /><br />وبهرنى تشيكوف .. ودستوفسكى .. ومكسيم غوركى ، وبهرنى الأخير أكثر لعصاميته وصلابته ، ولأنه شق طريقه فى الحياة بأظافره ..<br /><br />ولكن تشـيكوف كان استاذ كل من كتب القصة القصيرة وتفرغ لها .. ومنـه تعلمـت أن أكتب القصـة القصيرة فى صفحة " هاجر " ( العربة الأخيرة ) ..<br /><br />وعندما صدرت مجلة الرسالة عام 1933 دفعنى عشقى لتشيكوف وحبى لأستاذى الزيات ، أن أترجم لتشيكوف قصة .. فترجمـت قصـة " الجورب الوردى " فنشرها الزيات ونشر غيرها ..<br /><br />وبعد رحلة طويلة إلى أوربا الشرقية .. على متن باخرة رومانية .. وعلى الظهر " الدك " بسبعة جنيهات مصرية ذهابا وايابا ـ ولكنى لم أنم على ظهر السفينة ، فقد استأجرت " قمرة " بحار فى السفينة طول هذه الرحلة بجنيهين ـ وكنت أنزل إلى القاع وأختلط بالبحارة والوقادين وهم يجرفون الفحم ويغذون النار " كانت كل المراكب فى وقتها تدار بالفحم " ويقصون علىّ حياتهم فى البحار ..<br /><br />ورجعت من الرحلة فكتبت قصة " الرحيل " 1935 ثم " رجل " 1936 وفى مجموعة رجـل قصة اسمها " الأعمى " فتوجهـت ومعى الكتاب إلى الرسالة لأنشر عنه اعلانا صغيرا فى المجلة .. وتناول أستاذى الزيات الكتاب الصغير فى يده .. وقلبه .. فلما وقع نظره على هذه القصة .. سألنى عنها .. ووجد فيها جديدا . وطلب منى نشرها فى الرسالة .. ونشرها فعلا على عددين ..<br /><br />ولقد لمست صفات هذا الرجل الكريم وقلبه .. لما حدثنى بعد ذلك عن كل المكالمات التليفونية التى تلقاها اعجابا بهذه القصة ..<br /><br />وشجعنى بهذا وفتح قلبى على مواصلة الطريق .. فأخذت أتابع النشر فى الرسالة .. وانقطعت عن الترجمة لأنى وجدتها ستقتل موهبتى ..<br /><br />وطبعت كتب الرحيل .. ورجل .. وفندق الدانوب .. والذئاب الجائعة .. والعربة الأخيرة .. وحدث ذات ليلة .. على حسابى ومن قوتى اليومى .. وأنا موظف صغير .. ولم أستفد من هذه الكتب أية فائدة مادية .. بل سببت لى جميعها خسارة محققة ..<br /><br />ولما توقفت مجلة الرسالة بسبب الحرب .. أخذت أنشر فى بعض الصحف اليومية .. وعرفت عاشور عليش وبعده سليمان مظهر وعبد العزبز الدسوقى .. وكان الثلاثة فى جريدة الزمان يشرفون على الصحيفة الأدبية ..<br /><br />وقد قضيت معهم صحبة طيبة عامرة بالنشاط .. فالثلاثة أدباء قبل أن يكونوا صحفيين ، وخلت نفوسهم من العقد ..<br /><br />ومع أنى كنت أنشر فى الزمان من غير أجر اطلاقا .. ولكن وجود هؤلاء فى الصحيفة جعلنى فى أتم حالات الرضى النفسى ..<br /><br />ثم كتبت فى مجلة الجيل .. وكان موسى صبرى رئيس تحرير المجلة ، وفى الوقت عينه رئيس تحرير الأخبار .. وهو أنشط من عرفت فى حياتى من البشر .. ويستطيع أن يعمل عشرين ساعة متصلة .. وعنده خاصية مفردة فى استقبال الناس بوجه بشوش ، ونفس ضاحكة .. مهما كانت متاعبه ..<br /><br />وبمثـل هذه البشاشة الطبيعية والتى تجرى فى دمه استقبلنى وأنا أنشر ..<br /><br />وكنت أقدم له القصة ، وهو فى الصالة الرحبة فى الدار .. فيقرأها وأنا جالس بجواره مهما كانت مشاغله ثم يسقطها على التو فى الشريط النازل إلى المطبعة ..<br /><br />وفى مجلته نشرت مقالاتى عن الصين وهونج كونج واليابان .. ونشروا صورتى مع كل مقالة ..<br /><br />وكنت أكتب هذه المقالات فى مقهى بضاحية مصر الجديدة .. اعتدت أن أقضى فيه النهار بطوله من الثامنة صباحا إلى الخامسة أو السادسة مساء لأسجل كل ما فى خاطرى فى جلسة واحدة .. ثم أنقحه بعد ذلك على مهل فى يومين أو ثلاثة ..<br /><br />وبعد نشر صورتى فى المجلة .. غيرت المقهى لأنى ضقت بنظرات الناس وأسئلتهم ..<br /><br />وفى الفترة التى بعد فيها موسى صبرى عن الدار عرفت حسين فريد وهو انسان طيب دؤوب على العمل فى صمت وأحمل له مودة صامتـة مثل صمته ..<br /><br />وعندما تولى عبد الرحمن الشرقاوى الصفحة الأدبية فى الشعب .. وهو شاعر نابغة وأديب عظيم .. نشرت فى صفحته أكثر من قصة بقلب متفتح .. وقد أهدانى عبد الرحمن الشرقاوى كتابه " أحلام صغيرة " وكنت أود أن أرد له هذا الجميل فى كتابى التالى له مباشرة .. ولكن الاهداء سقط من المطبعة .. ولم أستطع أن أوفيه حقه إلا فى كتاب " السفينة الذهبية " سنة 1971 وهو الذى حمل المخطوط إلى الدار وأنقذنى من ضيق مالى شديد ..<br /><br />ولقد سافرت إلى الخارج فى رحلة طويلة ، سافرت إلى الهند والصين واليابان .. والفضل فى هذه الرحلة إلى يوسف السباعى ومازلت أذكر له هذا الجميل فى أعماق نفسى وسأظل أذكره ..<br /><br />وكذلك الأخ زكى غنيم الذى مازال يحاورنى حتى قبلت السفر ..<br /><br />وأعتقد كما يقول المثل الصينى " ان مشاهدة واحـدة خير من الف كتاب " وهذا حق .. فقد أثرت فىَّ هذه الرحلة تأثيرا بليغا ووسعت من أفق حياتى وزادت من تجاربى .. بل وخلقت منى انسانا جديدا ..<br /><br />وكان غرضى من تصوير المدن وما فيها من نظام وأمانة ونظافة وبهجة .. أن نحتذى ونستفيد ، ولكن مع الأسف هيهات ثم هيهات ..<br /><br />وذات ليلة زارنا د . عبد الحميد يونس فى نادى القصـة بميـدان التحرير ومعه صديقه ورفيقه محمد حمودة .. وطلب من الحاضرين جميعا قصة قصيرة .. لأنه تولى الصفحة الأدبية فى الجمهورية ، وكان ذلك فى سنتها الأولى ..<br /><br />وقد لبيت طلبه بحماسة .. ونشرت " لجنة الشباك " وهى قصة أعتز بها .. ولازالت هذه اللجنة تنخر فى جسم هذه الأمة وستظل تنخر .. واستجاب لطلبه أيضا .. أمين يوسف غراب وعبد الحليم عبد الله .. وسعد حامد .. وغيرهم ..<br /><br />ولقد قضيت مدة طويلة موظفا فى وزارة واحدة ، ومع ذلك فكلما دخلت من الباب كانوا يحسبوننى زائرا ..!<br /><br />ولقد لقيت السماحة والتعاون من كل الذين عملت معهم من الموظفين .. الرؤساء والزملاء .. وكثيرا ما تجاوزوا عن أخطائى .. ولهذا فأنا أحمل لهم دوما ذخيرة من الأخوة الصادقة .. وأبعدتهم عن قصصى عامدا ، لأنه يكفيهم ما يلاقونه من متاعب الحياة ، وأعباء الوظيفة .. وتعقيدات من يصفون أنفسهم بالعبقرية ويفرضون عليهم ..<br /><br />ولقد بدأت الكتابة مع صديق العمر .. هلال شتا .. الذى عصرته الوظيفة فتوقف بعد " الشفق الأحمر " وهى قصص واقعية متفتحة وتدل على مواهب أدبية أصيلة .. وآن لهذه المواهب الكامنة فى أعماق النفس أن تنفجر بعد أن تحرر صاحبها من اسار الوظيفة .. كما آن لهذا النبوغ أن يلقى من يتجاوب معه ..<br /><br />ولابد أن أذكر هنا كل الأساتذة الذين كتبوا دراسات مستفيضة وموجـزة عن قصصى فى الكتب والصحف ، ولم أوفهم حقهم من الشكر ، وبعضهم لم أقابله اطلاقا إلى الآن .. وهذا ما يحز فى النفس ..<br /><br />والذين كتبوا دون سابق معرفة ( وسأذكر الأحياء فقط مد الله فى عمرهم ) ..<br />د . محمد عبد المنعم خفاجى .. ثروت أباظه .. رجاء النقاش .. فؤاد دوارة .. محفوظ عبد الرحمن .. ماهر شفيق .. ماهر خزام ..<br /><br />والذين كتبوا بعد المعرفة حسب الترتيب الزمنى للكتابة ..<br />د . عبد الحميد يونس .. وديع فلسطين .. محمد حمودة .. محمود الشرقاوى .. محمود يوسف .. عبد الرحمن فهمى " كاتب القصة " .. محسن الخياط .. محمد تبارك .. محمد جبريل .. مأمون غريب .. فاروق خورشيد .. فاروق شوشة .. أبو المعاطى أبو النجا .. أدوارد خراط .. سعد حامد .. د . سيد النساج .. نبيل فرج ..<br /><br />وأنه ليثلج صدر كل كاتب قصة قصيرة أن يتفرغ لها أديب ناضج متمكن مثل د . سيد النساج ، فيظل يبحث وينقب فى دار الكتب على مدى ثمانى سنوات متصلة .. ثم يخرج بعمل شامل دقيق يستوفى على الغاية ، ويسجل فيه اسم حتى من كتب قصة واحدة طول حياته ..!<br /><br />وغالى شكرى كتب دراسة متأنية وقيمة دون أن يوجه إلىّ سؤالا واحدا .. ولذلك أدركت مقدار ما بذله من جهد وأكبرته ..<br /><br />وادوارد خراط .. القى ضوءا باهرا ، وهو يحمل فى يده مصباحا سحريا فى قوة قلمه .. وفنه .. فغمرنى فى فيض من الرضى النفسى الذى تشعر به بعد عذاب طال أمده ..<br /><br />وعلاء الدين وحيد .. الذى لم أذكره حتى الآن .. لأنه يخجلنى بكل ما فعله من أجلى .. تفرغ لى بكل طاقته الفنية ، وكل مواهبه .. ليكتب ويبحث فى صمـت .. ولما بينى وبينه من صداقة متمكنة على مدى الزمن ، فهو يبالغ فى ذكر الحسنات ويتجاوز عن السيئات ..<br /><br />وسعد حامد الزميل فى مهنة الشقاء .. والذى يتحرك معى فى نفس الأمكنة بصبر وجلد الفنان .. أرجو ألا يكون حظه فى حياته الأدبية مثل حظى ..<br /><br /><br /><br />=================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت فى مجــلة الثــقافة ـ العــدد 18 ـ مـارس 1975 وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف و ليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر ط 2006<br />=================================</span><br /><br /><br />(2)<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">ذكرياتى<br />فى الأدب والحياة<br /><br />بقلم : محمود البدوى</span><br /><br /><br />رواية " ماجدولين " هى أول رواية قرأتها فى حياتى .. وأعجبت بعد قراءتها بالمنفلوطى اعجابا شديدا .. فقرأت جميع مؤلفاته ..المؤلف منها والمترجم .. وأنا ازداد اعجابا بالرجل وتعظيما له ..<br /><br />وكانت صورة المنفلوطى فى زيه الشرقى الجميل ووجاهته ، تتصدر المكتبات والصحف ، كان ملكا متوجا على عرش الأدب ..<br /><br />وكنت أذهب إلى دار الكتب " بباب الخلق " وأنا مازلت طالبا بالمدرسة السعيدية الثانوية ، لأنى أجد فى الدار ، مكانا هادئا للمطالعة والمذاكرة أحسن من البيت ..<br /><br />وكان قد أعد بها مكان جديد مريح سمى " مكتبة الطالب " يختار فيه الطالب الكتاب الذى يرغب فى مطالعته ، من صفوف الكتب التى حوله فى المكتبة ، حسب تصنيفها .. ويتناوله بيده دون الحاجة إلى كتابة استمارة ، وانتظار الكتاب من المخزن ..<br />وفى سبع حالات من عشر يكون رد المخزن .. لايعار .. بالخارج .. به تمزيق ..!<br /><br />ومع رغبتى الشديدة فى المطالعة كنت أحب الموسيقى .. وذات يوم سألنا الاستاذ الابحر مدرس الرياضة بالسعيدية .. قبل أن يبدأ الدرس :<br />ـ من منكم يود أن يدرس الموسيقى مجانا .. ؟<br /><br />فرفعنا أيدينا فرحين ..<br />ـ أين يا أستاذ ..؟<br />ـ فى معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية .. وعسكر .. يكتب اسماء الراغبين فى آخر الحصه ..<br /><br />فتقدمت مع من تقدم من الطلبه .. وكان الاستاذ الأبحر هاويا للموسيقى ومن أساتذة المعهد ، وكان المعهد فى حاجة إلى معونة سخية من وزارة المعارف .. فرأى أن يضم لفصوله الدراسيه ، بعض طلبه المدارس الثانويه الأميرية .. ليعزر طلب المعونة ..<br /><br />وتتلمذت على أساتذة أجلاء .. مصطفى رضا بك .. وصفر على بك والعقاد الكبير عازف القانون المشهور .. وأمين بك المهدى أعظم عازف على العود فى الشرق ..<br /><br />وكان أمير الشعراء شوقى بك .. يزور الفصول يوميا .. ويقف على باب الفصل صامتا دقيقه واحده وفى فمه السيجار .. وندر ما كان ينطق أو يوجه الينا سؤالاً .. ثم يذهب سريعا كما جاء ..<br /><br />وبعد الدراسة التمهيديه الطويله .. اخترت الكمنجه كآلة .. وكان هذا من سوء إختيارى لأن دراستها صعبه .. وكنت استعد للبكالوريا بكل جهودى فأهملت الموسيقى .. وإنقطعت عن المعهد ..<br /><br />ونجحت فى امتحان البكالوريا ، ودخلت كلية الآداب واتجهت بكليتى إلى الأدب ..<br /><br />وكنت أذهب إلى دار الكتب لأقرأ كل ما يقع تحت يدى من الكتب .. وشغلنى " الأغانى " للأصفهانى عن كل كتاب ..<br /><br />وقرأت الف ليلة وليلة بالإنجليزية .. والمترجم مستشرق كبير .. وكنت أقرأ الكتاب بالعربية أولا ثم أطويه وأبدأ بالنسخة الإنجليزية .. ووجدت نفسى بعد شهور طويلة استغنى عن النص العربى ..<br /><br />وعلى الرغم من أننا كنا ندرس فى البكالوريا وفى كلية الآداب شكسبير ودكنز .. وتوماس هاردى وملتون وجولدسميث .. وجويس .. وغيرهم من الكتاب والشعراء الإنجليز .. ولكن قراءة الكتب المقررة غير القراءة بالاختيار ..<br /><br />فقد اخترت دافيد كوبر فيلد لدكنز .. وصورة دوريان جراى لأسكار وايلد .. والحلم لزولا .. كما اخترت الديكاميرون والهيبتمرون ..<br /><br />***<br /><br />وعندما انتقلت من القاهرة إلى مدينة السويس .. حدثنى أديب فى المصلحة التى أعمل فيها عن كاتب إنجليزى من طراز جديد ، وأطلعنى على مقال نشر عنه فى جريدة كوكب الشرق . فقرأت المقال وازددت شغفا بالكاتب ، فقد كان كما صوره المقال نفسانيا يحلل أعماق النفس البشرية ، ويصل بتحليله إلى أغوارها البعيدة . ولم أجد له مؤلفات فى مدينة السويس ..<br /><br />فلما ذهبت إلى القاهرة فى أول إجازة ، وجدت فى مكتبة ألمانية بشارع عماد الدين كل مؤلفات د . هـ . لورنس .. فى طبعات ألمانية " الباتروس " فأخذت منها ما أستطيع دفع ثمنه ..<br /><br />وأخذت أقرأ لورنس بنهم .. وكان معى فى مدينة السويس من الكتب العربية البيان والتبيين للجاحظ .. وكليلة ودمنة لابن المقفع ..<br /><br />وأستطيع أن أقول أن أى أديب ملهم يستطيع أن يستغنى بواحد من هذين عن كل قراءة وكل كتاب .. كما قد يستغنى بكتاب الأغانى .. عن كل كتاب .. مادام يعيش مع الكتاب بتجاربه الحية فى قلب الحياة ، يخالط الناس ويعاشرهم ، ويتلقى الخير والشر منهم ..<br /><br />***<br /><br />وصدر أول عدد من مجلة الرسالة للزيات وأنا فى مدينة السويس ، فسررت بها للغاية .. وكنت معجبا بالزيات وقرأت له آلام فرتر لجوته ورواية لامرتين .. قبل صدور الرسالة .. فلما صدرت الرسـالة زادت الفرحة فى قلب عشاق الأدب الرفيع ..<br /><br />فى ذلك الوقت كنت قد أخذت أقرأ الأدب الروسى مترجما إلى الإنجليزية بقلم كاتبـة إنجليزية اسمها كونستانس جارنت .. سلسة العبارة ، رشيقة الأسلوب .. وسألت نفسى وأنا أقرأ قصة لتشيكوف .. لماذا لا أترجم هذه القصة وأبعث بها لمجلة الرسالة ..؟<br /><br />وترجمت القصـة .. الجورب الوردى .. ونشرت .. ثم ترجمت غيرها .. وغيرها ..<br /><br />***<br /><br />وغادرت مدينة السويس ورجعت إلى القاهرة ..<br />وحدث ماشجعنى على السفر إلى الخارج .. فسافرت إلى أوربا الشرقية قبل الحرب العالمية الثانية ..<br /><br />وعدت من هذه الرحلة متفتح المشاعر للكتابة .. فكتبت رواية قصيرة باسم " الرحيل " وطبعتها على حسابى فى مطبعة الخرنفش ..<br /><br />وبعد هذا أخذ ذهنى يفكر .. ويشغل بتأليف القصص ..<br /><br />وكنت أعمل فى ميدان لاظوغلى .. وأسكن فى الحلمية الجديدة .. وأقطع المسافة بين هاتين الجهتين بأقصر الطرق .. فأخرج من ميدان لاظوغلى وأمشى فى حوار متعرجة .. حارة عمر شاه .. حارة قوارير .. حارة .. وهكذا حتى أخرج إلى درب الجماميز .. ومنه اتجه إلى الحلميـة الجديدة ..<br /><br />وذات يوم فى ساعة العصر .. سمعت الأذان .. وأنا فى قلب هذه الحوارى .. وجاء فى مواجهتى أعمى .. ذكرنى بأعمى فى قريتى كان يعمل على بئر المسجد " ملا " كما كان مؤذنا .. والمسجد كنت أدرس فيه فى الكتاب ، وأنا صبى وأصلى فيه الفجر .. وأرى فيه النساء فى ساعة الفجر يملأن الجرار من بئر المسجد قبل أن يطلع النور ..<br /><br />عادت هذه الصورة إلى باصرتى .. وابتدأ ذهنى يعمل وأنا فى هذه الحوارى رائحا غاديا كل يوم .. وبعـد أسبوعين اكتملت القصة فى ذهنى .. ونشرها استاذنا الزيات بعد جمعها فى كتاب .. وكانت بداية اتصالى به ومعرفتى له عن قرب .. وعلى الأخص بعد أن انتقل من شارع حسن الأكبر إلى ميدان العتبة فوق محل الفرنوانى ، وأخذ فى اصدار مجلة " الرواية " بجانب الرسالة ..<br /><br />وكان يعمل وحده إلى ساعة متأخرة من الليل .. الواحدة صباحا .. يحرر .. وبصحح بروفات المطبعة .. ويقرأ ما كتب فى المجلتين سطرا سطرا .. ويعمل هذا فى جلد عجيب وقوة احتمال خارقة .. مع أنه كان فى سن عالية ، ومثيله أراح نفسه من كل مشقة ..<br /><br />وكان من الشبان المترددين عليه فى ذلك الوقت الدكتور حسن حبشى أستاذ التاريخ ، والأستاذ أحمد فتحى مرسى الشاعر .. والأستاذ إبراهيم طلعت المحامى والشاعر الثائر ..<br /><br />وكنا صحبة فى غاية الصفاء والمودة جمعتنا الرسالة .. وقد عشانا الزيات ذات ليلة ، بعد أن نزلنا من دار المجلة فى مطعم قريب فى نفس الحى .. وخرجنا من المطعم بعد منتصف الليل ، والباعة ينادون فى حماس على مجلة الرسالة ..<br /><br />وشاهدت بعد ذلك فى المجلة من جاء ليعاون أستاذنا الزيات .. فى عمله الذى اتسع .. وكان منهم الصديق الكريم الأستاذ عباس خضر ..<br />ثم توقفت الرسالة بسبب الحرب ..<br /><br />***<br /><br />وكنت فى ذلك الوقت أتوقف عن الكتابة تماما .. ثم أعود ..<br /><br />وقد تعودت على الكتابة فى المقهى .. ومن هناك يجىء الوحى ! .. وأشرع فى الكتابة بعد أن تكون القصة قد اكتملت فى رأسى تماما .. ولابد أن يكون المكان مفتوحا على الطريق .. لأشاهد منه المارة .. ولا أستطيع أن أكتب فى مكان مغلق كلمة واحدة ..<br /><br />ولابد أن تكون الشخصية صورة من شخصية التقيت بها وعشت معها .. وقد أغير وأبدل ، ولكن فى أقل الحدود ..<br /><br />وقد توحى إلىَّ قصة قرأتها لتشيكوف أو غوركى أو دستويفسكى أو همنجواى أو موبسان بقصة .. ثم قصة .. ولكن لابد أن يكون الجو قد لمسته وعرفته .. والشخصية قد التقيت بمثلها فى الحياة .. وقد يذكرنى حـادث قرأته فى الصحف بشىء مستقر فى أعماقى .. ويخيل إلىّ أنى نسيته .. ولكن نشره فى الصحف يحركه ..<br /><br />فعندما نشر حادث " الخط " تذكرت على الفور رجلا فى قرية مجاورة لقريتى .. كنت ألتقى به كل مساء وأنا أتمشى على الجسر ..<br /><br />وكان الرجل مشهورًا فى المنطقة كرجل ليل ليس له من ضريب .. وكان أبرع من يصوب فى فحمة الليل ويصيب الهدف على بعد أميال .. لأن عينيه تخترقان حجب الظلام بشكل خارق ..<br /><br />وقد التقيت بهـذا الرجل بعد أن قضى مدة العقوبة .. وتاب وأناب .. فوجدته قصيرا نحيفا ، خافت الصوت .. هادئ الطبع .. لا تنبئ ملامحه عن إجرام أو شر .. ولم يبق فيه إلا عينان حادتان متوهجتان كعينى الصقر .. وقلب شجاع لا يهاب الموت ..<br /><br />تذكرت هذا الرجل بعد أن قرأت حوادث "الخط" .. وأخذت أكون على مهل قصة " الشيخ عمران " ..<br /><br />وكتبت القصة فى مقهى " سفنكس " بشارع طلعت حرب .. ولما فرغت من كتابتها ، فكرت فى نسخها على الآلة الكاتبة لأن خطى ردىء للغاية ، وغلط المطبعة يشوه القصة تماما مهما كانت براعة الكاتب فى التصوير والسرد ..<br /><br />ومر أمامى فى لحظة التفكير هذه الأستاذ عاشور عليش ، وكنت قد عرفته بعد نشر كتابى " فندق الدانوب " وتوطدت بيننا صداقة قوية .. فسلم وجلس وقرأ القصة وأعجب بها ..<br /><br />ولما حدثته عن كتابتها على الآلة الكاتبة .. قال على الفور .. فى شهامة ..<br />ـ خطى أحسن من الماكينة .. فهيا وأملى ..<br />وهو سريع الحركة ..<br /><br />وأخرجنا الورق وجلس يكتب بخطه الجميل حتى دخل علينا الليل ونحن على " القهوة " دون طعام أو شراب .. نسينا ذلك واستغرقتنا القصة حتى انتهينا من كتابتها .. ومزقنا المسودة التى كنت أملى منها .. وطوينا الورق والصحف .. وسرنا إلى مكان نأكل فيه ..<br /><br />وفى المطعم ، وضعت الأوراق والمجلات التى أحملها فوق كرسى .. فسقطت مجلة وتكشفت الأوراق .. ونظرت فيها فلم أجد القصة ، فشعرت على التو بخنجر يمزق قلبى ، واسودت عيناى من الحزن .. وخرجنا من المطعم دون أن نأكل ، نبحث فى الشوارع التى سرنا فيها عن القصة .. وقلبى بعد كل خطوة يزداد غما وكربا ..<br /><br />شعرت بأن كنزا من كنوز الدنيا فقد منى فى لحظة نحس .. لا يد لى فيها.. وما كتبته لا أستطيع أن أعيد كتابة سطر واحـد منه .. فالحـالة النفسية للكاتب لها الاعتبار الأول فيما يكتب ..<br /><br />وظللنا نحدق فى الأرصفة بعيون مفتوحة ، كأننا نبحث عن جنيهات من الذهب قد سقطت منا .. حتى وصلنا إلى " القهوة " وهناك وجدنا " القصة " تحت المنضدة التى كنا نجلس إليها .. وشعرت بفرحة لم أشعر بمثلها فى حياتى ..<br /><br />وأعطيت القصة للأستاذ محمد على غريب رحمه الله فنشرها فى " أخبار اليوم " ..<br /><br />وقد يعجب القارىء إذا علم أن رجل الليل لايغدر ولا يخون من أمنه .. ويعتبر الغدر خيانة تصمه بالعار ، وتجرده من صفاته كرجل .. " انقرض هذا الرجل الآن .. وبقى ظله ، وفبه كل صفات الخساسة والوضاعة " .. ويدفعه إلى القتل والشر ، حوادث فردية تصيبه بمثل القارعة ، فتغير من نظام حياته .. وكل إنسان فيه الخير والشر .. وتبعا للظروف والأحوال تبرز هذه الصفة وتضعف تلك .. والشر أكثر الطباع ضراوة عند الاحساس بالظلم ..<br /><br />***<br /><br />وأثناء عملى فى مدينة السويس شاهدت رجلاً كهلاً يجلس على حافة القناة فى بورتوفيق وبجانبه كلبه .. وهو فى جلسته هذه لا يغير مكانه ، ولا نظرته إلى السفن العابرة ..<br /><br />وحدثت حادثة فى منارة من منائر " مصلحـة الموانى والمنـائر " إذ تعارك ملاحظان فى تلك المنارة حتى سالت منهما الدماء ، وسافرت الباخرة " عايدة " ( ضربت فى الحرب العالمية الثانية ) لإحضارهما ..<br /><br />وسمعت بالحادثة وأنا أعمل فى المصلحة .. فأخـذ ذهنى يعمل بسرعة .. وتذكرت صورة الرجل العجوز الذى أشاهده كل صباح وأنا ذاهب وراجع من المكتب .. وتكونت قصة " رجل على الطريق " التى سرقت وتغير اسمها وأصبحت فيلما..<br /><br />***<br /><br />وفى اتحاد الكتاب بمدينة طوكيو .. كنت أتطلع من الشرفة إلى الشارع الزاهى بالأنوار والبالونات المضيئة .. وتنبهت على صوت سيدة تقول بإنجليزية سليمة :<br />ـ هل تسمح بأخذ صورة لك مع زوجى ..؟<br />وتلفت فوجدت شابة فى صدار واسع الكمين .. وبيدها كاميرا .. فقلت بخجل ..<br />ـ تفضلى ..<br />وصورت .. وصورت ..<br /><br />ولما رجعت إلى القاهرة كانت صورة هذه السيدة تبرز فى ذهنى بوضوح كامل .. وبكل التفاصيل الدقيقة فى الملامح .. ولون الشعر .. والرداء .. وبحة الصوت .. كانت صورتها تبرز وتحتل مسالك تفكيرى ، كلما شرعت فى كتابة قصة جوها فى طوكيو ..<br /><br />ولا أدرى السبب مع أنى رأيت ما هو أجمل وأنضر منها فى تلك المدينة ..<br /><br />***<br /><br />وكنت أصلح حذائى عند " حذاء " فى حى شعبى بالقاهرة " طولون " وكان أعور قصير القامة قبيح السحنة .. ولاحظت كثرة زبائنه من النساء المترددات على المحل .. ومنهن الجميلات إلى حد الفتنة .. وهذا الحى مشهور بجمال نسائه ..<br />وذات يوم ، وكنت فى دكان ذلك الرجل .. جاءت سيدة تطلب حذاء لها كان يصلحه .. وحدث بينهما كلام تطور إلى شجار .. وحاولت انهاء الخصومة .. ولكن المرأة ذهبت غضبى ..<br /><br />وأخذت بعد ذهاب هذه الجميلة أحس بشىء يتفتح فى رأسى .. وكونت قصة " الدوامة " ..<br /><br />***<br /><br />ولم تكن القصة هى أول شىء نشر لى ورأيته مطبوعًا .. فإن أول ما نشر لى مقالة قصيرة عن الموسيقى نشرت على عمود فى مجلة " الرسول " سنة 1930 على ما أذكر .. وصاحب المجلة هو الأستاذ محمود رمزى نظيم .. رحمه الله ، وكان يتخذ من مطبعة صغيرة فى باب الخلق مقرا ومكتبا .. ويعاونه فى تحرير المجلة من الغلاف للغلاف .. الأستاذ غريب .. ولا ثالث لهما ..<br /><br />وكنت أنزل من دار الكتب وأذهب إليهما فى المجلة وأراهما فى عمل متصل ، فأجلس لأقرأ أو أكتب .. وأنا مفتون بحروف الطباعة ، وما تخرجه على الورق من ضروب الكلام ..<br /><br />وكتبت مقالة عن الموسيقى والغناء وتركتها على المكتب فى المجلة .. خجلت أن أقدمها لواحد منهما ..<br /><br />ونشر المقال فى العدد التالى ، وفرحت به كثيرا .. فرحت عندما رأيت اسمى مجموعًا لأول مرة بحروف الطبع فى ذيل المقال ..<br /><br />وفى اليوم التالى لصدور المجلة دخل علينا فراش أسمر يحمل هدية للمجلة .. مسرحيات أمير الشعراء شوقى بك .. مجنون ليلى .. مصرع كليوباترا ..<br />وقال رمزى نظيم ضاحكا .. ؟<br />ـ هذه الهدية لك أنت ..<br />ـ لماذا ..؟<br />ـ لأنها بسبب مقالك ..<br />ونظرت إليه متعجبا ..<br />ـ لم أذكر شوقى بك فى مقالى ولم أتعرض للشعر ..<br />ـ ولكنك ذكرت موسيقيا يحبه ..<br />ـ وكنت قد ذكرت بالخير موسيقيا شابا من طلبة المعهد ..<br /><br />***<br /><br />والمرحوم رمزى نظيم من ألطف الناس وأكثرهم مرحا .. وكان كلما التقى بى فى الطريق عرضا ، يقول وهو يبتسم :<br />ـ أبسط كفك ..<br />ـ فأبسط له كفى ..<br />ـ عمرك طويل .. وستعيش إلى ما فوق السبعين ..!<br />ـ ألا ترى شيئا فى كفى غير العمر الطويل ..؟!<br />ـ لا أقرأ فى الكف سوى خط العمر ..<br />ويضحك ويمضى ..<br /><br />وقابلته مرة فى مسجد الإمـام الشـافعى يوم الجمعة من صلاة الظهر .. وكان قد ترك الصحافة وتوظف وتصوف ..<br />وسألنى :<br />ـ هل تصلى هنا دائما ..؟<br />ـ نعم .. ظهر الجمعة دائما .. واستمع إلى الشيخ عبد الباسط ..<br />ـ ولماذا لا أراك اذن ..؟<br />ـ لأنى أجلس وحدى فى المقصورة فوق .. عندما لاتكون هناك اذاعة من المسجد .. فإذا جاءت الاذاعة .. نزلت إلى صحن المسجد مضطرا لأنها تشغل المقصورة ..<br /><br />ـ ولماذا تجلس وحدك ..؟<br />ـ لأكون قصة ..! أجىء مبكرا من الساعة التاسعة صباحا .. قبل أن بجىء إنسان .. وفى هذا الهدوء الشامل أفكر .. واتأمل .. فإذا بدأ القرآن أنصت خاشعا .. واتجهت إلى المحراب ..<br />ـ الله يعينك ..<br />وأتركه داخل المسجد يتعبد وأخرج من الباب لألحق مكانا فى الأتوبيس ..<br /><br />***<br /><br />وقد أوجد عندى الإنسان العظيم الشيخ محمد رفعت قيثارة السماء .. أوجد عندى الرغبة الشديدة فى سماع القرآن .. أوجدها منذ كنت أسمع صوته الخاشع فى مسجد " القاضى " وأنا فى ريعان الصبا .. وظلت هذه الرغبة متأصلة فى أعماق نفسى إلى اليوم ..<br /><br />وعندما أسمع الشيخ رفعت وهو يرتل سورة الرحمن .. أعرف أن الله موجود وهو الخالق والقادر سبحانه ..<br /><br />***<br /><br />ولم أكتب القصة وأتفرغ لها لأشتهر ويعرفنى الناس .. فما فكرت فى هذا قط .. ولاحلمت بمثله .. وعندما طبعت الذئاب الجائعة لم أكن أفكر فى أكثر من ألف قارىء .. وان كان الوضـع قد جـاء على خـلاف ما قدرت .. ولكنه لم يسرنى .. فالأمر واحد ..<br /><br />وأنا أكتب فى الاعتبار الأول لأروح عن نفسى .. ولأطرد الخوف والقلق والخـوف من شىء مجهول لا أعرف كنهه ولا أستطيع أن أحدده ..<br /><br />وشبح الخوف المسيطر على مشاعرى هو الذى يجعلنى أكتب .. وأكره السياسة .. وكل مشتقات الكلمة البغيضة كما كرهها الامام محمد عبده .. وهناك فرق كبير بين الوطنية والسياسة .. فحب الوطن فى لحمى ودمى وعظامى .. وما أكثر القصص الوطنية التى كتبتها ..<br /><br />وقد جعلتنى الكتابة على صلة بزملاء كرماء غمرونى بفضلهم ومعروفهم ، ولم أستطع فى أية مرحلة من مراحل حياتى الأدبية أن أرد لهم بعض الجميل ..<br />وهذا ما يجعلنى أحس دوما بأسى أخرس ..<br /><br /><br /><br /><br />=================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت فى مجـلة الثقــافة ـ العـدد 49 ـ أكتــوبر 1977 وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف و ليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر ط 2006<br />=================================</span><br /></strong></div><div align="center"><br /><strong>(3)<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">ذكريات مطوية<br /><br />بقلم : محمود البدوى</span><br /><br />منذ سنوات طويلة ، إتصلت بى سيدة أجنبية ، وأبدت رغبتها فى مقابلتى وقالت لى أنهـا جاءت إلى القاهرة متطوعة لدراسة القصة المصرية ، وتود اللقاء لهذا الغرض ..<br /><br />وعلى الرغم من أننى أتردد كثيرا فى تلبية مثل هذه الرغبات لأن من لا شأن له فى بلده لا يسعى بالبداهة فى ان يكون له شأن فى بلاد الآخرين .. ولأنى فى أعماق نفسى أعتقد بأنى لم اكتب شيئا بعد أستحق عليه الدراسة والبحث . ولأن الكثير من هؤلاء المستشرقين يكونون عيونا لبـلادهم . ويتخذون من الاستشراق ستارًا يخفون به نواياهم الحقه ..<br /><br />أقول وعلى الرغم من كل هذه الاعتراضات ، فإن المتحدثه سيدة ، وقد الحت وعرفتنى بأن من قابلتهم عرفوها بطباعى فى إحتمال الرفض . ولهذا ترجو ، وتحت رجائها وافقت وتركت لها حرية إختيار المكان ، فاختارت حى الأزهر لأنها تعرف مسالكه ..<br /><br />وجاءت بأديب يعرفنى ليسهل لها الاهتداء إلىَّ فى المقهى .. وفوجئت بشابة أقل من العشرين ربيعا .. ولم تكن سيدة نصف كما تصورت من حديثها الأول ، وصوتها فى التليفون ، وأراد الشاب أن يستأذن بعد أن تم اللقاء ، ولكنى أبقيته ليشرب الشاى معنا ..<br /><br />وكانت تتحدث العربية بطلاقه واللهجة المصرية بعذوبة أيضا .. وحدثتنى أنه مضى عليها ثلاثة أشهر فى القاهرة . وقد اقتربت من إستكمال بحثها ، فيما يتصل بالادباء الآخرين .. أما أنا فلا تعرف عنى إلا القليـل .. وقد رأت أن تسقطنى من الحساب بعد عجزها عن مقابلتى ، لولا أن استاذها ـ بعد أن كتبت له رسالتين ـ أصر على وجودى واستكمال البحث شاملا كل الاسماء التى عينها لها قبل سفرها إلى القاهرة ..<br /><br />ومن هنـا ادركت اصرارها على مقابلتى كما أدركت جدية البحث . وكانت الشابه من طشقند وملامحها شرقية خالصة ، ولولا زرقة خفيفه فى عينيها الناعستين ما بعدت عن المصريه فى شىء ..<br /><br />وكانت نحيفة القوام طويلة صبوحة الوجه فى جمال يريح من يقترب منه ويبتعد عنه ، خفيفة الحركة تغطى شعرها الاسود بوشاح خفيف الزرقه وعينها بنظارة تقيها الحرارة والغبار فى أواخر مايو .. وكان فستانها سنجابيا من قطعة واحدة ، يبدو من بساطته انها هى التى فصلته لنفسها ..<br /><br />وكان كل حديثها فى الأدب والقصة .. ولم توجه إلى سؤالا واحدًا يشتم منه رائحة السياسة .. وأدركت من حديثها أن أستاذها فى جامعة طشقند ، هو الذى اختار لها هذا البحث ، بعد ان لمس رغبتها الشديدة فيه .. ولهذا مضت بجدية ونشاط .. وستكمله بجامعة موسكو ..<br /><br />وإلتقينا كثيرا بعد اللقاء الأول فى نفس المكان أو قريبا منه وتغدينا ذات مرة فى مطعم كباب صغير بالحى .. ورغم دخان الفحم الذى ملأ عينها ، وهى تأكل ، لشى اللحم على النار ، فإنها لم تتأفف ولم يبد عليها التذمر ، وكانت تأكل بشهية وتتحدث بمرح وطلاقه ..<br /><br />وكانت تنزل فى منزل للفتيات فى حى الزمالك فكنت عند عودتها أختار لها سائق التاكس الذى يوصلها إلى بيتها وأختاره بدقه ، وأحيانا أركب معها حتى الإسعاف .. ولاحظت هى ذلك ، وانى شديد الحرص على راحتها وأمنها .. فظلت تحتفظ بهـذه المشـاعر فى نفسها .. ثم اطلقتها مرة واحدة بعد أن سافرت ..!<br /><br />وفى صباح يوم حملت معها تسجيلا وسألتنى عن مذهبى فى الكتابه :<br />وقد ضحكت فى نفسى من هذا السؤال الاكاديمى ..<br />فأنا اكتب ما أشعر به ، وأحسه بوجدانى ، وأعيشه فى حياتى .. واكتب عن تجربه صادقه .. ولا أفتعل الحوادث ولا أزينها .. ولا أتقيد بمذهب ولا أعرف المذاهب .. وأنا واقعى مثل جوستاف وفلوبير ودكنز وجوركى وتشيكوف وطبيعى أحيانا مثل زولا .. وهؤلاء لم يدرسوا الواقعية ولا الطبيعة قبل كتابتهم .. وإنما كتبوا بالفطرة .. ومتأثرين بالجو الذى يعيشون فيه ، وبالأشخاص الذين يلتقون بهم فى الحياة .. فشخوصهم حية عامرة بنبض الحياة .. ولهذا عاشت قصصهم ..<br /><br />وأنا متشائم أحيـانا ، ومتفائل جدا أحيانا أخرى ، تبعا لمدارج حياتى ..<br /><br />ولم أتلق الكتابه عن أستاذ ، ولم يوجهنى شخص .. واكتب فيض مشاعرى ، لا نفس عن نفسى وأعيش .. ولو لم اكتب لمت بالسكته من فرط الاحساس بعذاب الناس .. وما تطحنهم به الحياة ، وما تصيبهم به قارعات القدر .. وما يلاقونه من عنت وظلم فى العجلة الدوارة ..<br /><br />وأنا كالشاعر الذى يقول الشعر بالسليقه قبل أن يتعلم العروض .. وأكتب قبل أن أعرف المذاهب الأدبية .. ومعرفتها هراء فى هراء .. والكتابة القصصية فن والهام يأتيان بالفطرة .. والقراءة والدرس لإكتساب الشكل الفنى الأمثل وتجويده ، ولاتساع مدارج التفكير وعمق النظرة للحياة ..<br /><br />وقد تأثرت بالمازنى ككاتب روائى وأديب متفرد .. وأسلوبه من أحلى واجمل الأساليب العربية .. كما أن شوقى أعظم الشعراء ..<br /><br />وقد مهد إلى سبيل الكتابة والنشر أستاذى الزيات .. ولولاه ما واصلت الكتابه ، ولاكتبت حرفا .. ولأصابنى العجز والضيق فى أول الطريق .. وكانت رسالته رحمه اللّه رسالة الرسالات وقد عجزت الدولة من بعده بكل إمكانياتها أن تخرج مثلها . فالعمل الأدبى إخلاص وتضحيه ولا يزيد ولا ينقص بعدد الأشخاص الذين يتولونه ..<br /><br />وأنا آخذ الشكل الفنى من تشيكوف فى لمساته الإنسانية وصدقه فى العرض وعنـايته بالشخوص المسـحوقة هى موضوعى الأمثل فيما اكتب ..<br /><br />وأستفيد من كل كتاب اقرأه ، وما رددت كتابا وقع فى يدى قط ولا استثقلت ظله ، فأى كتاب تقرأ تستفد ..<br /><br />والنهضة الأدبية عندنا عظيمة .. ويعتريها المد والجزر ككل شىء فى الحياة .. وهناك تطور ملموس فى الرواية والقصة القصيرة وتجديد وخلق لا ينكره أحد ..<br /><br />سألتنى :<br />ـ هل عندكم أديب مثل غوركى .. ؟<br />ـ أجل .. عندنا العقاد .. وقد يكون أضخم منه .. ولكنكم تبرزون أدباءكم بوسائل كثيره ، أما نحن فلا نزال فى أول الطريق .. واليهود من أدبائكم .. يتلقاهم اليهود فى العالم بضجة وبوسـائل دعائيه هائلة .. وتلك هى طريقتهم .. ثم يفوق العالم لنفسه ، ويجد أن كلامهم لا وزن له ولا قيمة .. وأدبنا تنقصه الدعاية لينتشر ، ولكنا نكتب ما نشعر به بحريه .. ولم يوجه الأدب عندنا إلى شىء معين ومنذ مئات السنين والأدباء يعبرون عن روح الشعب وآلامه ـ لأنهم خرجوا من صميمه وعندما سيطرت الدولة عندكم على الأدب ووجهته مات فى المهد ولم يعش منهم أديب واحد ..<br /><br />والعالم لا يقرأ الآن إلا تولستوى .. وجوجول .. وتشيكوف .. ونور جيتيف .. وبوشكين .. وحاولتم وأد دستويفسكى ، ولكنه كان أقوى من كل من حاربه ، وعدتم إلى طبع كتبه .. بعد أن أدركتم أنه فخر لروسيا أن يكون دستويفسكى كاتبا روسيا .. كما يفخر الانجليز بشكسبير .. والألمان بجوته .. والطليان بدانتى والعرب بالجاحظ ..<br />ـ ولماذا إكتفيت بالجاحظ ..؟<br />ـ لأن فيه الكفايه ..<br /><br />والفكر خالد وسرمدى ، ولا قيود يمكن ان تطمس وهجه .. والقارئ يحب أن يرى وجهه فى الكتاب الذى يقرأه ، ويلمس مشاعره وأحاسيسه بين السطور ، وأخلد الكتـاب هم الذين صوروا الحياة بصدق . وأنا أقرأ أدب الحرب والدعاية ، وأشعر بغتاتة ، فهل الالمان وحدهم هم الذين قتلوا النساء والأطفال فى الحرب وهتكوا الاعراض .. والروس والإنجليز والأمريكان لم يفعلوا ذلك ، هل كانوا فى نزهة ويمسحون على أزرع النساء فى المانيا وإيطاليا ويربتون على أكتافهن .. إن التاريخ لا يغفل مهما حاول المنتصرون طمسه ، لقد لاقى النسوة العذاب والهوان بعد الهزيمة ، وذهب ماء وجوههن فى حالات الجوع والتشرد ..<br /><br />ويل للمغلوب كما قال غليوم .. وفظائع الحرب تصيب الجميع بالدمار والفساد والتمزق ، وعلينا أن نكتب الحقيقه والصدق ..<br /><br />وخرجنا فى عصر يوم من الأزهر إلى الغورية والمغربلين .. وسرنا فى شارع محمد على فى اتجاه القلعة .. ولم نشعر بالتعب من طول المشى .. ولاحظت هى أن الباعة والتجار فى هذه الأحياء على دماثة فى الخلق وذوق وأدب فى الحديث .. فسألتنى عن السبب ..<br />ـ هذه هى مصر الخالصة .. وهؤلاء هم المصريون الخلص .. فى السيدة والحسين وطولون والقلعة .. أما الاحياء الأخرى فقد إختلطوا بالوافدين من كل الاجناس .. فتغيرت طباعهم تبعا لذلك ..<br /><br />وكنا قد قطعنا شارع محمد على ، وصعدنا فى الطريق الضيق الذى بين مسجد السلطان حسن ومسجد الرفاعى .. وكان تيار الهواء شديدا عندما أصبحنا فى هذا الموقع للارتفاع الشديد بين الجدارين .. فجرف الهواء الغطاء الذى تغطى به رأسها ، وطـار ثم وقـع .. وطار ثم وقع وجريت وراءه .. ووقفت تنظر وتصيح بالحاح :<br />ـ أتركه .. أتركه ..<br /><br />ولكنى بعد جهد شاق وجرى طويل .. أمكننى أن أمسك به وأعود به إليها وأنا ألهث ..<br /><br />وقرأت فى عينيها ، وملامح وجهها ، وحركة صدرها .. أنها كانت تود أن تفعل شيئا تقتضيه السليقه كتعبير عن الشكر .. ولكنها ردت هذا الانفعال الطبيعى بعنف فى أخر لحظة ، لما رأت جهودى وفتور عواطفى .. وكان من رده أن أخضلت عيناها بالدمع ، وارتفع صدرها وانخفض ، وتلجلج صوتها بضحك هستيرى ..<br /><br />وحولت وجهى حتى هدأت .. ثم أمسكت بيدها ودخلنا مسجد الرفاعى .. وحدثتها عن قاهرة المعز لدين اللّه .. وما فيها من مساجد وأضرحة .. واعتقاد الشعب بأن اللّه يحمى القاهرة من كل غزو ودنس تكريما لأهل البيت ومثواهم فيها .. وهى اللمسة الروحيه تنفع الناس ، وتعطيهم ثقة مؤكده ..<br />ـ ولكن قد تضر .. لأنها اتكالية ..<br />ـ أبدا إنها تدفعهم فى وجه الغازى بضراوة .. وكل حوادث التاريخ تبين هذا .. اللمسات الروحية فى اعماق النفس لها وهج كبير .. وعندما دخل نابليون .. تصورى نابليـون بكل إنتصـاراته وغزواته .. عندما دخل بخيله الأزهر إنهزم .. إنهزم وجر أذياله ..<br /><br />وخرجنا إلى جولة فى الحى وكانت تنظر إلى قباب المساجد والمآذن المحيطة بنا وعيناها مخضلة بالدمع .. وتحدثنا عن عمر بن العاص عندمـا دخل مصر ، وحكم العرب للمصريين ورسالة عمر بن الخطاب إلى قائد جيشه ، تشريع إسلامى ودستورى للحرب إنسانى عادل حازم لم يحدث بعدها مثله فى كل ما حدث فى الدنيا من حروب .. وحدثتها عن العرب عندما دخلوا تفليس وحكموها وأقاموا بها مئات السنين وبعدها إنتشروا فى روسيا ومقاطعاتها ومنها طشقند ..<br />قلت لها :<br />ـ لابد أن يكون جدك عربيا « يا ثريا » ..<br /><br />فضحكت وقالت :<br />ـ إن أستاذى يقول هذا ..<br /><br />وركبنا فى العودة الترام .. وكانت تركبه لاول مرة وطال حديثنا وتشعب ..<br />وسألتها :<br />ـ هل فكرت فى الزواج ..؟<br />ـ بعد اتمام دراستى .. أفكر ..<br />ـ ومتى تنتهى من هذه الدراسة ..<br />ـ بقى لى سنتان .. وسأمضى منهما سنه فى جامعة موسكو ..<br />ـ وكم بقى لك من الزمن فى القاهرة .. ؟<br />ـ نصف شهر ..<br />ـ إذن سأبحث عن القصص التى تنقصك من اليوم ..<br />ـ شكرا .. وسنتقابل كل يوم إلى أن أسـافر .. ولن أحتـاج إلى الدليل .. فقد عرفت مكانك المختار ..<br /><br />***<br /><br />وسافرت « ثريا » فجأة .. وعلمت بسفرها من رسالة بعثتها بعد أن وصلت إلى بلدها ، وكتبتها بخط عربى جميل أوضحت فيها عنوانها وفاضت فيها كل مشاعرها .. وكان الشكر فيها على كل ما قدمته لها من عون لتحضير رسالتها .. هو الغالب على كل التعابير ..<br /><br />***<br /><br />وشاءت إرادة اللّه أن اسافر إلى موسكو .. وكان فرحى لأنى سألتقى « بثريا » أكثر من فرحى لأنى سأزور بيت تشيكوف .. وأرى المكان والجو الذى عاش فيه ذلك الكاتب العظيم ..<br /><br />وكتبت لها رسالة قبل سفرى ، ورسالة بعد وصولى ومعرفتى الفندق الذى نزلت فيه .. ولكن لم يصلنى أى رد .. وتصورت أنى أخطأت فى كتابة العنوان بالحروف اللاتينية .. فنزلت فى بهو الفندق وأول سيدة روسية قابلتها .. طلبت منها ـ دون تمهيد ـ أن تكتب العنوان بالروسية على ظرف معى .. فكتبته وهى تبتسم ..<br /><br />والمشاعر الجامدة التى قابلت بها الفتاة فى القاهرة لفارق السن الكبير بيننا ولأنها أولاً وأخيرا ضيفة وطالبة وصغيره .. إنقلبت فى موسكو إلى حالة اندفاع هستيرى .. فكنت أبحث عنها فى كل الوجوه الانثوية التى التقى بها عرضا فى الطريق والمتاحف والجامعات ودور الكتب .. ولم أكن أدرى ما الغرض من اللقـاء وما الذى يمكن أن يحـدث بعـد اللقاء .. ولكنى كنت أصر عليه وأبذل كل وسيلة ..<br /><br />ولم يبق إلا القليل من الأيام .. وأعود إلى القاهرة .. وأصبحت فى حالة يأس .. وبينما أنا أتمشى فى البهو الصغير للفندق الملاصق لسوق البيع بالدولارات .. لمحت سيدة خيل إلىَّ أنها أمها أو أختها الكبيرة ..<br /><br />وسألت بأدب بعد تمهيد :<br />ـ السيدة من طشقند ..؟<br />ـ لا أنا من جورجيا ..<br />ـ حسبتك من طشقند .. وأرجوا المعذرة ، أطلب منك كتابه هذا العنوان على طشقند .. وكتبته بدقة وعناية .. وسألتنى بعدها فى خجل وشرود وقد رأت دولارين فى يدى ..<br />ـ أمعك خمسة من هذا ..؟<br />ـ أجل معى ..<br />ـ ولست فى حاجة إليها ..<br />ـ أجل ..<br />ـ سأشترى شيئا من السوق هناك .. ولا يوجد مثله إلا فى هذا السوق .. ولا يبيعون إلا بالدولار ..<br />وأخرجت لها ورقه بخمسة دولارات ..<br /><br />فتناولتها وسألتنى :<br />ـ أتقيم فى هذا الفندق .. ؟<br />ـ نعم ..<br />ـ ما رقم الغرفة ..؟<br />ـ لماذا ..؟<br />ـ سأجىء لك بالبديل .. بعد ساعة ..<br />ـ يا سيدتى هذا مبلغ بسيط .. وماذا أصنع بعملتكم وأنا مسافر غدا ..<br />ـ ولكن لن آخذ دون أن أعطى ..<br /><br />ومدت الورقة لتردها .. مع أنها عزيزة جدًا عليها .. كانت كأنها وجدت فى هذه الورقة الضئيلة القيمة كنزا .. كنزا تشترى به زجاجة عطر فرنسية أو شيئا آخر من خصوصيات المرأة .. لا تستطيع الحصول عليه إلا بالدولار ..<br /><br />وكان الدولار يبرق فى القاعة ويتوهج ويشتعل كالنار الحاميه .. وفى كثير من الحالات يسبب المآسى الإنسانية .. ولعنت العبقريات التى تبيع القيود وتكون السبب فى هذه المآسى ..<br />=================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت الذكريات بمجــلة الثــقافة ـ العــدد 74 ـ نوفمـبر 1979وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف و ليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر ط 2006<br /></span><br />=================================</strong></div><div align="center"><strong></strong></div><div align="center"><strong>(4)<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">ذكريات مطوية<br />عصاميان من دمنهور<br /><br />بقلم : محمود البدوى</span><br /><br />فى سنة 1936 صدرت لى أول مجموعة قصصية بعنوان " رجل " ونشرت اعلانا قصيرا فى مجلة " الرسالة " فتلقيت بعد الاعلان رسائل عديدة تبعث على الدهشة .. وبعضها جاء من الأرجنتين .. ومن المهجر الأمريكى ..<br /><br />وقد عجبت لهذا الاحتفاء ، والكتاب صغير الحجم ، ومؤلفه أقل منه حجما ، فى الجو الأدبى المصرى العامر فى ذلك الحين بالأفذاذ والفحول فى كل ضروب الأدب وفنونه ..<br /><br />وكان من بين هذه الرسائل رسالة من الأستاذ عبد المعطى المسيرى صاحب قهوة المسيرى بدمنهور .. ومن الأستاذ أمين غراب ..<br /><br />وكان غراب أكثر حرية وحركة لأن المسيرى يدير القهوة إلى منتصف الليل .. وغراب طليق يتردد على القاهرة لنشر قصصه ، أو لمقابلة الممثلين لأمر يتصل بعمله فى دمنهور كممثل على المسرح ..<br /><br />وكتب إلىّ رسالة بموعد حضوره ، واتفقنا على اللقاء فى مقهى بور فؤاد .. وانتظرته ولفراسـته وقوة ملاحظتـه عرفنى من بين الجـالسين جميعا ، دون أن يسأل شخصا ، أو أن أحمل دلالة للتعارف ..<br /><br />جلس فى مرح وكان متأنقا فى لبسه ، وقادما على التو من دمنهور التى كانت فى ذلك الوقت مركز نشاط أدبى كبير .. وكانت قهوة المسيرى وعلى رأسها " عبد المعطى " تجمع عشاق الأدب بكل ألوانه ..<br /><br />وقال لى " غراب " إنه راجع إلى دمنهور فى نفس اليوم .. بعد أن يقابل أحد الممثلين فى مقهى " نجيب الريحانى " للاتفاق على الفرقة التى ستقوم بالتمثيل على مسرح البلدية فى دمنهور يوم الخميس المقبل ..<br />وافترقنا<br /><br />***<br /><br />وظللنا نتراسل .. إلى أن أخبرته بأنى مسافر إلى الإسكندرية فى يوم كذا .. بأول قطار يتحرك فى الصباح .. وعند عودتى سأمر على دمنهور.. وألاقيه هو والأستاذ عبد المعطى فى قهوة "المسيرى" ..<br /><br />وفى محطة دمنهور فوجئت به ، هو والأستاذ عبد المعطى على رصيف المحطة ، ولمحانى من شباك القطار وصعدا وأنزلا حقيبتى من فوق الرف ، كما أنزلانى بالقوة ..<br /><br />وكان المنظر مضحكا أمام الركاب .. وأنا أقاوم وأبين عذرى وهما يصران على الجذب والشد والدفع إلى سلم العربة ، دون سماع لأى عذر ..<br /><br />ووجدت نفسى على الرصيف ، وأنا أضحك وتحرك القطار ..<br /><br />وذهبنا إلى مقهى " المسيرى " وترك عبد المعطى إدارة القهوة لأحد عماله ، وجلس معنا يرحب ، ويقدم التحيات .. وسرعان ما جاء إلى القهوة أكثر من أديب دمنهورى ..<br /><br />وكانت دمنهور فى ذلك الوقت خلية نحل نشطة دون سائر المديريات .. وكانوا جميعا يتعاونون فى صفاء ومودة وإخلاص على طبع الكتب وإصدارها إحياء للأدب وانتعاشة دوما .. ولم تكن هناك شللية ولا ماركسية ولا تقدمية ولا رجعية ، ولا كل هذا البلاء الأزرق الذى زحف على البلاد ، وظهر فى جو الأدب فلبد سماءه الصافية بالغيوم وقتل روح الفن المعيار الأول للأدب الصادق ..<br /><br />ومن حقل دمنهور الأدبى الزاهر .. خرج فى نضارة ـ على ما أعرف وأذكر دون ترتيب للأسماء الأساتذة ـ أحمد محرم .. وعبد المنعم الخضرى .. ومأمون غريب .. وعبد الحليم عبد الله .. وأمين غراب .. ونظمى لوقا .. وعبد المعطى المسيرى .. ومحمد صدقى .. والنعناعى .. وغير هؤلاء ممن لا أعرف ..<br /><br />جلست فى قهوة المسيرى .. مع أدباء دمنهور الشبان إلى ما بعد الغروب .. نتحدث عن أساتذتنا الذين سبقونا وعلمونا وكانوا فخرا لمصـر .. وأصبحوا فخـرا لمصر فى كل الأزمان والعصور .. المنفلوطى والبرقوقى .. والزيات .. وأمـين الخولى .. وطه حسين .. وتوفيق الحكيم .. والعقاد .. والمازنى .. وأحمد أمين .. وعبد العزيز البشرى .. وصادق الرافعى .. وسلامة موسى .. وزكى مبارك .. ومحمد حسين هيكل .. وبيرم .. وتيمور .. وحسين فوزى .. وإسماعيل مظهر .. ثم الشعراء .. شوقى .. وحـافظ .. وعزيز أباظة .. وأحمد محرم .. وعبد الرحمن شكرى .. ثم من فتح الطريق للقصة والرواية .. ومهد السبيل لغيره فى براعة فنية ، ونقد لاذع للمجتمع .. محمد المويلحى .. أديب الأدباء ..<br /><br />دار حديثنا فى القهوة عن كل هؤلاء وغيرهم ، ثم انتقلنا إلى بيت عبد المعطى الذى قدم عشاء متنوع الطباق .. وبعدها خرجنا نتجول فى المدينة .. وأبديت لغراب .. رغبتى فى أن نحجز غرفة فى أى فندق لأستريح بحريتى .. لأنى لا أحب الضيافة فى البيوت ..<br /><br />وقال لى أمين :<br />ـ لا يوجد فى المدينة إلا فندق واحد ..<br />ـ لنذهب إليه ..<br /><br />واتخذنا طريقنا إلى الفندق .. ولما صعدنا لنشاهد الغرف وكانت جميعها خالية .. صدمنا بما وجدنا فيها من جو خانق وقذارة .. فنزلنا سريعا .. وقد أخذت رءوسهم تفكر على التو فى المكان الذى أقضى فيه الليل .. بعد أن انقطعت كل سبل المواصلات إلى الإسكندرية ..<br /><br />وساروا بى حتى خرجنا من المدينة ، وأصبحنا فى المزارع ، وشعرت بطراوة الجو ولينه وبهجة شعاع القمر .. وهو فى قمة زهوه وتألقه ..<br /><br />جلسنا على العشب فى شبه دائرة ، وكنا أكثر من عشرة .. وكل منا يتحدث عن المدن التى زارها فى مصر .. والتجارب التى مر بها فى حياته ، وهو يتنقل فى هذه المدن .. ووجدنا قصورًا أخجلنا .. فبعضنا لم يكن قد بعد عن موطنه مسافة فرسخ .. والغالبية لم تكن قد خرجت من مدينة دمنهور .. فمن أين تأتى التجارب .. ويزخر الرأس بالأفكار ..؟ فليسافر الأديب وليسافر ..<br /><br />ونهضنا ودخلنا فى المدينة مرة أخرى .. وعلى رأس شارع صغير .. سلمت على أدباء دمنهور .. وبقى معى عبد المعطى وغراب .. وأنزلانى ضيفا فى مضيفة رجل كريم لم أعرف إسمه إلى اليوم ..<br /><br />وفى الصباح لمحت ظل فتاة ناضرة البياض ، قادمة من الخارج .. ووضعت على المائدة قدحًا كبيرا من اللبن وفطيرا .. ولم أشاهد منها إلا ذيل ثوبها وقد أعجبت لسواده ..<br /><br />***<br /><br />وفى الضحى .. ودعت أدباء دمنهور جميعا .. وسافرت إلى الإسكندرية .. وكنت أحب الإسـكندرية كثيرا فى ذلك الوقت لجمالها ونظافتها ، وقلة سكانها .. ولأنها صورة ناضرة من المدن الأوربية التى شاهدتها فى رحلتى السابقة وفتنت بها ..<br /><br />* * *<br /><br />كان الأستاذ غراب يتردد كثيرا على الإسكندرية لقربها من دمنهور والمسافة قصيرة بكل سبل المواصلات السهلة .. فكان يحضر فى الضحى ويعود إلى دمنهور آخر الليل ..<br /><br />وذات ليلة التقيت به مصادفة فى محطة الرمل بالإسكندرية وكان معه الأستاذ صلاح ذهنى .. وكان الاثنان ينتظران أديبا من الإسكندرية فى مقهى إمبريال ، وقبل مجىء هذا الأديب عرفانى بأنه يتوق إلى معرفة المستشرقين ويعتز بصداقتهم كالأستاذ تيمور ليخرج أدبه من الدائرة المحلية إلى ما هو أوسع آفاقا وأرحب ..<br /><br />وقال أمين ضاحكا :<br />وستلقاه أنت الليلة على أنك مستشرق .. لأنه ما رآك من قبل ولا يعرفك .. وشعرك الأبيض الطويل سيجعله لا يشك قط .. ولا تعترض فنحن نريد أن نقضى ليلة ضاحكة .. وعلى فكرة إنه يكتب القصة أحسن منك .. وسترى ..<br /><br />وكان شعرى طويلا منفوشـا .. وبدلتى من قطعتين وكل قطعة بلون .. ومن طراز إنجليزى خالص .. ولا كواء ، ولا تنسيق ولا منديل يطل من الجيب .. ولا أناقة فى المظهر جميعه .. وبيدى حقيبة مليئة بالمذكرات والأقلام .. وسـأتكلم لمدة ساعة أو ساعتين بالعربية الفصحى ..<br /><br />وكنا قد ضحكنا كثيرا قبـل المشهـد ، فلمـا تقابلنا مع الأستاذ " سعيد " كان الموقف كله جادًا ، ولا يمكن لمخلوق أن يكتشف فيه مظهر التمثيل ..<br /><br />رحب بنا الأستاذ " سعيد " وكان الترحيب بى مضاعفا ، ولاحظت أنه هادئ ، وديع ، وكريم الخلق إلى حد بعيد ، فكدت أندم ، وأكشف أوراقى لولا نظرة صارمة من صلاح ذهنى أرجعتنى إلى ما اتفقنا عليه ..<br /><br />وأخذت أحادثه ، وأثنى على قصصه ، وشكر الأستاذ تيمور الذى كان أول من دلنى عليه بأن بعث إلىَّ بمجموعته القصصية .. وكم عرفنى تيمور بأدباء وقصاصين ، وأرسل إلىَّ كتبهـم بالبريد دون أن يعرضوا هم .. وبذلك استطعت أن أكون فكرة شاملة عن الأدب المصرى ..<br /><br />وابتهج الأستاذ " سعيد " عندما سمع هذا وطار من الفرح .. وعشانا فى نفس المكان ..<br /><br />ولكن أمين قال له بالعامية التى لا أعرفها :<br />ـ الأكلة دى ما تنفعش .. ولازم تعزمه فى بيتك .. لأنه عاوز يشوف بيت مصرى .. واحنا مالناش بيوت هنا فى الإسكندرية ..<br /><br />فرد سريعا :<br />ـ طيب فى البيت يا أخى .. بكره الغدا فى البيت ..<br />وترجموا لى الحديث بالعربية الفصحى .. فاعتذرت وقلت :<br />ـ إن ميعادى مع تيمور بك غدا فى القاهرة .. وقد عرفته فى رسالتى بيوم وساعة الوصول ..<br /><br />فقال غراب سريعا :<br />ـ سنرسل له برقية ونعرفه بأنك ستصل إلى القاهرة بعد غد فى نفس الميعاد ..<br /><br />واسترحنا إلى هذا المخرج ..<br />وفى اليوم التالى كنا فى بيته .. وكان بيته من الفخامة إلى درجة أذهلتنى وجعلتنى أعجب وأتساءل كيف يخرج من هذا العز أديب ..؟ وما هى المشاكل التى يمكن أن تحرك وجدانه ..؟<br /><br />وكان يتحدث بالفرنسية مع أهل بيته .. وقد شعرت بالخجل لأنه اندفع فى حماس إلى وليمة فاخرة ..<br /><br />وبعد أن فرغنا من الطعام .. وضعت أمامنا صحون ملونة صغيرة ممتلئة بالماء وفى كل صحن ورده .. فتعجل أمين ووضع يده فى الصحن حتى لا نتصور أنه خشاف ونرفعه إلى فمنا .. وكان بارعا وسريع الخاطر فى هذه الحركة ..<br /><br />وفى اليوم الذى حددته لسفرى إلى القاهرة لمقابلة الأستاذ تيمور ، جاء الأستاذ سعيد يودعنى فى محطة " مصر " ، وكان يرافقه غراب وصلاح ..<br /><br />وسألنى " سعيد " بأدب قبل تحرك القطار :<br />ـ هل ستقابل جميع الأدباء فى القاهرة ..<br />ـ بالطبع .. ولهذا جئت من بلادى ..<br />ـ سـلامى إذن إلى أستاذنا .. الزيات وأرجو أن تحرص على مقابلة .. توفيـق الحكيم .. وإبراهيم المصرى .. وعبد الرحمن الشرقاوى .. وثروت أباظه .. ويحيى حقى .. ونجيب محفوظ .. وعبد الحليم عبد الله .. ويوسف جوهر .. وسعد مكاوى .. ومحمود البدوى إذا وجدته ..<br /><br />فقال صلاح ذهنى وهو ينفجر من الضحك :<br />ـ محمود البدوى .. ما هو واقف قدامك فى القطر يا مغفل ..<br />وضحكنا .. وضحكنا .. وأصبح هذا الأديب الإسكندرى من أعز أصدقائى ..<br />=======================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت بمجـلة الثقــافة ـ العــدد 75 ـ ديسـمبر 1979وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف و ليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر ط 2006<br /></span><br />=======================================<br /><br />(5)<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">بريق القاهرة يجذب القصاصين<br /><br />من ذكريات<br /><br />محمود البدوى</span><br /><br />وجذب بريق القاهرة أمين غراب أولا ثم عبد المعطى المسيرى .. ثانيا .. وكان الجذب فى قوة المغناطيس وشده .. ولم تستطع نصيحة من صديق مخلص ، أو كلمة تخرج من فم عاقل أن تمنع ذلك .. وقد أفاد واستفاد غراب من هذا الانتقال ..<br /><br />ولكن عبد المعطى خسر خسارة كبيرة .. خسارة مادية ومعنوية .. فقد كانت قهوة المسيرى منتدى أدبيا عامرا .. وحافلا على الدوام بالأدباء من القاهرة والإسكندرية ودمنهور ..<br /><br />وكان عبد المعطى قطب الدائرة والخلية منتجة ونشطة ، وتظهر آثارها .. فى كتاب يطبع فى دمنهور أو الإسكندرية لقربها من دمنهور ..<br /><br />كان المجتمع الأدبى منتجا ومفيدا .. ولم تكن اجتماعات القهوة تنتهى إلى مناقشات بيزنطية تذهب مع الريح ..<br />كما أن عبد المعطى كان يستفيد ماديا من القهوة أضعاف أضعاف استفادته من وجوده فى القاهرة ..<br /><br />ولكن الرياح تجرى بما لاتشتهى السفن ..<br />***<br /><br />انتقل أمين غراب إلى القاهرة واشتغل فى وزارة المواصلات .. وأخذ ينشر قصصـه فى المجلات .. ويتصل بالسينمائيين لتتحول قصصه إلى أفلام ..وساعده اشتغاله فى دمنهور بالتمثيل على هذا الاتصال .. كما ساعدته لياقته وكياسته على الاستمرار فيه حتى آخر مرحلة من حياته .. فبعد موته عرض له فيلم جديد لم يعرض فى حياته ..<br /><br />***<br /><br />وتأسس نادى القصة .. كما صدر الكتاب الذهبى .. وكان أمين غراب عضوا فى نادى القصة ، ورئيسه طه حسين .. فعرفه غراب وأصبح قريبا منه ، وشديد الاتصال به ، والاعجاب بأسلوبه .. إلى حد تقليده .. فى التكرار وكثرة المترادفات ..<br /><br />وكان مقر " نادى القصة " فى ذلك الوقت فى ميدان التحرير وسكرتيره هو يوسف السباعى .. ولم يكن قد استعان بأحد على عمل السكرتارية ..<br /><br />وكان أعضاء النادى الكبار فى السن يحضرون الاجتماعات دائما ، ولا يتخلف منهم إلا القليل ..<br /><br />كان اسـتاذنا توفيـق الحكيم يحضر بعصاه وغطاء رأسه .. وعلى وجهه الصمت والتـأمل .. كما كان يحضر فريد أبو حديد .. ويحيى حقى .. واحسان عبد القدوس صاحب فكرة النادى ، وهو الذى عندما راودته الفكرة عرضها على يوسف السباعى فنفذها هذا سريعا بطريقته التى لا يشوبهـا التردد .. فقد كان احسان صديقه الأوحد .. وأحبهم إليه ، وأكثرهم قربا منه .. والفكرة جميلة وعملية ..<br /><br />أجزل الله المثوبة لصاحب الفضل فيها .. وظل النادى من وقتها .. مصباحا للقصاصين الشبان ومنارة .. وكما قلت وأعيد القول بأن مسابقاته السنوية المشجعة تجرى فى جو من العدالة المطلقة وبعيدا عن كل الأهواء ، مما لايحدث مثله فى أى مكان آخر فى مصر ..<br /><br />وظل النادى طوال هذه السنين محتفظا بمكانته كمركز نشاط أدبى له آثاره .. فبعد يوسف السباعى .. جاء ثروت أباظه .. بنشاطه وحيويته ومركزه الأدبى .. ثم محمود يوسف .. بحماسه .. وابتكاراته وخبراته الطويلة ..<br /><br />وكان يتردد على " النادى " الكثير من الأدباء البارزين .. وذات ليلة دخل من الباب الدكتور عبد الحميد يونس ومعه صديقه ومرافقه محمد حموده .. وكان الدكتور عبد الحميد قد أسند إليه الإشراف على صفحة الأدب فى جريدة الجمهورية .. ورأى أن يتوج هذه الصفحة بنشر قصة قصيرة فيها ، وأدرك بحاسته السادسة أن أحسن مكان يلتقى<br />فيه بالقصاصين هو ناديهم .. وعرض الفكرة فى إيجاز وطلب من الموجودين جميعا قصصا .. وقدمت له فى اللقاء الثانى قصة باسم " لجنة الشباك " وأنا لا أتصور أنها ستنشر ، لأنها تحمل سخرية مرة قاسية بهذه اللجان التى تشكلها أجهزة الدولة وتشل كل مشروعاتها النافعة بل تقتلها إلى الأبد .. والضحية من هذه اللجان دائما الشعب المسكين ..<br /><br />ولما كانت الثورة فى ذلك الوقت قد بدأت حياتها باللجان على نطاق واسع ، وأراد رئيس التحرير أن يبعدها عن هذا العصر ، لهذا أضـاف فى أول القصة كلمات " حدث من سنين بعيدة " ونشرت القصة ..<br /><br />كما نشر الدكتور عبد الحميد يونس قصصا كثيرة فى هذه الصفحة الأدبية .. لعبد الحليم عبد الله .. والسحـار .. وسـعد حامد .. وسعد مكاوى .. وأمين غراب .. وغيرهم ..<br /><br />وكانت الجمهورية فى ذلك الوقت فى قمة ازدهارها .. ويشرف عليـها وعلى دار التحرير جميعها .. بما تخرج من صحف ومجلات .. أديب من رجال الثورة .. يشرف عليها أديب كانت تنتظره البلاد وتعرف أنه سيأتى .. لأنهـا أول من سمعت صوته بالصدق ولا يمكن أن يخدعها .. يشرف عليها من غسل لمصر عارها .. بعد ذلك بسنين .. ورد إليها كرامتها كدولة ذات حضــارة ومجـد .. وأنقذهـا من هوان الهزيمة ، وانكسار النفس الموءودة .. التى خربها القهر والذل والخوف .. وأصبحت عددا ولا عدد .. وماتت فى النفوس كل صفات المروءة والفضل والشجاعة ، التى تدعو إلى اغاثة الملهوف ، وعون الجار ، والأخذ بيد المريض المسكين .. وتسلطت الأنانية والجشع والحقد بكل صورها البشعة .. إلى أن جاءها هذا الرجل الصادق الذى سمعت صوته لأول مرة .. فرد لهذه النفس الموءودة روحها ..<br />كانت جريدة الجمهورية فى ذلك الوقت ، يشرف عليها الرئيس أنور السـادات ، بطل الحرب وأول من انتصر على إسرائيل فى كل حروبها مع مصر .. وأول من دعا للسلام وهو منتصر ..<br /><br />وكانت له وهو فى الجريدة لمسـات انسانية تنبىء عن دخيلة نفسه الصافية .. وتواضعه .. فهو الذى يبدأ بتحية كتابها فى الأعياد .. يرسل إليهم بطاقات الدعوة فى كل عيد ..<br /><br />وكنت أراه فى طرقات جريدة الجمهورية يحيى الجميع فى تواضع جم وعلى وجهه الابتسامة التى أراها على وجهه الآن .. وجه انسان مبتسم يملك الارادة والعزم .. وبهذه الابتسامة انتصر لأنها تحمل القلب العامر بالأيمان .. فالله لايخذل المؤمن أبدا ..<br /><br />مشاعر وقلب أديب ملهم .. خاض كل المعارك مع خصومه ، وهو يحمل قلب انسان .. وانسان كبير .. يحب شعبه ، ويسعى لخيره واستعادة مجده .. وبهذا القلب الانسانى انتصر وسيظل منتصرا ..<br /><br />حملت معى إلى نادى القصة ذات مساء مجموعة قصص صدرت لى حديثا " حدث ذات ليلة " وكان فى النـادى .. طه حسين .. وتوفيق الحكيم .. ويوسف السباعى .. والسحار .. وغراب .. فأهديت نسخة إلى طه حسين ومثلها إلى توفيق الحكيم .. وتركت الثلاث نسخ الباقية على مكتب يوسف السباعى ..<br /><br />وفى الأسبوع التالى .. جاء الدكتور طه إلى النادى وسلمت عليه مع المسلمين ، وبعد أن استراح قليلا أخذ يتحدث عن قصص المجموعة .. ويلخص كل قصة فى ايجاز فيه كل اللمحات الإنسانية .. مع التركيز على لب القصة ومحورها .. وقد شكرته فى خجل شديد .. وأنا مذهول من هذه الذاكرة الفذة .. فقد كان يسرد وقائع نسيتها وأنا كاتبها ..<br /><br />ولما صدرت لى مجموعة " العربة الأخيرة " رأى غراب أن أهديها للدكتور أيضا .. فأهديتها له .. وحمل إلىَّ أمين فى نفس الأسبوع كتاب " الفتنة الكبرى " للدكتور ردًا على هديتى ..<br /><br />وتحدث الدكتور طه بعد ذلك بسنوات فى الإذاعة عن بعض الأدباء وكتاب القصة الجدد ولم أسمعه .. وحدثنى من سمعه أنه عندما أراد أن يذكر اسمى .. كان قد نسيه .. فقال محمود ال .. ال .. ال .. البدوى ونطق البدوى بعد ثوان من التوقف ..<br /><br />وكان لقائى الأول مع طه حسين فى النادى كما أسلفت ، واللقاء الأخير فى بيته عندما مرض ، ورأى المرحوم يوسف السباعى أن يجتمع مجلس إدارة النادى فى بيت الدكتور بالهرم ، وكان ذلك فى آخر أيامه رحمه الله ..<br /><br />ولكن غراب كان وثيق الصلة بطه حسين .. ويتردد عليه بصفة مستمرة ومنتظمة .. وكان يحبه كثيرا .. وعرف من كثرة تردده على منزل طه ، ابراهيم الابيارى .. واستفاد غراب من الابيارى استفادة كبيرة دلته على الكثير من الكتب التى تنفعه .. وأحيانا كان الابيارى يحملها له بنفسه ..<br /><br />وكان المجلس الأعلى للفنون والآداب قد أنشىء فانتقل إليه غراب كوظف .. وأصبح له نشاط وعمل يتصل بالأدب وفنونه ..<br /><br />ويوسف السباعى .. كان السكرتير العام للمجلس .. فازدادت صلة غراب به .. حتى أصبح من أصدقائه المقربين ..<br /><br />وكان غراب قد انتقل إلى القاهرة بأسرته .. وأصبح يتحرك بسيارة يمتلكها .. وله تطلعات مادية كبيرة .. فاستغرق فى الأفلام .. التى تدر له الأيراد ، لأن الكتب لا تنفع .. ولا تغنى من جوع .. كما أن المرتب فى المجلس قليل .. وأخذ يسعى إلى تحسينه .. وكان يساعده على ذلك كلما سنحت الفرص صديق له .. فى ديوان الموظفين .. وكان هذا يعد المذكرة بكل الأسانيد القانونية ويضعها جاهزة أمام يوسف السباعى .. فيرقيه وهكذا إلى أن ارتفع راتبه .. وساوى الكبار من الموظفين ..<br /><br />وكلما مرت الأيام ازداد صلة بيوسف السباعى وقربا .. حتى أمسى من أعز أصدقائه .. وسافر غراب إلى بلد عربى ، كعضو من أدباء مصر فى أحد المؤتمرات الأدبية التى انعقدت هناك ، وعرف بعض العرب وأصبح من أصدقائهم .. وكان دائب السهر معهم فى القاهرة .. إلى الشهور الأخيرة من حياته ..<br /><br />وكان فى هذه الشهور يذبل ويذوى ، وعلامات الموت بارزة على صدغيه ..<br /><br />***<br /><br />وجذب بريق القاهرة المسيرى .. وكانت قد سمعت بعصاميته وموهبته سيدة جليلة ترعى الأدب .. فاستقدمته .. واشتغل فى مجلة نسائية وأدبية كانت تصدرها على نفقتها .. وسر عبد المعطى من النقلة وغمره فرح باهر .. كالفرح الذى يغمر الريفى وهو ينزل فى محطة القاهرة لأول مرة .. ويرى الأنوار والأضواء والجمال فى كل مكان ..<br /><br />وعلم به طه حسين .. فأعجب بعصاميته كذلك ، وقدم له كتابا .. وكان عبد المعطى يفخر بهذا التقديم ..<br /><br />وقد التقيت به فى ذلك الوقت .. وكان الفرح يغمر كيانه كله ، والأحلام الذهبية تسيطر على تفكيره .. وترسم له خطوط المستقبل المشرق ..<br /><br />ولكن حدث ما جعله يترك القاهرة ، فى مدة اغتراب لا تزيد على سنة .. وعاد عبد المعطى آسفا إلى دمنهور .. وإلى القهوة .. ولكن تطلعاته إلى أنوار القاهرة لم تنقطع ..<br /><br />وكما توظف غراب فى المجلس الأعلى للفنون والآداب من غير شهادات .. لماذا لايتوظف هو ..؟<br /><br />وهكذا جاء عبد المعطى إلى المجلس وتوظف .. براتب قليل .. وهو يتطلع إلى ما هو أحسن .. ومثله غراب .. وجاء بأسرته فى الوقت الذى ارتفع فيه مستوى المعيشة .. وأحس بالضيق المادى .. وكان يكتب فى الصحف ، ولكن أجرها يطير فى الهواء ، ولا يحس بأثره فى بيته .. فأخذ يطلب من يوسف السباعى الزيادة فى المرتب كما زاد أمين غراب ..<br /><br />ولكن يوسف لا يجد المبررات التى تساعده على ذلك .. وغراب ضم له مدة خدمته فى بلدية دمنهور مع مدة خدمتـه فى وزارة المواصلات .. وعبد المعطى .. ليست له مدة خدمة فى أية جهة حكومية قبل المجلس .. فكيف يزاد ..<br /><br />رفع يوسف السباعى راتب عبد المعطى إلى الحد الذى يستطيعه .. أو الذى يريده .. ولكن عبد المعطى لم يرض بذلك .. ووقعت الوقيعة بين عبد المعطى ، ويوسف السباعى وزادها أخوان السوء سوءا على سوئها ..<br /><br />ولم يكن عبد المعطى فى لياقة غراب .. فيطوى الأمر فى جوانحه إلى أن يجد الفرصة لبلوغ غرضه ، بل كان يصرخ ويتذمر لكل من قابله .. ويقول اشمعنا غراب عمل له .. وعمل له .. وأنا لا .. اشمعنا ..<br /><br />وكلما قابلت عبد المعطى فى جمعية الأدباء اشتكى لى .. وكنت أهدىء من ثورته وسخطه ما استطعت ، وأحـاول أن أجعله يملك أعصابه .. ولما كنت نادر الاتصال بيوسف السباعى .. فقد رأيت أن أكلم عبد الرحمن الشرقاوى ليعرض شكوى عبد المعطى على يوسف .. بكل تفاصيلها الدقيقة وبكل ظروفه المعيشية القاسية .. فهو لا يستطيع الرجوع إلى القهوة .. بعد هذا الانقطاع الطويل .. كما أنه لا يستطيع العيش فى القاهرة كموظف بهذا المرتب ..<br /><br />ولكن كل هذا لم يجد ..<br /><br />ولقى الفنان الأصيل ، والأديب الملهم عبد المعطى ربه .. وما أحسبه إلا كان متألما منا جميعا ..<br /><br />وعبد المعطى يملك الأسلوب والموهبة ، كأديب وكاتب قصة ، ظهر فى جيل متفتح للكتابة بنشاط غريب .. وكان العصر كله عصر أدب خالص يتغلغل فى النفوس ويملك الأفئدة .. ويسيطر على المشاعر ..<br /><br />ففى هذا العصر الذهبى للأدب كان من المحامين ، والقضاة والأطباء والموظفين ، من يملك ناصية البلاغة فى خطبه ومذكراته ومقالاته ، وكانوا يضمنون كتـاباتهم وكلامهم الآيات القرآنية وخطب بلغاء العرب .. كسحبان .. والحجاج .. وزيادة ..<br /><br />ومنهم من كان يعرف من كتب التراث ما لا يعرفه الدارسون لها الآن ، والمتخصصون فى هذا الباب ..<br /><br />وفى هذا العصر الأدبى المشرق الزاهر .. الذى يفخر ويتيه بالأفذاذ من الكتاب والشعراء المصريين عاش عبد المعطى وكتب ..<br /><br />كتب لولده :<br />" ولدى ..<br />ما من مرة قبلتنى إلا وأحسسنا معا بأننا قد عشنا كل ما فى وسع الإنسان أن يعيش وظفرنا بكل ما فى الوجود من نعيم ، وقبلة منك تجعلنى استقبل الحياة بعزم جبار ، وتهون علىَّ أثقالها وأعباءها .. وتنسينى تجهمها وهمومها .. وتصعد بى إلى دنيا غير دنيا الناس ، آنس إلى صفوها وألتذ بنعيمها ، حتى إذا عدت إلى دنياهم كنت أحسنهم راحة واستجماما وصفاء .. أتذكر أنك أشرت مرة إلى صورة قائد عظيم وتمتمت بما يفهم منه أنك تحب أن تكون مثله ..؟ بكيت يا ولدى لأنى أعرف أن فقرى يحول بينى وبين ما تريد .. ويقعد بى عن انشائك كما أحب وكما ينبغى أن ينشأ الأولاد فى هذا العصر .. بكيت لأن أولاد الفقراء لم يتهيأ لهم طريق العلم كما هو الحال فى الأمم الناهضة ..<br /><br />نعم اننى فقير ولكننى كنت سعيدا بفقرى أحوله إلى غنى وسعادة ، كنت إذا تنبهت عينى لمشهد من مشاهد الدنيا ، تيقظ قلبى فاسغنى وأغنـاها ..كنت أمشى فى المروج فأشهد الطبيعة الباسمة ، والقمر الزاهى ، والبحر الضاحك ، فأضحك من تهافت الإنسان على الصغائر ، وأحمد الله الذى سوى بين الناس فى المسائل الكبرى فجعلها اشتراكية فى الماء والهواء والطبيعة ..<br /><br />لى فيك أمل قوى جبار حينما تنشأ وتبلغ قدرك .. لأنك ابن رجل فقير بنفسه ولا يجد حرجا من القول بأنه استطاع الكثير رغم ما صادفه من عثرات ..<br /><br />استطاع أن يظفر بعطف زعيمة النهضة النسائية " هدى شعراوى " وزعماء الأدب طه حسين وأحمد أمين وتيمور والرافعى وتقدير المستشرق العظيم " كراتشفوفسكى " واستطاع أن يملأ الصحف بكتابته ويشغلها بالحديث عنه ..<br /><br />واستطاع أن يخرج للآن كتابين فى الأدب والاجتماع ومازال يرجو ويعمل لاصدار عشرين ..<br /><br />واستطاع أبعد من ذلك .. استطاع أن يوفق بين مهنته وعمله فى القهوة وبين الأدب ، فوزع أعصابه توزيعا منتظما ليس فى طوق كل إنسان .. فهو عدة رجال فى رجل ان استقام هذا التعبير ..؟<br /><br />عاش أبوك فى جحيم الحياة لاعلى هامشها ، فأنتج للوطن أولادا وللفن ألوانا .. ووفق لذلك وفى عنقـه أسرة كثيرة المطالب ، كبيرة العدد ، ورغم أنه لم يذهب إلى المدرسة ولم يجلس إلى أستاذ ، وكان فى بيئة تيسر للمرء اقتحام الرذيلة والجرى وراء الملذات .. ولكن من ذلك لم يلهه عن المساهمة فى الأدب والتأثير فيه ..<br /><br />كان يحاسب نفسه كل يوم عما أضافه لعقله من التعليم والتثقيف .. كما يحاسب رواد القهوة على ثمن المشروبات .. "<br />صـ22 من كتاب الظامئون طبعة سبتمبر سنة 1936 وفى هذا الكتاب نشر قصة " بيت الحظ " وهى من أجمل قصصه ..<br /><br />وكتب طه حسين فى جريدة الوادى يرد على عبد المعطى :<br />" وأشهد أنى قرأته مرتين ، ووجدت فى قراءته مرتين ، لذة قوية ومتاعا خصبا ، وأحسست اعجابا عظيما بهذا الرجل الذى استطاع أن يثقف نفسه .." ..<br />وقد جعل عبد المعطى هذه الكلمة .. على غلاف كتابه " فى القهوة والأدب " الذى صدر سنة 1938<br />====================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت الذكريات فى مجلة الثقافة ـ السنة السابعة ـ العدد 76 ـ يناير 1980 وفى كتاب " ذكريات مطوية لمحمود البدوى من اعداد وتقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى " مكتبة مصر ط 2006<br />====================================</span><br /></strong></div><div align="center"><strong></strong></div><div align="center"><strong>(6)<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">ذكريات مطوية<br />محمود محمد شاكر ومجلة العصور<br />بقلم محمود البدوى</span><br /><br />التقيت بالأستاذ محمود محمد شاكر فى مجلة الرسالة للزيات فى أول عهدها بالصدور .. وكانت فى حى عابدين .. وكان الزوار من الأدباء والشعراء قلة .. لأن الأستاذ الزيات يريد أن يتفرغ لعمله الذى يقوم به وحده .. ولأن معظم المقالات ترد بالبريد .. والبريد مفخرة لمصر فى الدقة والنظام ..<br /><br />وفى هذا الجو الهادىء تحدثت مع الأستاذ شاكر .. وتفتحت نفسى له .. وتعدد اللقاء .. ثم أصبحت أزوره فى بيته ..<br /><br />وكان يسكن فى ذلك الوقت فى أقصى أطراف ضاحية مصر الجديدة من الناحية الغربية .. وكان بيته نهاية البيوت فى تلك المنطقة .. وأمامه فضاء واسع .. ورمال بيضاء شهباء لاتغفل عنها عين الشمس ..<br />ثم خزانات المياة التى تغذى الضاحية الجميلة ..<br /><br />والجلوس فى شرفته بعد غروب شمس الصيف .. متعة للبصر وراحة للنفس .. فمن هذا الفضاء الفسيح تهب نسمات الغروب منعشة وصافية وطليقة لا تحدها عمارات ولا مداخن .. ولا يزعج المتأمل فى السكون الشامل .. ضجيج السيارات ولا زعيق الباعة ..<br /><br />ان هذا الشارع يسمى الآن شارع عبد العزيز فهمى .. ويسير فيه المترو المسمى بنفس الاسم إلى أطراف واحة عين شمس ..!<br /><br />وكان الأستاذ شاكر يقيم فى الطابق الرابع إذا أغفلنا الأرضى ..<br /><br />وفى شرفته الواسعة المطلة على الصحراء .. جلسنا وشربنا الشاى وتحدثنا عن الأدب ورجاله .. وكان يقوم على خدمته طباخ فوق الخمسين من عمره .. كان فى بيت والده وأخذه الأستاذ شاكر بعد وفاة المرحوم الوالد .. وأبقاه عنده .. ولحرص الأستاذ على كتبه العربية النادرة والوثائق الأدبية التى لا تقدر بثمن .. كان من العسير عليه أن يستخدم غيره فى بيته .. والكتب تملأ الصالة ، وحجرات المنزل من الأرض إلى السقف .. وكان المكتب فى حجرة على يسار الداخل وفيها يطالع ، ويكتب لقراء العربية روائعه ..<br /><br />وكنت اصطحب معى فى الزيارة التى كانت تحدث غالبا مع غروب شمس يوم الجمعة وفى أيام غير متقاربة .. المرحوم الدكتور أحمد عبد المنعم البهى الأستاذ السابق بكلية الشريعة جامعة الأزهر .. والذى كان سكرتيرا لتحرير جريدة المصرى حتى وهو طالب ..<br />كنت أصطحبه أو أرافق المرحوم هلال شتا الموظف بمجلس الأمة ..<br /><br />وكان الاثنان من أشد الناس اعجابا بالأستاذ شاكر فيما ينشره بالمقتطف والرسالة ..<br /><br />وكنا نجد عنده الشاعر محمود حسن اسماعيل .. وكان قليل الحديث سارحا فى تأملاته .. ولا نرى فيه إلا شعرا هائجا منفوشا وعينين حمراوين تدوران كالزئبق الرجراج ..<br /><br />وقد رافقنى المرحوم محمود حسن اسماعيل .. والشاعر الفنان صلاح عبد الصبور فى بعثة ثقافية عام 1973 إلى تفليس .. والشاعران صديقان حميمان من قديم الزمن .. وكنت أحسبنى سأكون دخيلا عليهما فى هذه البعثة .. ولهذا شعرت بالتحفظ الذى هو من أخص طباعى .. ولكن بعد ساعة واحدة من وصولنا إلى هناك وجدت فيها من نبالة النفس ، وسماحة الخلق .. ما يجل عن الوصف .. وكان صلاح عبد الصبور من الكرم الحاتمى إلى الحد الذى جعلنى أسأله هل هو شرقاوى أو صعيدى ، فإذا هو يجمع بين الاثنين معا !!..<br /><br />فقد غطى كرمه وتفتحه النفسى على الوفد الذى معه .. " وكنا نرى فى وجوه المسلمين فى تفليس السرور الذى شاهدوه فى أعيننا وقلوبنا .. ولما دخلنا المسجد فوق الربوة التى غطتها الثـلوج .. انزوى محمود حسن اسماعيل فى ركن وتوهجت عيناه .. وعند ئذ أدركت أن هاجسه الشعرى قد هبط وتملكه ..<br /><br />وكان الأستاذ شاكر يقول لنا .. بعد شرب الشاى .. وصلتنى اليوم قصة من يحيى .. يقصد الأستاذ يحيى حقى .. ( وكان وقتها فى الخارج بالسلك السياسى ) .. وكان يحيى يبعث له بالبريد قصة .. لنشرها فى المجلة التى يختارها الأستاذ شاكر ..<br />ولا يزال يردد .. يحيى قال .. يحيى فعل ..<br /><br />وكان الأستاذ شاكر معجبا بصديقه يحيى إلى الحد الذى يتصور معه المستمع أنه لايوجد كاتب فى مصر يكتب القصة مثل يحيى حقى ..<br /><br />والأستاذ شاكر رهين كتبه وهو مثل الجاحظ لايبرح بيته إلا نادرا .. ولكنا لسبب لا نعرفه أصبحنا نتلاقى فى قهوة بور فؤاد ثم فى قهوة بشارع دوبريه ( تحولت الآن إلى متجر ) وكان يحيى حقى .. يجيىء فى الأجازات إلى هذه القهوة ..<br /><br />وقد رأيته لأول مرة فألفيته وديعا رضيا قليل الكلام .. ولا أدرى كيف انطلق فى هذه الأيام وأصبح من خطباء الإذاعة ..!!<br /><br />وفى القهوة انضم إلينا طبيب الأسنان الدكتور رمزى مفتاح والمرحوم غريب والشاعر أحمد فتحى مرسى .. ورفيقه فى زمالة الحقوق والشعر الشاعر إبراهيم طلعت .. كلما جاء من الإسكندرية لعمل فى القاهرة .<br /><br />وكان الدكتور رمزى يحضر بعد انتهاء عمله فى العيادة .. وحديثنا يدور عن الكتب الجديدة .. وكان الكثير منها للعقاد والمازنى .. وكان الدكتور رمزى .. وغريب لا يحبان العقاد كشاعر وينتقصان منه .. وأنا وهلال وفتحى مرسى وطلعت .. ندافع عنه بحرارة ككاتب وشاعر من أفذاذنا ومفاخرنا .. وقال لى هلال .. " إن غريب يكره العقاد .. لأنه اشتغل فى جريدة فيها العقاد .. وكان العقاد السبب فى نقص أجره الشهرى .. فحملها له وظل يحملها " ..<br /><br />وكان غريب هجاءً من طراز نادر .. كما كان السبب فى غلق الكثير من الصحف والمجلات أيام صدقى باشا والوفد .. وقد جر معه المرحوم هلال .. الذى كان موظفا فى مجلس الأمة .. وكان يكتب معه المقالات السياسية ويوقعها باسم مستعار ..<br /><br />وكانت هذه المجلات تصادر جميعها .. ولا تعيش أكثر من أسبوع .. الصـاعقة .. الضحى .. وغيرهما كثير .. وفى مجلة من هذه المجلات كتب " جبان خسيس " .. تحت رسم للرسام رخا .. سبا قذرًا فى صدقى باشا .. وظهر العدد وفيه هذه السبة الوقحة وسجن بسببها رخا خمس سنوات ..<br /><br />وإلى اليـوم لا يعرف رخا .. ولا صاحب المجلة .. ولا المحررون فيها .. ولا عمال الطباعة .. من الذى كتب هذه السبة اللعينة ..<br /><br />وما أصاب رخا .. أصاب المرحـوم هلال ولكن بطريقة أخرى .. اخف من السجن .. فقد مر السكرتير العام للمجلس الذى يعمل فيه هلال ( والمجلس وقتها وفدى والحكومة وفدية ) .. مر فى صباح يوم على مكتب هلال ( بعد وشاية من زميل ) فوجده يكتب بداية لمقال سياسى عنوانه " تحت اللواء " .. فالتقط المقال بخفة الثعلب .. ونقل هلال من مجلس الأمة .. إلى كاتب قيودات فى أرشيف مديرية الجيزة .. وقد لاقى المسكين العذاب الأكبر من جراء هذا النقل .. وقد استغرقته فحولته عن الأدب مع أنه بدأ بداية طيبة وكان يمكن أن يكون له شأن لو استمر فى طريقه الأول ..<br /><br />وتحت اللواء يعنى تحت العلم المصرى .. ولا أدرى الذى كتب فى سياق المقال ، وكان السبب فى العقاب ..!<br /><br />ولم تكن هذه الحوادث درسًا ملموسًا لى لأبتعد عن السياسة وعن الكتابة فى هذه المجلات .. فأنا بطبعى وتكوينى الخلقى لا أحب السياسة ولا الأحزاب وأكرهها كره الأعمى للحفر فى الطريق .. ولا يمكن لإنسان يحب العزلة ليقرأ ويكتب أن يشترك مع الجماهير فى ضجيجها وصخبها .. على أى صورة من الصور .. وحب الوطن ومن خدمه بإخلاص وأمانة من رجالنا الأفذاذ عبر التاريخ كله .. سيظل محل الاحترام والتقديس ما دامت الحياة ..<br /><br />وأبطالى مصريون خلص .. وما أشرت فى أية قصة من قصصى إلى شخصية وفدية أو سعدية أو خلافهما .. فالذى يجابه الاستعمار ويحـاربه أيام الاستعمار الإنجليزى هو مصرى خالص المصرية ..<br /><br />وكان غريب الذى درس فى الأزهر .. متفقا فى المشارب والذوق الأدبى واختيار أروع القصص .. مع الدكتور رمزى الذى درس فى طب الأسنان بمصر .. وسافر كثيرا إلى لندن .. وليس فى هذا غرابة .. فالذوق السليم يأتى من الفطرة .. وبالسليقة ..<br /><br />وكلما كان الإنسان عميق التفكير .. بعُد نظره وحسن اختياره ، ولهذا التوافق فى المشارب ، كان الاثنان لا يفترقان إلا نادرًا ، وكأنهما يلبسان ثوبا واحدًا .. وغريب مسلم .. ورمزى مسيحى .. ولكن الفنان الأصيل بطبعه .. لا يخطر على باله التعصب الدينى ولا يفكر فيه قط .. ولا يحسب حسابا لفارق الدين ..<br /><br />أما المتعصب فساقط من المجموع .. ومحتقر من زمرة الأدباء وزمرة الشعراء والناس أجمعين ..<br /><br />وكان غريب وهو المتزوج الوحيد فينا يولم لنا وليمة فى كل مولد نبوى .. بيته فى مساكن الشركة الواسعة بمصر الجديدة .. ولم يكن الأستاذ شاكر يحضر معنا هذه الوليمة .. لانشغاله بكتبه ومقالاته .. وكنا نجد الفرصة فى غيابه للاشادة بكتبه ومقالاته .. وأسلوبه الفذ المتفرد الذى أكتسبه من اطلاعه الواسع الدقيق فى كل ما كتبه بلغاء العرب .. وحرصه الشديد على اختيار الألفاظ وسلامة الجملة وبلاغة المعنى ..<br /><br />وفجأة ودون تمهيد وجدت الأستاذ شاكر يحدثنى عن اصدار مجلة أدبية .. ولا أدرى متى نشأت فى رأسه هذه الفكرة واختمرت إلى حيز التنفيذ ..<br /><br />والأستاذ شاكر إذا فكر فى شىء يندفع إليه بقوة .. عرفنى أنه قابل الأستاذ إسماعيل مظهر واتفق معه على معاودة إصدار مجلة " العصور " وبقوة الصاروخ وانطلاقه وجدته يجمع المقالات ويعد العدة لإصدار المجلة ..<br /><br />وكنا نجتمع فى قهوة بورفؤاد .. وطلب منى قصة .. وكتابة القصة تستغرق منى وقتا طويلا قد يصل إلى شهر أو أقل أو أكثر .. حسب حالتى النفسية وتجاربى السابقة .. وهضم هذه التجارب والانفعال بها .. وخشيت ألا أستجيب لطلبه .. فأشعر بوخز ضمير شديد الوقع ..<br /><br />ووفقنى الله فى كتابة قصة .. وقرأها وأنا جالس معه فى القهوة .. وتناقشنا فى بعض ألفاظها وهو دقيق للغاية فى سلامة التراكيب واختيار الألفاظ المناسبة للمعانى .. وقد تعلمت منه اختيار اللفظ الذى يرسم الصورة الذهنية الدقيقة فى رأس القارئ .. ويرسمها بوضوح دون غموض أو لبس ..<br /><br />وفى الجلسات التالية .. جاء معه المرحوم سعيد العريان وكان الأستاذ شاكر قد اتفق على طبع المجلة فى مطبعة مجلة الإسلام وصاحبها أمين عبد الرحمن .. فانتقلنا إلى المطبعة بشارع محمد على ..<br /><br />وكنت أشـعر بسعادة غامرة .. وأنا أشاهد دوران المطبعة عن قرب .. وخروج الملازم مطبوعة .. والأستاذ شاكر مستبشر ضاحك .. وسعيد العريان يبتسم فى وداعة واستبشار .. والسعادة بادية فى الجو كله على وجه الطابع والناشر وصاحب المجلة الجديدة ..<br /><br />وكنا نحن الثلاثة نكتب فى مجلة الرسالة .. ولم نشعر قط بوخز الضمير فقد كان الجو الأدبى يتسع لعشرات المجلات الأدبية ..<br /><br />ولكنا علمنـا أن أستاذنا الزيات تأثر .. وتضايق وخشى من المنافسة .. لأن العصور أخذت الكثير من كتاب الرسالة ..<br /><br />وصدر العدد الأول من مجلة العصور فى عهدها الجديد ورئيس تحريرها الأستاذ شاكر .. صدر فى طباعة جميلة وإخراج أجمل ومقالات قيمة .. ونفد المطبوع جميعه وزادت فرحة الأستاذ شاكر فلم يكن يتوقع مثل هذا الانتصار .<br /><br />وأخذ يعد العدة بكل طاقته للعدد الثانى .. وكان المرحوم سعيد العريان أكثرنا فرحا .. وكان هو الذى يراجع بروفات الطبع .. وقرأ قصتى وأبدى رأيه فيها .. وظلـت صلتى به قوية من وقتها إلى أن سافرت فى بعثة وزارة التربية .. كأديب .. إلى الهند والصين واليابان .. وكان هو فى ذلك الوقت وكيل وزارة التربيـة .. فوجدته يذكر الصلة القديمة بكل ما فيها من ود وصفاء .. وسر جدا لوجودى فى هذه البعثة .. وقد ذكرته بالخير كأديب عربى أصيل فى كل مكان حللت فيه ..<br /><br />علمنا أن الزيات تضايق من صدور مجلة " العصور " ولم نكن نفكر فى هذا قط ولا نتوقعـه لأن الجمهور كان يقبل على قراءة المجلات الأدبية بشكل مثير ..<br /><br />ولم يكن الأستاذ شاكر من طبعه التراجع .. فأقبل على إصدار العدد الثانى بالحماس الذى صدر به العدد الأول ، وفى نفس المطبعة ..<br />ونفد العدد الثانى كما نفد العدد الأول ..<br /><br />والأستاذ شاكر طويل القامة فى نحافة .. حاد الصوت والنظرة ، فيه عنف العربى إذا أثير .. ولكنه مع صلابته يلقاك بالبشاشة والود .. وما لقيته إلا مبتسما .. وحتى بعد هذا الانقطاع الطويل .. عندما قابلته فى اتحاد الكتاب منذ سنتين .. وجدت فى قلبه وعينيه نفس الابتسامة ونفس الود القديم ..<br /><br />والأستاذ شاكر كأديب من أعلامنا نفخر ونعتز به ، يكن لاثنين بالمودة الخالصة .. فؤاد صروف ويحيى حقى ..<br /><br />وفؤاد صروف لأنه عالم وأديب .. وعندما تولى هو وشاكر اخراج النسخة العربية من مجلة المختار ، كان المختار فى عهدهما درة من الدرر التى تقرأ بالعربية لحسن الاختيار ودقة الترجمة ورصانتها والاحتفاظ بروح الكاتب الأجنبى وأسلوبه وفنه ..<br /><br />ويحس القارىء بالفارق الكبير بين عهدهما وعهد من جاء بعدهما ..<br /><br />ومع هذا فقد سمعت من الأستاذ شاكر .. أنه كان يتمنى ألا يسند إليه هذا العمل وأرجعت ذلك إلى وطنيته المشتعلة فى نفسه دوما ، ولكرهه الشديد للإنجليز المستعمرين لبلادنا وقتها .. ولأن بعض الأجانب الآخرين كانوا ذيولا لهم ..<br /><br />أما يحيى حقى فيكن له بالمودة لأنه صديقه ويؤمن به ككاتب وأديب فى طليعة كتابنا ..<br /><br />ولسبب لا أعرفه أنا ولا المرحوم سعيد العريان لم يصدر العدد الثالث من مجلة " العصور " ..<br /><br />وكانت صدمة تلقيناها بالصبر والتأمل .. ككل الصدمات فى حياتنا ..<br /><br />==================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت الذكريات فى مجــلة الثـقافة ـ السنة السـابعة ـ العـدد 78 ـ مارس 1980 وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف و ليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر ط 2006<br /><br /></span>==================================<br /><br />(7)<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">ذكريات مطوية<br />مجلة العروسة تعود من جديد<br />بقلم محمود البدوى</span><br /><br />لا أدرى كيف وقع علينا الأخ " طلبة " الاسم مستعار .. ومن أى كوكب هبط .. وكان الأخ طلبه يعمل مندوبا للإعلانات فى الصحف المصرية وكان كثـير الحركة دؤوبا متنقلا يقع على فريسته من أول جولة .. وكنا فى مجلسنا فى مقهى بور فؤاد .. عندما جاءنا ذات مساء وقال لنا إن دار اللطائف قررت إعادة إصدار مجلة العروسة بعد إحتجابها الطويل وعهدت إليه هو أن يختار هيئة التحرير ..<br /><br />وقد اختارنا وهو على يقين بأننا لن نرفض هذه الفرصة الذهبية .. فالمجلة معروفة فى السوق ورئيس تحريرها من أعلام الصحافة .. وعودتها محررة بأقلامنا ستكون إنتصارًا لنا ونحن فى بواكير الشباب ..<br /><br />وكان رئيس التحرير معروفا جدا فى الوسط الصحفى .. فلم تكن هناك حاجة لرئيس تحرير جديد ..<br /><br />وكان الأخ طلبة على صلة بواحد منا ويعرف مكاننا من المقهى الذى نجتمع فيه كل مساء .. ويعرف أننا جميعا من أدباء الشباب المشتعلين حماسة للكتابة والنشر .. وفينــا شـاعران .. فتحى مرسى .. وإبراهيم طلعت .. وأديبان .. هلال شتا وأنا ..<br /><br />ووافقنا نحن الأربعة على العرض فى أول جلسة فى المقهى ولم نحدد الأجر .. ولكنا اشترطنا شرطا واحدا .. شرطا قاطعا وهو أن لا يتدخل أحد فى الدار مهما تكن صفته فى التحرير .. ووافقوا على ذلك ..<br /><br />وفى مساء اليوم التالى إجتمعنا وذهبنا إلى الدار .. وكانت فى عمارة بباب اللوق بجوار محطة حلوان .. وصعدنا إلى مقر المجلة ..<br /><br />وكان المقر جميـل التنسيق ونظيفـا والحجرات واسعة والمكاتب أنيقة ..<br /><br />ولاحظنا لافتات بصيغة الأمر على الحوائط والأبواب .. لا تدخن فى المصعد .. لا تفتح باب المصعد أثناء حركتـه .. إضغط على الزر هكذا .. لا تشد السيفون بعد الساعة .. وكثير غير ذلك من الأوامر والمحظورات ..<br /><br />ولما كان مقر المجلة نظيفا ومرتبا ورائع التنسيق فإن هذه اللافتات لم تضرنا فى شىء .. وإن أضحكتنا .. ولكن أثرها كان واضحًا وبارز النتيجة ، فدور الصحف التى دخلناها قبل هذه الدار كانت مثالاً للفوضى وسوء النظام .. فالمطبوعات ملقاة على الأرض ، والمكاتب يعلوها الغبار ، والنوافذ والأبواب فى غاية القذارة .. فلماذا نضحك على النظام ..؟<br /><br />***<br /><br />وبدأ العمل من جانبنا فى إخراج المجلة وتحريرها .. وكان عندهم فى الأرشيف مجموعة طيبة من الصور .. فأخذنا نختار ما يلائم العروسة .. وبرز التجـديد والابتـكار واضحين فى طريقة عرض الصور وفى التحرير ..<br /><br />وكنا نشترى المجلات الأجنبية من القروش التى فى جيوبنا علاوة على المجلات التى عندهم وما أكثرها .. لنتخذ منها المثل .. ولنثبت وجودنا كمحررين مجددين نحمل الذوق الفطرى إلى التجويد والتطور ..<br /><br />واخترنا الموضوعات السهلة وترجمنا الجيد السهل مما يهم المرأة فى زينتها وحياتها اليومية ..<br />وصدر العدد الأول .. وكان من الأعداد الجميلة ..<br /><br />***<br /><br />وكان العدد الثانى معدا .. ولكنا إشترطنا أن نتفق على الأجر وأن نقبض ثمن العدد الأول قبل صدور العدد الثانى .. وحدثنا الأخ " طلبة " بذلك ونحن فى مكاننا من المقهى .. ورأى الإصرار فى وجوهنا ، فغاب عنا يومين وفى اليوم الثالث دس فى يد أحدنا ظرفا مغلقا وشرب القهوة وخرج .. ولما بارح المقهى فتحنا الظرف وإذا بداخله ورقة واحدة بخمسين قرشا .. وبهتنا .. ولكنا ضحكنا بعد المفاجأة كثيرا ..<br /><br />فقد خدعنا الملعون بنذالة ، وأخذنا نفكر فى تقسيم المبلغ .. ورأينا أن نعطيه لمن يدخن منا نحن الأربعة .. ولما أدركوا أننى سأصبح المظلوم الوحيد .. عدلوا عن ذلك وتعشينا بالمبلغ من كباب الحسين وشربنا الشاى الأخضر عند الفيشاوى ..<br /><br />***<br /><br />وافترقنا بعد العشاء .. ورأيت أن أذهب إلى بيتى ماشيا وأستمتع بقاهرة المعز الجميلة فى هدأة الليـل .. وكنت أسكن فى شارع قدرى بالسيدة زينب .. فرأيت أن أسير من الغورية إلى المغربلين ثم اخترق شـارع محمد على إلى الحلمية الجديدة .. ومنها إلى شارع قدرى ..<br /><br />وكان رأسى يشتعل بقصة رأيت أن أكمل خطوطها فى رأسى قبل تسطيرها على الورق .. ويسهل على ذلك وأنا سائر وحدى ..<br /><br />وفى الصباح بدأت فى كتابة القصة ، وكان الجو حارًا وبالغ الحد فى حرارته .. ومع ذلك واصلت الكتابة لأن القصة كانت تجربة قاسية فى عربة من عربات الموتى فى الليل والظلام والوحشة والكآبة ..<br /><br />وكانت الكآبة تلفنى وأنا أكتب .. فحاولت التخلص منها بالكتابة ولهذا واصلت العمل حتى الساعة الثالثة بعد الظهر ..<br /><br />وسمعت وأنا أكتب نقرا على الباب .. فتحركت إليـه .. وفتحتـه .. ووجدت عاشور عليش على الباب .. وكانت هـذه أول زيارة له .. واللقاء الثانى بيننا ..<br />ودخلنا إلى المكتب .. ووجدنى أكتب ..<br /><br />فسألنى :<br />ـ قصة جديدة ..؟<br />ـ أجل ..<br />ـ وأنا جاى عاوز قصة ..<br /><br />وفهمت من عاشور .. أن جريدة يومية كبرى .. تريد أن تخرج مجلة إسبوعية على غرار مجلة آخر ساعة .. وعهدت إليه مع صحفى آخر بجمع مواد هذه المجلة الجديدة وإخراجها ..<br /><br />وسألته :<br />وما اسم هذه المجلة الجديدة ..؟<br />ـ كليوباترا ..<br />ـ ومتى ستصدر ..؟<br />ـ فى أول الشهر ..<br />ـ هكذا بسرعة ..<br />انتهى الأمر إلى هذا ..<br />وأنا لا أحب أن تقلد مجلة مجلة أخرى .. والمجلات التى خرجت لتقلد من قبلها .. لم تعش طويلا وماتت ..<br />وأعطيته بعد يومين القصة التى كنت أكتبها ..<br /><br />وصدرت المجلة ونشرت القصة برسم جميل يعبر عنها .. ولكنى شعرت بغصة فى حلقى وأنا أقرأ الجزء الأخير منها .. فقد حدث خلط فى الجمع والتوضيب .. وتقدمت فقرات من القصة على فقرات ..<br /><br />وأصبحت القصة فى نظرى غير مفهومة .. ولكن هذه الحساسية الشديدة نحو القصة لم يلاحظها سواى لأنى المؤلف .. أما القراء وحتى عاشور .. الذى اعتاد على مثل هذا الخلط .. لم يلاحظ شيئا ذا بال غير من صلب القصة ..<br /><br />أما أنا فقد بقيت مرتاعًا إلى أن نشرت القصة على وجهها الصحيح فى كتاب " العربة الأخيرة " ..<br /><br />وكنت بالإسكندرية يوم صدر العدد الأول من مجلة كليوباترا الذى نشرت فيه القصة ، وقابلت هناك مصادفة فى محطة الرمل المرحومين هلال وغريب .. ولم يلاحظا سرورى بالقصة ..<br /><br />وقال غريب لهلال :<br />ـ محمود .. هكذا أبدا .. لا يدرك الجيد الذى يكتبه قط وقد يعجب بأقل القصص قدرا .. ولكن الجيد المميز لا يدركه أبدا .. ويظل فى وسواسه ..<br /><br />وكان حقا ما يقول .. فما أعجبت بشىء كتبتـه قط .. وقد يأتى الإعجاب عرضا لفترة قصيرة ثم يذهب لأن القصة كتبت فى جو كنت أحبه .. أو أن أشخاص القصة لهم أثرهم فى نفسى ..<br /><br />وتريحنى القصة بعد كتابتها ونشرها راحة نفسية مطلقة ، ثم ما يلبث أن يعاودنى القلق مما أحس فيها من قصور ونقص لم أدركه ساعة الكتابة وقبل النشر وأظل فى هذه الدوامة المعذبة أدور .. وأدور ..<br /><br />وعاشور عليش خلية نشاط ليس لها من ضريب وهو يفتح لك الأبواب المغلقة ويعديك بحماسه ونشاطه .. وهو معروف فى وسطه الصحفى وبين أقرانه بأنه أستاذ الأساتذة فى " توضيب " الصفحة ووضع العناوين الملفتة للأنظار .. فنان أصيل ..<br /><br />وقد اشتغل فى السوادى والزمان والمساء والجمهورية ..<br /><br />وفى الزمـان كان معه عبد العزيز الدسوقى .. وعبد العزيز الدسوقى .. انسان نبيل الصفات .. وما شاهدته إلا باسما .. حتى فى أشد ساعاته انشغالا بالعمل .. باسما ومرحبا .. وهما خصلتان لا تجدهما إلا لمن تربى فى حضن الريف .. ونبع من عراقة وأصالة ..<br /><br />فى الزمان عرفت عبد العزيز الدسوقى لأول مرة .. وظل مع نهجه وطبعه منذ عرفته .. يسعده أن يعطى أصدقاءه من كرمه وخيره ولا يأخذ ..<br /><br />ولما رأيت بعـد ذلك بسنين أن أهديه مجموعة قصصية كان السبب فى نشرها ، لأنى بطبعى لا أتحرك لناشر .. وجدته قد رفع الإهداء دون أن أعلم .. وحال بينى وبين التعبير بالشكر عن كل ما غمرنى به من معروف ..<br /><br />وفى جريدة الزمان كنت ألقاه هو وعاشور عليش .. وأشعر براحة كبرى مع أنى لم أتقاض طوال صدور الزمان مليما واحدا أجرا لقصة ..<br />ولكن كنت أحس بوجودى كأديب وكاتب قصة ..<br /><br />وهما اللذان فتحا نفسى وقلبى للكتابة فى بكائر أيامى .. وما شعرت معهما إلا بالوفاق والتشجيع على مواصلة السير فى طريقى ..<br /><br />وكان عاشور عليش بعد سكنه فى مصر الجديدة يسأل عن سبب انقطاعى كلما شعرت بالكآبة النفسية وتوقفت ، وما يزال بى حتى يجعلنى أتحرك من جديد ..<br /><br />ولما قامت الثورة سنة 1952 كان عاشور عليش أول المتحمسين لها والمعجبين بها ، فألف كتابا سماه " القسم " كان طابعه وناشره ..<br /><br />وخسر فيه الكثير .. ولكن حبه للثورة جعله ينسى الخسارة ..<br /><br />وظل على نهجه وحماسته وقوة دفعه .. وكلما التقيت به دفعنى إلى الكتابة وأشعل فى قلبى الحماس والأمل إلى شىء جديد ..<br />وفى ضوء هذا الأمل نعيش ونكتب ..<br />=================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت فى مجلة الثقافة ـ العدد 83 ـ أغسطس 1980 وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف و ليلى محمود</span> البدوى ـ مكتبة مصر ط 2006<br />=================================<br /><br /><br />(8)<span style="font-size:180%;color:#6633ff;"><br />ذكريات مطوية<br />أمين حسونة أول شهيد فى الحرب من الأدباء<br /><br />بقلم محمود البدوى</span><br /><br />التقيت بمحمود تيمور لأول مرة فى مقهى " رجينا " بشارع عماد الدين .. وهو المكان المختار للأدباء والفنانين وكان يجلس معه أمين حسونة وزكى طليمات .. وكنت أجلس مع صحبة من الأدباء الشبان فى زاوية من المقهى بالناحية الغربية ..<br /><br />ومقهى " رجينا " يقع فى موقع جميل من الشارع على يمين المتجه إلى محطة مصر .. وقبل عمارات الخديو بخطوات قليلة .. وكان بديع التنسيق نظيفا تغطى موائده المفارش وتتخلل أركانه أصص الزهور ..<br /><br />وكنا لا نتخلف عنه ليلة واحدة لجماله وطراوة هوائه وعلى الأخص فى الصيف فهو يستقبل الهواء من بحرى بسخاء ونعومة ..<br /><br />وكانت الحركة الأدبية نشطة بل فى أوج نشاطها بما ينشر فى المجلات والصحف والكتب من فنون الأدب ..<br /><br />***<br /><br />وذات ليلة ونحن فى مجلسنا المعتاد بالمقهى .. رأيت إنسـانا أنيـق الملبس والمظهر يتحرك نحونا .. وقال طه عبد الباقى بسرور .. ينبهنا ..<br />ـ تيمور بك ..<br />ووقفنا وسلم علينا جميعا ..<br />وقال فى صوت هادئ واضح النبرات :<br />ـ أهنئك على كتابك " رجل " .. (وكنت قد أهديته له) ..<br />وأخص بالذكر قصة الأعمى .. أعجبتنى للغاية ..<br /><br />وشكرناه ووقفنا بجانبه وكنا ثلاثة أكثر من دقيقتين نتحدث فى مجال الأدب .. ثم بارحنا ورجع إلى مكانه ..<br /><br />وسألت طه فى استغراب :<br />ـ الرجل النبيل تحرك من مكانه بكل شهرته الأدبية ومكانته ليحيى شابا صغيرا .. ما أنبل هذا وأعظمه ..<br /><br />فقال طه معقبا :<br />ـ الرجل العظيم هو أكثر الناس تواضعا .. ولو رجعت لسير العظماء فى التاريخ ما وجدت هذا يخل بمقدار شعره..<br /><br />***<br /><br />وكانت فرقة فاطمة رشدى تقيم حفلات نهارية كثيرة للطلبة بتذاكر رخيصـة .. فكنــا نذهـب إليهـا ونخـرج منهـا إلى المقهى مباشرة ..<br /><br />وبعد قليل يقبل تيمور ومعه أمين حسونه .. وكان تيمور يطلع على كل جريدة ومجلة تصدر فى مصر والشام والمهجر العربى .. وكان المهجر فى ذلك الوقت يصدر مجلات وصحفا عربية متعددة .. وجميع هذه ترسل لتيمور على عنوانه المعروف للجميع والذى كان يثبته فى آخر صفحات كتبه ..<br /><br />وكان تيمور يتصفح هذه المجلات وهو جالس فى مكانه من المقهى .. فإذا نهض تركها لمن يريد الاطلاع عليها من صحابه وجلسائه .. وكان أمين حسونه يتوق إلى معرفة أخبار المستشرقين وأحوالهم ودراستهم وله ولع شديد بهم .. فكان يتلهف على الاطلاع على ما فى تلك المجلات ..<br /><br />وتيمور إنسان مهذب رقيق الاحساس ومجامل إلى أقصى درجات المجاملة ..<br /><br />وكتبه تسيل سيولة وعذوبة وقد وصف الحياة فى المجتمع المصرى بروح الفنان الملهم .. وكان محمد تيمور الأخ الأصغر قصير العـمر قليـل الإنتـاج .. أمـا هو فقد امتد به الأجل وكتب الكثير ..<br /><br />ويقول عنه د . سيد حامد النساج كمؤرخ أدبى متمكن قد يتخصص أن أسلوب تيمور تغير بعد دخوله المجمع اللغوى 1955 كعضو عامل .. وأصبح يعنى بانتقاء الألفاظ .. وبعض هذه الألفاظ كانت نافرة وأفسدت جو القصة ..<br /><br />وكان تيمور يقيم مآدب فى محل الجمال بشارع عدلى .. حفلات شاى لتلاميذه ومحبيه .. وقد حضرت حفلة واحدة منها ..<br /><br />كما كان كثير الإهداء لكتبه .. يهدى بمجرد التعارف مع الشخص ومعرفة ميوله الأدبية ..<br /><br />والكتب المهداة لا تقرأ .. ولكنه لم ينقطع عن هذه العادة التى تأصلت فى نفسه ..<br /><br />وندر أن كنت ألقـاه وحده فى الطريق حتى وهو يتجول فى الشوارع .. يترك عربته بجوار جروبى أو الجمال .. ثم يخرج ليتجول .. وكنت أجد فى صحبته دائما .. أمين حسونة .. ثم فوزى سليمان .. وأخيرا رستم كيلانى .. وأصبح رستم كيلانى من أشد المعجبين به ومن أقرب تلاميذه ومريديه ..<br /><br />كما رافقه فوزى سليمان مدة طويلة فى جولاته الأدبية وسهراته فى المسارح ..<br /><br />وكان تيمور الإنسان المؤدب المهذب الواسع الشهرة يجعل الكثيرين يستريحون إلى صحبته ..<br /><br />وقد صاحبه أمين حسونة مدة طويلة .. وكان من أكثر الناس التصاقا به واعجابا بأدبه ..<br /><br />وكان أمين حسونة موظفا فى مصلحـة السكك الحديدية ومسرورا بوظيفته فى هذه المصلحة لأنها تجعله يركب قطارات السكة الحديد فى أقطار أوربا جميعا مجانا .. ( كما كان يقول ) ..<br /><br />وأمين حسونة يحب السفر وبسبب حبه للسفر لقى حتفه فى طائرة حربية .. وكان أول شهيد فى الحرب من الأدباء ..<br /><br />ولقد لقيته مصادفة فى مركب يعبر البحر المتوسط وكان معه فوج سياحى يتجه إلى المجر .. عن طريق الدانوب .. فسر لذلك كثيرا وأننى مع الفوج ، ولكننى صححت له الوضع وقلت له أنى ماسافرت فى حياتى مع فوج من الأفواج قط .. وأنا أتحرك وحدى لأشاهد الناس عن قرب وأعيش معهم .. وليس لأشاهد المعالم والآثار .. وهى مقصد شركات السياحة فى الأعم الغالب .. وقال لى حسونة أنه سيحرص على مقابلة فرويد بالنمسا فى هذه الرحلة .. وكان فرويد فى قمة شهرته لنظرياته الجديدة عن السلوك الجنسى والأحلام مع دعاية مركزة من الصهيونية العالمية لكل ما هو يهودى .. وقد تصدى له أدلير وبونى فطمسا الكثير من نظرياته ..<br /><br />وكان أمين حسونة يدخن " البيب " وندر أن تترك فمه ..<br /><br />***<br /><br />وعندما أنشئت جريدة الجمهورية .. وجدته ذات مساء .. جالسا فى الصــالة الكبـيرة المعــدة للمحررين وله مكتـب ، وفى فمه " البيب " .. وهكذا أصبح من محرريها ..<br /><br />وكان له وله غريب بالمستشرقين ، وذات يوم طلب منى صورة .. وسألته :<br />ـ لمن ..؟<br />ـ للمستشرق المجرى جرمانوس ..<br />ـ وهل هو فى القاهرة الآن ..<br />ـ أبدا سأرسلها له بالبريد ..<br />وأعطيته صورة ونسيت الموضوع ..<br /><br />ومرت سنوات .. والتقيت مصادفة بالأخ الكريم جبرائيل بقطر .. والذى ترجم لى عشرات القصص إلى الفرنسية .. وعلمت منه أنه مسافر إلى المجر .. فسألته :<br />ـ هل تستطيع مقابلة المستشرق المعروف جرمانوس ..؟<br />ـ أستطيع طبعا ..<br />ـ سمعت أنه ينوى عمل كتاب .. عبارة عن دراسة شاملة للأدب العربى .. فأرجو إن كان الكتاب قد صدر فعلا أن تأتينى بنسخة منه ..<br /><br />***<br /><br />وعاد .. جبرائيل بقطر من المجر وحمل لى نسخة من الكتاب فى أجمل طباعة .. وعليها توقيعات بالعربية من العقاد وتوفيق الحكيم وطه حسين ومحمود تيمور وباكثير .. وتصفحت مافى الكتاب من صور ، فأنا لاأعرف المجرية .. ووجدت به صورا للعقاد وتوفيق الحكيم .. وطه حسين .. وعبد الغنى حسن .. وتيمور .. ونجيب محفوظ .. والسحار .. وباكثير .. وصورة لى أنا أيضا ..<br />ومن الغريب أننى لم أجد صورة لحسونة فى هذا الكتاب ..<br /><br />ومات حسونة المسكين .. وكتم خبر موته ، لأنه مات فى طائرة حربية .. ثم تسرب الخبر كما تسرب الأخبار الميتة .. بعد أن تكون قد فقدت كل قيمة لمضمونها ..<br /><br />وكان أديب الإسكندرية نقولا يوسف يحب حسونة حبا جما .. وعلى صلة وثيقة به وبأسرته .. ولا أدرى أوفاه حقه كصديق .. أم غفل عن ذلك وطواهما الزمن معا ..<br /><br />=================================<br />نشرت فى مجــلة الثـقافة ـ العــدد 88 ـ ينــاير 1981 وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف و ليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر ط 2006<br /><br />=================================<br /><br /><br />(9)<br />ذكريات مطوية<br />محمود يوسف قمة الصفاء فى الإنسان<br />بقلم محمود البدوى<br /><br />كان محمود يوسف يحرر عمودا انسانيا فى موضع ثابت من جريدة المصرى اسمه " شموع تحترق " وفى هذا العمود كان يفيض من انسانيته ، وما فى قلبه من ينابيع الخير على القراء .. وكانت الرسائل التى ترد إليه باكية وحزينة ودامية .. وقد احترقت شموع أصحابها ، ويحاول محمود يوسف بكل مشاعره ونبض قلبه ، أن يمسح عن هذه القلوب الباكية أحزانها ، ويرد لهذه الشموع المحترقة نور الحياة ..<br /><br />وعندما انتقل محررا بجريدة " الشعب " نقل معه هذا العمود بكل مافيه من نبض الحياة ..<br /><br />وكان عبد الرحمن الشرقاوى يشرف على الصفحة الأدبية فى هذه الجريدة الجديدة " الشعب " فطلب منى قصة .. وكنت أكتب فى ذلك الوقت وأنشر قصصا بصفة منتظمة فى مجلات دار أخبار اليوم " الجيل " ومعى الكاتب القصصى سعد مكاوى .. ولكن لم أستطع رد طلب عبد الرحمن لمكانته الأدبية وموضعه من قلبى ..<br /><br />وكان سـعد مكاوى قد انتقل بدوره وأصبح محررا فى جريدة الشعب أيضا .. وبدأ العدد الأول من الجريدة بنشر قصة له .. ونشرت أنا قصة مثلها فى العدد الثانى .. وهكذا أخذت أنشر فى الشعب ..<br /><br />ووسع عبد الرحمن الشرقاوى من دائرة الكتاب فى الصفحة الأدبية ، فأخذ ينشر فيها عبد الحليم عبد الله .. وسعد حامد وغيرهما ..<br /><br />وفى جريدة الشعب التقيت بمحمود يوسف لأول مرة وقربنى منه الصفاء الذى وجدته فى معدنه .. وكلما مرت الأيام ازددت منه ألفة وصحبة ..<br /><br />ونشرت فى الجريدة قصة ، أصف فيها البطلة فى موقف من مواقفها " بأنثى الأسد " .. فأهاج ذلك القارئات والمصونات منهن على الأخص ، فوجدت عاصفة وأنا داخل فى الجريدة .. وتلقانى محمود يوسف ومحمود حنفى ( منفذ الصفحة ) بابتسامة متألقة .. وطيبا خاطرى .. كما وجدا الامتعاض على وجهى من ذلك الهياج الذى لا مبرر له ..<br /><br />وعلمت أن محمود حنفى " المسئول " دافع عن الكلمة بحرارة .. وطلب من المعترضات أن يأتين بكلمة بديلة تعبر عنها فى مثل دقتها ، فعجزن .. فالساقطة والمنحرفة والشهوانية .. كل هذه الكلمات لها معنى آخر .. لا تعبر عنه الكلمة التى نحن بصددها وما لازمها من وصف فى القصة ..<br /><br />وفى أثنـاء هذه العاصفـة دخلـت علينـا شـابة اوربيـة اسمها " فرجينيا " .. وكانت تبحث فى الجريدة عن محمـود يوسف .. فدلوها على مكتبه .. وجاءت مفترة الثغر متألقة .. وكانت فى الثانية والعشرين من عمرها جميلة ومنطلقة على عادة الغالبية من الأوربيات فى مثل هذه السن ، وهذا العصر ..<br /><br />وجلست " فرجينيا " تضحك مع محمود يوسف .. وكانت قد قابلته قبل ذلك مرارا فى دار الكتب .. لأنها تعد دراسة عن بعض الأدباء المصريين ووجدت فى دار الكتب خير عون لها ..<br /><br />وحدثها محمود يوسف عنى .. ولم أكن أنا فى قائمة من تعد عنهم بحثها .. فصرفتها عنى بلطف .. وبعد ذلك بيومين وجدتها فى مكتب محمود يوسف .. وكانت الليلة من ليالى القاهرة الحارة ، فخرجنا نحن الثلاثة لنتعشى عشاء خفيفا فى مطعم بشارع " الفى " وطلبت هى زجاجة من البيرة .. وحاولت بكل إغراء الأنثى أن تعطى محمود يوسف نصف كوب .. ولكنه رفض بإصرار .. فرفعت " فرجينيا " الكوب إلى فمها .. وهى مبتئسة .. وعاش محمود يوسف تقيا نقيا مذ عرفته ولم يضع قطرة من الخمر فى فمه ..<br /><br />ولما كانت " فرجينيا " تستعين به فى بحثها الأدبى ، فإنها كانت تلاقيه يوميا .. ثم انقطعت عنه فجأة وسأل عنها فى البنسيون الذى تنزل فيه فلم يجدها .. فتصور أنها معى .. وسألنى عنها .. فقلت له أنى ماقابلتها إلا معه .. وهى لاتعرف لى محل سكن .. وربما نسيت اسمى .. فأخذ كلامى بين مصدق ومكذب .. ولكنه ظل معى صافى النفس ودودا .. مع أن الدلائل كانت تحدثه بأنى قابلتها وأكتم خبر مقابلتها عنه ..<br /><br />وفجأة ظهرت " فرجينيا " فى جو القاهرة .. وبدت مكتئبة وصامتة على خلاف طبعها المرح .. واستطاعت السيدة التى تنزل عندها أن تعرف سر اختفائها وسبب اكتئابها .. فقد سافرت " فرجينيا " إلى مرسى مطروح برفقة شاب أحبته وقضت معه عشرة أيام هناك .. ثم رحل عنها الشاب إلى فرنسا ..<br /><br />وانتقل محمود يوسف من دار الكتب إلى المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية .. انتقل فى أول تكوينه .. وكان هو وزكى غنيم .. من الأعمدة الثابتة الأركان التى قام عليها المجلس ، فهما يعرفان كل خصائصـه ومقومات تكوينه ، ويرجع إليهما فى دقائق الأمور ..<br /><br />كما أن محمود يوسف كان ركنا هاما وحيويا وافر النشاط دائب العمل فى لجنة القصة بالمجلس .. وابتدأ فيها كسكرتير لها .. وكانت فى أيامه فى أوج نشاطها .. وأثرها فى المحيط الأدبى ملموسا ..من حيث الكتاب الأول لشباب الأدباء والجوائز التى تمنح لهم ..<br /><br />وهو مع زملائه فى العمل مثالا حيا للطيبة ونقاء النفس وطيب العشرة ولا أذكر أنه كانت هناك جفوة بينه وبين زميل ..<br /><br />وفى الجوائز التشجيعية كان صوته هو الذى يميل الميزان ..<br /><br />ولا أذكر فى حياتى الطويلة معه أن أحدا استطاع أن يثيره ، أو يعكر مزاجه الصافى .. وكان يلاقى الناس بالابتسامة والمحبة النابعين من القلب ..<br /><br />وعندما كان يرشح نفسه لعضوية جمعية الأدباء أو نادى القصة أو اتحاد الكتاب ، يفوز فوزا ساحقا .. والجميع يستغربون هذا الفوز مع أنه لم يتحرك لبذل جهد انتخابى ، بل يظل من بعيد متواريا فى الظل يرقب المعركة ، وهو واثق من الانتصار لأنه يجمع حوله كل هذه القلوب ، ويحتويها بانسانيته الصافية وجهده فى معاونة الناس ..<br /><br />ولا أذكر أن أحـدا طلب منه خدمة ولم يقطع النفس فى سبيل انجازها ..<br /><br />لقد أثرفى نفسه العمود الذى كان يكتبه فى جريدة المصرى واستغرق تفرغه لخدمة الناس كل كيانه . وما رأيت أحدا تدمع عيناه ، ويصيب قلبه الوجـع ، لبلوى تصيب إنسان لايعرفه ، ولا تربطه به صلة ، مثل الذى كنت أراه فى عينى وقلب محمود يوسف ، وهو يتوجع ويتألم لما يصيب الناس من بلوى ..<br /><br />وكنت كثيرا ما أراه مكتئبا مفجوعا .. وفى عينيه الحزن .. ثم أعرف أن سبب ذلك تصوره أنه آلم شخصا دون قصد منه ..<br /><br />وبالرجوع لحقيقة الأمر أعرف أن هذا التصور وهم خالص ..! وأنه مابدرت منه أذية ، ولا شبهها لذلك الشخص ..<br />نفس شفافة نقية عاشت فى جو لم تخلق له ..<br /><br />وكان محمود يوسف وثيق الصلة بثروت أباظه وبينهما حب وصداقة اشتدتا مع الأيام .. وكان ثروت كثير الدعابة له أثناء عملنا فى اللجان .. ولا يرد محمود يوسف على هذه الدعابة إلا باحمرار وجهه .. وأحيانا يجأر بصوته الجهورى .. ونسمع كلاما يغرقنا فى طوفان من الضحك ..<br /><br />وكان ثروت يعتمد عليه اعتمادا كليا فى نادى القصة واتحاد الكتاب لأمانته فى عمله واتقانه له ..<br /><br />وفى دار الكتب كنا نقرأ .. الأغانى .. وعيون الأخبار .. وتاج العروس .. وصبح الأعشى .. والمفضليات وأخبار النساء .. والعقد الفريد .. والبيان والتبيين .. والحيوان .. وأمالى القالى .. وأدب الدنيا والدين .. ومروج الذهب .. ومعجم الذهب .. ومعجم الأدباء .. وغير هذا .. وغير هذا ..<br /><br />والعرب بعد زحفهم فى الأمصار واختلاطهم بالروم والفرس لم يتركوا شيئا لم يدونوه فى كتبهم .. فقد كتبوا عن الفلك والنجوم والنبات والحيوان .. كمـا كتبوا فى الطب وعلم النفس وعلم الاجتماع .. وبدأ عصر التدوين الذهبى فى القرن الأول الهجرى .. ثم انسالت المعارف والعلوم كالبحر الزاخر فى كل فنون الحياة ..<br /><br />وكان محمود يوسف يقول لى قد تعجب إن علمت أن أدق الخلجات النفسية والحسية ، فى العلاقة التى بين الرجل والمرأة دونها العرب فى كتبهم بدقة وعلم يجلان عن الوصف ..<br />وفى كلامه الصواب كله فلا جديد تحت الشمس ..<br /><br />ومن هذه الذخيرة وهذا النبع المتدفق كان محمود يوسف يكتب " قال الفيلسوف " ..<br /><br />وكان البرنامج فى الإذاعة جميلا .. وأخاذا وبليغ التعبير وحسن الصياغة .. وطيب الوقـع فى نفس كل مستمع مهما كانت درجة ثقافته ..<br /><br />وقد استغرقت الإذاعة محمود يوسف فى أيامه الأخيرة فصرفته عن طبع وإعادة طبع الكثير من مؤلفاته ..<br /><br />فلعل المجلس الذى عمل فيه وأفنى عصارة حياته .. لعله يتولى طبع هذه الكتب ..<br /><br />كما أن من واجب الدولة التى خدمها باخلاص وأمانة أن ترعى السيدة أرملته .. وتوفر لها معاشا استثنائيا يليق بأرملة كاتب كبير وإنسان .. عاش حياته يخدم المستضعفين من الناس ..<br /><br />شغل محمود يوسف فى أيامه الأخيرة بعلاج عينه التى ضعفت من كثرة القراءة والبحث فى المراجع ، وحددت له عملية جراحية فى عينيه يوم 12/1/1981<br /><br />ولكن القضاء سبقه بعملية أخرى أراحته من كل العمليات التى يقوم بها البشر ..<br /><br />=================================<br />نشرت فى مجلة الثقافة ـ السنة الثامنة ـ العدد 89 ـ فبراير 1981 وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف و ليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر ط 2006<br /><br />=================================<br /><br />(10)<br />ذكريات مطوية<br />الشيخ صالح الأديب ودستويفسكى العظيم<br /><br />بقلم محمود البدوى<br /><br />كان الشيخ صالح أستاذنا فى اللغة العربية فى مدرسة أسيوط الابتدائية ، وكان هو الذى يعطينا حصة الدين .. وفى حصة اللغة كان شيئا عاديا ومألوفا كغيره من الأساتذة الذين يدرسون اللغة .. ولكنه كان فى حصة الدين شيئا آخر يختلف عن الآخرين ..<br /><br />كان فى حصة الدين يقص علينا السير .. بأسلوب أخاذ فى استفاضة وتطويل .. وكنا ننصت إليه خاشعين لطريقته فى الشرح .. وهو يبسط ذراعيه ويضمها طبقا لمقتضى الحال ..<br /><br />ومنه أخذنا نقرأ ونرجع فى شوق ولهفة إلى كل ما كان يشير إليه من هذه السير ..<br /><br />***<br /><br />وفى المدرسة السعيدية .. كانت توزع علينا .. ونحن فى الدرس .. وقد يكون درس هندسة .. الكتب الأدبية .. فى أجمل ثوب من الطباعة والتجليد .. مسرحـيات شـوقى .. أدب الدنيا والدين كليلة ودمنة .. المنتخب من أدب العرب .. قادة الفكر ..<br /><br />وكان الشيخ شتا .. وهو شيخ مع لبسه البدلة .. يجعلنا ننتقد أساليب الكتاب المعاصرين .. وانتقدنا أسلوب طه حسين .. وأنه كثيرا ما يطيل حيث يتطلب الأمر الإيجاز ويكثر من المترادفات ويستعمل لفظة غليظ فى إسراف .. وتبسم الشيخ شتا .. وقال لنا إن لفظة غليظ موجودة فى القرآن " عذاب غليظ " فقلنا له إن الوصف فى القرآن هو أدق وأبلغ موضع .. ولكن الأمر يختلف مع طه حسين .. لذلك اللفظ ..<br /><br />وكان الشيخ طموم يجعلنا .. نكثر من قراءة كليلة ودمنة حتى إننا من كثرة معاودتنا له حفظناه .. وما من كاتب فى الدنيا فى بلاغة ابن المقفع ..<br /><br />وفى البكالوريا .. كانت مقررة علينا مسرحية بالإنجليزية .. نحـب حيـاة " إبراهام لنكولن " وقد وجدنا فيها ما حببنا إلى الرجل بصفاته العظيمة .. وأخذت أقارنه " بعمر ابن الخطاب " والقياس مع الفارق بالطبع .. فعمر قمة القيم فى المخلوقات البشرية بعد الأنبياء والرسل ..<br /><br />ولكن خط حياتهما واحد .. عدل .. وصراحة .. ونظام .. وتقشف إلى درجة التصوف .. فى الحياة الخاصة .. ووقوف فى وجه الظلم .. واستضعاف الإنسان لأخيه الإنسان .. الفقير والضعيف عند عمر .. والعبيد فى الجنوب عند لنكولن ..<br /><br />ثم موت كل منهما بالاغتيال .. خنجر هناك فى المسجد ورصاصة هنا فى المسرح ..<br /><br />***<br /><br />وفى دراسة قيمة عن الأسلوب بالجامعة المصرية فى أوائل مراحل تكوينها ، سألنا الأستاذ ولا داعى لذكر اسمه وقد نسيته .. لأنه كان يتملق طه حسـين .. وكان طه حسين وقتها عميدا لكلية الآداب بالجامعة ..<br /><br />سألنـا الأستاذ بعد استعراضه لكلمة " بوفون " الخالدة .. " الأسلوب هو الكاتب " ..<br /><br />سألنا عن أجمل الأساليب فى الكتاب المعاصرين .. وكانت الغالبية من الطلاب خارجة من معطف " المنفلوطى " وعباءة الزيات " فقلنا المنفلوطى والزيات .. والمازنى .. والعقاد .. وصادق الرافعى ..<br /><br />وظهر على وجهه الامتعاض وهو يسأل :<br />ـ وطه حسين ..؟<br /><br />فأجبنا .. بأننا لم نقرأ له بالدرجة التى تجعلنا نحكم على اسلوبه ..<br /><br />وفى إجابتنا كل الصدق .. فقد كان المنفلوطى .. والزيات .. والمازنى .. والعقاد .. وصادق الرافعى .. هم بلغاء العصر فى نظرنا .. وأسلوبهم فى التعبير هو أجمل وأرق الأساليب ..<br /><br />***<br /><br />وبهذا التوهج والحب للكتاب والأدب .. انتقلنا من مرحلة الدراسة الابتدائية .. التى كانت المنبع لحب الكتاب إلى دار الكتب المصرية بباب الخلق .. لنتزود بالمعرفة وتتسع الآفاق فى البحث والدراسة ..<br /><br />فما الذى حدث للكتاب .. سحابة مظلمة زحفت عليه وكادت تحجبه عن العيون .. وكيـف تعيش أمة من غير أدب .. ومن غير كتاب .. ان الكتاب هو الزاد الروحى للأمة .. وهو الرئة التى تتحرك وتتنفس فى حياتها .. فكيف نمنع أمة من التنفس ..<br /><br />منذ سنوات طويلة .. وضعت قيود متحكمة على جلبه وتصديره .. كأنه سلعة ممنوعة .. وحجبت عنا وانفصلنا عن كل روائع الابداع فى الأدب والقصة والفكر الإنسانى ، وقد خففت القيود الآن ونرجو أن تزال نهائيا ..<br /><br />وقد حاول " بدر الدين أبو غازى " وكان فى موضع يتيح له التصرف رفع بعض هذه القيود .. ولكنه لم يوفق مع كل حسه الأدبى وتعاطفه كفنان ، لأن الضغط الروتينى الفوقى كان مستحكما ..<br /><br />وازدهر الكتاب .. وعم الأسواق فى عهد " عبد القادر حاتم " لأنه أديب وبحسه الأدبى كان يتصرف كإنسان ويعرف قيمة الكتاب بالنسبة لأمة ناهضة .. قد تعثرت كثيرا فى حياتها بسبب الاستعمار .. وتريد الآن أن تسترد مكانتها كأمة عريقة ذات حضارة ..<br /><br />ولو استعرضت حياتنا وتاريخنا .. لوجدت باليقين أن الإنسان الذى له ميول أدبية .. هو الذى يتسم بالصفات الإنسانية التى تسيطر على حياته .. ولا يستطيع مهما حاول أن يتخلص منها .. ولأن " أنور السادات " أديب قبل أن يكون حاكما .. اتجه إلى الأرامل .. وإلى معاش السادات .. اتجه إلى المستضعفين الذين لاحول لهم ولا قوة .. والذين فرغوا من تعب الحياة ..<br /><br />اتجه إلى ذلك بقلبه وبلمسته الإنسانية .. لأنه يعرف معنى التعب والجوع ..<br /><br />وقد يقول قائل ان ذلك من عمل الأجهزة المختصة ، فأقول له وأين كانت هذه الأجهزة عندما كانت تخصم ربع المعاش المستحق لهؤلاء المساكين وتجعله من حق الدولة ..!!<br /><br />كما يقول قائل .. ان المعاشات تزاد تلقائيا طبقا لجدول مرسوم فى كل الدول المتحضرة .. السويد والنرويج .. وانجلترا .. و .. و .. وأقول له لسنا كهذه الدول فى كثير من الأمور ..<br /><br />وان السادات هو أول من فكر فى هؤلاء الناس .. وبحسه الأدبى ولمسته الانسانية نفذ فكرته ..<br /><br />وبالأدباء والفنانين .. عاشت الأمم وانتصرت على كل مظاهر التخلف ..<br /><br />والأدباء هم الذين مهدوا للثورات الاجتماعية فى كل عصور التاريخ .. ورفعوا الظلم والاضطهاد عن الإنسان ..<br /><br />فقد مهد الأدباء وكتاب الرواية والقصة فى مصر ، وغالبيتهم من طبقة الشعب لثورة 1919 وثورة يوليو 1952 .. مهدوا لثورة 1919 بما واجهوا به الاستعمار الإنجليزى فى كتاباتهم وشخصيات أبطالهم ، وألهبوا الحماس وغرسوا بذور المقاومة والنضال حتى اندلعت ثورة 1919 ..<br /><br />كما أنهم بما صوروه من تسلط الاقطاع وبؤس حال الفلاح فى القرية والعامل فى المدينة .. وما يتعرض له كل واحد منهما من تمزق وضياع نتيجة للفساد .. قد مهدوا السبيل .. وهيئوا النفوس لثورة 1952 ..<br /><br />وفى فرنسا مهد " فولتير " و " روسو " و "سواهى " للثورة الفرنسية وغير هؤلاء وجه المجتمع الفرنسى ، وكان تأثيرهم على أوربا عامة .. وانتصروا لخير الإنسان ..<br /><br />ودافع " سارتر " مع تذبذبه بين العرب واليهود .. دافع عن الاستعمار الفرنسى فى الجزائر .. وكتب " عارنا فى الجزائر " ..<br /><br />وكان لما صوره " دكنز " من قذارة فى حوارى لندن وأزقتها .. وبؤس الصبيان فى الملاجىء .. والفقر والضنك والتشرد الذى يعيش فيه الفقراء من الإنجليز فى الاحياء المظلمة من هذه المدينة ..<br /><br />كان لما صوره دكنز الاشارة التى انطلقت لتغير وجه الحياة فى لندن وانجلترا كلها تغييرا تاما جذريا ..<br /><br />كما صور " د . هـ . لورنس " حال عمال المناجم ..<br /><br />ودعا إلى العودة إلى الطبيعة .. وإلى الهواء الطلق والنور ..<br /><br />كما دعا " روسو " .. قبله .. وهاجم الصناعة بعنف التى تقتل فى الانسان روحه كبشر .. وتحيله إلى آلة صماء فى يد من يدير المصنع ..!<br /><br />وفى أمريكا عالج " فولكنر " و " ارسكين كالدويل " و " جون اشتينبك " بؤس السود فى الجنوب وتعصب البيض وما يحيق بالنساء السود من عذاب واغتصاب ..<br /><br />وعالج " همنجواى " مآسى الحرب وما تجره على الإنسانية من ويلات واشترك فيها بلحمه ودمه ..<br /><br />اشترك فى الحرب الأهلية فى أسبانيا .. وفى الحرب العالمية الثانية .. وطار إلى أفريقيا .. وصور عذاب الإنسان فى كل مكان ..<br />والمرأة عنده هى الضحية الأولى لكل دمار ..<br /><br />كما مهد جوجول .. وتولستوى .. وتشيكوف .. وجارش .. وغوركى .. لتغيير وجه الحياة فى روسيا ..<br /><br />وكان " تولستوى " عظيما فى كتبه وحياته ..<br /><br />وتقدر رواية الحرب والسـلام من أعظم رواياته .. وكذلك .. البعث .. وأنا كارنينا .. وفى هذه الروايات يصل إلى أعماق النفس البشرية .. ويصور كل نوازعها الخيرة والشريرة ..<br /><br />كما استخرج من الحرب روحها الهمجية .. ومن السلام أمنه وخيره ..<br /><br />وعاش إلى آخر أيام حياته يفكر فى حال الفلاحين المساكين بقلب الفنان وروحه .. ثم وزع عليهم أملاكه الواسعة .. وهنا جاءت نهاية المأساة ..<br /><br />ثم " دستويفسكى " ذلك الكاتب العملاق العظيم مؤلف الجريمة والعقاب .. والأخوة كارامازوف .. وبيت الموتى .. ولقد لقى العذاب فى حياته .. عذاب الصرع .. وعذاب حكم الاعدام .. وعذاب النفى إلى سيبيريا ..<br /><br />وعذاب من عاشرهن من النساء .. المتقلبات الميول والأهواء ..<br /><br />ولاحقه العذاب حتى بعد موته .. حاولوا وأد كتبه .. ومنعها عن القراء .. ثم شعروا بالخجل لما وجدوها أصبحت تترجم من الروسية وتقرأ فى جميع أنحاء العالم على نطاق مذهل ..<br /><br />ودستويفسكى .. هو أول من اكتشف بحاستة السادسة وبصيرته ونظرته العميقة إلى داخل النفس البشرية .. أول من اكتشف أن المجرم يعـود إلى مكان الجريمة .. وهذه النظرية العلمية اكتشفها بعده العالم " لامبروزو " بعشرات السنين ..<br /><br />ثم " تشيكوف " فى قصصه القصيرة .. الذى نفذ إلى أعماق النفس البشرية وتأثر به كتاب العالم أجمع فى واقعيته وتصويره لحياة الناس البسطاء الذين لايفكر فى مصيرهم أحد .. ولا فى عذابهم إنسان ..<br /><br />ولقد ذهب إلى جزيرة " سخالين " وعاش فيها مدة طويلة لعصور ويشاهد حياة هؤلاء البسطاء التعساء عن قرب ويلمس جراحهم ..<br /><br />وكان " مكسيم جوركى " القصاص العظيم فى الذروة من هؤلاء فى عبقريته وتأثيره على كتاب العالم أجمع ..<br /><br />ولقد أثر هؤلاء الكتاب فى حياة الشعب الروسى ومهدوا لكل ثورة وتغيير اجتماعى ..<br />كما أثر غيرهم فى كل بقاع العالم ..<br /><br />فالكتاب هو المصباح بعد كل ظلمة .. وهو النور الخالد والباقى على الزمن ..<br /><br />ويجب أن يعود الكتاب فى مصر كما كان رخيصا وأنيقا ..<br />وذلك ليس بحلم بعيد المنال ..<br />====================================<br />نشرت فى مجلة الثقافة ـ السنة الثامنة ـ العدد 93 ـ يونية 1981 وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر 2006<br />====================================<br /></strong></div><div align="center"><strong>(11)<br />ذكريات مطوية<br />القلق النفسى والابداع<br />بقلم محمود البدوى<br /><br />كان الممثل الألمانى أهيل جاننز .. يعيش فى دوره إلى درجة أذهلت العالم .. كان يتقمص الشخصية التى سيمثلها ويعيش فيها بكليته وجزئيته .. فى غدواتهـا وروحاتها وفى أكلها وشربها وفى نومها وصحوها .. وفى درجة صوتها فى النطق وأسلوبها فى التعبير .. وطريقة معاملاتها مع النـاس .. وفى كل حركـة تصدرها فى البيت وخارج البيت ..<br /><br />وقد رأيت هذا الممثل يمثل دور سائق قطار بعد عذاب الأسر فى الحرب .. وقد انخلع عقله وحسه تماما من تعذيب الأسر .. ومع ذلك أجبروه على أن يسوق القطار .. لأن هذه كانت مهنته فى موطنه ..<br /><br />وانقطع هذا الممثل الجبار الذى لم يأت قبله ولا بعده ممثل فى مثل عظمته .. انقطع عن التمثيل عندما خرجت السينما الناطقة .. وصرخت بصوتها .. انقطع لأن صوته لايتلاءم معهـا ، ويقلل من عظمته فى الأداء ..<br /><br />وجاء بعده " جارى كوبر " وقد صمد هذا للسينما الناطقة وكان مذهلا ورائعا فى أدائه ولا تتصور قط وأنت تشاهده أنه يمثل .. وعندما طواه الردى ، رثاه وقيمه رئيس دولته " جون كنيدى " بكلمة بليغة نشرت فى مجلة أمريكية ، كلمة لم يكتب مثلها أديب .. أبرز فيها كل خصائص هذا الممثل كعبقرى عديم النظير ..<br /><br />ويعيش الآن " مارلون براندو " فى القمة من هذه العبقرية بعد تمثيله فى " الأب الروحى " ..<br /><br />وعندنا ممثلون كبار جدا ولايقلون عن هؤلاء فى الاتقان والتفوق ودرجة العبقرية .. وعلى رأسهم " محمود المليجى " ولكن الكثير من القصص التى يمثلون فيها تطمس عبقريتهم .. لحشوها بالافتعال والتفاهة وخطب الوعظ ..<br /><br />وتظل الصورة الكئيبة عالقة بذهن المشـاهد أكثر من الصورة الجميلة ..<br /><br />وما يحدث للممثل عندما يتقمص شخصية بطل الرواية .. أو أية شخصية ثانوية فيها .. يحدث للكاتب نفسه وهو يخلق هذه الشخصية ..<br /><br />وأقول هذا لما يعانيه الكاتب من المشقة والتفرد والاستغراق .. وهو يخلق أبطال روايته .. فهو يعيش معهم ويسايرهم فى حياتهم .. كما يسايرونه ويستغرقون كل طاقته ..<br /><br />وبعض القصص تجعلنى أعيش فى ذهول تام وغفلة عن كل ما حولى ، لصراعى مع هذه الشخصيات وخشيتى ألا تكون مطابقة للواقع الذى أعيش فيه وأكتب له ..<br /><br />ومن العجب أننى عندما أتحرك فى شوارع القاهرة وأنا على هذه الحالة من الذهول أجد من يستوقفنى ويسألنى عن إسم شـارع أو متجر أو شركة هندسية ..<br /><br />وأقول فى نفسى .. لماذا هذه الغباوة .. ألا تلاحظ ذهولى وتسأل غيرى أحسن لك ..؟ وبعضهم سألنى ذات مرة عن " باب البحر " فأشرت إليه وأنا مغتاظ إلى ناحية " روض الفرج " لأنه لا يوجد بحر إلا هناك ..! وأهل القاهرة يسمون النيل البحر ..<br /><br />ومن العجب أننى كنت أسير فى " باب البحر " نفسه ولا أعرفه ..<br /><br />ويكثر السؤال من النساء .. وهذا معقول لأنهن يتخيرن كبار السن دفعا عن الشبهة وعن عيون المارة المراقبة فى فضول ..<br /><br />وسألتنى واحدة منهن عن سوق الخضار الذى فى العتبة .. وكنت فى ميدان الأوبرا ، فاضطررت أن أتحمل العذاب وأسير معها إلى السوق نفسه .. لأنها كانت ريفية جميـلة ومن السهل أن تقع فى يد قناص من أشرار الشوارع .. والقـلق وصراع النفس همـا اللذان يحركان الأديب ويدفعـانه إلى الابداع ..<br /><br />والقلق هو الذى دفـع " جاك لندن " إلى الابداع .. فالطفولة البـائسة والتشرد وركوب البحار .. خلقت كل هذه الأعمال العظيمة ..<br /><br />وعندما اغتنى وأصبح يعيش من ريع أملاكه فى " كاليفورنيا " وبنى له قصرا .. وكف عن التجوال وركوب البحار كف عن الكتابة ..<br /><br />وكذلك الحال مع العبقرى " الفرد ادجار الن بو " .. فالقلق والمرض وطابع الكآبة .. جعلته يعيش فى دوامة من الصراع مع هذه الحياة .. ويصور بطريقة فذة كل ما فيها من غرائب ..<br /><br />وكان يحب المرأة ومسرفا معها فى العذوبة .. ومع أن أمه " كانت ممثلة " هربت مع والده قبل الزواج وتزوجها بعد ذلك .. ولكنه لم يكتب سطرا واحدا يخدش حياة امرأة ..!<br /><br />ولكن القلق .. قضى على " اسكار وايلد " والسجن قبره إلى الأبد .. لأنه عبقرى مرهف الحس .. وكان يعيش قبل السجن فى نعيم مقيم .. فلما سجن أحس بضآلة الحياة وضآلة من يكتب لهم .. وانتهى تماما ..<br /><br />والقلق والسجن لم يقضيا على " العقاد " بل بدأت عبقرياته مع القلق .. عندما شرع فى كتابتها وهو فى السودان .. وكان فى قلق من وقوعه فى قبضة الألمان .. وكانوا قد دخلوا " العلمين " وأصبحوا على مشارف الإسكندرية ..<br /><br />وبدأ " محمود تيمور " حياته الأدبية من " درب سعادة " ..<br /><br />وكان المازنى مبالغا فى وصف حالة أسرته بعد وفاة أبيه .. ولكن قلقه كان نابعا من فيض نفسه وليس من عسر مادى ..<br /><br />فقد عمل فى أول عهده بالوظيفة بعد تخرجه مدرسا .. وأجر المدرس كان طيبا ومع مستوى المعيشة فى ذلك الوقت من الزمان .. ثم صحفيا من كبار رجال الصحافة وأعلامها البارزين وما تقاضاه من راتب كان يغنيه بالطبع عن كل عسر مادى .. ولكن قلقه كما قلت كان نفسيا ..<br /><br />وشوقى أعظم شعراء العرب بعد المتنبى .. فتح عينيه وهو فى المهد على الذهب يلمع ويترجرج أمامه ..<br /><br />وظل يعيش فى نعيم ومع ذلك أبدع وحلق ..<br /><br />ومرت سنوات النفى فطواها فى يسر .. وعـاد يتمرغ فى النعيـم كما كان .. فمن أين جاءه كل هذا الالهام المغرد فى وادى عبقر .. هل هو شىء نشز وخرج عن حلقة الابداع .. أم هو شىء ساد مع فطرة العبقرية ولكننا لا نعرفه .. لأننا لم نكن على قرب منه ..<br />=====================================<br />نشرت فى مجــلة الثقـافة ـ العــدد 96 ـ سبتــمبر 1981 وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر 2006<br /><br />=====================================<br /></strong></div><div align="center"><strong>(12)<br />ذكريات مطوية<br />بقلم محمود البدوى<br /><br />وقع فى يدى كتاب عن حياة دستويفسكى بمناسبة مرور مائة سنة على وفاته .. فقد توفى فى عام 1881 ..<br /><br />والكتاب دورة نفسية عن حياة هذا الكاتب العظيم وارتباطها الوثيق بمؤلفاته ..<br /><br />فمن قرأ المؤلفات ، قرأ حياة هذا الأديب الفذ .. دون الرجوع إلى أى مصدر آخر من مصادر المعرفة والتقصى ..<br /><br />ومن العجيب أنه مع عزوف دستويفسكى عن كتابة الرسائل لانطوائه وفرديته .. فإن هذا الكتاب زاخر برسائل دستويفسكى الملتهبة إلى أخيه وزوجته وأصدقائه .. ثم إلى الامبراطور نفسه ، يلتمس منه العودة إلى " بطرسبرج " بعد نفيه ليعالج من مرضه كما يلتمس منه الأمر بوضع ابن زوجته " بول " فى كلية بطرسبرج على حساب الدولة ، وساءلت نفسى بعد قراءة الكتاب .. هل يستطيع كاتب عربى أن يكتب عن حياة مؤلف يعرفه بهذه الدقة والافاضة والصراحة ..؟<br /><br />ولقد فقدنا منذ أشهر قليلة .. فوزى العنتيل ثم صـلاح عبد الصبور ..<br /><br />فهل يستطيع أمين ريان أن يتناول حياة فوزى العنتيل فى كتاب .. وأمين ريان صديقه وألصق الناس به عن قرب ..<br /><br />وهل يستطيع فتحى الابيارى الصديق الأوحد لصلاح عبـد الصبور .. أن يكتب عن هذا الشاعر الفنان بصدق واخلاص .. ويستوفى على الغاية من دقة البحث والسرد ..<br /><br />هل يستطيع هذان الأديبان فعل ذلك ..؟! أم أن فى حياة الأديب الشرقى من الغموض طبقا لطبيعة المجتمع ، ما لا يمكن الافصاح عنه والغوص فيه ..<br /><br />ولقد جاءت كاتبة أجنبية انبهرت بما كتبه أستاذنا يحيى حقى أثناء عمله فى منفلوط .. وأرادت أن تزور الموقع والمكان .. وتلتمس أنفاس الحياة فى منفلوط .. وترى وجوه الناس وتعرف كنههم ومشاعرهم .. فوقعت بزيارتها فى تخبط عجيب .. وعدم فهم لعمق الحياة المصرية .. وأخذت بالظواهر فى نظرة سريعة خاطفة .. كأنها عدسة كاميرا ..<br /><br />ومن سوء الفهم أنها وصفت أسرة مصرية نزلت ضيفة عليها بالتخلف .. مع أنى كنت جارا لإنسان فاضل وكريم من هذه الأسرة فى شارع محمد رمزى بمصر الجديدة .. كنت جارا له لمدة عشر سنوات متصلة .. وكان هذا الجار مثالا للمروءة الصعيدية والكرم القبطى الأصيل ..<br /><br />وكان الأخ الأكبر الذى وصفت السيدة الإنجليزية بيته فى منفلوط بالبخل والتخلف وما يشبه الفقر يجىء إلى زيارة أخيه فى مصر الجديدة فى عربة شفروليه فى وقت لم تكن فيه عربة واحدة فى الحى كله ..<br /><br />***<br /><br />وكثير من الأجانب الذين كتبوا عن حياة بعض رجال السياسة عندنا وقعوا فى هذا التخبط ، وأصبحت كتابتهم مضحكة .. فهم لا يفهمون عمق الحياة المصرية .. ولا يمكن أن يصلوا إلى جذورها ..<br /><br />وتصبح كتبهم أشبه بالكتب التى تصدرها مكاتب الاستعلامات فى العالم .. مجرد دعاية رخيصة ليس فيها حقيقة واحدة ..<br /><br />***<br /><br />عندما فكر الناقد الفنان محمد قطب مع بعض من زملائه فى نادى القصة فى إخراج عدد من المجلة من مؤلفاتى .. توقف الصديق محمد قطب عند قصة القطار الأزرق طويلا ـ وكانت القصة قد نشرت فى العدد الأول من مجلة الثقافة ـ وربط محمد قطب بدهاء وبصيرة بينها وبين قصة الغجرى فى كتاب " الظرف المغلق " وكل واحدة منهما تكمل الأخرى وهما عن شخص واحد وبطل واحد ..<br /><br />وأراد محمد قطب أن يجعل من القصتين صورة من حياتى .. ولقد ضحكت وسررت جدا لأن القصة أصبحت من الصدق والواقعية إلى الحد الذى يتصور كل من قرأها أنها حدثت فعلاً .. وهذا منتهى التوفيق للكاتب .. ومنتهى الإجادة الفنية ..<br /><br />ونفس المشاعر أجدها عند الناقد المتخصص علاء الدين الوحيد .. وهذا الصديق يبذل جهدا صادقا فى البحث عن كتبى والكتابة عنها .. ولكنه يقف عند وقفة واحدة ويلف ويدور .. المرأة .. ويتصور أن كل امرأة فى القصة ، وكل أنثى هى واحدة ممن عرفت وعاشرت ..<br /><br />وهذا التصور مرجعه بالطبع إلى الصدق فى التعبير .. وأنا لا أكتب من فراغ .. ولكن لو كنت أعرف كل هؤلاء النسوة .. فكيف أكتب ومتى أكتب ..؟<br /><br />إن الأديب الحق يشعر دومًا بالحرمان ، ولو عاشر .. وعاش مع نساء هذا الكوكب .. ومن الحرمان ومن منبع الحرمان يكتب الأديب .. ولو ارتوى ما كتب قط .. لو ارتوى ما كتب سطرا واحدًا ..<br />تلك هى الحقيقة ..<br />=====================================<br />نشرت فى مجلة الثقافة ـ العدد 101 ـ فبراير 1982 وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر 2006<br /><br />=====================================<br /><br /><br /><br />(13)<br />صورة قصصية<br />القهوة التركية فى فندق أوكرانيا<br />بقلم محمود البدوى<br /><br />سافرت سنة 1973 فى بعثة ثقافية إلى تفليس .. بصحبة ثلاثة من كرام الصحاب .. شاعرين نابغين .. محمود حسن اسماعيل وصلاح عبد الصبور .. ثم الأديب الفنان صاحب كتابى حلمى مراد ..<br />وسافرنا فى شهر ديسمبر وانحصر تفكيرنا .. ونحن نسافر إلى روسيا فى زمهرير البرد والثلج ، وفى درجة حرارة 30 و 40 تحت الصفر .. انحصر تفكيرنا فى شىء واحـد .. القهوة .. فكلنا أصحاب أسفار ورحالة ، وسبق أن ذقنا الأمرين من القهوة السوداء فى ربوع أوربا ..<br />وهى القهوة التى لاطعم لها ولا مذاق فى حلوقنا ، واذا اجتمع مع سوء المذاق .. رداءة نوع البن كانت الطامة الكبرى .. وأصبحنا كأننا نشرب العلقم !..<br />وكان المرحوم محمود حسن اسماعيل .. مدمن قهوة مثلى وكذلك صلاح .. ولكنه أخف منـا وطأة .. أما حلمى مراد ، فهو شريب شـاى ، ولذلك خرج بمزاجه عن الصحبة ..<br />واتفقنا على أن أحمـل معى البن من " الكحكيين " والكنكة والسكر .. ويحمل محمود .. وصـلاح .. الجهاز الكهربى الصغير الذى سنصنع عليه القهوة ..<br />وحملنا هذه الأشـياء فعلا وحرصنا على وجودها قبل المعطف الثقيل ، والكوفية الصوف ، وغطاء الرأس المضفر ..<br />وهبطت بنا الطائرة فى موسكو .. والشمس طالعة ، ولكن البرد بكل ثقله كان يجز الرؤوس بضربة حادة وسريعة من العنق العارى كما يجز منجل الصاد .. وإذا كنت ريفيا مثلى ستعرف معنى هذا التعبير !..<br />وأنزلونا فى فندق أوكرانيا .. أجمل وأعرق الفنادق فى المدينة ..<br />وبعد الغداء .. وجلوسنا فى البهو الخارجى للطابق الذى نزلنا فيه .. فكرنا فى القهوة .. وأخرجت من حقيبتى الصغيرة .. الكنكة والبن والسكر .. أخرج محمود حسن اسماعيل الجهاز وكان كل واحد منا ينـزل فى غرفة بحمامها .. ولأن محمود حسن اسماعيل .. كان أكبرنا سنا .. فقد اخترنا أن نشرب القهوة فى غرفته ..<br />وعمرنا الكنكة .. وأمسكنا بالجهاز وحاولنا وضع الفيشة فى البريزة التى يوضع فيها جهاز الراديو فلم توافق حجمها كانت الفيشة أصغر ..<br />فذهبنا إلى الحمام فكان الأمر كذلك .. فرحنا إلى غرفة صلاح ثم غرفتى .. فإذا بالحال كما هو فالعدد الكهربائية كلها فى حجم واحد فى كل الغرف والحمامات ..<br />واستأنا كثيرا وبلغ بنا الضيق منتهاه .. وفكرنا فى تغيير " الفيشة " ونشترى واحدة أصغر من أى متجر يبيع هذه الأدوات ..<br />وكان المرافق بعربته لايزال موجودا فى الفندق فخرج معنا إلى الطريق .. ولكنا لم نصل إلى حل ورجعنا آسفين ..<br />ولكنا لم نيأس .. وبغير القهوة سيشل تفكيرنا تماما .. ويصيبنا الصداع المزمن ..<br />وسرح محمود حسن اسماعيل رحمه الله .. وراح فى الغيبوبة التى تنتابه عندما يأتيه هاجس الشعر ..<br />ثم برقت عيناه واحمرت .. وسألنا :<br />- معاكم كولونيا .. زجاجة كبيرة ..<br />- معنا ..<br />- وقطن ..؟<br />- من الأجزخانة .. هى داخل الفندق ..<br />وحملنا الكولونيا والقطن إلى الحمام وجهزت الكنكة .. وأنا أستغرب مما سيحدث ولا أفهم شيئا ..<br />ووقفنا أمام الحوض الصينى الكبير وغمر محمود حسن اسماعيل القطن بالكولونيـا .. وأشعل النار فى القطن الموضوع فى الحوض .. ووضع عليه الكنكة ..<br />وشربنا ثلاثتنا الذ قهوة وأحلاها مذاقا ..<br />ونظرنا مبهورين ..<br />قهوة تركيـة بوش ودسم .. تطيب للشاربين على النار المعطرة ..<br />وظل الحال كذلك طوال الأيام السبعة فى موسكو .. وقد أشعلنا كثيرا من القطن وأفرغنا الكثير من زجاجات الكولونيا ولكن مزاجنا كان صافيا ..<br />ومن الغريب أن الحوض الصينى لم يتأثر مطلقا بالنار .. على لمعانه الشديد وبياضه الناصع ..<br />وعندما ذهبنـا إلى ليننغراد كانت جعبتنا من البن والسكر قد فرغت ..<br />ولكن جارة فنلندية أشفقت على حالنا .. وسقتنا من يدها القهوة التركية الممزوجة بالشهد ..<br />====================================<br />نشرت فى مجلة عالم القصة ـ العدد التاسع ـ يوليو وأغسطس 1982 وأعيد نشرها فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد وتقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر 2006<br /><br />====================================<br /></strong></div><div align="center"><strong></strong></div><div align="center"><strong></strong></div><div align="center"><strong><br /></strong></div><div align="center"><strong></strong></div><div align="center"><strong><br /></strong></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-10391963680455047422006-12-27T14:59:00.001-08:002006-12-27T15:11:54.659-08:00ص 1 حوارات محمود البدوى فى الصحف والمجلات العربية<div align="center"><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></strong></a><strong><br /><br /></strong><div align="center"><strong>(1)<br /><br /></strong><span style="color:#6633ff;"><strong><span style="font-size:130%;">الأديب الكبير محمود البدوى يتكلم بعد طول صمت :<br />* النقاد ووسائل الاعلام تجاهلونى عن عمد وقصد ..!<br />* قصتى " رجل على الطريق " سرقتها السينما .. وتحولت إلى فيلم " زوجتى والكلب " وحكم لى القضاء بألف جنيه تعويض .. ولم أنفذ الحكم ..!!<br />* حققت فى الأدب ماسوف يعيش ماعاش الأدب العربى ..<br />*النقد الآن .. عبارة عن مجاملات شخصية وسطور صحفية</span><br />***<br /><br /></strong></span><strong><span style="color:#330099;">أجرى الحوار الكاتب والصحفى : عزت معوض<br />عنـــوان الدوريـــة : مجلة الكواكب<br />رقــم العـــــــــــــدد : 1791<br />تاريخ النشــــــر : 26 نوفمبر 1985</span><br /><br />كان لابد أن أذهب إليه وأتحدث معه .. حتى لاتظل أصابع الاتهام تطاردنا .. بأننا نحمل مجلدا ضخما من النكران والجحود وعدم الوفاء للذين قد أعطوا بنبل وسماحة وبلا ضجيج ـ كل ما يملكونه ـ ثراء القيم ونبل الأحاسيس ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">وهذا الأديب الكبير المبدع " محمود البدوى " والذى يعتبر " أبو القصة القصيرة " فى العالم العربى كله ـ وأول من شق طريقها وبذر بذورها فى وطننا .. وظل فى محرابها يتأمل ويجود بعيدا عن كل المزايدات إلا ضميره الانسانى .. بعيدا عن كل اثارة أو ابهار إلا ايضاح المعانى الجميلة</span> .. بعيدا عن استعراض العضلات الفنية .. أو التقنية الايديولوجية المدعاة بالتقدمية .. إلا أنه جعل خيوط نسيج قصصه تتحرك فى دنيا مشبعة بالتنفس الانسانى .. نحو الرقى والتقدم وبشير خير يهدم كل محاور الشر والظلام .. كتب المئات من القصص .. ورسم المئات من الشخصيات فى تفرد شديد .. القصة عنده تحمل كل المعانى .. والمعانى عنده حية متتابعة .. تهتم بكل ما يطرأ على الشخصية من أحداث ومتغيرات ..<br /><br />دائما يقول : الاهتمام بالنفس يلغى الاهتمام بالآخرين .. وأبرز فى احدى قصصه سطوة الظلم وأثره على الناس .. فقال :<br /><br />" </strong><strong><span style="color:#cc0000;">الاحساس بالظلم يجر إلى الخبل وما هو شر منه .. ويدفع إلى التمرد والضياع .. وتحت عذاب البشرية من شبح القنابل النووية وقنابل الكوبالت .. ظهر " الهيبز " وخطف الطائرات ، وظهرت الدعارة والرقيق الأبيض ، وظهر التفسخ وهوس النساء " ..<br /><br /></span>أى لون من الظلم قد أوقعناه بهذا الأديب الكبير الذى كتب 400 قصة قصيرة .. ضمتهم 20 مجموعة قصصية أو أكثر .. بداية من " الرحيل " فى عام 1934 .. و " فندق الدانوب " و " الذئاب الجائعة " و " العربة الأخيرة " و " حدث ذات ليلة " و " الأعرج فى الميناء " و " زوجة الصياد " و " مساء الخميس " و " الباب الآخر " و " صورة فى الجدار " و " الظرف المغلق " و " الجمال الحزين " و " الزلة الأولى " و " غرفة على السطح " و " حارس البستان " إلى آخر هذه القائمة الطويلة من الأعمال الابداعية .. ورغم أنه قد بلغ السابعة والسبعين من العمر ، إلا أنه لم يتوقف عن العطاء .. فآخر عمل له " الغزال فى المصيدة " عام 1981 ..<br /><br />ورغم أنه نال شهادة الجدارة عام 1978 فى عيد الفن .. فهل هذا يكفى ..؟<br /><br />والشىء العجيب والمريب ويدعو إلى الحيرة .. لماذا لم تتعامل السينما مع قصصه ..؟ وخاصة بعد أن لطش أحد المخرجين قصة لهذا الأديب الكبير ونسبها إلى نفسه ونال عنها أكبر الجوائز هو وأبطال الفيلم .. وتجاهل حق هذا الأديب الكبير ..!!<br /><br />ولماذا لم تتعامل الاذاعة معه ..؟ والتليفزيون الذى قدم له عملا بعد أن حذف منه الكثير .. وهذا العمل قدم على استحياء ..!!<br /><br />ومصيبة المصائب ..<span style="color:#6633ff;"> لماذا صمت الأدباء والنقاد عن التعليق على أدب هذا الأديب الكبير ..؟</span><br /><br />ولماذا شاركت أجهزة الاعلام كلها فى صنع هذا الصمت ..؟! هل هذا " جزاء سنمار " ..! أى شىء يدعونا إلى القهر والكبت والتجاهل لكل الملكات الابداعية ..!<br /><br />أقول لكم الصدق ، عندما كنت أبحث عن عنوان أو رقم تليفون الأديب المبدع .. اكتشفت ويا خيبة ما اكتشفت .. اكتشفت كأننى كنت أبحث عن القارة المجهولة ـ أو المستحيلات الثلاثة ، الغول والعنقاء والخل الوفى .. الكل استغرب سؤالى .. وكأننى كنت أسأل عن ابرة فى كومة تراب .. لا أديب كبير مبدع ـ ويعتبره الذين يفهمون أنه " تشيكوف " العرب ..<br /><br />ماذا أصابنا بحق الله ..؟ كيف نسمح بالعذاب أن يتسرب إلى قلوب وعقول الأدباء الشرفاء الذين أخلصوا لبلدهم .. فأعطوا .. وأعطوا .. <span style="color:#6633ff;">هل يكون النسيان هو الصفة الغالبة ..؟</span>!<br /><br />فكم كان رده علىَّ فى التليفون موجعا ومؤلما عندما قال :<br /><br />ـ لا أجد سببا لأن تهتم بى الصحافة المصرية الآن .. أين كنتم طوال هذا الزمن .. ومن الذى فكركم بي .. بعد أن كتبت عنى الجرائد العربية وأشبعتنى كتابة .. جئتم تبحثون عنى .. أين كنتم طوال هذا الوقت ..؟ <span style="color:#6633ff;">وماذا صنعت فى حقكم وفى حق وطنى حتى يكون هذا الصمت والتجاهل ..؟</span><br /><br />قلت له :<br /><br />* معك حق فى كل ما تقوله .. لكن أتمنى أن القاك ..<br />وبرحابة صدر ، رحب الأديب الكبير " محمود البدوى " ..<br />وعندما قابلته فى شقته بمصر الجديدة ، ذهب من فوره إلى مكتبته وجاء بمجلدين :<br /><br />واحد باللغة الإنجليزية والآخر بالفرنسية وبعض الجرائد والمجلات الأجنبية .. وقال لى :<br /><br />ـ أنظر .. هذا المجلد يتحدث عن الأدباء فى الوطن العربى .. كتبت عن العقاد وطه حسين والمازنى ومحمود تيمور ومحمود البدوى ـ لا يوجد نسخة فى مصر منه لولا صديق لى قد جاء به إلىَّ من بلجيكا .. والمجلد الآخر يتناول الأدب بصفة خاصة فى مصر .. أنظر انهم كتبوا عنى كثيرا .. قيموا أعمالى .. ترجموا قصصى .. أين أنا من أهلى ..؟ أين أنا من بلدى ..؟ّ ومهما يكن فاننى دائما أقول :<br /><br /><span style="color:#6633ff;">بلادى وإن جارت علىَّ عزيزة وأهلى وإن ضنوا علىَّ كرام</span> ..<br />اخترت هذا الطريق لنفسى .. رغم ما فيه من متاعب ومشقة لا أحب أن أغيره .. أشعر بعد كتابة القصة براحة وجدانية لا مثيل لها .. رغم ما لاقيته فى حياتى من صعاب ومشقة بسبب الأدب والتفرغ للقصة .. فأنا أشعر فى أعماق نفسى بالرضا والقناعة .. لم أفكر إطلاقا وأنا أكتب لا فى خلود ولا فى ذكرى ولا فى أى شىء من أحلام اليقظة .. لكن أعتبر أننى حققت بجهدى المتواضع شيئا .. لا بد أن يعيش ما عاش الأدب فى محيطنا العربى .. والشىء الذى يسعدنى أكثر .. أنه رغم أن كل وسائل الإعلام أغفلتنى عن عمد وقصد .. وكل النقاد الذين تخصصوا فى هذا النوع من النقد .. رغم أنهم أغفلونى عن عمد .. وأن بعض المحررين فى الصفحة عندما كان يرد اسمى على لسان غيرى كقصاص كانوا يحذفونه .. رغم كل هذا فإنى وكما قلت حققت لنفسى ما سيعيش ما عاش الأدب فى الساحة العربية .. ليس كل الكتب .. ولكن القليل من هذه الكتب يكفينى .. كما يكفى " دستويفسكى " أنه كتب " الجريمة والعقاب " و " تشيكوف " أنه كتب " بستان الكرز " .. و" الجاحظ " أنه كتب " البخلاء " و" ابن المقفع " أنه كتب " كليلة ودمنة " و" الأصفهانى " أنه كتب " الأغانى " .. كل هذه الكتب فيها الصدق والحياة .. وبالحياة والصدق عاشت ..<br /><br />حاولت أن أخفف عنه وطأة كل هذه الأحزان .. وكل هذا العذاب النفسى .. والاغتراب الفكرى .. جعلت هذا الحوار هو الوسيلة .. ولذلك طرحت عليه هذا السؤال :<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">ما رأيك فيما يقال أن الثورة وما بعدها لم تنتج ثقافة ، وإنما عاشت على ثقافة الأربعينات ..؟</span><br /><br />ـ الثورة فى شهورها الأولى أو السنة الأولى أو الثانية أو الثالثة .. لاشك أنها فكرت بجدية فى العناية بالثقافة .. وأكبر دليل على ذلك إنشائها المجلس الأعلى للفنون والآداب .. وتوسعت بعد ذلك فى قصور الثقافة الجماهيرية فى المحافظات .. لكنها شغلت بعد ذلك بالشىء المضاد وبألاعيب المستفيدين والمنتهزين لها كحكم شمولى ..<br /><br />وخلاصة هذا الكلام أن الثورة بدأت بداية طيبة مع الأدب والثقافة .. ثم انتكست ..!!<br /><br />وإذا نظرنا إلى ماهية الثقافة .. عبارة عن كتب .. وعبارة عن محاضرات لها قيمة .. وعبارة عن فنون مسرحية وعناية بالموسيقى .. وتطوير الحياة فى أذهان الناس إلى تفتح وتقبل هذه الثقافة ..<br /><br />ليس من المعقول أن أعمل مكتبة فى محافظة وأفتحها الساعة 12 .. المكاتب الثقافية فى المحافظات كثير منها مغلق ، وقليل منها هو الذى يقوم بعمله على الوجه المرضى ..!!<br /><br />فلا شك أن ظل الثقافة تقلص بالتدريج .. وأصبح من السهل أن تقول أن الثقافة التى كانت موجودة فى الثلاثينات والأربعينات كانت ثقافة مزدهرة .. وهى السبب فى وجود المنفلوطى والعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وأحمد لطفى السيد .. وهذه الثقافة كانت مزدهرة نتيجة العناية الجدية المطلقة بالكتاب ..<br /><br />أضرب لك مثلا فى حصة الهندسة بمدرسة السعيدية دخل المعاون ووزع علينا مسرحيات شوقى .. ومثل هذا كان موجودًا فى كل المدارس من الابتدائية والثانوية والجامعات .. كل كان به مكتبة ضخمة تضم كل الكتب والمراجع العلمية والأدبية ..<br /><br />والمدرسون فى ذلك الوقت حبهم للأدب واضح والاطلاع والقراءة مستمرة .. وكانوا يضربون لنا المثل بشعر " شوقى " .. ونكت" المازنى " وفكاهاته وسخريته المطلقة .. وبعضهم كان يحب " مصطفى صادق الرافعى " لأسلوبه البليغ إلى درجة التمجيد .. وليس هذا أستاذ أدب أو عربى .. ولكن يقطع الدراسة فى حصة الجغرافيا والطبيعة .. ويحدثنا عن خبر لهؤلاء الأعلام ..<br /><br />ثم كيف تنكر شخصا " كسعد زغلول " عندما يهديه " الرافعى " كتابا له ، فيقول عنه " انه تنزيل من التنزيل .. سعد زغلول العظيم الذى كان اسمه يدوى فى مشارق الأرض ومغاربها يقول عن أديب وأدبه أنه " تنزيل من التنزيل " ..<br /><br />* أ<span style="color:#6633ff;">فهم من ذلك أنه كان هناك عناية وتشجيع على جميع المستويات للثقافة والأدب ..؟</span><br /><br />ـ نعم .. كانت هناك العناية الجدية بالنقد ..فعندما يكتب " توفيق الحكيم " أهل الكهف .. يكتب عنه " طه حسين " و" مصطفى عبد الرازق " و" العقاد " و" المازنى " و" زكى مبارك " .. وكان فى جريدة البلاغ مخصص للنقد "المازنى" وفى "كوكب الشرق" زكى مبارك .. فأين ما يكتب الآن عن كتاب للمشهورين الذين مد الله فى عمرهم مثل توفيق الحكيم مثلا ..!!<br /><br />لاتجد كلمة واحدة يتناولها أديب دارس .. وانما هى عبارة عن مجاملات شخصية .. وسطور صحفية لا تعبر إلا عن روح المجاملة البحتة .. وليس فيها أى ظل من التقييم أو التقدير ..<br /><br />وعلى ما أذكر وأتذكر أنه كان فى جريدة " البلاغ " مخصص للنقد " المازنى " وفى " كوكب الشرق " "زكى مبارك " .. وكان فى الأهرام أحيانا ينتقد الشعر " أنطون الجميل " نفسه ..<br /><br />* ما هو تفسيرك لهذا عندما كان الإنجليز والقصر والاقطاع يتحكمون فى الشعب ويعطلون قدراته ، كان الناس يبحثون عن الثقافة بمثل هذا الشغف ، وعندما جاءت الثورة لتحرر الإنسان وكما قيل نال حريته ، <span style="color:#cc0000;">فتراجعت الثقافة وانتكست وأصابها التدهور ..؟</span><br /><br />ـ الثورة أحيطت بنفر قوى جدا من المنتفعين .. والمنتفع دائما يحب أن يتحرك فى الظلام .. فأول شىء يقاومه .. هو الشخص المتنور والمتعلم الذى يأتيه هذا من الثقافة ..<br /><br />هو يعيش فى الظلام ليتضخم ويزداد انتفاعه .. والشعارات التى يرفعها تدخل فى عقول الجهلاء والبلهاء .. عمر ما كان المثقف يقبل هذه الشعارات ويهضمها .. فهى موجة طبيعية لطمس النور من عقول الناس .. ليقبل هزيمة 1967 ونسميها له نكسة .. هذه هزيمة .. هزيمة .. والجيش لم يحارب .. والتفكك وسوء الإدارة كانا واضحين لكل من له دراية بفنون الحرب .. فكيف تقول هذا نكسة ..؟! وكيف يتقبل ذلك إلا من كان مطموس العقل ..<br /><br />فموجة حب الأدب أيام الاستعمار الإنجليزى لم يستطيعوا مقاومتها ، كانت أكبر وأقوى منهم وصراع الفكر رهيب ..<br /><br />الفرق واضح جدا ، لم يستطع الاستعمار بكل جبروته أن يطمس روح الأدب وفنونه من أذهان الشعب .. لأن هذا كان فى صميم القلب<br />.. أماالمنتفعون والإنتهازيون للثورة استطاعوا ذلك !!<br /><br />* </strong><strong><span style="color:#6633ff;">عبر رحلتك الطويلة والممتدة ، كيف ترى أديب الأمس واليوم ..؟ وكيف ترى فنان الأمس واليوم ..؟ وكيف ترى موسيقى وغناء الأمس واليوم ..؟<br /></span><br />ـ أديب الأمس ولظروف الحياة المادية نفسها فى ذلك الوقت .. كان روحيا ومخلصا للأدب .. وروحه متشربه لحبه إلى درجة التضحية ..<br /><br />أنا شخصيا وجدت " الزيات " كان يعطى لكبار كتابنا فى ذلك الوقت " العقاد " و" طه حسين " خمس جنيهات ثمنا للمقالة ..<br /><br />وأظن أن هذا تطور الآن إلى درجة أن الشبان الصغار يأخذون من 20 جنيها إلى 100 جنيه ثمنا للمقال والقصة .. صحيح أن الحياة تطورت بماديتها .. ويمكن أن الخمس جنيهات تساوى الآن المائة جنيه أو أكثر .. لكن هذا هو ما حدث .. فالخمس جنيهات هى الخمس جنيهات ، وليست مائة أو خمسمائة جنيه .. فرسمها هو الخمس جنيهات ..<br /><br />وروح التضحية برزت واضحة فى لجنة التأليف والترجمة والنشر .. كانوا فى حارة " الهدارة " فى عابدين .. فى بناء متهالك .. يخرجون ويطبعون مجلة الثقافة متكاملة طباعة وفنا أدبيا ، ويأتيهم نظير هذا العمل أى ربح مادى يوزع عليهم .. بل كانت التضحية متضامنة .. وروح حب الأدب للأدب كان متغلغلا فى كل نفس تكتب فى هذه المجلة ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">فهل يمكن أن يحدث مثل هذا الآن فى نفوس الكتاب والأدباء المعاصرين ..؟</span> قطعا لا .. !! ولم تكن هناك فى ذلك الوقت وسائل اعلامية أخرى .. كالسينما والتليفزيون .. تعين الأديب على تقبل التضحية التى أوضحناها فى الجو الأدبى الخالص ..<br /><br />كانت هناك مجلة للشيخ " البرقوقى " اسمها " الأديب " هذا الرجل كان يخرج المجلة وحده على نفقته الخاصة .. وكانت من أبرز وأحسن المجلات فى ذلك الوقت .. جمعت " المازنى " و" العقاد " و " صادق الرافعى " و" زكى مبارك " .. وهذا الشخص يعبر بشخصه ومجلته عن التضحية الكبرى التى لا مثيل لها للأدب البحت الخالص ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">أديب اليوم لا يقرأ</span><br /><br />أما جيل اليوم من الأدباء .. لا يقرأون مثل من ذكرنا من الأدباء السالفين .. فتسعة أعشارهم لا يعرفون أدب التراث .. ولم يفتحوا فى حياتهم سطرا " للأغانى " للأصفهانى أو " صبح الأعشى " أو " عيون الأخبار " أو حتى " كليلة ودمنة " أو " الأمالى " ولا يمكن أن يخرج أديب ممسكا بالقلم ما لم يقرأ بعض هذه الكتب ..<br /><br />والقراءة الأدبية معدومة .. قل منهم من يجيد الإنجليزية والفرنسية لضعف هذه اللغات فى المدارس والجامعات بعد خروج الإنجليز من التدريس والفرنسيين والألمان .. وهم يقرأون لبعض وتجد صورة تكرار واضحة بوضوح مطلق .. يكررون بعضهم البعض .. ولكنى لا أنكر أنه يوجد منهم من طور الرواية والقصة .. ودرس بجهده الشخصى الكثير من الأدب العالمى واطلع عليه .. حبهم الطاغى للشهرة يجعلهم لا يتأنون فى كتاباتهم .. وليس عندهم الصبر للمداومة وتحمل المشقة التى يعانيها الفنان .. ويجرون بسرعة رهيبة إلى الحوادث الجارية فى الصحف .. كسقوط العمارات المشيدة حديثا .. والغش فى المواد الغذائية .. بمعنى يخلقون من الحوادث الجارية فى الصحف التى يكتبها تضخم فى أديب وتبرزه .. ومثل هذا أزمة المساكن وأزمة الطعام ..<br /><br />ومثل هذه الأشياء لا يمكن أن تعيش إلا فى جوها .. أقصد القصص .. وعاش " شكسبير " ومازلنا نقرأ له وسنظل نقرأ له .. لأنه عالج الموضوعات الإنسانية البحتة .. الحب .. الكراهية .. والخيانة وطبع المرأة فى كل العصور .. فهذه الأشياء خالدة ، وستظل تقرأ عنها وتقرأ لكاتبها .. ومثله عاش " دستويفسكى " لأنه عالج الموضوعات الإنسانية البحتة .. عالج " الجريمة والعقاب " إلى درجة أنه قال " إن المجرم يعود إلى مكان الجريمة " وقد أصبحت هذه نظرية علمية فى علم الإجرام ، وعالجها الإيطالى " لا مبروزو " بعده بخمسين سنة .. فالأديب الشفاف يتنبأ دائمًا ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">المسئولية وضعف المستوى</span><br /><br />* م<span style="color:#6633ff;">سئولية من فى ضعف مستوى أديب اليوم ..؟</span><br /><br />ـ مسئولية العصر كله .. عصر الصحافة التى لا توجه .. وتنشر بالصلات الشخصية .. قصة أو مسرحية أو رواية أو مقالة لا يستحقون النشر ..!!<br /><br />* <span style="font-size:180%;color:#6633ff;">عن الموسيقى ..؟</span><br /><br />ـ فيما يختص بالموسيقى .. أنا لا أسمع إلا الموسيقى الكلاسيكى .. " فاجنر " و " بيتهوفن " و " تشايكوفسكى " و " هاندل " ..<br /><br />أما ما عندنا من الموسيقيين الآن والموسيقى .. فأحب أن أقول لهم بكل صراحة أنهم يستفيدون فائدة مطلقة وواضحة من هؤلاء الأفذاذ .. وعملية الخلق عندهم تكاد تكون معدومة .. وعندنا موسيقى واحد أنا أحبه لدرجة عميقة وهو " سيد درويش " وأكبر دليل على خلوده أنك لا تجد فى المناسبات الوطنية إلا موسيقاه ..<br /><br />* <span style="font-size:180%;color:#6633ff;">من الأغانى ..؟</span><br /><br />ـ قد أكون رجعيا فى تعبيرى هذا .. أنا لا أحب إلا " محمد عبد الوهاب " و " وديع الصافى " .. اتجاهى كله ـ منذ صغرى وأنا عمرى سبع سنوات ـ إلى القرآن الكريم .. وأعظم من أسمع له الشيخ " محمد رفعت " والشيخ " عبد العظيم زاهر " والشيخ " منصور الشامى الدمنهورى " ..<br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">* ومن الممثلين ..؟<br /></span><br />ـ أعجب بتمثيلهم وواقعيتهم الصرفة للحياة " محمود المليجى " و " اسماعيل ياسين " و " يوسف وهبى " و " فاطمة رشدى ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الشخصية المهضومة</span><br /><br />* </strong><strong><span style="color:#6633ff;">الشخصيات عندك متفردة ، بل شديدة التفرد ، فما هى رؤيتك للشخصية المصرية ، وكيف نبنيها من خلال الفن والأدب ..؟<br /></span><br />ـ أنا بأرسم وماشى على خط واحد .. أرسم دائما الشخصية المهضومة الحق .. المعذبة .. القدرية .. العاجزة عن التحرك ومواجهة صعاب الحياة .. حتى أسماء القصص تدل على هذا .. ويأتى هذا من معايشة طويلة وبحتة .. تغلغل فى النفس وتجد أنه لا مفر ولا متنفس لها إلا الخروج على الورق ..<br /><br />والشخصية المصرية فى قصصى لم تتغير قط .. وهى دلالة طيبة على الطيبة ، إلى درجة البلاهة أحيانا ثم التمسك بالقيم ..<br /><br />وفى كل قصصى أسعى إلى الحقيقة والجمال .. وأكره القبح فى كل مظاهره .. القبح فى الشكل .. القبح فى الخلق .. القبح فى الطباع .. وليست هناك مبالغة أن كل أنثى فى قصصى فهى جميلة أولاً .. ولا أكون مغرورًا إذا قلت لك أننى أحببت القصة القصيرة وطورتها .. فالزمن الذى كان يستغرق القصة فى بداية حياتى من يومين إلى ثلاثة ، أصبح يستغرق ساعة أو ساعتين ، وكذلك الأشخاص فى القصة ، فبعد أن كانت أربعة أو خمسة أشخاص ، تقوم على شخص أو شخصين .. وأنا أركز على الشخص الواحد لأبرز للقارئ جميع طباعه، وليكون أسهل عند القارئ للفهم . ولا أنكر عنصر التشويق فى قصصى وبعض الأحيان الإثارة .<br /><br />فالقصة قصة وليست مقالا .. ويجب إذا كانت حية ولها روح أن تجذبك من سطورها الأولى ..<br /><br />فالفن الحقيقى الخالد هو الذى يعيش على مر الزمن .. لماذا نقرأ التراث الآن ونقرأه بشغف ، لأنه يعبر بصدق واخلاص عن صورة من حياتنا من تلك الحقبة من الزمان ..<br /><br />*<span style="color:#6633ff;">رغم المئات من القصص ، والمئات من الشخصيات التى رسمتها وقدمتها ، إلا أن الأضواء تبدو عازفا عنها ، فما هو سر هذا الصمت المريب تجاه أعمالك وتاريخك الأدبى والابداعى ..؟</span><br /><br />ـ أولا .. مسألة سهلة جدا .. أنا شخص منطوى على نفسى وخجول .. وليس لى أى اتصالات شخصية ..<br /><br />أتحرك وحدى دائما فى جميع المواقع .. وهذا أكبر دليل على عدم ظهور شىء لى فى الاذاعة أوالتليفزيون .. لأن هذا واضح من جو الشللية والاتصال الشخصى .. وقد أخرجت لى قصة " القرية الآمنة " .. بمحض الصدفة البحتة ، أن مخرجا شابا فى التليفزيون اسمه " حسن موسى " قرأها فى أخبار اليوم وأراد أن يخرجها بصورة مرئية .. والسينما بالطبع أنا بعيد عنها كل البعد ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#ff0000;">سرقة قصة زوجتى والكلب</span><br /><br />* </strong><strong><span style="color:#6633ff;">لماذا رغم أن هناك مخرجا يقال أنه سرق منك قصة " زوجتى والكلب " ونسبها لنفسه .. ما هى صحة حكاية هذه الواقعة ..؟<br /></span><br />ـ اسم القصة الحقيقى .. " رجل على الطريق " .. وبداية معرفتى بالواقعة أنا لى صديق عزيز هو الأستاذ " عاشور عليش " نسيب المصور الكبير " عبد العزيز فهمى " .. وعاشور عليش صديق قديم يقرأ كل كتبى وقصصى .. فواضح أنه أعطى الكتاب الذى فيه القصة للأستاذ عبد العزيز فهمى .. وعبد العزيز فهمى كان يتعامل مع " سعيد مرزوق " ويحبه .. أنا أضمن أنه حكى له القصة ، وأراد هذا أن يخرجها ويغير الاسم ويغير بعض الأشياء القليلة التى لا تغير صلب القصة ..<br /><br />رأيت هذا الفيلم فى سينما " مترو " بمحض الصدفة .. وسمعت إشاعات من كل الناس ان هذه القصة مسروقة من " رجل على الطريق " .. فأخذت محاميا قريبا لى اسمه " شوكت التونى " وذهبنا إلى سينما مترو وشاهدنا الفيلم .. وقال لى " ان القصة هى قصتك مائة فى المائة " ..<br /><br />*<span style="color:#6633ff;">ما هو الاجراء الذى اتخذته بالنسبة لهذه الواقعة ..؟</span><br /><br />ـ رفع الأستاذ شوكت التونى دعوى على مؤسسة السينما وعلى المخرج .. حكم القاضى لى بتعويض " ألف جنيه " .. كنت أتمنى أن يكون هذا الحكم على مؤسسة السينما .. لكن الحكم جاء على الأستاذ " سعيد مرزوق " وحده .. شعرت بالقرف ولم أنفذ الحكم .. والدعوى كانت برقم 70987 لسنة 1972 كلى شمال دائرة " 2 " محكمة شمال القاهرة الابتدائية .. والحكم صدر بالجلسة المدنية فى المحكمة فى يوم الاثنين الموافق 17/2/1975 ..<br /><br />* ه<span style="color:#6633ff;">ل عادت اليك حقوقك الأدبية ..؟</span><br /><br />ـ لا .. لا .. أبدا .. أنا قرفت بمجرد عدم الحكم على المؤسسة وهى المسئولة الأولى مائة فى المائة .. لأنها هى التى صرفت عليها وطلعتها .. فكان الأجدر بها فى ذلك الوقت أن تعيد إلى كافة حقوقى المادية والأدبية بمنطق الأخلاق والنزاهة ..<br /><br />وأما عن صمت النقاد .. ربما نقاد الجامعات لا يجدون فى قصصى المنهج الذى فى دماغهم سواء الرومانسية .. أو الواقعية .. أو البنيوية .. كل هذه المذاهب لا تدور فى رأسى وأنا أكتب القصة " .<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الإنسان والموجة ..؟</span><br /><br />كتبت تقول " الكتابة رسالة .. وإذا كنا نحلم بأحلام اليقظة ونقول أن الأديب رسول ، وعليه رسالة كرسالة الأنبياء ، إلا أن هذا كله بالطبع فى واقع الحياة عبارة عن حلم " ..<br /><br />* م<span style="color:#6633ff;">اهى الدوافع وراء هذا القول وهل الكتابة فقدت قيمتها ورسالتها ، ومن الذى أفقدها هذه القيمة ..؟</span><br /><br />ـ النظام نفسه .. جنازة " محمود تيمور " كان فيها ستون واحدا .. لكن يموت أى واحد سياسى .. أو أى واحد داخل فى التشكيل تجد كل الوزراء والحاشية والطبول .. مات " عبد الحليم حافظ " الدنيا انقلبت .. " أم كلثوم " يريدون خطف نعشها ..<br /><br />مات الأستاذ " محمد كامل حسين " صاحب " القرية الظالمة " مشى فى جنازته 5 أفراد .. حتى السلطة نفسها تضخم فى أديب وتبرزه .. مغنواتى بتيرزه .. وقاص بتبرزه .. لاعب كرة بتبرزه ..!!<br /><br />الشعب راكب هذه الموجة من سنين .. فأصبحت ممارستها عليه سهلة ، انه لا يتعود شيئا جديدا .. وهذه موجة سهلة دخلت فى طباعه السلوكية ..<br /><br />وينتهى الحوار مع " تشيكوف " القصة القصيرة المصرية والعربية ..<br /><br />وإذا كانت بعض الأقلام قد تجاهلته عن عمد ، وبعض أجهزة الاعلام قد قررت نسيانه ، ومنحت بعض البكاشين والمرتزقة دورا أكبر من أدوارهم وحجما أعظم من أحجامهم ..<br /><br />إلا أن الأديب " محمود البدوى " سوف يأتى اليوم الذى يجد فيه ناقدا منصفا ليعيد اكتشافه من جديد .. عند ذلك تبرز القيمة الحقيقية لأدب هذا الأديب العملاق ورحلة كفاحه من أجل الكلمة الشريفة النظيفة الراقية ..<br /><br />وإذا كنا نهمل الذين يمدون لنا جسور العلم والمعرفة عن عمد وقصد .. أذكر كل هؤلاء القتلة لكل رأى مستنير وضمير يقظ .. عندما سئل " تشرشل " أيهما يفضل أن يكسب الحرب وتخسر بريطانيا " شكسبير " أو يخسر الحرب ويعيش " شكسبير " ملكا لبريطانيا .. أسرع فى الاجابة دون تردد .. وقال :<br /><br />تخسر بريطانيا الحرب ويعيش لها " شكسبير " لأن " شكسبير " خالد وعرف الناس ببريطانيا .. أما الحرب فيمكن أن نكسبها فى أى وقت .. هكذا تكون رؤيتنا للأدب وقيمة الأديب فى الحفاظ على ضمير الأمة ووعيها وثقافاتها ..<br />ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ</strong></div><div align="center"><strong>(2)<br /><br /><br /></strong></div><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></strong></a><strong><br /><br /></strong><strong><span style="font-size:130%;color:#6633ff;"><span style="font-size:180%;">بعد ربع قرن من الابداع والزهد<br />محمود البدوى يتحدث</span><br /><br />* لا أكتب للخلود ، ولا أحلم بالخلود ، ولا أحلم أحلام اليقظة بأننى سأخلد ..<br /><br />* الجيل الجديد يقلد الموجة الجديدة ، موجة الغموض والتكسر ..<br /><br />* لم أتعمد الاثارة أبدا ، الجنس شىء طبيعى فى الحياة ..<br /><br />* أقرأ للجيل الجديد مجبرا بحكم عملى ..<br /><br />* القصة القصيرة تغنينى عن الرواية ..<br /><br />* بعدت عن السياسة لأنها تفسد الأدب ..<br /><br />* طورت القصة كثيرا عن أستاذنا محمود تيمور ..<br /><br />* تأثرت بمنهج تشيكوف وليس لى أساتذة عرب ..<br /><br />* حتى الآن لا أعرف غفيرا ولا وزيرا فى هذا البلد ..<br /><br />* أنا أكتب لأدفع شيئا رهيبا فى النفس ..!<br /><br /><br />أجرى الحوار الصحفى والكاتب : علاء عريبى<br />عنـــوان الدوريـــة : مجلة القاهرة<br />تاريخ النشــــــر : 14 يناير1986<br /><br /></span>إن الأديب أو الفنان الذى يعطى من دمه وحسه وفكره للقارىء أو المشاهد بإخلاص وصدق ورضا ، من الظلم ، كل الظلم ، أن نتجاهل موهبته وعطاءه إعلاميا ونقديا عن عمد جاحدين ، لكونه آثر الزهد فى حياء بفنه ، آبيا أن يسعى كالآخرين وراء الضوء ، الضوء الزائف ، ضوء مافيا الاعلام ، رافضا كل الرفض منطق الحزبية والشللية والمصالح النفعية ..<br /><br /><span style="color:#333399;">إن أديبنا القاص " محمود البدوى " 77عاما واحد من هؤلاء ، آثر الفن والصمت ، رفض فكرةالعلافات ، رفض التمذهب فى الأدب ، جاء منذ نصف قرن من قرية الاكراد مسقط رأسه ، مركز أبنوب بأسيوط ، إلى القاهرة .. قاهرة المبدع والعالم ، حاملا حسه وفكره وقلمه ، مدافعا بها عن الانسان المقهور والمضطهد ، كاشفا بصدق وأمانة المبدع الحقيقى عن احساسه ، فيما يقرب من ثلاثمائة قصة قصيرة ، بدءا من " الرحيل " 1935 وعمره لا يتعدى العشرين ربيعا ، حتى " السكاكين " 1985 وهو فى السابعة والسبعين .. وفيا كل الوفاء لفنه ، القصة القصيرة ، فنه الوحيد ، دون أن تلتفت إليه يد البحث فى الجامعة</span> ، أو رؤية نقدية بكتاب ، أو حتى الضوء الزائف .. ضوء الاعلام ..<br /><br />ـ أنا أحس بالمرارة ، لا أستطيع أن أتكلم ، ولا أستطيع أن أكتم ، فأنا منذ أكثر من خمسين عاما ، لم يتناولنى ناقد كبير ولا صغير ، ولا أجرى أحد معى حديثا كما يجرون مع كل الكتاب الذين يكتبون القصة والرواية ، وأحب أن أوضح لك أن اسمى كان يحذف عمدا وباصرار ، عندما يرد ذكره مع أحد الأدباء أو أحد النقاد بواسطة من يقومون بنشره فى الصحف ، وهؤلاء لايزال بعضهم موجودا فى الجرائد الكبرى حتى يومنا هذا ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">لهذه الدرجة يتعمدون التجاهل .. لماذا ..؟!</span><br /><br />ـ شىء لا أفهمه ولا أعرفه ، ربما تكون الشللية ، أو التجمعات التى ظهرت أخيرا وأفسدت الأدب ، أو أن الشخص الذى ينشر يعتقد أن " محمود البدوى " لا قيمة له ، وأحب أن أصرح لك بأن الأستاذ يوسف القعيد قد أجرى حديثا معى ـ وهو الوحيد ـ منذ أكثر من سنة ، وقلت له :<br /><br />" أنا لا أكتب للخلود ، ولا أحلم بالخلود ، ولا أحلم بأحلام اليقظة بأننى سأخلد ، أو سيكون لى قيمة بعد الموت أو قبل الموت .." وإنما أنا أكتب لأدفع شيئا رهيبا فى النفس ـ قد يكون هذا مرضا ـ هو شبح الخوف من شىء مجهول ..<br /><br />* <span style="color:#6600cc;">شىء مجهول ..!!</span><br /><br />ـ نعم .. شىء مجهول ، لا أستطيع أن أوضحه بالكلام اطلاقا ، غير أنه جعلنى كثير السفر والرحيل ، شىء نفسى ، لأننى عندما أكتب القصة أستريح تماما ، وأشعر كأن كل أعصابى ، وكل جسمى ارتاح تماما ، خصوصا إذا أحببت البطل أو البطلة ، وعايشتهما وأخرجتهما على الورق كما عايشتهما ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">بدأت حياتك الأدبية بالترجمة لموبسان وتشيكوف .. فما أثرهما على " الرحيل " وكتاباتك الأولى ..؟</span><br /><br />ـ هذا حقيقى ، بدأت كمترجم فى مجلة " الرسالة " عند الزيات .. وأعتقد أن الجو الروسى والتشيكوفى على وجه التحديد ، يصور الحياة .. حياة الفلاح الروسى .. إذا نظرت له تجده تماما كالفلاح المصرى .. وبدون شك أنا تأثرت بالشكل والأشخاص والإيقاع عند تشيكوف ومنهجه فى القصة أيضا ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">ولم تتأثر بالجيل السابق ..؟</span><br /><br />ـ على الاطلاق ، ولم أتأثر يوما بكاتب مصرى أو عربى ، فأنا اتخذت من هؤلاء أساتذة لى ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">هذا الشكل التشيكوفى الذى بدأت به .. تعتبر أول من أدخله فى الأدب المصرى ..؟</span><br /><br />ـ لا أستطيع أن أقول هذا .. عن نفسى ، فقد طورت القصة كثيرا عن استاذنا " محمود تيمور " وهو أستاذ وله شهرته وأدبه ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">الجيل الذى أتى بعدك .. هل تأثر بمنهجك الروسى ..؟</span><br /><br />ـ لقد قالوا لى " أنهم يقرأون كتبى بانتظام " لكنهم لم يتأثروا ، لأن بعضهم دخل فى الموجة الجديدة ـ موجة الجيل الحالى ـ التى فيها الغموض .. والتكسر .. ت .. ك .. س .. ر ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">* التكسر ..؟!!</span><br /><br />ـ نعم ، تقرأ ولا تفهم ، يلف لك فى الكتابة ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">تقصد التعقيد فى الكتابة</span> ..<br /><br />ـ التعقيد .. التى فيها الجمل ذات الفواصل والنقط ، فواصل ونقط ، وهذا غير موجود فى الأدب الإنجليزى ، وإن كان موجودا فى فرنسا " ناتالى ساروت ، وآلن جرييه " أكبر كتاب فى فرنسا ، فركبا موجة اسمها الغموض ، لكنك إذا قرأتهما تفهم ، لكن لاتفهم الأدب المصرى ، فهو تقليد أعمى ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">هل الغيطانى والقعيد وغيرهما ممن تتحدث عنهم ..؟</span><br /><br />ـ لا .. هؤلاء مجيدون جدا ، خصوصا القعيد ، والغيطانى رغم أنه يسير على خط الدراسة والمملوكية ، خط الحسين ، منطقة نجيب محفوظ ، فهو متأثر جدا بنجيب .. وهما ليس من جيل التعقيد الذى للآن لم أفهم منه شيئا .. وأقرأه مضطرا بحكم عملى ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">بمناسبة الدراسة والحسين .. لماذا لا نجد فى شخصياتك القصصية شخصيات من الأحياء الشعبية ..؟</span>!<br /><br />ـ أنا لا أكتب إلا ما أعايشه ، ففى فترة الدراسة لم يكن لى أهل بالقاهرة ، فنزلت فى كثير من " البنسيونات " وصورت الحياة فيها ، ففى هذا الوقت كان كل أصحاب " البنسيونات " أجانب .. واختلطت بمجموعة كبيرة جدا من البشر ، على اختلاف أشكالهم وألوانهم وجنسياتهم وطبائعهم ، وأعتقد أننى صورت هذا بقدر المستطاع ، وبقدر ما أملك ..<br /><br />* ت<span style="color:#6633ff;">عنى أنك لا تكتب إلا عن شخصيات عاشرتها ورأيتها ..؟</span><br /><br />ـ لابد ، فلا أكتب من فراغ .. سألونى مرة فقلت : " لا أكتب عن الإسكندرية وأنا لم أر البحر .." وإلا ستكون فانتازيا ، وتسقط ولا تجذب القارىء ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">والتجارب التى تنقل إلينا من خلال الكتب ووسائل الاعلام وغيرها ، ألا تؤثر عليك بحيث تكتب عنها ..؟</span><br /><br />ـ لا .. أنا لست صحافة .. أنا أكتب عن روح العصر .. لكنى لا أكتب عن تجار اللحوم الفاسدة .. أو المكرونة ، لا أكتب عن العمارات التى تبنى وتهدم على أصحابها ، أنا لا أتناول هذا الخط ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">لماذا ..؟</span><br /><br />ـ هذا عمل صحفى ، وربما يمكن للروائى أن يتناولها ، أما القصة القصيرة .. فلا ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">الجنس فى قصصك سمة أساسية .. فكيف تعاملت معه ..؟</span><br /><br />ـ هذا تجن .. فالمرأة والرجل يتحركان مع بعضهما ، فلم أتعمد الإثارة ، ولم أكتب عن الجنس كشىء مفرد ، إنه شىء طبيعى فى الحياة ، ولا يمكن أن تجد لى قصة فيها إثارة ، ثم انه جف فى المراحل الأخيرة من انتاجى ، وأنا أعالج مشاكل الحياة الآن ، والجنس كان سمة أساسية ، والآن توجد مشاكل أكبر وأعقد ، والخط الإنسانى الذى أسير عليه لم يتغير أبدا ، فأنا أدافع عن المظلوم والمضطهد والمقهور والذى لا يجد فى هذه الحياة حولا ولا قوة ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">التزمت من خمسين عاما " بالواقعية " وخلال هذه الفترة طرأ على القصة طفرات كبيرة من التغيير .. فلماذا لم تحاول أن تغير من اتجاهك لمواكبة هذا التطور ..؟</span><br /><br />ـ أنا طورت القصة بما لا يخل بعنصر الفن فيها ، اختصرت الأشخاص من خمسة إلى اثنين ، والزمن من أيام إلى ساعة ، والحجم من عشرة فلوسكاب إلى ثلاثة فقط ، أليس هذا تغييرا ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">يلاحظ القارىء أنك تستعمل ضمير المتكلم فى كثير من قصصك .. فهل لهذا مدلول فنى عندك ..؟</span><br /><br />ـ إنه يريحنى فى الكتابة ، فأنا أكتب عن شخصياتى بعد أن أعايشها طويلا ، أفكر بطريقتها ، أنظر إلى واقع الحياة من نفس منظورها ، فمن الطبيعى أن يكون ضمير المتكلم أقرب الأدوات إلى الاستعمال ..<br /><br />* أ<span style="color:#6633ff;">لا يؤثر هذا على فنية القصة حيث الإسهاب فى الوصف مثلا ..؟</span><br /><br />ـ فى بعض القصص كان الوصف والإسهاب والاستطراد والشخصيات كثيرة مما أضعفها فنيا فتداركت هذا ولم أجمعها فى كتب واكتفيت بنشرها فى الجرائد ، والآن أحاول ألا أستطرد لا فى الوصف أو حتى فى وصف الشخصية والموجات الجديدة تقول إن القصة الحديثة تكفيها أن تصف المرأة مثلا بأنها جميلة ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">ومن حيث التكنيك ..؟</span><br /><br />ـ الدخول نفسه مباشر وفيه جذب ، وليس مقدمة ، التناول يكون فيه جذب يظهر روح القصة ، بحيث يجذب القارىء فلا يستطيع أن يتركها ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">س ـ والأفكار ..؟</span><br /><br />ـ يوجد تطور الآن ، حياتنا فى مصر تتطور ، كان الفلاح قديما مضطهدا ، الآن الناس انتقلوا إلى المدينة وعاشوا فى المدينة ، وناس تجد العذاب فى المواصلات وأمام الجمعيات وعندما تدخل محكمة ، أو تعمل إجراء فى الشهر العقارى تقابل الويل ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">اختيار الأسماء وبالتحديد " المكان " كان له عنصر أساسى فى قصصك لماذا ..؟</span><br /><br />ـ لأننى لا أحضر شخصا من كفر الشيخ وأضعه فى محطة أسيوط ، أو محطة ديروت لابد أن يتناسب مع البيئة التى عاشها لكى تظهر صفاته ، وإلا ستسقط القصة ..<br /><br />* ا<span style="color:#6633ff;">لواقعية الانطباعية .. لماذا لم تتمرد على هذا المذهب ..؟</span><br /><br />ـ أنا اتخذت خطا وأسير عليه ، وعندما أكتب قصة الآن فهى ليست كالقصة التى كتبتها عند الزيات عام 1933 وهذا الخط من الصعب جدا تغييره ..<br /><br />* م<span style="color:#6633ff;">فهوم القصة القصيرة عندك ..؟</span><br /><br />ـ هى لمح إنسانى يجتمع فيها روح الجذب والكفاية الذاتية ، تقرأها وتكتفى بها كما تكتفى برواية طويلة ، أى أن القصة القصيرة إذا كتبتها بروحانية وجاذبية وخلقت منها شيئا حيا يتحرك فإنها تغنى عن الرواية ..<br /><br />* يا<span style="color:#6633ff;"> أستاذ محمود تعتبر الوحيد الوحيد الذى أخلص للقصة القصيرة ولم يكتب رواية .. فلماذا ..؟</span><br /><br />ـ لأن كل ما أستطيع أن أقدمه من أفكار قدمته فى القصة القصيرة ، وهى تغنينى عن كتابة الرواية ..<br /><br />* أ<span style="color:#6633ff;">لم تحاول مجرد محاولة أن تكتب رواية ..؟</span><br /><br />ـ أنا نفسى قصير ، والقصة القصيرة نشرها سهل ، وأستطيع أن أكتب منها الكثير ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">وهل الرواية تحتاج إلى إمكانات ليست لدى القاص ..؟</span><br /><br />ـ لا .. أبدا .. هى عبارة عن نفس وطابع ، وأنا نفسى قصير ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">محمود البدوى ونصف قرن من الإبداع .. أين هو من الجوائز ..؟</span><br /><br />ـ أخذت بكل سرور ، وبكل فخر جائزة الجدارة عام 1978 من أكاديمية الفنون ومن الغريب أننى حتى الآن لا أعرف غفيرا ولا وزيرا فى هذا البلد ، وعندما قرأت الخبر فى الجرائد لم أصدقة ، لأننى ليس لى أية اتصالات ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">أفهم من هذا ، أن جوائز الدولة " تشجيعية وتقديرية " محايدة ..؟</span><br /><br />ـ هى تمشى على الصراط المستقيم ، وليس فيها حياد ، لأنها بالتصويت ، فأنا عضو من أعضاء اللجان منذ أن انشئت ، فمن أين يأتى الحياد ..؟<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">باعتبارك عضوا باللجان ، فمن فى رأيك يتربع على قمة القصة القصيرة الآن بمصر ..</span>؟<br /><br />ـ أنا لست ناقدا ..<br /><br />* م<span style="color:#6633ff;">ن هو الذى تقرأ قصصه ولا تترك قصة له ..؟</span><br /><br />ـ غير موجود ..<br /><br />* م<span style="color:#6633ff;">ا رأيك فى الخلط بين السياسة والأدب هذة الأيام ..؟</span><br /><br />ـ السياسة شىء والأدب شىء ، إن هيمنجواى تطوع فى الحرب الأهلية بجسمه ونفسه ، فهل رجع وكتب ضد من حارب معهم .. أبدا فهو تطوع ليرى الحرب كفنان ، فلا هو أسبانى ولا أى علاقة له بالأسبان ، فقط ليرى الحرب ويزاولها بأظافره ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">وافترض معى أننى ضابط بالجيش أيام نكسة 67 وعائد من موقع ما فى الصحراء ، فشاهدت إسرائيليا فى النزع الأخير ينزف دمه ـ هل أطعنه بالسونكى أم أطلب له الإسعاف .. ؟</span> (موجها السؤال لى ) ..<br /><br />أنا كنت عسكرى "بعكوك" وخدمت بعد كامب ديفيد ، فلا أعرف ..<br /><br />ضاحكا .. الإسعاف طبعا فالمذهب لا يدخل فى الكتابة أبدًا ، فأنا بعدت عن السياسة لأنها تفسد الأدب ..<br /><br />* </strong><strong><span style="color:#6633ff;">فى نهاية حديثنا هذا ، ماذا يحب أستاذنا القاص محمود البدوى أن يقوله لينهى به حديثه ..؟ ولمن ..؟<br /></span><br />ـ للجبل الجديد .. أقول :<br /><br />عش الحياة أولا ثم أكتب ، وإن لم يكن عندك الالهام ، فلا تأخذ القصة بالدراسة أو القراءة لأنها لا تعلم ، بل هى موهبة تصقلها التجربة الحية ..<br /><br />ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<br /></strong></div><div align="center"><strong>(3)</strong></div><strong><p align="center"><br /><br /></p></strong><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /> </strong><p align="center"></a><span style="font-size:180%;color:#6633ff;"><strong>رحلة فى عقل أديب<br />هارب من الأضواء<br /><br /></strong></span><strong><span style="font-size:130%;color:#6600cc;">أجرى الحوار الصحفى والكاتب : مأمون غريب<br />عنـــوان الدوريـــة : مجلة آخر ساعة<br />تاريخ النشــــــر : 6 أغسطس 1969</span><br /><br /><br />أنه كاتب عاشق للقصة القصيرة وحدها .. ظل وفيا لها منذ أن أمسك بالقلم إلى اليوم .. لم أقرأ له يوما قصة طويلة .. ولم أقرأ له مسرحية .. كما لم أقرأ له مقالا أو بحثا نقديا ، انه عشق لونا واحدا من الفن وكرس له حياته .. ورغم أنه من رواد القصة القصيرة فى مصر .. فإننى لم أشاهده فى ندوة أدبية .. أنه يختفى من مجالس الأدباء .. وله عادة واحدة هى أنه مغرم بمشاهدة الأفلام .. وفى بعض الأيام يدخل أكثر من فيلم فى يوم واحد ..<br /><br /></strong><strong><span style="color:#6633ff;">وقد شعرت بالحيرة فعلا عندما حاولت أن ألتقى به .. هل سيهرب من أسئلتى .. كما يهرب من الندوات الأدبية والفنية .. وكيف العثور عليه ..؟<br /></span><br />وبصعوبة التقيت به .. وبصعوبة أكثر حاولت أن أفتح فمه للحديث .. كانت اجاباته مختصرة للغاية .. ومع ذلك فهى تقريبا من أفكاره ومن رؤياه للحياة وما يعتمل فيها من صراعات ..<br /><br />ولم أجد أمامى إلا أن أعيد قراءة بعض أعماله الفنية " الذئاب الجائعة " و " العربة الأخيرة " و " غرفة على السطح " و " زوجة الصياد " وغيرها لعلى أجد الخيط الذى يربط انتاجه الأدبى وأستطيع أن أقدم صورة عن الكاتب من خلال أعماله نفسها ..<br /><br />***<br /><br /></strong><strong><span style="color:#6633ff;">والتقيت به .. وكان أول سؤال تبادر إلى ذهنى هو :<br /><br />* كيف بدأ حياته الأدبية ..؟<br /></span>وبهدوء أجاب :<br /><br />ـ بدأت حياتى الأدبية أترجم لتشيكوف ومكسيم جوركى وموبسان فى مجلة الرسالة للزيات ، ثم وجدت فى نفسى الموهبة والقدرة على التأليف .. فكتبت قصة " الرحيل " بعد رحلة إلى أوربا الشرقية ، ثم مجموعة قصص باسم " رجل " وقد نشرت منها قصة " الأعمى " فى مجلة الرسالة أيضا ..<br /><br />* </strong><strong><span style="color:#6633ff;">وأعود أسأله عن أثر رحلاته على عمله الفنى ..؟<br /><br /></span>ـ لاشك أن الرحلات ساعدت على اتساع أفق حياتى .. وميدان ملاحظاتى ومن دائرة تجاربى ، وظهر أثر ذلك فى القصص التى كتبتها عن الحياة فى تلك البلاد ..<br /><br />* </strong><strong><span style="color:#6633ff;">إلى أى مدرسة تنتمى ..؟<br /><br /></span>ـ المدرسة الواقعية ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">أى واقعية ..؟</span><br /><br />ـ كل يفسرها على حسب هواه ..<br /><br />***<br /><br />انك تقرأ أعمال محمود البدوى فتحس أنك أمام فنان واضح .. عبارته سهلة .. أسلوبه بعيد عن التنميق اللفظى .. معانيه واضحة .. أفكاره منسقة .. وتحس أنك أمام انسان كثير التجارب أو انسان شديد الملاحظة بما يدور حوله من تجارب .. وتحس بأنه أكثر عمقا وتركيزا عندما يتحدث عن ريف الصعيد بما فيه من قيم وعادات وتقاليد .. وما فيه من تناقضات أيضا .. وتحس أيضا أنك قد خرجت بشىء جديد .. خاصة فى أعماله المأخوذة عن البيئة فى أعماق الصعيد ..<br /><br />انه يصور ببراعة كيف تتشابك الجريمة مع الفقر لخلق جو معين فى الصعيد .. ثم ما يتولد عن هذه الجريمة من بعض العادات التى تصاحب هذا الجو ..<br /><br />ولكن الملاحظ على أدب محمود البدوى أنه فى تصويره للعلاقة بين الرجل والمرأة يصورها على أساس جنس خالص .. معظم قصصه يدور محورها حول هذه الغريزة ، وكيف يستطيع البطل فى النهاية أن يصل إلى فريسته ..<br /><br />وبالطبع فإن لمحمود البدوى رأيا يختلف عن ذلك .. فهو يرى أن الجنس فى قصصه ليس المقصود به الجنس فى حد ذاته .. ولكن القاء الضوء على بعض مظاهر الحياة ..<br /><br /></strong><strong><span style="color:#6633ff;">وقد حاولت أن أجره إلى هذا الحديث بطريقة غير مباشرة ، فسألته :<br /><br />* هل هناك صداقة بين الرجل والمرأة ..؟</span><br /><br />ـ أعتقد أنه لا يوجد بين الرجل والمرأة شىء اسمه الصداقة أبدًا .. وإنما يوجد حب .. والحب ليس معناه الصداقة أبدًا .. الحب بين الرجل والمرأة هو الأنانية والسيطرة .. أنا شخصيا أعرف أنى أحب عندما أكتب قصة جيدة .. وأتغلب فى حياتى على كل ما يعترضنى من عراقيل وأصبح لا أعبأ بالتوافه وأشعر بالمودة والأخوة نحو الآخرين ، وأشعر كأنى أحلق فى السماء وأحب الخير للإنسانية جمعاء ، وأشعر فى لحظة بأنى أحب ..<br /><br />* </strong><strong><span style="color:#6633ff;">..........؟<br /></span><br />ـ الحب الحقيقى لا يمكن أن يتجه إلا لشخص معين ، والذى ينتقل من امرأة إلى أخرى هو شخص يلهو ، ولا يمكن أن يكون الحب متمكنا من أعماقه .. فالحب لا بد له من زمن لكى ينمو كأى شىء فى الحياة .<br /><br /><span style="color:#6633ff;">* ............</span>؟<br /><br />ـ أعتقد أنه لا يوجد حب من أول نظرة أبدًا ، فالحب لا بد له من زمن لكى ينمو كأى شىء فى الحياة ..<br /><br />*</strong><strong><span style="color:#6633ff;"> ...........؟<br /></span><br />ـ الواقع أنه قد أصبحت فى حياتى امرأة واحدة .. وهذه المرأة هى التى تدور حولها معظم قصصى .. أما من هى هذه المرأة .. فهذا سرى .. ويجوز أن تكون زوجتى .. وقد تكون امرأة أخرى . .<br /><br />* كان<span style="color:#6633ff;"> سقراط يعتقد أن أصعب الأسئلة هى التعريف .. فهل يمكن أن تقدم تعريفا لهذه القيم الانسانية .. </span>الحق .. الخير .. الجمال .. السلام .. يقاطعنى هاربا من الاجابة قائلا :<br /><br />ـ هذه كلها مسميات لها تعريف واحد .. فهى " أكسير الحياة وسر وجودها " ..<br /><br />* م</strong><strong><span style="color:#6633ff;">ن الذى بهرك من الكتاب ..؟<br /><br /></span>ـ مكسيم غوركى ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">لماذا ..؟</span><br /><br />ـ لأنه جبار ظل يصارع الحياة حتى انتصر عليها ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">متى يصل أدبنا إلى المرحلة العالمية ..؟</span><br /><br />ـ إذا وسعنا من دائرة تفكيرنا وخرجنا إلى النماذج الانسانية العالمية ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">لماذا يتخلف نقدنا عن مواكبة الحركة الأدبية ..؟</span><br /><br />ـ لأنه محصور فى حيز الشلل والعواطف الشخصية ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">ما هى أحلامك ..؟</span><br /><br />ـ أن يسود السلام البشرية .. وأن يتحرر العالم من الفقر والجوع والاضطهاد وذل العبودية ، وأن يتحقق للإنسان حريته ككائن بشرى خلقه الله حرًا كريما ( وأن تصل أمتى إلى غايتها من الرقى والحضارة والخير لبنيها والبشرية جمعاء ) .<br /><br />***<br /><br /><br /></strong><strong><span style="color:#6633ff;">لقد انتهيت من حديثى مع محمود البدوى .. أو هكذا أجبرنى على أن يكون هذا الحديث .. ومع ذلك فقد تداعت إلى ذهنى كلمات أستاذ موبسان له .. بأن يكون على صلة مباشرة بالواقع .. بأن يبتعد عن الأضواء .. بأن يعرف أن الفن هو الصبر الطويل .. بأن يبتعد عن تقليد أحد .. أليست هذه الصورة تنطبق على كاتبنا ..؟!<br /></span><br /></strong></p><br /><br /><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /> <p align="center"></strong></a><strong></strong><strong><br /><br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">حوار معه<br />المرأة والأسرة</span><br /><br /><span style="color:#6633ff;">أجرى الحوار الناقد : علاء الدين وحيد<br />عنـــوان الدوريـــة : مجلة أســـــرتى<br />تاريخ النشــــــر : 31 يناير1981</span><br /></strong></p><p align="center"><strong><span style="color:#333399;"><span style="color:#3366ff;">الأديب</span> الكبير محمود البدوى يشكل فى تاريخ الأدب العربى الحديث مدرسة مميزة فى كتابة</span></strong><strong><span style="color:#333399;"> القصة ..كما يعترف له بالأستاذية أديب كبير آخر هو نجيب محفوظ</span> ..<br />ولقد تخصص البدوى أو كاد ، فى كتابة القصة القصيرة ، وأصدر منها حتى اليوم أكثر من عشرين مجموعة .. ومنذ البداية والبدوى يهتم بالمرأة ، وموقعها فى الحياة والواقع .. والعلاقة بينها وبين الرجل ..<br />وهذا لقاء مع الأديب الكبير حول المرأة وبعض القضايا الاجتماعية التى تضطرب على الأرض العربية ..<br /><br />* ف<span style="color:#6633ff;">ى محيط الأسرة .. أين موقع المرأة فى حياتك .. وما هى نوعيتها ..؟</span><br />* فى هذا المحيط ، يمكن أن أعد خمس نساء :<br /><span style="color:#6633ff;">الأولى</span> : أمى .. وبالرغم من أنها ماتت وأنا أبلغ من العمر سبع سنوات ، إلا أن تأثيرها كان علىَّ كبيرا .. وقد ولدت أمى لأب صعيدى غنى ومن أسرة معروفة ، وكان من الأعيان المتنورين ، وهو عبد المنعم التونى .. وكان يملك مساحة كبيرة من الأرض تبلغ 800 فدان ، جعلته يبنى لنفسه قصرا فى أوائل هذا القرن فى قريته اتليدم مركز ملوى مديرية أسيوط ـ وتتبع اليوم محافظة المنيا ـ استورد لها الرخام والزجاج الملون من إيطاليا ..<br />ومع أن أمى لم تكن حاصلة على شهادة دراسية ، إلا أنها كانت متعلمة .. وإليها لا إلى أبى يرجع الفضل فى تعليمى القراءة والكتابة .. ومن الطريف أنها قامت هى نفسها بهذه المهمة ، ولنذكر أن ذلك كان فى عـام 1915 تقريبا ، وعلى لوح من الأردواز ، بدأت أكتب وأحفظ الحروف الهجائية ..<br />وكانت أمى ككل الأمهات فى ذلك العهد ، تتفاءل برؤية مولد الهلال .. ففى أول أيام الشهر الهجرى كانت تصعـد بى إلى سـطح المنـزل الواسـع ( بيت الوسية ) فى قرية الاكراد ـ حيث تزوجت وولدت أنا ـ وترنو إلى الهلال ، وهى تقرأ بعض سور القرآن .. واضعة يدها على وجهى مقبلة جبينى .. داعية الله أن يقينى شرور الحياة<br />..<br />والحب الذى كانت تغدقه أمى على أولادها وابنتها .. كانت تغدق مثله على الآخرين .. ويكفى أن أباها الثرى ، حينما كان يرسل اليها هداياه فى المناسبات وغير المناسبات ، وكانت فى حجم حمولة مركب شراعى كبير ، يسير فى النيل فى ترعة الإبراهيمية بين القريتين اللتين تقعان على النهر .. أى اتليدم والاكراد .. كانت أمى توزع أغلب الهدايا على نسوة القرية .. ولذا لم يكن غريبا أن تكون وفاتها ، يومـا حزينا أليما .. بالنسبة إلى النـاس فى الناحية كلها ..<br />وحتى اليوم لاتزال تتراءى لى النسوة المجللات بالسواد ، والنواح الحقيقى الذى يصدر عن عواطف صادقة .. ويقطع القلوب .. مما حفر مظاهرة الحزينة فى أعماقى ، إلى الدرجة التى تجعلنى إلى الآن .. بعد مضى حوالى ستين سنة ، أبغض الجنازات بغضا شديدا ..<br /><span style="color:#6633ff;">والسيدة الثانية</span> فى حياتى .. إحدى شغالات البيت ، وكانت بمثابة المربية ، والتى عرفتنى أن الاهتمام أو الحـب ، لاينبع من داخل الأسرة فحسب ، بل يمكن أن يأتى من الخارج ، ولازلت إلى اليوم ، أذكر ضمتها القوية لى ..<br />و<span style="color:#6633ff;">الثالثة </span>: هى زوجتى .. ابنة عمى .. لقد تزوجت بالطريقة التقليدية القديمة بلاحب .. فعائلتنا الكبيرة كانت تؤمن بزواج الأقارب فى الدرجة الأولى .. وإلى زوجتى وهى متخرجة من الليسيه ، يرجع الفضل فى أننى وجدت الوقت الكافى للكتابة .. فلم تشغلنى بأمور البيت ، كما أنها تولت تربية بنتينا .. ومن ناحية أخرى .. جعلت هذا البيت ، المكان المريح الذى يضمنى ..<br />وابنتاى .. هما اللتان شكلتا " المرأة " <span style="color:#6633ff;">الرابعة والخامسة</span> فى حياتى .. وتأثيرهما علىّ مع اشباع عاطفة الأبوة .. إنهما علمتانى الخوف من شدة حرصى عليهما وعلى مستقبلهما .. فأبعدت نفسى عن السياسة والاشتغال بها ، والتعرض للطرد من الوظيفة والسجن والاعتقال والتعذيب ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">كيف كانت تربيتك لابنيك ..؟ وهل تظن أنك وفقت فى ذلك ..؟ أم فاتتك أشياء ..؟</span><br />* مع أننى تثقفت وخالطت الأجانب وسافرت كثيرا إلى الخارج ودرست الآداب الأجنبية وترجمت بعضها .. إلا أننى شديد الحفاظ على مصريتى وتقاليدها وصعيديتى أيضا التى لا أتجرد منها أبدا .. لأننى أجد فى جوهرها الحقيقى الكثير من القيم النبيلة التى لا تقل بحال من الأحوال عن المثل الأوربية ..<br />لقد ولدت ابنتاى فى القاهرة ، ومع ذلك لم أرد لهما الاختلاط الزائد عن حده .. الذى أصبح يتسم به المجتمع .. ولذلك لم تنضما إلى ناد من النوادى الكبيرة .. وإنما كان اختلاطهما فى حدود محيط الأقارب والأصدقاء الخلص فقط .. مما يتمشى مع تربيتى الريفية ..<br />وبالطبع فاتنى بعض الأشياء فى تربيتهما .. مثل عدم قيامى بتعليمهما حب القراءة .. فهما بعيدتان عن عالم القراءة ، والمسئول عن هذا الخطأ هو أمهما .. التى كان يجب عليها أن تفعل ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">ماهو الفارق بين المرأة العربية زمان .. واليوم ..؟</span><br />* زمان ..كانت المرأة العربية كلها طاعة وامتثال عن اقتناع وحب للرجل .. أما اليوم ، فإن المرأة خاصة العاملة والجامعية .. تنحو نحو التمرد على سلطة الرجل .. وفى بعضهن نشاذ إلى درجة عدم الطاعة التى تتولد عن حرية مزعومة أو تتجاوز الحد ..<br /><br />* ه<span style="color:#6633ff;">ل تظن أن هناك فارقا بين المرأة العربية عامة والمصرية خاصة وغيرهما من نساء العالم ..؟</span><br />* لقد عرفت المرأة الأوربية بشكل عام والألمانية بشكل خاص .. فكانت الأخيرة أكثر النساء عناية بالبيت ..<br />إن ما يعيب المرأة العربية عامة فى الغالب هو أنها لاتراعى ظروف عمل الزوج .. ولذا فإن الكثيرات من الزوجات ، يمثلن عبئا على رجالهن فى أزماتهم ..فالواحدة منهن لاتعايش أو تتعاطف مع ما يمر به الزوج من أحـداث ، ولاتهون عليه أمرها .. بل تزيده تعبا وإرهاقا وشقاء .. وذلك بسبب جهلها النفسانى ، فهى غالبا مهما كانت متعلمة ، ضيقة الأفق ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">ما تفسيرك للضعف أو التهافت الذى لحق بالأسرة المصرية والعربية ..؟</span><br />* الجرى وراء العنصر المادى فقط .. فالابن ما يكاد يتخرج ، حتى يفكر فى الهجرة ، أو العمل فى بلد عربى .. للرجوع بمال أو سيارة أو هما معا .. وهذه الظاهرة لم يكن لها وجود من قبل .. إلا فى الغرب .. إن تكالب المجتمع على المادة أو اختفاء العنصر الأخلاقى وانحاء الإيمان بالقيم والبعد عن الدين .. هى المسئولة عن التفكك الأسرى الذى نرى ، ويجعل الشباب خاصة .. فارغا من داخلة بعد أن اختفت المثل من أمانيه ..<br />لذلك لا غرابة ، أن تتسم التربية السلوكية للجيل الجديد بالطيش منذ صغره .. وأصبح الطفل الذى يبلغ من العمر اثنى عشر عاما ، يدخن السجائر ، ويقبل الصبيان على الموسيقى الصاخبة والأغانى التافهة والملابس الضيقة .. فى غياب الإشراف الحقيقى للأب والأم ..<br />إن تربية الوالدين هى الأصل .. فاعتناق المثل والتعود على الصدق والأمانة وحب الخير ، تنبع أولا من البيت ..<br />وكان يمكن للمدرسة أن تعوض الخسارة التى لحقت بالبيت ، ولكنها هى الأخرى أصبحت أكثر سوءا .. ويكفى انتشار ظاهرة حمل تلاميذ المدارس الثانوية للمطاوى قرن الغزال ، بالذات فى أثناء تأدية الامتحانات .. سلاحا يستخدم ضد المراقب ، الذى يمنع التلميذ من الغش ..<br />وتكون النتيجة بلطجة التلميذ المسلح وعدم تأمين المدرس على حياته .. أن يخاف الأخير .. ويترك التلميذ البلطجى يغش .. وتكون المأساة والاستهتار وتدهور التعليم .. أكثر فأكثر ..<br />ولقد ساءنى هذه الظاهرة ، فكتبت عنها إحدى قصصى فى مجلة " الرائد " التى تصدرها نقابة المعلمين المصرية .. تناولت فيها مدرسا شجاعا ، لا يقبل هذا التهديد المسلح بالمطواة من تلميذ بلطجى .. ولذلك فهو عند أول بادرة عدوانية من التلميذ .. يصفعه صفعة قوية .. ويتخاذل المستأسد الصغير ، ويصبح ذليلا كالكلب .. ومن وقتها سارت الأمور بالدقة والنظام والطاعة ، التى يتطلبها كل مدرس فى فصله ..<br /><br />* ف<span style="color:#6633ff;">ى أعمالك القصصية ، قدمت المرأة ببراعة شديدة فى الكثير من الصور والنوعيات .. كيف تفسر خبرتك الكبيرة بها ..</span>؟<br />* تتبلور اللهفة على الجمال عند الفنان فى المرأة .. وذلك بجانب ما يدفع حب الاستطلاع ، والرغبة فى اكتشاف عوالم مجهولة ، واللهفة على تعميق دنيا نصف الرجل الآخر .. فالمرأة هى أجمل شىء فى الوجود ..<br />لى قصة فى مجموعة " مساء الخميس " جعلت معالجتى للمرأة فيها .. تشمل المرأة فى العالم كله ، وليست المصرية أو العربية فحسب .. وكان العنصر الأساسى فيها ، هو الأنوثة .. وفهم واحترام وحب وارضاء هذه الأنوثة نفسها ..<br /><br />* ت<span style="color:#6633ff;">ساؤل أخير .. هل أنت مع او ضد المرأة ..؟</span><br />* معها .. لأنى أحبها ولا أستطيع الاستغناء عنها .. اطلاقا ..<br />====================================<br /><span style="color:#6633ff;">منقول من الكتاب المعنون باسم " محمود البدوى " للناقد علاء الدين وحيد ـ دار سنابل للنشر والتوزيع ـ نشر فى عام 2000</span> م<br />====================================<br /></p></strong><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /> <p align="center"></strong></a><strong>(5)<br /><br /><span style="font-size:130%;color:#6633ff;"><span style="font-size:180%;">آخر كلمات الأديب الكبير محمود البدوى<br />أشعــــــــــر بالمــــــــرارة</span> !<br /><br />أجرى الحوار الصحفى والكاتب : مصطفى عبد الله<br />عنـــوان الدوريـــة : صحيفة الأخبار<br />تاريخ النشــــــر : 19 فبراير 1986<br /><br /></span><br />رحل رائد القصة الكبير محمود البدوى وهو يشعر بالمرارة لأنه يكتب منذ خمسين سنة وعمره ناهز السبعين ولم تتحرك الحياة النقدية لدراسة وتقييم قصصه بشكل مناسب ..!!<br /><br /><span style="color:#6633ff;">وفى آخر حديث دار بينه وبينى ويرى النور لأول مرة بعد رحيله قال الأستاذ محمود البدوى</span> :<br /><br />ـ رغم تجاهل النقاد لكتبى لاتوجد نسخة واحدة منها فى السوق ، ويكفينى حب القراء لى ، وقد تعلمت من الزيات الصبر والإخلاص فى العمل وإتقانه .. وأكبر دليل على هذا أننى استطعت أن أستمر أكتب لنصف قرن رغم أن أحدا من النقاد لم يتناول كتبى فيما عدا الدكتور النساج وعلاء الدين وحيد .. وبعض المحبين من الصحفيين ، وأخيرا قدمنى الدكتور نبيل راغب عندما عرضت قصتى " القرية الآمنة " فى التليفزيون بشكل أنسانى كل الجحود القديم الذى شعرت به على مدى السنوات ، وقد قرأ الدكتور نبيل راغب كتبى وفهم روحى وفنى فى الكتابة بشكل رائع ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">وعندما سألت المرحوم محمود البدوى عن الأدباء الذين أثروا فيه .. قا</span>ل :<br />ـ أنا لم أتأثر بكاتب مصرى رغم أنه سبقنى محمود تيمور ، وأحمد خيرى سعيد اللذان كانا يكتبان القصة قبلى وأيضا يحيى حقى .. فقد اتخذت منذ البداية خطى ومنهجى وشكلى فى الكتابة من أدباء الغرب الذين قرأت وترجمت لهم وعلى رأسهم جميعا تشيكوف ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">ويواصل محمود البدوى حديثه</span> :<br />الأديب الحق يشعر أن فى أعماقه رسالة يجب عليه أن يؤديها بأى شكل من الأشكال ، ولقد عاصرت الأدب الزاهر الذى كانت تسوده روح التضحية خصوصا عند مصطفى صادق الرافعى ، المازنى ، العقاد ، أحمد أمين ، الزيات .. وقد تعجب إذا عرفت أن " لجنة التأليف والترجمة والنشر " كانت تقيم فى حارة الهدارة بعابدين وكان أعضاؤها يصدرون مجلة " الثقافة " ولم يأت لواحد منهم أى نفع مادى ..<br /><br />وقد كان الشيخ عبد الرحمن البرقوقى يصدر وحده مجلة أدبية يكتب فيها العقاد والمازنى ومعظم الكبار فى ذلك الوقت .. وتطورت الحياة الأدبية عندنا وأصبح كل شىء سهلا ، وأخذ الأدباء الشبان ينشدون الشهرة بسرعة بدون أن يبذلوا أى جهد ، صحيح أن عملية النشر الآن صعبة ومغلقة فى وجوههم وتجعلهم يتألمون ، ولكن ألاحظ أنه لاتوجد عندهم خميرة الصبر التى كانت موجودة عند جيلنا ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">ما هى مواصفات القصة الجيدة فى نظر رائد القصة ..؟</span><br />ـ القصة يجب أن يكون فيها روح ، ويجب أن تكون لحظة التنوير فيها واضحة ، ويجب أن تتمتع القصة بخاصية التركيز ، وأن يبتعد كاتبها عن الاستطراد أو الإسهاب وكثرة الوصف ، ويجب ألا أقرأ القصة الجديدة فلا أكاد أميز بينها وبين المقالة ..<br /><br />والقصة القصيرة الناضجة هى التى تجذبك من سطورها الثلاثة الأولى ، وهى التى تعيد قراءتها مرة ومرات من غير ملل ، فنحن الآن نقرأ تشيكوف للمرة الألف ولا نكاد نمل منه ..<br /><br />والمبادئ والمواصفات التى يدعو إليها أساتذة الأدب فى الجامعات يجب ألا تسيطر على ذهن الفنان وهو يكتب ، فأنا أكتب القصة بعفوية وأكتب بواقعية ..<br /><br />وهناك أستاذ جامعى وضع للقصة القصيرة 18 قاعدة ولكنه للأسف الشديد لم يكتب قصة قصيرة واحدة ناجحة لأن القاعدة كانت فى رأسه وهو يكتب ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">من هو الناقد المثالى فى نظر استاذنا محمود البدوى ..</span>؟<br />ـ الذى يتمتع بروح المحبة للعمل الذى يتصدى له ، والذى يبتعد عن أهوائه الشخصية وروح المجاملة والشللية التى قضت على الأدب الحقيقى على مدى 20 سنة وشوهته فى نظر القراء ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">أستاذ محمود ، هل تقربنا من عالمك الابداعى ..؟</span><br />ـ أنا أكتب دائما فى الصباح ، وأحب أن أكتب فى مكان ملىء بالحركة من حولى ، ولا أكاد أحس بما حولى من صخب فى المقهى الذى أجلس لأكتب فيه ، كلعب الطاولة أو الأصوات المرتفعة ، فكلها تنفصل عنى فى لحظة الابداع ، ولقد كتبت معظم أعمالى فى مقهى سفنكس الذى كان موجودا أمام سينما راديو ..<br /><br />* و<span style="color:#6633ff;">ماذا تفعل عندما تريد أن تكتب وأنت مسافر ..؟</span><br />ـ فى السفر أكتب بذور القصة وهيكلها حتى لا تضيع منى ، وعندما أعود لمصر أسترجع ذلك من خلال ذاكرتى الفوتوغرافية التى أستطيع أن أقول أنها ليست حافظة ، وأبدأ عند الكتابة فى استرجاع الأماكن وكأنها أمامى ..<br />ودائما أكتب على ورقة طويلة بيضاء وغير مسطرة ، وأكتب بالرصاص لأنى كثير التنقيح .. وان كان التغيير والتنقيح يكون دائما فى البيت ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">ما هو أحدث كتبك ..؟</span><br />ـ مجموعة قصص أعطيتها للناشر منذ أكثر من عامين ، وتضم 14 قصة وهى فى تصورى من أحسن ما كتبت ، وقد أعطيتها اسم " المأخوذ " .. أما آخر كتاب صدر لى فكان بعنوان " السكاكين " ..<br />======================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشر الحوار فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر ط 2006</span><br />=====================================<br /><br /><br /></p></strong><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /> <p align="center"></strong></a><strong><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">هذا الحوار لن يقرأه صاحبه<br />محمود البدوى يقول قبل رحيله<br /><br /></span>* <span style="color:#6633ff;">القرآن الكريم أول من عرف القصة القصيرة<br />* يجب أن يكون اخلاصنا للفن وليس للايديولجيات السياسية<br /><br /><br />أجرى الحوار الصحفى والكاتب : الدكتور مصطفى عبد الغنى<br />عنـــوان الدوريـــة : الأهرام<br />تاريخ النشــــــر : 20 فبراير 1986<br /></span><br />لن يقرأ كاتبنا الراحل محمود البدوى هذا الحوار .. فقد رحل الرجل فى هدوء كما عاش حياته .. وإذا كانت الأضواء قد غابت عن الرجل فى حياته وربما بعد مماته ، فإن قيمته ودوره سيظلان أكبر من كل الأضواء ..<br />رحل عنا أخيرا رائد القصة القصيرة ، وواحد من فرسانها الأوائل .. فماذا قال قبل رحيله ..<br /><br />* ل<span style="color:#6633ff;">ماذا ظلت " القصة القصيرة " حبك الأول ..؟</span><br />ـ القصة القصيرة حبى الأول والأخير أيضا ، لقد أخلصت للقصة القصيرة قرابة نصف قرن من الزمان منذ أن نشرت أول مجموعة قصصية فى بداية الثلاثينات حتى أننى أستطيع القول دون ما مبالغة أننى طورت شكل القصة ودلالتها لأول مرة فى اللغة العربية فى العصر الحديث .. لقد نجحت فى حشد شخصيات بشرية متباينة ومعذبة معا ..<br /><br />غير أن حبى للقصة القصيرة وراءه باعث رئيسى ، هو ولعى بالإيجاز والاختزال اللذين أجدهما فى طبيعة القصة القصيرة ، ويحضرنى هنا أسماء كثير من الباحثين الغربيين الذين شهدوا للقصة العربية فى قرونها الهجرية ـ الإسلامية ـ بالرقى ، لا لشىء إلا لأنها تحتوى من البلاغة التى هى التركيز والتكثيف الشىء الكثير .. إنهم يؤكدون أن القصة القصيرة إنما هى فن العرب لا الغرب ، فالعرب بطبيعتهم رحالون من مكان إلى آخر ، وبين هذا المكان وذاك يرددون حكاياتهم الموجزة ، فالحياة العربية ، لطبيعتها البدوية ، لم تكن تمكنهم من سرد القصة الطويلة أو التمهل عند تفصيلاتها ، ومن هنا ، أستطيع القول إن تعريف القصة القصيرة العربية عند العرب كما هى الآن لا تزيد على ربع ساعة فقط ..<br /><br />وهذا الوقت الوجيز هو الذى يمنح القصة حلاوتها المميزة .. وهو ما جعلنى أعود للأدب العربى وأحاول أن أغترف من المنابع الأولى للفن القصصى .. وبالتحديد من القرآن الكريم ..<br /><br />لنتوقف قليلا عند هذه النقطة لأهميتها .. انظر إلى عظمة الإيجاز القرآنى وهو يقول :<br /><br />" <span style="color:#009900;">ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم</span> "<br />إنها عبارة بليغة تعبر عن نفسها بنفسها ، وتحمل معانى كثيرة قل أن يستطيع التعبير الطويل أن يعبر عنها ، اقرأ هذا الحكم " <span style="color:#009900;">إلا أن يسجن أو عذاب أليم</span> "<br /><br />ثم أنظر إلى مثل آخر : "<span style="color:#009900;"> يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين</span> " انظر إلى دلالة المعنى الذى تطلقه امرأة ، ومع هذا ، فإن الرسالة تصل بشكل فيه بلاغة وصدق ويحوطه التقدير والإجلال .<br /><br />إننى أستطيع الخروج من كل آية بقصة قصيرة يمكن أن تتوافر فيها شرط ( لحظة التنوير ) كما يقال لنا الآن فى التعبير عن القصة القصيرة .. إن القرآن الكريم به أول قصة قصيرة ..<br /><br />وعلى هذا النحو ، فإننى أستطيع بلفظ أو أكثر من لفظ ( منحوت ) الوصول إلى أدق المعانى وأكثرها تعبيرا ودلالة ..<br /><br />غير أننى لا يمكن أن أغبن الغربيين حقهم فى الفن الإبداعى للقصة القصيرة ، فإننى لا يمكن قط أن أنسى براعة " تشيكوف " وهو يروى القصة فتصل إلى درجة بعيدة من الإعجاز ، لا لشىء ، إلا لأنها تحتوى على التركيز والمعنى فى جلسة صغيرة ..<br /><br />وهكذا أستطيع القول أن القصة القصيرة التى كتبتها على ايجازها كان يمكن أن أكتبها فى ثلاثة فصول بدلا من عدة صفحات ، فبدلا من أن أسترسل فى محاسن المرأة ، على سبيل المثال ، فأسهب فى شعرها وقدها وهيأتها إلى غير ذلك ، أستطيع أن أرمى السهم مباشرة فأقول أنها " جميلة " وهو ما أستطيع أن أقوله حين أسهب فى تفاصيل الجو فأختصر بأنه " بارد " وحسب .. وأستطيع ببقية تفصيلات القصة أن أمزج قدرا كبيرا من الدلالة التى تشير إلى الجو وتؤكد درجته ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">ولماذا لم تكتب غير القصة القصيرة ..؟</span><br />ـ تقصد الرواية والمسرح .. أعترف بأننى لم أحاول هذا قط ، فكل أحلامى كانت تتركز حول أن أوجز فكرى فى فترة زمنية قصيرة ، وهذا هو حال القصة القصيرة ..<br /><br />ربما يستوجب بعد هذا أن أعترف بشيئين آخرين فى منتهى الأهمية بالنسبة لهذا الجنس الأدبى المحبب الأثير لدى ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">أولا</span> : أن " نفسى " ليس طويلا حتى أخرج عن نطاق القصة القصيرة .. التى تحتاج إلى فكرة كالبرق لامعة أستطيع أن أضمنها نسيج الحرف والكلمة ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">وثانيا</span> : القصة القصيرة من السهل نشرها ، وأنا ، كما سترى ، أجهل الطرق الملتوية ـ وما أكثرها ـ لتحمل قصة طويلة وتحاول أن تنشرها ، فتلاقى صعوبة ما بعدها صعوبة ..<br /><br />ومع هذا ، دعنى أعترف لك اعترافا أخيرا ، اعترافا بديهيا لم يستطع السينمائيون عندنا ، للأسف الشديد ، أن يفهموه .. وهو أن أية قصة قصيرة لى يمكن أن تتحول إلى فيلم سينمائى أكثر من أية قصة قصيرة لكاتب آخر .. لماذا ..؟ أجيب لك .. لأنها تحتوى على اختزال واختزان ( للقيمة ) الفنية ، وتبعد عن التفصيلات والجزئيات الخارجة عن نطاق هذا الفن ..<br /><br />* <span style="color:#6633ff;">كيف ترى العلاقة بين القصة والسياسة ..؟</span><br />ـ هى علاقة وثيقة بلا ريب .. اننى أكتب السياسة شئت أم أبيت ..<br /><br /><span style="color:#330099;">وأستطيع القول إن الأديب والمثقف بالتبعية ، لا يجب أن ينتمى لحزب ما قط ، وإذا قدر له أن ينتمى ، فيجب أن يجعل جدارًا سميكا بين إبداعه الحر ونشرات حزبه السياسى ، وألا يجب أن تتدخل السياسة فى الإبداع فتوجهه وجهة رسمية وإلا أصبح ما يكتب فى حكم ( الدعاية ) ، وعلى سبيل المثال ، لقد عشت فترة موسولينى ، وتابعت الكتابات التى أيدته أو عارضته أو حتى من وقفت موقفا محايدا ، الآن أستطيع أن أقول لك .. إن جميع من كتب عن موسولينى أوله سقط ، إن شبح الزعيم السياسى يحرق معه كل مؤيديه .. الأديب لابد أن يدافع عن فكرة ، لكن الدفاع عن فكرة إنسانية شىء والدفاع عن إيديولوجية حزبية ـ مهما كانت ـ شىء آخر ..<br /></span><br />يجب أن يكون إخلاصنا للفن أولا .. فلنترك موسولينى ولنتحدث عن أديب يحاول أن يكتب ضمن شخصياته عن شخصية اليهودى ، إننا إذا حاولنا إبراز هذا اليهودى بشكل منفر ، يمكن أن يحدث أثرا معاكسا فى القارئ فيفعل العكس ..<br /><br />وهنا ، فيجب أن أفرق دائما بين كتابة الأدب الهادف وكتابة الدعاية الموجهة .<br />====================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشر الحوار فى كتاب " ذكريات مطوية " من اعداد على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر ط 2006<br />======================================</span><br /><br /><br /></p></strong><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /> <p align="center"></strong></a><strong>(7)<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">محمود البدوى<br />بعد سنوات من الصمت</span><br /><br />لا<span style="color:#6633ff;"> أكتب من أجل الخلود .. ولكن لأطرد الملل ..<br />أطالب الدولة بتدعيم الكتاب قبل الرغيف ..<br /><br />أجرى الحوارالروائى : يوسف القعيد<br />عنـــوان الدوريـــة : مجلة المصور<br />تاريخ النشــــــر : 25/9/1981</span><br /><br />يتوقف القلم طويلا .. قبل البدء فى حوار مع محمود البدوى.. والحيرة تصل إلى طريق مسدود .. <span style="color:#6633ff;">فبأى الكلمات أبدأ ..</span>؟<br />هل أقول أن هذا الكاتب الجالس أمامى .. عبارة عن 73 عاما يحملها فوق كتفيه و 500 قصة قصيرة ، صدرت فى 20 مجموعة قصصية ، ورواية واحدة .. وكتاب واحد من أدب الرحلات ، ومع هذا نسيه الكل ..<br />أم هل أبدأ بالقول ، أنه ربما كانت المرة الأولى التى يجرى معه فيها حديث طويل عنه وعن حياته ..<br />رفض فى البداية أن يجرى اللقاء فى بيته ، لا علاقة بين البيت والحياة العامة .. هكذا قال لى ، وتواعدنا على اللقاء فى مقهى بشارع عماد الدين ..<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">عناء الحياة</span><br />عندما دخل المقهى ، كان معه عم عبد العزيز ، صديق وحيد استمر معه رحلة العمر كلها ، بائع كتب ، يمر عليه فى المقهى ، معه كتب قديمة تفوح منها رائحة الزمن البعيد .. عزم عليه بالقهوة ، وجلس الرجل بالقرب منا ، الرجل فى الثالثة والسبعين من العمر ومع هذا جرت وقائع يومه كالتالى :<br />فى الصباح الباكر استيقظ حيث يعيش فى ضاحية مصر الجديدة ، نزل من بيته وسار حتى موقف التاكسى ، ليست لديه سيارة خاصة .. <span style="color:#6633ff;">قال لى</span> :<br />لو كنت أركب سيارة خاصة لانقطعت صلتى بالناس والحياة ، وأنا زاد عمرى الوحيد هو الناس ..<br />يظل فى المقهى حتى قرب الظهر ، ثم يبدأ رحلة كل يوم ، من وسط المدينة حتى مصر الجديدة ..<br />دخل محمود البدوى المقهى وهو فى حالة عناء ، مشهد رآه وهو فى الطريق سيطر عليه ، وكان يعيشه .. مشروع قصة جديدة لا يدرى متى تخرج إلى النور .. حكى لى المشهد بلذة خاصة :<br />وقف يلمع حذاءه عند شخص مبتور الساق ، وخلال عملية عملية التلميع ، حكى له الرجل قصته .. انهار بيته وأصبح بدون بيت ، وهكذا عاش فوق هذا الرصيف الذى أصبح مكان عمل ونوم وحياة ، ولكن محاميا رق قلبه لحاله ، فقرر أن يرفع له قضية يطالب فيها بشقة له ..<br /><span style="color:#6633ff;">يقول البدوى</span> :<br />ان اللفتة الانسانية من المحامى هى ماتوقفت أمامه طويلا .. الدنيا مازالت بخير ، والجانب الانسانى فى حياة البشر لم ينسف بعد ..<br />قال البدوى بحماسة الشباب :<br />ـ لا أعرف كيف يخرج هذا العمل إلى الوجود ، وأنا عادة أعيش مع القصة القصيرة شهرا بأكمله .. ورحلتها بداخلى قد تطوبل فى بعض الأحيان ..<br />القراءة والكتابة<br />* <span style="color:#6633ff;">فاجأته بسؤال عما يفعله هذه الأيام ..؟</span><br />قال :<br />ـ أقرأ وأكتب ، وبالتحديد أعيد قراءة بعض الأعمال الأدبية التى أعود إليها بين الحين والآخر .. أقرأ أميل زولا .. وأدجار ألان بو .. و تشيكوف .. و بوشكين .. و جوركى .. و دستويفسكى ..<br />يبدو السؤال القديم ، لم تكتب ..؟ أو كأنه سؤال معاد ومكرر .. وان كانت الاجابة عليه تكتسب طعما خاصا من كاتب لآخر ..<br /><span style="color:#6633ff;">بهدوء وببطء قال الرجل</span> :<br />ـ لن تصدقنى ، أنا لاأفكر فى الخلود أبدا .. أو تخطى حدود الزمان الذى عشنا فيه .. الخلود اسطورة لا أعرفها .. ولا أتصور كاتبا ينقب فى حياتى بعد موتى ، وحتى إن حاول أحد ذلك ، لن يجد فى بيتى ولا فى أهل بيتى ما يعينه على فهم أى شىء ..<br />أنا أكتب لأطارد من خلال الكلمة شبخ الموت .. والخوف .. والرعب .. أحاول الوقوف مع مكسورى الجناح من البشر .. ورفع الظلم عنهم .. بالنسبة لى أحيانا أكتشف أننى أكتب لأطارد شبح الملل عنى .. كلها أشباح أطاردها من خلال ما أكتبه ..<br />سألته :<br />* <span style="color:#6633ff;">لماذا تبدو بعيدا عن الحياة الأدبية ..؟</span><br />كان الرد جاهزا على طرف لسانه هذه المرة :<br />ـ ليس هذا ذنبى ، ولكنه ذنب الأدباء الشبان ، فالتواصل معهم ـ حتى من خلال ما يكتبونه ـ يبدو صعبا ، أدبهم صعب وعسير على الفهم ، ويبدو أن ذلك يحدث كنوع من التأثر بأوربا ، ولكن لم نتأثر بأوربا ، مع أن ظروفنا شديدة الاختلاف ..<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الكلمة المكتوبة</span><br />الرجل الجالس أمامى ، قضى نصف قرن بالتمام والكمال فى محراب الكلمة المكتوبة ، وأعتقد أن قضاياها تهمه بصورة خاصة ..<br /><span style="color:#6633ff;">سألته عن حال الكتاب والكلمة المكتوبة</span> ..<br />قال لى :<br />ـ الكلمة المكتوبة محاصرة ، وراءها الأمية وأمامها عصر الاعلام ، وان كان الاعلام فى حد ذاته لايشكل أى خطر على الكلمة المكتوبة ، ففى أمريكا 13 قناة تليفزيونية ، ومثل هذا العدد من قنوات التليفزيون موجود فى أوربا وفى اليابان ، ومع هذا لم يفقد الكتاب مبرر وجوده أبدا .. الفارق أساسى بين الكلمة المكتوبة والتعامل معها ، وبين السينما والتليفزيون والمسرح .. مشاهدة السينما تقترب من عالم القطيع ، انها حالة جماعية ، يفقد الانسان فيها فرديته واحساسه بهذه الفردية . أما القراءة فهى العملية الفردية الوحيدة التى يمارسها الانسان .. انها توفر للانسان الذاتية التى يحن إليها كل منا ..<br />ولا يمكن أن يكون لها بديل و" الأخوة كرامازوف " عولجت فى السينما أكثر من مرة ، وقدمت على المسرح ، وظهرت فى التليفزيون ، ومع هذا لايزال للنص الأدبى سحره الخاص الذى لابديل له أبدا ..<br />المشكلة عندنا أن الكتاب أصبح غالى الثمن ، وأصبح اخراجه رديئا ، وحتى عندما يخرج إلى الحياة الأدبية ، فهو يبقى عاريا ، إذ لايغطيه جو أدبى وثقافى مثل الجو الذى كان سائدا فى الثلاثينات والأربعينات بخصوص الكلمة المكتوبة ..<br /><span style="color:#6633ff;">لست متفائلا أبدا ، بل ربما كنت متشائما ، وأخشى أن يكون الأوان قد فات .. من يذهب إلى دار الكتب الآن يحمل كتابا من الأجيال الجديدة ..؟</span><br />أننى أشاهد أبناء هذه الأجيال يقفون طوابير طويلة أمام دور السينما .. ومع هذا لما أشاهد شابا يحمل كتابا ، هذا لم يحدث من قبل أبدا ..<br />فى شبابنا كنا نقتطع من مصروفنا اليومى ، وهو قليل ، لكى نشترى الكتاب .. أما الأجيال الجديدة ، فالكتاب قد يكون فى البيت ، ولكن الأيادى لا تمتد له . كان لدينا عشق للأدب لدرجة الجنون ، وكان هذا الجو سائدا .. عبد الرحمن البرقوقى صاحب مجلة البيان ، فى هذه المجلة ، كان يكتب المازنى والعقاد وعبد الرحمن شكرى ، كل هؤلاء خرجوا من مجلة واحدة ، وهى مجلة صاحبها فرد ، وليس دولة ، ولا وزارة أو خلافه .. والرسالة أيضا مجلة صاحبها فرد ، وقد تحولت إلى مدرسة أدبية .. أحمد أمين كان يصدر مجلة الثقافة مع اثنين من زملائه .. لجنة التأليف والترجمة أيضا ، كان يملكها ويديرها أفراد .. الدولة الآن وبكافة أجهزتها الثقافية تعجز عن ملء هذا الفراغ ، لأن الجهاز الضخم لايوجد فيه هذا القدر من الحب للكلمة والأدب ..<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">البدوى والسياسة</span><br />هذا الرجل عاصر مصر من نصف قرن ، وقد نأى بنفسه بعيدا عن السياسة تماما ، فلم ..؟<br />ـ لا أحب السياسة ، أنا شخص حساس ومرهف الحس ، وان دخلت فى دوامة السياسة سيتعطل عملى وانتاجى ، ولا مفر أمام الفنان من الابتعاد عن العمل السياسى بكل صورة من صوره ..<br />* <span style="font-size:180%;color:#6633ff;">لماذا ظلمك النقاد ..؟</span><br />ـ لسبب بسيط هو أننى لاأهدى كتبى إلى أحد ، والكل يعيش حالة من الكسل الجسمانى والعقلى وينتظر أن تصل الأعمال إليهم ..<br />هنا كان لابد من سؤال صريح :<br />* ه<span style="color:#6633ff;">ل ظلم نجيب محفوظ جيلكم ..؟</span><br />قال الرجل بقدر من المرارة :<br />ـ ربما حدث هذا ولكنى أعتبر ذلك موقفا عابرا ، وسرعان ما يتم اصلاح هذا الموقف مع مرور الوقت ، لاشىء يستمر أبدا ، وكل الأمور يعاد النظر فيها مع مرور الوقت ..<br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الكتابة فى المقاهى</span><br />محمود البدوى كاتب من نوع فريد ، يكتب دائما فى المقهى ، سألته عن هذا ، فكانت اجابته أكثر غرابة ..<br />ـ لا أحب الأماكن المغلقة .. أحب الأماكن المفتوحة ، وأحب أن تكون الحياة متحركة أمامى دائما ، الكتابة الأولى لأى عمل أدبى لابد وأن تتم وحولى الناس بكل الصخب والضجيج الذى يحدثونه .. أما الكتابة الثانية أو الثالثة فهى تتم فى البيت عادة ، وإن كان من المؤسف أن المقاهى تختفى من حياتنا ، كل الأشياء الجميلة تختفى ، كافة المقاهى المتسعة تتحول إلى محلات من أنواع جديدة .. الآن أمشى كثيرا فى الشوارع ، وخلال المشى ، فإننى اؤلف أعمالى الأدبية ، وأنا أتجول هنا وهناك ..<br />***<br />ومحمود البدوى فى الثالثة والسبعين من عمره ، مولود فى قرية الاكراد مركز أبنوب ، محافظة أسيوط . منذ ثلاثة أعوام لم يسافر إلى الصعيد ، حيث اعتاد السفر بصورة منتظمة . ومنذ سنة 1973 وحتى الآن لم يسافر خارج مصر ، مع أنه كان كثير السفر والترحال ، وله كتاب وحيد فى أدب الرحلات ، عن طوكيو مدينة الأحلام ، وكثير من قصصه تدور أحداثها خارج مصر ، فى البلدان التى زارها . والرجل رغم هذه السن المتقدمة ، يقوم برحلته من مصر الجديدة وحتى منطقة وسط القاهرة ، ثلاث مرات فى الأسبوع ، من أجل أن يحدق فى الآخرين ، ومن أجل أن يرى الناس ، وأن يقترب منهم ، وأن يلتقط من نثر الحياة اليومية قصصه التى يقدمها لهم فى شكل فنى بديع ..<br /><br /><br /></p></strong><br /><br /><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /> <p align="center"></a><br /><br /><strong>(8)<br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">حوار مع محمود البدوى<br /><br />حرفة الأدب معاناة أولاً<br /></span><br />* </strong><span style="color:#6633ff;"><span style="color:#333399;"><strong>على الجيل الجديد أن يأخذ نفسه بالجدية والصبر<br />* قرأت ـ دون مبالغة ـ جميع كتب التراث التى صدرت<br />* النقد .. منذ عشرين عاما لا يؤدى دوره المطلوب<br />* دور الصالونات الأدبية فى الحياة الأدبية </strong></span><strong><span style="color:#333399;">" صالون مي "<br />* نظرة تاريخية على دور المرأة فى المجتمع الشرقى</span><br /><br /><br /></strong></span><br /><strong><span style="color:#330099;">عنـــوان الدوريـــة : صحيفة الوطن<br />أجرى الحوار الناقد : إبراهيم سعفان<br />تاريخ النشــــــر : 3/8/1981</span><br /><br />الكاتب الحقيقى هو الذى يكتب كلمته لتصل إلى القارىء ، غير آبه بما يعترض طريقه من شوائب ، لأن التقدير والخلود الحقيقيين للكلمة الجيدة وتقدير القراء ليس لأنصاف الموهوبين الذين تطنطن لهم أجهزة الاعلام والصحافة ، وفى النهاية نخرج بطنطنة بلا طحن ..<br /><br />والأستاذ محمود البدوى من الذين يدركون هذه الأمور جيدا ، ولذلك قبع فى محرابه يكتب ، عازفا عن الأضواء ، محجما عن الأدلاء بأى حديث أدبى ..<br /><br />ولكن .. رغم معرفتى بطبع البدوى هذا .. عقدت عزمى على اجراء حوار معه .. فأخذت أحوم حول الفكرة بدءا فى لقاءاتى معه المتكررة .. ويتأخر التنفيذ .. وأخيرا قررت أن أفصح عن رغبتى فى اجراء حديث معه ليفتح قلبه وعقله لقرائه الذين يحبونه .. وكانت دهشتى وكانت فرحتى .. عندما خصنى بهذا الحديث ..<br /><br />ومحمود البدوى أثرى المكتبة العربية باثنين وعشرين عملا قصصيا هى :<br />الرحيل 1935 ـ رجل ـ فندق الدانوب ـ الذئاب الجائعة ـ العربة الأخيرة ـ حدث ذات ليلة ـ العذراء والليل ـ عذراء ووحش ـ الزلة الأولى ـ الأعرج فى الميناء ـ غرفة على السطح ـ صقر الليل ـ السفينة الذهبية ـ مدينة الأحلام ( كتاب فى أدب الرحلات ) ـ الباب الآخر ـ صورة فى الجدار ـ الظرف المغلق صدر عام 1980 ..<br /><br />والبدوى استطاع بقدرته الفنية أن يكون نغمة متميزة عن أبناء جيله .. فقد انتقل بالقصة القصيرة من فجاجة الرومانسية والواقعية الهاتفة إلى الواقعية المعبرة بصدق عن الواقع المعاش .. ولم يكتف بتصوير الحدث فقط ولكنه يضمنه رأيه ونظرته النقدية فنحى منحى الواقعية النقدية .. كما أنه أنقذ الواقعية من مهاوى الأسلوب الأدبى السلس .. والتصوير الدقيق .. واهتم البدوى أيضا بتصوير العلاقة بين الرجل والمرأة ونوعية العلاقة العاطفية بينهما ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">س ـ اتسم عصرنا بالسرعة ، فما أثر ذلك على القصة القصيرة والشعر ، وأثره على الإنسان ..</span>؟<br />ج ـ بالنسبة للعصر فهو يتسم بالسرعة ، والطبيعة الآن تقتضى السفر من بلد إلى بلد حتى أننى سمعت عالما مصريا يقول أن جميع قراءاته فى الطائرات ، لأنه ليس عنده وقت اطلاقا لقراءة أى شىء فى البيت أو المكتب . فبداهة يقتضى أن يكون الكتاب صغير الحجم ، لأن حجم الكتاب الكبير كما كان موجودا من قبل لايطابق مقتضى الحال .. فكلما عرضت فكرة بأسلوب مختصر كان ذلك أوقع عند القارىء من أن يقرأ هذه الفكرة فى كتاب 500 أو 600 صفحة .. وبالمثل الشعر .. فيمكن للإنسان أن يطالع القصيدة كما يطالع القصة القصيرة فى زمن أقصاه نصف ساعة .. أما الرواية فتقتضى أياما بلياليها ، ولكن لا يمنع اطلاقا هذا من وجود الرواية .. وهناك فرق بين الرواية والقصة القصيرة ، فالرواية تعرض الموضوعات باسهاب وشرح ، أما القصة القصيرة فتعتمد على التركيز المطلق والتكثيف وتتتطلب من القارىء الذكاء ، أما الرواية فلا تتطلب ذلك ، فالإنسان يستطيع أن يقرأها حسب مدارك فكره لأنها مشروحة ومبسطة ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">س ـ نشوب العلاقة بين الشبان والرواد جفاء ، ونلقى بعض الادعاءات من الشبان ضد الرواد ، فما رأيك فى ذلك ..؟</span><br />ج ـ المعاناة فى النشر مرت على كل أديب .. فعندما كنا فى سن الشباب ، مرت علينا فترة معاناة فى النشر أكثر مما يعانيه جيل الشبان اليوم .. ولكن كنا نتغلب على هذه الصعوبات بطبع الكتاب على نفقتنا الخاصة بسهولة لأن التكاليف كانت رخيصة وفى مقدور كل انسان أن يقدم على طبع الكتاب على نفقته الخاصة ، أما الآن أصبح مستحيلا وصعبا على الجيل الموجود حاليا أن يطبع الكتاب على نفقته الخاصة ..<br /><br />وأود أن ألفت النظر إلى أن الجيل القديم أيام أحمد أمين والزيات لم يكونوا يعتمدون اعتمادا مطلقا على الدولة ، فالزيات أخرج الرسالة وحده ولجنة التأليف والترجمة والنشر أخرجت كتبا عديدة تعتبر قمة الكتب الأدبية ، كما أصدرت مجلة الثقافة دون اعتماد على قرش واحد من الدولة .. وتعتبر هذه المجلات من العصر الزاهر للأدب فى مصر ، فقد كانت توزع الألاف المؤلفة لدرجة أن مجلة الرسالة كان لها 7000 مشترك فى العراق ..<br /><br />هذا الجيل لم يكن يتصور أن الطريق سهل ومعبد ، ولكن عشقهم للأدب الذى يجرى فى دمائهم كان يدفعهم إلى التفانى فى العمل والاخلاص له ، فأحمد أمين والزيات مثلا كان يجلس كل منهما يوميا من الساعة التاسعة صباحا إلى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل .. كان هذا نتيجة حبهم الشديد للأدب وتفانيهم فى خدمته .. هذه صورة من الجيل القديم ..<br /><br />أما الجيل الحديث يتصور أن الدولة يجب أن تعبد له الطريق وتجعله مشهورا فى مدى ثلاثة شهور حتى يسير فى الشارع فيشار إليه البنان .. وهذا أمر عجيب .. حرفة الأدب لمن يحترفها معاناة أولا ومشاركة للناس فى همومها ومعاناتها مشاركة خالصة بصدق ..<br /><br />فعلى الجيل الجديد أن يقرأ ويقرأ .. للأساتذة السابقين ليكتسبوا الخبرة منهم بدلا من أن يقرأ بعضهم لبعض ..<br /><br />ولى كلمة صغيرة للجيل الجديد أن عليهم أن يأخذوا انفسهم بالجدية والصبر ، فالأدب يتطلب الكفاح الشديد حتى يثبت الإنسان نفسه وسط العدد الهائل من كتاب القصة فيظهر ويأخذ مكانه ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">س ـ كان للصالونات الأدبية دورها فى الحياة الأدبية فى مصر .. هل الجمعيات الأدبية والنوادى الموجودة</span><span style="color:#6633ff;"> الآن تحل محل الصالونات وتقوم بالدور الذى كانت تقوم به ..؟</span><br />ج ـ الصالونات الأدبية كان لها دور كبير ومؤثر .. فصالون مي مثلاً كان ينبض بالحرارة لأن صاحبة الصالون كانت جميلة ، وكان كل أديب من الأدباء يتردد على هذا الصالون يتصور أن مي تخصه بعواطفها ، فكان يتبارى كل أديب فى عرض أحسن ما عنده .. فكان لهذا تأثير كبير فى تنشيط الحركة الأدبية فى ذلك الوقت ..<br /><br />أما الجمعيات الأدبية الآن مع كثرتها لا تؤدى هذا الغرض وليس لها التأثير الذى كان فى مطلع القرن العشرين .. فالصالون الأدبى خرج منه مصطفى صادق الرافعى والعقاد والمازنى وطه حسين ..<br /><br />أما الجمعيات الأدبية الموجودة الآن ، فليس لها قوة الصالونات التى دفعت هؤلاء الكبار إلى التجديد فى أعمالهم ..<br /><br />ورغم هذا أشير إلى دور نادى القصة فى ابراز بعض المواهب الجيدة ، ولكنها مع الأسف لم تواصل السير فى الطريق ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">س ـ ما رأيك فى موقف النقاد من الانتاج الأدبى ، وبماذا تعلل عدم متابعتهم لهذا الانتاج ..؟</span><br />ج ـ أحب أن أقرر أولا أنه من المفروض أن يكون لكل صحيفة أديب متخصص للنقد ، ولكن للأسف هذا غير موجود فى جميع الصحف التى تصدر فى مصر .. وترتب على ذلك وجود الصداقات والعواطف الشخصية فتكونت الشللية ، ووجد مجموعة من النقاد أصحاب الايديولوجيات يجتمعون فى أماكن لهم ويقررون هذا الكتاب نكتب عنه وهذا الكتاب لا نكتب عنه ، فيقاطعونه مثل مقاطعة دول الرفض تماما .. وأحيانا يصدر كتاب فيقدمه صاحبه لناقد صديق ، أو له صلة شخصية به ، ويطلب منه بالحاح أن يكتب عنه .. وأحيانا يكون المؤلف نفسه هو الكاتب والناقد للكتاب ..<br /><br />مثل هذا بالطبع لا يسمى نقدا .. وترتب على ذلك أن دخلت الكتب فى تيه ودوامة ، وأصبح القارىء لا يعرف الغث من الجيد .. فالنقد بهذه الصورة منذ عشرين عاما لايؤدى دوره المطلوب منه ..<br /><br />فالمازنى مثلا كان ينقد فى البلاغ ، والعقاد كان ينقد فى الأخبار وكوكب الشرق ، وكذلك زكى مبارك ، فهؤلاء الفطاحل لم يميزوا بين كاتب وكاتب سواء كان كبيرا فى السن أو صغيرا أو مشهورا أو غير مشهور .. فكنا نرى المعارك الحامية بينهم ، فقد حصلت معركة حامية الوطيس فى النقد بين العقاد ومصطفى صادق الرافعى ، معركة ليس لها مثيل لدرجة أن مصطفى صادق الرافعى كان يشوى العقاد على " السفود " ..<br /><span style="color:#6633ff;">س ـ بمن تأثرت من الشخصيات ، وما هى الكتب التى كان لها أثر فى تكوين شخصيتك الأدبية ..؟ وحدثنا عن رحلتك الأدبي</span>ة ..<br />ج ـ قرأت دون مبالغة جميع كتب التراث التى طبعت فى مصر ، وأنا طالب قرأت الأغانى وصبح الأعشى وعيون الأخبار والأمالى .. وعندما صدرت مجلة الرسالة سنة 1933 كنت أستطيع إلى حد ما الترجمة من اللغة الإنجليزية ، فترجمت قصصا لتشيكوف ومكسيم جوركى وموبسان وبعثتها للزيات فنشرها جميعها فى السنة الأولى للمجلة .. وبعد رحلة إلى أوربا كتبت كتابا صغيرا يسمى " الرحيل " وطبعته على نفقتى الخاصة ، وبدأت بعد هذا الكتاب أؤلف القصص ، وكان معى مجموعة صغيرة تسمى " رجل " وذهبت بها للأستاذ الزيات وكان يعرفنى مترجما .. لأنشر عن هذا الكتاب اعلانا صغيرا فى مجلة الرسالة ، فسألنى عن مضمونه فأخبرته به .. وقلب فى الكتاب فوجد قصة باسم " الأعمى " فطلب منى تلخيصها بايجاز ، فعرضت عليه لب الفكرة ، فسر بها جدا ، وقال تسمح لى بنشرها فى المجلة .. ونشرها فعلا على عددين ، وقد تلقيت وتلقى الزيات أيضا كثيرا من المكالمات والرسائل من القراء حول هذه القصة وسلمنى هو هذه الرسائل ، وحدثنى عن المكالمات ، وهذا يدل على خلق الرجل وتشجيعه لشاب فى أول مراحل حياته الأدبية ..<br /><br />بدأت بعد هذه القصة انقطع عن الترجمة للزيات وأكتب قصصا مؤلفة ..<br /><br />وتأثرت فى قراءاتى بأسلوب المازنى واعتبره أستاذى ، ومن ناحية التكنيك والبناء القصصى والتركيز وطرق الموضوعات الانسانية البحتة التى تهز مشاعر القارىء من تشيكوف ، ثم الواقعية بصدق دون افتعال للحوادث .. والاعتماد المطلق على ذكاء القارىء .. فأنا أعرض الشخصية بخيرها وشرها كما هى فى الحياة دون وعظ فأنا لست واعظا .. وأنى أعتقد يقينا أن كل إنسان يكتب بصدق وايمان واخلاص لفنه لابد أن يعيش مهما تكن الظروف والمعوقات ، أما السياسة فإنى العنها وألعن الف مرة مشتقات هذه الكلمة ، ولقد قضيت حياتى بعيدا عنها .. وقد لعنها من قبلى الإمام محمد عبده .. وأنا لا أكتب قصة وأجعل بطلها وفديا أو دستوريا أو حزبا وطنيا أو غير ذلك .. إنما أكتب القصة بطلها مصرى خالص لمصر وقد كتبت كثيرا من القصص الوطنية أيام الاحتلال البريطانى كما لعنت اليهود فى غاراتهم على المدن المصرية وقتلهم الأطفال والنساء وتخريبهم للبيوت فى السويس وبور سعيد والاسماعيلية ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">س ـ كتبت عن المرأة أماً وزوجة وعشيقة ، وكانت نظرتك لها إنسانية ليس فيها تجنى ، فما سبب ذلك ..؟</span><br />ـ هذه النظرة إلى المرأة طبيعية بحكم تكوينى باعتبارى أننى ريفى صعيدى هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إن الإنسانية متغلغلة فى دمى وهذا لا يجعلنى انظر إلى المرأة غير هذه النظرة ..<br /><br />وأعتقد أن المرأة فى المجتمع الشرقى مظلومة ، وهى لم تتحرر ولم تأخذ مكانتها إلا على مدى سنوات قريبة ، وقد كانت فى العصور الأولى ، لاتعتبر أكثر من أداة متعة ، أما الإسلام فقد حرر المرأة وأوجد لها مكانتها فى التاريخ ، ولقد كان منها من يقاتل فى عصر النبى ، ويضمد الجرحى ويخطب ويناقض عمر بن الخطاب فى تشريعاته ، ولكن بعد الخلافات الشديدة التى حدثت بين العباسيين والأمويين والانتكاسات التى حصلت بعد مقتل الحسين ، تدهورت حالتها فى هذا الجو الكئيب من الفتن والدسائس حتى أصبحت جارية تباع وتشترى ..<br /><br />وبالنسبة لمصر طبعا بدأت الانتفاضة بالنسبة للمرأة بعد عصر قاسم أمين ، فقد دافع عن المرأة دفاعا حارا وبين مكانتها فى صدر الإسلام وفى عهد الخلفاء الراشدين وتأثيرها على من بعثوا الثقافة إلى أوج عزها فى عصر هارون الرشيد والمأمون .. وطبعا لاقى قاسم أمين الاعنات من بعض المتخلفين وذوى العقول الجامدة ، ولكنه انتصر ، وظهر انتصـاره عندما بدأت السيدة هدى شعراوى وعائشة التيمورية ..<br /><br />وبعد ذلك حدث تطور سريع ودخلت الفتاة المصرية الجامعة لأول مرة ..<br /><br />هذه نظرة تاريخية على دور المرأة والظروف التى مرت بها ..<br /><br />وجد الأدب فى هذه الظروف فقد كانت المرأة تصور وخيال ، حيث لم يكن هناك اختلاط كلى بالمرأة إلا بعد أن خرجت إلى العمل فى الأربعينيات وأصبحت موظفة فى كل مرافق الدولة .. فأصبحت بذلك تجربة الأديب بالنسبة للمرأة حية وصادقة ..<br /><br />وأشير أيضا إلى أن الاحتلال البريطانى ووجود الأجانب فى مصر أدى إلى وجود البنسيونات والغرف المفروشة ولم تكن موجودة من قبل .. وقد ظهر أثر البنسيونات فى قصصى لأنى عشت سنين طويلة فى هذه الغرف باعتبارى طالبا وحيدا فى القاهرة ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">س ـ ما هى أحب المجموعات القصصية إليك .. ولماذا ..</span>؟<br />ج ـ العربة الأخيرة ، والذئاب الجائعة ، وزوجة الصياد ، والسفينة الذهبية .. لأنها كتبت فى جو كنت فيه مستريح النفس نسبيا ، وكثير من هذه الشخصيات فى هذه القصص لامست حياتها وظروفها المعيشية بنفسى </strong>عن تجربة خاصة ، ومع أن كل ما كتب أعتقد فيه الصدق ، ولكن فى هذه الكتب كان الصدق واضحا ..<br />================================<br /><br /></p><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /> <p align="center"></a><br />(9)<br /><br /><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">محمود البدوى<br />بعد خمسين سنة قصة قصيرة<br />الكتابة حياتى وبدونها لا أعيش</span><br /><br /></strong><span style="color:#6633ff;"><span style="color:#333399;"><strong>أجرى الحوار : مكتب الشرق الأوسط</strong></span><span style="color:#333399;"><strong><br />عنوان الدورية : الشرق الأوسط<br />تاريخ النشر 7/9/1984</strong></span></span><strong><br /><br />الكاتب القصصى الكبير محمود البدوى يعكف هذه الأيام على كتابة مجموعة قصصية قصيرة من وحى زيارته الأخيرة لبيت الله الحرام ، والبدوى اسم كبير فى عالم القصة القصيرة فى مصر والعالم العربى .. أنجز عدة مجموعات قصصية متميزة ، ورغم مشواره الطويل فى عالم الكتابة ـ 50 سنة ـ إلا أنه يثابر ويكتب وينشر ، فعالمه هو الكتابة فقط ..<br /><span style="color:#6633ff;">فى حديثة ل " الشرق الأوسط " يقول</span> :<br />ـ الكتابة هى أحلامى وأملى ودنياى ، قطعت معها مراحل متعددة ، بدأت كتابة القصة فى عام 1933 كان أستاذنا الزيات يصدر مجلة " الرسالة " وكنت بطبعى أميل لقراءة الأدب باللغة الإنجليزية ، ولذلك بدأت حياتى مترجما ، بدأت أترجم أعمال الأدباء الذين كتبوا عن بشر يشابهوننا .. فترجمت عن الإنجليزية أعمال "<span style="color:#6633ff;"> أنطون تشيكوف</span> " و " <span style="color:#6633ff;">موبسان</span> " لمجلة الرسالة وذلك حتى سنة 1934..<br />وفى السنة نفسها قمت بأول رحلة فى حياتى بمبلغ زهيد جدا من المال إلى أوربا الشرقية على ظهر باخرة رومانية ، بدأت من الإسكندرية إلى اليونان ، إلى تركيا ثم رومانيا والمجر عبر نهر الدانوب ..<br />وعندما عدت من هذه الرحلةكتبت قصة اسمها " الرحيل " وطبعتها فى عام 1935 على حسابى فى مطبعة بالخرنفش " منطقة فى القاهرة القديمة " وكانت من أكبر المطابع ولم يتجاوز ثمن طبع القصة الجنيهات العشرة .<br />وبعد قصة " الرحيل " انقطعت عن الترجمة وبدأت التأليف ، وبدأ الزيات يعرفنى كمؤلف وينشر لى قصصى فى مجلته التى كان يصدرها وحده .. أقصد مجلة " الرسالة " وكان هذا الرجل عظيما جدًا ، وقد تعلمت منه أشياء كثيرة .. لعل أهمها الصبر والجلد فى العمل .<br />وبعد النشر فى مجلة " الرسالة " بدأت أنشر فى معظم الصحف والمجلات المصرية تقريبا الأهرام والشعب والجمهورية والمساء وأخبار اليوم والجيل وآخر ساعة ولم أتوقف عن النشر إطلاقا .. ولم أشعر باليأس إطلاقا ..<br />ومن الأشياء التى أذكر أننى لم أحد عنها فى حياتى هى أننى لم أسع لتقديم قصصى لغير أديب .. ولم أقدم قصصى إلا لمن يطلب منى ، ولعل هذا سببه أننى كنت صاحب حياء شديد منذ صغرى ، ولم يكن جسمى ولا روحى يتحملان صدمة أى رد فعل فيه رفض من أى إنسان .. ولعل هذا هو ما جعلنى أبتعد عن التعامل مع الإذاعة والتليفزيون ابتعادا مطلقا ..<br />* <span style="color:#6633ff;">ولماذا قصرت ابداعك على القصة القصيرة وحدها وأدب الرحلات ..</span>؟<br />ـ أنا أولا أعتبر أن ما يكتبه الأديب فى القصة القصيرة يمكن أن يكون كافيا وضامنا لرواية طويلة من الف صفحة ، وأنا أحب التركيز ، وأتطلب من قارئى دائما الذكاء .. القارىء غير الذكى لا يفهم قصصى اطلاقا ، وقد يكون نفسى قصيرا ، ولا أمتلك الصبر على كتابة الرواية ..<br />* و<span style="color:#6633ff;">لكنك تقرأ الرواية ..؟</span><br />ـ طبعا أقرأها .. أقرأ لدستويفسكى وتولستوى وهمنجواى ..<br />* و<span style="color:#6633ff;">فى الرواية العربية ..؟</span><br />ـ قرأت لكل الرواد الذين عاصرونى ، قرأت لنجيب محفوظ وطه حسين وعبد الحميد جودة السحار وأقرأ أيضا لتوفيق الحكيم أول من أبدع مسرحا عربيا ، وقد استطاع أن يحبب الناس بأسلوبه الفذ فى الحوار المسرحى ..<br />أجيال متعددة<br />* هناك أجيال كثيرة من كتاب القصة ظهرت بعدك .. فهل تتابعهم ..؟ وما رأيك فى انجازهم <span style="color:#6633ff;">واضافاتهم</span> ..؟<br />ـ يعجبنى كتاب القصة الذين يلتزمون بقواعد القصة ولم يتحولوا إلى الموضة الجديدة .. وأنا أقرأ لـ " أبو المعاطى أبو النجا " ويعجبنى وأقرأ لأمين ريان وجمال الغيطانى وسعد حامد ، وهؤلاء يجددون وإن لم يتحولوا إلى الغموض والفقرات القصيرة ، ويقرأ القارىء فلا يفهم شيئا ، وأنا ضد هذا الغموض وهذه الموضة الجديدة ، وأرفضها رفضا باتا ..<br />* <span style="color:#6633ff;">بالنسبة لأدب الرحلات .. هل جاء تسجيلا لكل رحلاتك ..</span>؟<br />ـ أعترف بأننى سافرت إلى كثير من البلاد فى رحلات ثقافية وغير ثقافية ، ولكننى لم أكتب إلا عن تلك التى استطاعت أن تحدث فى داخلى هزة عميقة ، واستطاع أهلها أن يؤثروا فى عقلى ووجدانى ، والبلاد التى كتبت عنها وأظل أكتب عنها ولو عشت 100 سنة هى اليابان وهونج كونج والصين .. انها بلاد عظيمة تطورت وصنعت المعجزات .. ولو قرأنا ما كتبه الرحالة محمد ثابت قديما عن الصين وما يمكن أن نراه فى الصين اليوم لوجدنا أن الصين تصنع المعجزات ..<br />أغرب قصة<br />* م<span style="color:#6633ff;">ا حكاية أغرب قصة ..؟</span><br />ـ كنت أتردد على طبيب بالقرب من بيتى فى مصر الجديدة ، ثم انقطعت عنه فترة وعدت إليه ، وأثناء صعودى سلم البيت الذى توجد فيه عيادته ، وجدت سيدة تنزل السلم وهى تلبس السواد " ملابس الحداد " وهى فى غاية الجمال .. وما ان وصلت إلى الطابق الذى به العيادة حتى وجدت على بابها ورقة معلقة كتب عليها :<br />" توفى الدكتور فلان أمس وستشيع جنازته الساعة كذا "<br />فتعجبت كثيرا ونزلت السلم ، وخرجت هائما على وجهى فى الشوارع بلا هدف ، وعدت لأكتب قصة عن هذه الواقعة الغريبة .. يموت الطبيب ويبقى المريض ..<br />* و<span style="color:#6633ff;">كيف تكتب ..؟</span><br />ـ أكثر من 80 / من قصصى كتبتها فى مقهى فى شارع سليمان باشا أمام سينما راديو وتحول الآن إلى محل أحذية ، وكنت أجلس على هذا المقهى من الساعة الحادية عشرة صباحا وحتى الرابعة بعد الظهر يوميا ..<br />مترجمون كبار<br />* <span style="color:#6633ff;">ترجمة الأدب الأجنبى لأدبنا العربى .. ما رأيك فيها ..؟</span><br />ـ كان عندنا مترجمون فطاحل أثروا المكتبة العربية ، لكن حركة الترجمة توقفت تماما .. وتوقف الترجمة هو عمل مضر بالحياة الأدبية ضررا بالغا .. ويجب أن تستمر الترجمة أو تعود أقوى مما كانت عليه من الآداب الكلاسيكية ، ومن الأدب الحديث أيضا ، ولا يهم أن تصدر أكثر من ترجمة لعمل أدبى واحد ، فهذا لصالح القارىء فى النهاية ..<br />* <span style="color:#6633ff;">هل يجب أن تتم الترجمة بتصرف من المترجم .. أن تكون ترجمة حرفية ..؟</span><br />ـ الترجمة يجب أن تكون فهم روح المؤلف وروح النص ..<br />* و<span style="color:#6633ff;">هل الأديب هو أقدر إنسان على ترجمة الأدب ..؟</span><br />ـ طبعا .. وبلا شك ..<br />* و<span style="color:#6633ff;">ما رأيك فى حركة النقد الأدبى اليوم ..؟</span><br />ـ بمنتهى الصراحة أقول أن النقد الذى ينشر فى صحفنا ومجلاتنا هو مجاملات شخصية لا أكثر ولا أقل ، ونادرًا ما يقوم شخص ويتحمس لنقد عمل نقدًا موضوعيا .. وعموما أنا لا أهدى كتبى لأحد ، ولهذا فلا أحد يكتب عنى ..<br />* <span style="color:#6633ff;">لماذا لم تتحول قصصك إلى تمثيليات تليفزيونية ..؟</span><br />ـ وكيف سيحدث هذا وأنا لا أذهب إلى مسئول فى مكتبه ، وأقضى معظم يومى فى السنوات الأخيرة فى بيتى فى مصر الجديدة .. مرة واحدة فقط عدونى من ضمن الكتاب ، وقدموا احدى قصصى فى برنامج تليفزيونى أذكر أن اسمه " كاتب وقصة " ..<br />جائزة جدارة<br />*<span style="color:#6633ff;"> ما هى الجوائز التى حصلت عليها ..؟</span><br />ـ جائزة واحدة فقط هى جائزة الجدارة .. فوجئت باسمى فى الجرائد بين الفائزين بها وحصلت عليها وقيمتها 1000 جنيه وقالوا لى أنها ستمنح للحاصل عليها كل سنة مدى الحياة ، ولكنهم لم يوفوا بوعدهم ..<br />* <span style="color:#6633ff;">هل تكتب الآن عملا أدبيا جديدا ..؟</span><br />ـ أنا لا أتوقف عن الكتابة أبدا إلا عندما أموت ، وأنا دائم التكير فى الشخص المثالى الذى يجب أن يكون موجودا فى الحياة ..<br />* <span style="color:#6633ff;">فى الفترة الأخيرة وجدنا أنك بدأت فى كتابة شىء جديد تحت عنوان " قصة القصة " ..؟</span><br />ـ نعم .. اننى فكرت أن أقدم للقراء القصة الحقيقية التى وراءكل قصة كتبتها ونشرتها لهم .. وكيف تكونت بذورها ..<br />* <span style="color:#6633ff;">ما هى كتبك الجديدة ..؟</span><br />ـ كتابان كانا عند الناشر وشبت النر فى مطبعته فاحترقت كل الكتب إلا هذين الكتابين .. ويحمل الكتاب الأول عنوان " المأخوذ " والثانى بعنوان " السكاكين " وأنا أعتقد أن هذين الكتابين هما من أحسن ما كتبت ..<br /><span style="color:#6633ff;">ويقول البدوى</span> :<br />أشعر بسعادة كبرى لأننى حققت أمنية عزيزة على نفسى ولم أحد عنها شعرة واحدة طوال أكثر من نصف قرن .. وأظن أن من يقرأ لى أول قصة كتبتها فى حياتى كمن يقرأ لى الآن آخر قصة .. فأنا أعالج فى قصصى صنفا معينا من البشر .. أكتب عن الناس المظلومين فى الحياة .. دائما أكتب عن هؤلاء الناس .. ولا أكتب قط من فراغ وإنما أكتب من الواقع وعن الناس الذين عاشرتهم وعشت معهم ، وأشعر بعد كتابة القصة براحة نفسانية لا حد لها ..<br />خوف من المجهول<br /><span style="color:#6633ff;">وبقول البدوى</span> :<br />" أكتب لأدفع الملل والخوف من المجهول عن نفسى .. ولم أكتب اطلاقا وأفكر فى المجد أو الخلود أو أى شىء مما أعتبره من أحلام اليقظة .. أنا أكتب لأريح نفسى من القلق ومن الجمود ، وأنا حتى فى هذه السن</strong> الكبيرة أتحرك فى الشارع لألتقط الصور لكى أكون منها قصة ..<br /><br /><br /></p>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-12065905646074381282006-12-27T14:56:00.001-08:002007-01-22T14:14:39.094-08:00البــــاب الثـــــالـث ـ الرحلة إلى أوربا الشرقية<div align="center"><strong><span style="font-size:130%;color:#6633ff;">محمود البدوى<br /> والرحيل إلى <br />أوربا الشرقية عام 1934</span> <br /> <br /> كانت أوربا فى عام 1934 تعانى أزمة إقتصادية طاحنة ، والرخص والكساد يعمان كل مكان ، والأزمة الإقتصادية تأخذ بخناق الناس ، وبجنيهات قليلة تعيش فى أوربا وتستطيع أن تأكل وجبة غذاء كاملة فى أفخم المطاعم بما قيمته ثلاثين مليما .<br /><br /> وفى خلال شهر يوليو من هذا العام ، كثرت الاعلانات فى الجرائد والمجلات المصرية والأجنبية تشجع الناس على السفر إلى البلاد الأوربية وبجنيهات قليلة . وكان أصحاب شركات البواخر من جنسيات مختلفة .. التركى .. اليونانى .. المصرى وغيرهم يتنافسون على جذب المقيمين بالبلاد للسفر إلى الخارج ، وكل شركة تذكر اسم الباخرة ومميزاتها والخدمات التى تقدم للراكبين عليها وخط سيرها والأماكن التى ترسو فيها ، وبعضها يظهر صورة الباخرة فى الاعلان بطريقة مشوقة وهى فى وسط الماء ، وبعضها يعلن عن السفر من الإسكندرية أو من بور سعيد فى الذهاب والعودة ، والإقامة فى اللوكاندات المفتخرة فى البلاد التى ترسو فيها ، ومدد الإقامة فى كل منها ، وميعاد السفر وميعاد الوصول ، وتتراوح مدة الرحلة بين 14 يوم وحتى 42 ومن الشركات من كان يزيد المدة .<br /><br /> أعلنت احدى الشركات عن اسعار السفر وعلى الظهر " الدك " درجة أولى 700 قرش ، درجة ثانية 500 قرش ، درجة ثالثة 200قرش .<br /><br /> كان البدوى فى وفرة شبابه وفتوته ، وعمره لايتجاوز الخامسة والعشرين ، ومعه من المال ما يكفيه للطواف حول العالم سنة كاملة .<br /><br /> وفى صباح يوم من أيام شهر يوليو دخل مكتب أنيق فخم من مكاتب السياحة تديره حسناء المانية ، وقلب بصره فى صور البلدان ، وبعد بحث طويل واستقصاء دقيق وامعان فكر ، اختار أرض الدانوب ، وأخرج من جيبه أوراق البنكنوت ، وتناول تذكرة السفر ومعها تذكرة سكة حديد فى القطار إلى الإسكندرية ، وتحدد ميعاد السفر فى اليوم الثالث من شهر أغسطس 1934 .<br /><br /> واستخرج جواز السفر فى يوم 25 يوليو وحصل على إجازة من جهة عمله " وزارة المالية " ، وأخذ فى المرور على السفارات وقنصليات البلاد التى انتوى زيارتها ، وحصل على التأشيرات ، ولكن بعض هذه الدول ليس لها قنصليات فى القاهرة وقنصلياتها فى الإسكندرية كالقنصلية الرومانية ، فأرجأ التأشير إلى حين ذهـابه إلى الإسكندرية لركوب الباخرة . وأرسل إلى والده فى الصعيد " عمدة قرية الإكراد مركز أبنوب بأسيوط " خطابا يطلعه فيه عن عزمه على الرحيل إلى أوربا الشرقية ولم يخبر أحدا سواه .<br /><br /> وأخذ البدوى يعد كل شىء ويستعد للرحيل ، فخرج يشترى حاجات السفر ، اشترى حزاما من الجلد الطبيعى له جيوب ليضع فيه النقود " كان الأجانب فى مصر فى ذلك الوقت مشهورين بصناعة الجلود واتقان الصنعة " وكان قد شاهد هذا الحزام مع الحجاج الذاهبين إلى بيت الله الحرام ، واتخذ طريقه إلى البيت ، ورتب حقيبتين ، الكبيرة وضع فيها ملابسه والصغيرة وضع فيها الكتب المترجمة من الروسية إلى الإنجليزبة ومجموعة طبعات " الباتروس " والقرآن الكريم ، ووضع النقود فى الحزام وشده على بطنه ، ولبس من فوقه الملابس ليكون آمنا من السرقة فى ليل أو نهار أثناء السفر بالباخرة والقطار والإقامة فى الفنادق .<br /><br /> وصل البدوى إلى الإسكندرية وخرج من القطار ، وركب سيارة إلى فندق على شط البحر ، فى محطة الرمل ، وكان سعيدا جزلا طروبا ، وفى الصباح ذهب إلى القنصلية الرومانية وحصل على التأشيرة ، وعاد إلى اللوكاندة وجمع متاعه ، واتجه إلى الميناء فى الرابعة من مساء اليوم وهو يكاد يطير من شدة الفرح ، لأنه سيحقق أمنية عزيزة على نفسه ويركب البحر وحده يجوب الآفاق .<br /><br />وانتهت اجراءات السفر وحينما هم بالصعود إلى الباخرة ، منعته سلطات الميناء وكان أكثر موظفيها من الكونستبلات الإنجليز ، وكانت المفاجأة فى البداية قاسية عليه ، ولكنه سرعان ما أفاق إلى نفسه واسترد أنفاسه ، ودخل مكتب بوليس الميناء للوقوف على أسباب المنع ، فوجد والده الذى جاء من الصعيد وعمه ضابط البوليس بالإسكندرية جالسين ، وأحس بأنهما وراء منعه من السفر ، وترقرق الدمع من عينيه وسال لضياع أمله فى الرحيل ، وأشفق عليه العم " تزوج البـدوى ابنته فيما بعد " وأحد الضباط الأجانب وحاولا إقناع الأب ليسمح لابنه بالرحيل ويقوم بتوديعه ، ولكن الأب يرفض خوفا عليه من بلاد الفرنجة ، وبعد طول مناقشة ، قام الأب وغادر الميناء بصطحبة شقيقه ، والبدوى لم يصدق بأن والده سمح له بالرحيل وارتاحت نفسه واطمأن قلبه . <br /><br /> وعندما ركب الباخرة ، وكانت هذه هى المرة الأولى فى حياته ، سمع صفيرها يرن فى جو الميناء ويتجاوب صداها فى قلب البحر ، ورفعت الباخرة السلم ودارت محركاتها ، وتصاعد دخانها ، وأخذت فى حركة استعراضية تبعد عن الرصيف ، فصعد إلى ظهر السفينة ، واتكأ على سورها الحديدى مع الواقفين يرقب حركة المسافرين ويستقبل تحيات المودعين ، ولم يكن له مودع كغيره من ركاب السفينة .<br /><br /> وشعر بسرور وهو يجاوب على تحيات المودعين بمثلها ، وأخرج منديله الأبيض كغيره من ركاب السفينة ، وأخذ يلوح به فى حرارة ، والعيون تغرورق بالدمع ، وانطلقت السفينة فى عرض البحر .<br /><br /> ولم يصبح البدوى وحيدا منذ ركب الباخرة ، فاختلط بالركاب ، وشاهد الوانا مختلفة من الناس من كل لون وجنس ، ووجوه كثيرة وثقافات متعددة ، وتصادق مع من ارتاحت له نفسه .<br /><br /> ويقول البدوى فى ذكرياته المنشورة فى مجلة القصة المصرية عدد يوليو 1985" سافرت إلى كونستنـزا " على باخرة رومانية قبل الحرب العالمية الثانية .. وكان الكساد والبطالة يعمان العالم .. والأسعار رخيصة فى كل مكان ..<br /><br /> وكان إقلاع السفينة من ميناء الإسكندرية .. وعلى ظهرها القليل من المصريين دون سواهم من الأجناس الأخرى .<br /><br /> ولكن فى ميناء " بيريه " ثم بعدها ميناء " أثينا " طلع إلى ظهر السفينة ركاب جدد من كل بقاع الأرض .. فامتلأت السفينة بهم بعد فراغ ..<br /><br /> وعلى مائدة الطعام فى السفينة .. وجدت بجانبى شابا وشابة فى سن متقاربة .. ويبدوان كأخ وأخته .. ولكن بعد الحديث الذى دار على المائدة عرفت أنهما زوج وزوجة ، وأتلفنا وأصبحنا نقضى زمن السفر كله معا ..<br /><br /> ووجدت مع " خيرالله " الزوج وهو فنلندى مسلم رواية مشهورة " لأناتول فرانس " .. فزادت هوايته للأدب منى قربا .. وأصبح حديثنا فى لون جميل جذاب تتخلله مشاعر الصبا ، وأحلام الجمال لكل مانراه فى هذا العالم .<br /><br /> وفى " استانبول " نزلنا نحن الثلاثة ، وكان " خيرالله " يعرفها جيدا فوفر لنا البحث عن دليل .. وطفنا بكل ربوعها ومعالمها " ضلمة بفجة " و "كوبرى غلطة " وصلينا الظهر فى جامع " أياصوفيا " .<br /><br /> ووقفنا على البسفور ، وقال خير الله :<br /> " إن من لم ير البسفور لايرى الجنة .. ويقصد بكلامه هذا جنة الأرض طبعا ، فتعالت جنة الآخرة عن كل وصف وتشبيه .<br /><br /> وانتهت رحلة خيرالله وزوجته فى " استانبول " وعدت أنا إلى السفينة وحدى لأواصل السفر إلى البحر الأسود ".<br /><br /> كان البدوى يتكلم بالإشارة فى كل بلد يزورها خلال الرحلة وقل أن يجد من يتكلم الإنجليزية أو الفرنسية التى يجيدهما .<br /><br /> وفى كل بلد يحل فيها ، يخرج يتجول مع أنفاس الصباح ، يجتلى مجالى الطبيعة ، يذهب ويتحرك هنا وهناك على غير وجهة وعلى غير هدى ، يشاهد مدنها ، ويتوغل فى طرقاتها وينظر إلى حدائقها ومنازلها ، ويرمى المارين بنظرة سريعة هادئا مسرورا ، ويستعرض حوانيت بائعى الكتب القديمة والحديثة ، يقف يقرأ عناوينها ويغرق فى بحار من الفكر ، ومن مكتبة بوخارست اشترى كتب " لأوسكار وايلد ولورنس وجويس " وإذا عضه الجوع ورمق أحد المطاعم ، يميل إليه ليأكل ويجلس بعد الطعام يستريح .<br /><br /> وعاد البدوى من هذه الرحلة متفتح المشاعر للكتابة ، ويزخر رأسه بمئات الأحداث الصغيرة والكبيرة ، فكان لابد أن يخرجها على الورق .<br /><br /> وكتب قصصا استوحاها من هذه البلاد على النحو الآتى :<br />1 ـ الرحيل " قصة طويلة " ونشرت فى عام 1935<br />2 ـ دمعة .. ونشرت بمجلة صوت الإسلام 1181935<br />3 ـ فى القطار .. ونشرت بمجلة صوت الإسلام 191935<br />4 ـ فندق الدانوب .. ونشرت بمجلة الرسالة 1721941<br />5 ـ سارق النساء ..ونشرت بصحيفة الزمان 161950<br />6 ـ فى الظلام .. ونشرت بصحيفة الزمان 5121950<br />7 ـ فى القطار .. " قصة مغايرة عن سابقتها " ونشرت فى عددين بصحيفة الزمان 19 ,21121950<br />8 ـ غرفة للإيجار .. ونشرت بمجلة القصة 2041951<br />9 ـ ليلة فى بوخارست .. ونشرت بمجلة الجيل الجديد 4101954<br />10 ـ ساكن البحر .. ونشرت بمجلة الجيل 24101955<br />11 ـ ذكريات من الدانوب .. ونشرت بمجموعة العذراء والليل 1956<br />12 ـ فى البحار .. ونشرت بصحيفة الشعب 2121957<br />13 ـ العاصفة .. ونشرت بصحيفة الشعب 2821957<br />14 ـ الغجرى .. ونشرت بمجلة الثقافة يونية 1979<br />================================<br /> <br />================================<br /><br /> </strong></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-74975575878041780842006-12-27T14:52:00.000-08:002006-12-27T14:57:25.168-08:00ص 5 أدب الرحلات ـ رحلة محمود البدوى إلى روسيا سنة 1973<a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></a><br /><br /><br /><div align="center"><br /><strong><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">محمود البدوى<br />فى بيت تشيكوف<br />روســــيا سنة 1973<br />ـــــــــــــــــ<br />اعداد : على عبد اللطيف<br />و ليلى محمود البدوى</span><br /><br />سافر محمود البدوى إلى موسكو فى صميم الشتاء " فى العاشر من شهر يناير 1973 " فى رحلة ثقافية بصحبة الشاعرين محمود حسن اسماعيل وصلاح عبد الصبور والأديب حلمى مراد .<br /><br />وفى قلبه فرحة ، وفى نفسه لهفة إلى زيارة مقر العباقرة العظام .. ديستوفسكى .. تولستوى .. جوركى .. تشيكوف .. جوجول .. يوشكين .. الكسندر كوبرين .. جارشن ..<br /><br />هؤلاء القدامى الأفذاذ .. الذين ظلوا صامدين فى وجه كل أعاصير السياسة والتحول .. ولم يستطع أن يطمس نورهم لا قوى ولا ضعيف ..<br /><br />وهؤلاء هم الذين علموا كتاب العالم أجمع كيف تكتب القصة والرواية .. وما من أحد من الأفذاذ إلا ودان لهم بالفضل ..<br /><br />كتبوا للحياة ومن الحياة .. وعاشت قصصهم ما دامت الحياة تجرى فى شرايين الوجود ..<br /><br />كانت لهفة البدوى وفرحته لا حد لها .. وهو يضع قدمه فى أرض المطار .. ونسى البرودة الشديدة .. والثلج الساقط .. والشىء الرهيب الذى يجز رقبتك كحد السيف القاطع إن لم تكن قد تلفعت وغطيت الرأس والعنق والأذنين بالصوف السميك ..نسى هذا كله لأنه بعد ساعات قليلة سيكون فى شارع غوركى ومنـزل تشيكوف ..<br /><br />غوركى الذى علم نفسه وخرج من مدرسته وقلب الحياة كأعظم أستاذ وأعظم معلم ..<br /><br />وتشيكوف الذى زار جزيرة سخالين .. ليكون قريبا جدا من نبض الحياة .. ونبض الواقع .. وليكون أنبغ كاتب قصة قصيرة فى هذا العالم ..<br /><br />ونزل البدوى فى أكبر الفنادق بالمدينة .. وأصبح فى نظره مدينة عامرة فهو من تسعة طوابق .. وضخامته لاحد لها .. واسمه يطابق المقاطعة التى ينتمى اليها .. وأخذ الدور التاسع .. ليقع نظره فى سهولة على أنوار المدينة فى الليل .. وعلى الثلج الساقط .. وعلى الحركة فى الشارع .. حتى إذا حبسه البرد والثلج عن الخروج من الفندق .. يجد فى هذا المنظر المتجمع ما يأتنس به ويخفف عنه وحدته ..<br /><br />وتجول فى شوارع موسكو الواسعة بحرية وانطلاق ، وأحس بالبهجة والراحة ، فلا زحام ولاشبه زحام حتى فى أشد ساعات العمل فى النهار ويحس وهو يمشى بين ربوعها كأنه يتحرك فى ضاحية قليلة السكان ، فموسكو أعظم مدينة روسية ، بل هى أجمل وأنظف مدينة فى أوربا ، وتحس مع التنافر فى مبانيها وعدم التناسق فى عماراتها ، أنها قامت لتكون هكذا من طراز نادر .<br /><br />وفى الصباح المبكر .. والثلوج تتساقط إتجه البدوى فى نشاط إلى منـزل تشيكوف وكان منشرح الصدر لتحقق أمنية عزيزة عليه .<br /><br />والبيت يقع فى شارع جانبى ضيق .. ودخل من بابه الصغير والثلج على العتبة إلى القاعة الخارجية وأرضها من الخشب ، فأحس بأنفاس تشيكوف العظيم وأقدامه فى هذه القاعة وهو يديرعينيه بنظرة إنسانية وخطوة متأنية .. ثم يدلف إلى حجرته الخاصة حيث يستقبل الزوار والمرضى ..<br /><br />فقد كان يكتب على مائدة صغيرة فى غرفة الكشف على المرضى .. وفى هذه الغرفةكان ينام أيضا .. وقد ظل بيته فى موسكو محتفظا بكل دقائقه الصغيرة وطابعه .. كأن صاحبه لايزال حيا ويتنفس فيه ..<br /><br />القلم الذى كان يكتب به روائعه كما يكتب به روشتات المرضى .. ظـل موضوعا فى مكانه من المكتب ..<br /><br />وفى نهار طلعت شمسه .. توجه البدوى إلى مكتبـة كبيرة ليشترى صـورا " لتشيكوف " وراعه النظام والتنسيق ورخص أسعار الكتب والزحام الشديد فى المكتبة .<br /><br />والإنسان الذى يجيد ثلاث لغات قد يعتز بنفسه ويعتز ، ولكنه عندما يذهب إلى روسيا يشعر بالنقص الشديد ، ويشعر أن الحياة العصرية تقتضيه بأن يجيد سبع لغات على الأقل ، والمرء يقف حائرا فى بهو الفندق وهو يسمع لغات كثيرة لايعرفها ولا يفهمها ويشعر بالأسف .. وقد تكون الأسبانية حيث عاش العرب وأوجدوا حضارة عظيمة .<br /><br />وفى ليننجراد شاهد القصر الذى شيدته كاترينا الثانية ، ورأى فيه ما عملته ريشة الفنانين العظام فى كل عصور التاريخ من ميكائيل انجلو إلى بوكاسيو .<br /><br />وزار مقابر الأدباء والفنانين العظام .. ديستوفسكى وتشايكوفسكى وزار بيت بوشكين .<br /><br />وتجول فى متحف الأرميتاج ورأى فيه أجمل ما صنـعه الرسامون فى العـالم ، ولم يشبع من النظر الى اللوحات ، فكان مذهولا وهو واقف أمامها من روعة الفن وقدرة الإنسان على التعبير . ففى قاعاته عمل كامل لروفائيل وأكبر مجموعة فى العالم لرسوم رامبرانت وأجمل لوحاته وأشهرها " عودة الابن الضال" .<br />=================================<br />ذكريات<span style="color:#6633ff;"> محمود البدوى التى نشرها بمجلة الثقافة المصرية تحت عنوان " فى بيت تشيكوف " عدد مارس1974 وبعنوان " فى منـزل بوشكين "عدد أبريل 1974 و مقدمة كتاب قصص من روسيا لمحمود البدوى .. تقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى .. دراسة الدكتور عبد الحميد إبراهيم .. الناشر مكتبة مصر 2003</span> "<br />================================<br /><br /><br /></strong><strong><span style="color:#333399;">أحدثت هذه الزيارة فى داخل البدوى هزة عميقة ، وأثر أهلها فى عقله ووجدانه ، وتحركت مشاعره ، ووجد نفسه فى حالة من الانفعال ، ويزخر رأسه بمئات الأحداث الصغيرة والكبيرة ، فأخرج الورق والقلم ، وكتب أربع قصص نشرت بالمجلات المصرية وأعيد نشرها فى كتاب " قصص من روسيا "<br /></span><br />وهى مرتبة على النحو الآتى :<br /><br />1 – قصة " القطار الأزرق " ونشرت فى أكتوبر 1973 بمجلة الثقافة .<br />2 – قصة " عودة الابن الضال " ونشرت فى 2941974 بمجلة روز اليوسف .<br />3 – قصة " الجعران " ونشرت فى يونيه 1974 بمجلة الثقافة .<br />4 – قصة " الرنين " ونشرت فى 341976 بمجلة الإذاعة والتليفزيون .<br />================================<br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">محمود البدوى<br />فى<br />بيت تشيكوف ومنزل تولستوى</span><br /><br /><br />يقول محمود البدوى بعد عودته من الرحلة التى قام بها إلى روسيا فى يناير 1973 :<br /><br />" فى الصباح المبكر .. والثلوج تتساقط إتجهنا فى نشاط إلى منـزل " تشيكوف " وكنت منشرح الصدر فقد تحققت لى أمنية عزيزة .<br /><br />ان أعظم كتاب القصة القصيرة فى العالم أجمع .. كان يعيش فى منزل صغير من طابقين فى قلب موسكو .<br /><br />البيت يقع فى شارع جانبى ضيق .. ودخلت من بابه الصغير .. والثلج على العتبة إلى القاعة الخارجية وأرضها من الخشب ، أحسست بأنفاس تشيكوف العظيم وأقدامه فى هذه القاعة وهو يديرعينيه بنظرة إنسانية وخطوة متأنية .. ثم يدلف إلى حجرته الخاصة حيث يستقبل الزوار والمرضى ..<br /><br />انها حجرة صغيرة بها مكتب بسيط .. لاتزال عليه الأدوات التى كان يستعملها تشيكوف فى حياته ..<br /><br />وفى داخل هذه توجد حجرة أصغر منها .. بها سرير فردى من الحديد العادى ظل فى مكانه كما وضعه صاحبه ..<br /><br />ولبساطة السرير وما يبدو عليه من خشونه .. فكرت كيف ينام عليه ويشعر بالراحة مثل هذا العبقرى .<br /><br />وفى الطابق الذى كان للأسرة .. صالة رحبه نوعا .. وحجرتان أكثر اتساعا .. والأرض خشبية والنوافذ ليست متسعة .. وزجاجها على حاله كما هو ..<br /><br />والبيت وهو من طابقين أشبه ببيت رجل متوسط الحال عندنا .. بناه بعد أن ادخر من قوت يومه على مدى السنين ..<br /><br />ان تشيكوف الإنسان كان يعيش فى بساطة مطلقة .<br /><br />وفى الطابق الثانى ترى صورته فى جزيرة فى جزيرة سخالين ونماذج من خطه .. وفى محفظته الخاصة التى كان يضعها فى جيبه صورة صديقه المارد الطويل " تولستوى " ..<br /><br />كما شاهدنا صورة كبيرة لتشيكوف مع مكسيم غوركى معلقة على الجدران وصورة أخرى مع ممثلى مسرحياته .. ومع تولستوى فى يالتا ..<br /><br />والفراشة فى بيت تشيكوف وهى فوق السبعين .. استقبلتنا كأنها أمه التى ربته واحتضنته .. وكانت تتحدث عنه بطلاقة وثقافة ولا تخفى عليها خافية من حياته .<br /><br />منزل تولستوى<br /><br />ومن منزل تشيكوف البسيط .. انتقلنا إلى منزل تولستوى الفخم ذى الرياش والكراسى المطعمه والمائدة الحافلة بالأطعمه والتى حولها أحد عشر كرسيا ولا يزال عليها طاقم المائدة الفاخر بأطباقه الصينية المزخرفة وأكوابه وسكاكينه المسكوفية ..<br /><br />وشممنا ونحن ندخل غرفة المائدة رائحة الطعام الشهى الذى كان يقدمه لضيوفه فى هذه الأطباق ..<br /><br />وهذا الكاتب الواسع الثراء كان يعنى ببيته عنايه فائقة .. ويعنى بالنظام إلى حد يروعك ..<br /><br />فهناك :<br />غرفة مخصصة للزوجه ..<br />وغرفة للأولاد ..<br />وغرفة لمربية الأولاد ..<br />وغرفة لمربى الأولاد ..<br />وغرفة لكبرى بناته ..<br />وغرفة لنومه هو ..<br />وغرفة للجلوس ..<br />وغرفه لمكتبه الفاخر ..<br /><br />وشاهدنا المعطف من جلد الدب الذى كان يلبسه فى جولاته .. "<br /><br />وكان من عادته أن يخرج فى الصباح المبكر من سلم صغير مسروق ليحتطب الخشب ويوزعه على 11 مدخنة فى البيت ، وحبه للجياد .. جعله يحتفظ لنفسه بصورة كبيرة له وهو يمتطى جوادا مطهما ..<br /><br />================================<br /></strong></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-40370300906990822212006-12-27T14:44:00.000-08:002006-12-27T14:46:09.407-08:00ص4 أدب الرحلات ـ رحلة محمود البدوى إلى هونج كونج سنة 1957<a href="http://img153.imageshack.us/img153/8512/6429tx2.jpg"><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img153.imageshack.us/img153/8512/6429tx2.jpg" border="0" /></a><br /><br /><br /><div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">هونج كونج سنة 1957</span><br /><br /></strong><strong><span style="font-size:130%;color:#333399;">عنوان الكتاب : مدينة الأحلام<br />الكاتب : محمود البدوى<br />الناشر : الدار القومية للطباعة والنشر ط 1963<br />ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ</span>ـ<br /><br />" <span style="color:#6633ff;">إن المثل الصينى يقول " مشاهدة واحدة تساوى ألف حكاية</span> .. "<br /><br />وإن مشاهدة واحدة لهونج كونج تساوى كل ما فى العالم من كتب الرحلات ..<br /><br /><span style="color:#330099;">إنها المدينة الصينية العجيبة القابعة فى لسان نهر اللؤلؤ ، والتى كان يحتلها الإنجليز والتى استولى عليها اليابانيون فى الحرب الأخيرة فى ثلاثة أيام وسلمت كل الحامية البريطانية التى كانت فيها !<br /></span><br />إنها المقاطعة البريطانية التى بينها وبين الصين الشعبية مجرد جسر لايتجاوز خمسة عشر مترا ، يقف عليه من الجانبين أربعة حراس فقط ، وأصابعهم على الزناد !<br /><br /><span style="color:#330099;">إن هونج كونج مدينة العجائب فى الدنيا ، المدينة التى ليس لها مثيل ولاضريب</span> .<br /><br />إنها العروس الراقدة على التل ، تتلألأ بالأنوار ، كما تتلألأ الدرر على صدر الحسناء ، ولا تغمض عينها أبدا ، إنها المدينة التى لاتنام .<br /><br /><span style="color:#330099;">إنها المدينة الحية ، تتحرك أمامى الآن بكل جمالها ، وكل فتنتها ، وكل قوتها وأنا أبرز بعض صورها على الأوراق وستظل حية فى ذاكرتى حتى ولو لم أكتب عنها .. لأنها عاشت فى قلبى ..<br /></span><br />إنها المدينة التى عاش فيها سومرست موم ، وبرناردشو ، ومثلت فيها جيفنـز جونز ووليم هولدن فيلم روعة الحب !.<br /><br />إنها <span style="color:#6633ff;">الميناء الحر</span> الذى تشترى منه كل بضائع الدنيا من قلم الرصاص إلى اليخت البحرى دون أن تخضع لأى مكوس .<br /><br />إنها الميناء الذى يذهب اليه الإنجليزى والأمريكى والألمانى ليشترى منتجات بلاده برخص التراب .<br /><br />إنها <span style="color:#6633ff;">المدينة </span>التى تفصل فيها " البدلة " وتلبسها بعد 24 ساعة ، والقميص بعد ست ساعات ، إن بها أحسن " ترزية " فى العالم ، إن " الترزى " هناك يملك المقص الذهبى والسرعة فى عصر الصواريخ .<br /><br />إنها المدينة التى بها أحسن " <span style="color:#6633ff;">شرطى</span> " مظهرا ومخبرا ، ومع هذا فهى تعج بالشحاذين ، ولصوص الجيب الذين لا يشق لهم غبار ، ولا يوجد لهم نظير فى العالم فى الخفة وسرعة العمل ! .<br /><br />***<br /><br />لقد ركبت البحر وأنا شاب فى العشرين ، ورأيت أوربا بعين الشباب وقلبه ، وهأنذا أركب الطائرة بعد الأربعين لأرى الشرق ، لأرى الهند والصين واليابان .<br /><br />لقد رأيت <span style="color:#6633ff;">الفضيلة</span> فى الصين ، والشرف ، وسماحة الأخلاق ، والابتسامة المضيئة على الشفاة ، والنظام والعمل ، ورأيت السرعة وقوة الصناعة ، والحضارة الدافقة والجمال الآسر فى اليابان . والاستعمار الذى لا مظهر له والذى تميته قوة الشعب وحيويته .<br /><br />ورأيت فى <span style="color:#6633ff;">الهند</span> الشعب الذى ينفض عنه الغبار ويتحرك ببطء ، ولكنه سيصل حتما إلى بغيته لأنه يحس بحريته وأصبح يعيش .<br /><br />ورأيت النظافة فى كل هذه البلاد والنظام وسماحة الطبع والتـعاون ، ولم أر معركة واحدة فى الطريق ولا مشاجرة عابرة .<br /><br />وجلت فى كل الأحياء ، فلم أسمـع كلمة نابية ولا لفظة تحمر لها الخدود ، ولم أر شابا يطارد فتاة ، أو يريها ميوعته وخنوعته .<br /><br />لقد رأيت الجمال فى الطبيعة وفى الإنسان ، ورأيت الحضارة العريقة والصناعة الحديثة .<br /><br />ورأيت الآثار الخالدة والقصور الشامخة والمساجد والقباب التى لايستطيع أن يشيد مثلها انسان .<br /><br />ولقد رحلت وأنا أحمل معى كل أخطائى كبشر ، ولكننى كنت أسمو فى كل الحالات عن كل دنس .<br /><br />***<br />إن <span style="color:#6633ff;">هونج كونج</span> مدينة صينية ومرفأ كبير وهى مستعمرة بريطانية منذ سنة 1841 ومساحتها 395 ميلا مربعا ، ويدخل فى هذا الحساب جزيرة هونج كونج نفسها وكولون والجزر الصغيرة المحيطة ..<br /><br />وهى على مبعدة 90 ميلا جنوب كانتون أول مدن الصين الشعبية الكبرى ، وميناء هونج كونج يشغل مساحة قدرها 17 ميلا مربعا وهو من أعظم الموانى فى العالم حركة ، فقد أفرغ فيه فى العام الماضى 5و25 مليون طن من البضائع عن طريق النهر والمحيط ، وعبر هذا الميناء مليون وثلثمائة ألف سائح وعدد سكانها 75و2 من المليون ولكنك تحس بمجرد أن تدخل أن بها 20 مليونا على الأقل يتحركون فى شوارعها ..<br /><br />إن فى طرقاتها 30 ألف سيارة تاكسى ، وأجر التاكسى فى كولون دولار عن الميل الأول ، وبعد ذلك 8 سنتات لكل ميل ، وفى هونج كونج دولار ونصف الدولار عن الميل الأول ، وبعد ذلك دولار عن كل ميل ، وبها 744 أتوبيس وأجر الأتوبيس عشرة سنتات عن المسافة الصغيرة وعشرون سنتا عن الجولة الطويلة ، والسبب فى الفرق أن التاكسى فى كولون لثلاثة أشخاص وفى هونج كونج لأربعة ..<br /><br />وهذه العربات تنقل 307 ملايين من الركاب سنويا ..<br /><br />منها 138 عربة ترام تحمل 158 مليون راكب فى السنة ..<br /><br />وهناك 80 <span style="color:#6633ff;">بنكا كبيرا</span> من بنوك المال فى المدينة و 170 شركة تأمين و 1200 مدرسة وجامعة واحدة ، لأن الإنجليز لا يحبون الجامعات فى مستعمراتهم ولا يشجعون على وجودها ..<br /><br />إن الجامعة هى الشعلة التى تحمل نار الحرية ! ..<br /><br />و<span style="color:#6633ff;">البوليس</span> فى هونج كونج مثالى فى نظافة الملبس ، وروعة المظهر ، والكياسة وحسن التصرف ، والذى تحت نمرته علامة حمراء يجيد الإنجليزية ، والمطار على مبعدة أربعة أميال فقط من كولون ..<br /><br />ولقد هبطت الطائرة أرض المطار فى الساعة السابعة صباحا ، ولم تفتح لنا حقيبة واحدة فى الجمرك ولم نلاق أية مشقة ، وكانت الموظفة المكلفة بالمراقبة الصحية أنيقة وجميلة وترتدى ثوبا أنصع وأشد بياضا من وجهها ، نظرت إلى الأوراق الصحية ثم تركتنا نمر بابتسامة مشرقة إلى بوليس الجوازات ، وبعد ثلاث دقائق كنا خارج المطار .<br /><br />***<br /><br />دخلنا المدينة ، <span style="color:#6633ff;">عندما تدخل هونج كونج تشعر بهزة</span> ، إنها لاتستقبلك بالدخان والفحم وعرق الحمالين ، لا ، إن المدينة ضاحكة وكثيرة الحركة ، وتشعرك بالقوة وبالحيوية الكامنة فيها بمجرد أن تتنسم أول أنفاسها .<br /><br />إن شوارعها مرصوفة ، ولامعة ، ونظيفة ، وهى ليست كثيرة الاتساع ، يشعرك بهـذا أكثر علو المبـانى من الجانبين ، وبالشوارع " التاكسى " والسيارات الكبيرة والترام ذو الطابقين ، وفى كل دقيقة تمر سيارة ، وعندما تترك مطار تادتاك ، لاتدخل هونج كونج ، وإنما كاولون ، فإن هونج كونج على العدوة الأخرى من الخليج ، ولابد أن تركب إليها الباخرة .<br /><br />وفى <span style="color:#6633ff;">كاولون</span> ترى كل أجناس الأرض ، الأمريكى والإنجليزى واليابانى والصينى .<br /><br />إنهم يسيرون فى سرعة ، وإذا عبرت الشارع خطأ فى غير نقطة المرور ، تتوقف العربات والسيارات من أجلك .<br /><br />وتتوقف حركة المرور كلية إذا خرج الأطفال من المدرسة إلى الطريق .<br /><br />إن كل العربات لا تسرع فى هونج كونج ، ولا فى كل مدن الصين .. إن السرعة لا تزيد على 35 كيلو متر فى الساعة مهما تكن الأحوال ..<br /><br />إن البناية فى المدينة عالية ، والعمارات ضخمة ، وطرازها أوربى بحت ، إنها ليست كمدن الصـين . وبكاولون فنادق ضخمة ، ومسارح ، ودور سينما ، ومتاجر ، ولكن الحركة كلها فى هونج كونج بعد أن تعبر الخليج .<br /><br />إن كاولون هادئة ، تنظر إلى الحسناء الراقدة على الشط الآخر فى إعجاب ووله .<br /><br />إن حركة التجارة كلها وبيوت المال كلها فى هونج كونج ، وفى كاولون الفنادق التى تستقبل السائحين من الطائرة ومن الميناء .<br /><br /><span style="color:#330099;">وفى كولون فندق بنسيولا ، وجولدن جان ، وارستى ، وميراما ، وكارلتون ، وجراند هوتيل ،</span> ومتوسط الأجر 40 دولارا فى الليلة :<br />الدولار يساوى ستة قروش تقريبا ، وبمثل هذا الأجر تستطيع أن تأكل طول النهار ..<br /><br />إن الحياة فى هذه الفنادق ليست رخيصة ، لكن إذا قستها بالفنادق مثيلاتها فى مصر وفى أوربا وجدتها أرخص ، لأنها من أحسن طراز .<br /><br />إن الغرف بهذه الفنادق مكيفة ، وبها تليفون ، وراديو ، وحمام خاص وخدمة ممتازة ونظافة لا حد لها ..<br /><br />وفى هذه الفنادق <span style="color:#6633ff;">قاعات كبيرة للرقص</span> ، ومسارح ، وأندية ليلية ..<br /><br />وأنت تستطيع أن تعيش فى كاولون شهرا أو بعض شهر ، فإنه لاينقصك فيها شىء ، ولكن لابد أن ترى هونج كونج إنك تراها فى الليل متلألئة بالأنوار ، وساهرة على سفح التل ، وبيوتها تتناثر كحبات اللؤلؤ وبعضها يسبح بقدميه فى الماء ، إن هذه المدينة الجميلة لاتنام .<br /><br />إنك تركب الباخرة إليها وتدفع عشرين سنتا فى الدرجة الأولى وعشرة فى الدرجة الثانية ، وتقطع الباخرة المسافة فى ربع ساعة ، والباخرة فخمة ومقاعدها مريحة :<br />الدرجة الأولى فى الطابق الأعلى والثانية فى الأسفل ..<br /><br />وبمجرد أن تقع رجلك على رصيف هونج كونج تروعك السرعة الخاطفة للناس والسيارات والعربات .<br /><br />إن <span style="color:#330099;">الشوارع الرئيسية فى هونج كونج هى كوين رود ، انهان رود ، دى فو ، رود شتر رود ، كونون رود ، شتر رود</span> ..<br /><br />وفى هذه الشوارع كل شىء فى المدينة ، كل بنوك المال ، وكل المتاجر الكبرى والصغرى ، وكل محال الجواهر ، وكل الذهب والماس وعقود اللؤلؤ .. ومحال الجواهر يحرسها الحراس بالبنادق فى رائعة النهار !!<br /><br />إن البوليس فى هونج كونج مثالى كما حدثتك ، ولكن<span style="color:#6633ff;"> العصابات ، واللصوص والنشالين</span> ، والشحاذين فى هونج كونج تروى عنهم الأساطير ..<br /><br />إنهم يستقبلونك على الرصيف وفى الأزقة بأسنانهم الذهبية الصفراء ، ويستقبلونك بعربة الركشا أحيانا ، وقد تركب العربة وتتنزه ، ويجدك الجندى بعد ساعة مجردا من ملابسك ، وملقى تحت شجرة ..<br /><br />إن <span style="color:#6633ff;">مدينة الجمال</span> ، فيها كل ما يخطر على البال من مفاتن ، ولكن لكل شىء ثمنه .<br /><br />***<br /><br />و<span style="color:#6633ff;">المرأة </span>فى هونج كونج متأنقة معطرة ، وترى فى الشوارع الجاليات الإنجليزية والأمريكية ، وأحيانا ترى الهنديات واليابانيات أيضا .<br /><br />***<br /><br />وهونج كونج مدينة تجارية ، وفيها صحافة متقدمة ، ولكن ليس فيها أدب . إن جريدة جنوب الصين تصدر فى 24 صفحة وتباع بثلاثين سنتا وفيها كل ما يطلبه القارىء ..<br /><br />وهى مبوبة تبويبا حسنا ومطبوعة أحسن طباعة ، ومخرجة إخراجا متقنا ، ولكن بعد الصحافة لا يوجد أدب ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">لايوجد عشاق للأدب فى هونج كونج</span> ، ولافراغ للناس للقراءة والتأمل . إن هونج كونج كلها ليس فيها سوى بضع مكتبات قليلة لبيع الكتب ، والمكتبات تنسيقها بديع ، فهنا الكتب الواردة من المانيا ، وهنا الكتب الروسية ، وهنا الكتب الأسبانية ، وما أقل الشارين ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">إن فراغ الناس لايتسع للقراءة ، ولكنه يتسع للهو</span> ..<br /><br />إن<span style="color:#6633ff;"> جامعة</span> هونج كونج الوحيدة تقوم على ربوة عالية ، وفى مكان هادىء جميل ، وبناياتها كثيرة المعامل ، وبخاصة كلية الطب وكلية العلوم .<br /><br />و<span style="color:#6633ff;">الطلبة</span> يتمتعون بأجمل المناظر حولهم ، وبانقطاعهم عن ضجيج المدينة وضجتها وتفرغهم للعلم ولكنها جامعة واحدة ، فى بلد تعداده يقرب من ثلاثة ملايين .<br /><br />***<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">التاجر الصينى<br /></span><br />إن الصينى فى هونج كونج من سن العاشرة يعشق التجارة ، وربحها ، إن التجارة فى دمه ، وهو أبرع تاجر فى الوجود ، ويتميز بخصال ثلاث :<br /><br />الدماثة ، والابتسامة المشرقة ، وشعوره الداخلى بأنه ليس فى حاجة إليك أشتريت أو لم تشتر سيان .<br /><br />فهو يستقبلك ويودعك بالابتسامة نفسها ، وبالوداعة نفسها ، وهذا يجعل كل العابرين يشترون حاجاتهم من هونج كونج .<br />إنهم تجار والتجارة فى دمهم .<br /><br />ولهذا يتأنقون فى حوانيتهم ، ويعرضون البضاعة بطريقة فنية ، تدل على ذوق وبراعة ، ومتاجرهم متصلة فى كل شارع .<br /><br />وهناك محال كبيرة تبيع البضائع الإنجليزية وحدها ، فى كولون ، وهونج كونج ، كما أن للصين الشعبية متجرا كبيرا فى هونج كونج يعرض منتجاتها ويبيعها بأقل من أسعار الصين ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">هونج كونج</span><br /><br />والمتاجر فى هونج كونج كبيرة ، وتشغل المركز الرئيسى فى المدينة وفى شوارع دى فو ، وكوين رود محال تجارية فخمة من ثمانية وتسعة أدوار ، وتصعد إليها بالسلم الصاعد ، تقف على أول درجة ، والسلالم هى التى تصعد بك إلى الطابق الذى تبغيه ..<br /><br />وهذه المحال أنيقة ومنسقة تنسيقا رائعا ، وواجهاتها تجذبك إلى داخلها ، وأهم هذه المحال Lane crawfercl بشارع دى فو و White Ways بشارع دى فو أيضا ، ومحال Chaina Emhorium بشارع كوين رود ..<br /><br />وفى هذه المحال كل ما تحتاجه وأسعارها محدودة ..<br /><br />أما المحال التجارية الصغيرة التى فى طول هونج كونج وعرضها ، فعليك أن تساوم البائع ، وهو يشتط فى الطلب عادة ، ويطلب للشىء ضعف ثمنه ، وثلاثة أضعافه ، والحوار معه ممتع للغاية ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">والصينى بطبعه مهذب ووديع</span> ، وهو فى هونج كونج تاجر بلحمه ودمه من سن العاشرة ، فليس فى هذه المقاطعة البريطانية كلها أناس إلا التجار والصناع فى هونج كونج ، والفلاحون فى الضواحى والأراضى على امتداد شريط السكة الحديدية إلى Lowu الحد الفاصل بينها وبين الصين الشعبية ثم الصيادون فى أبردين ..<br /><br />ولكنك تلاحظ التجارة أمامك كأنها عصب الحياة فى المدينة ، على طول الشوارع الرئيسية فى هونج كونج المحال الصغيرة والكبيرة ، واللافتات مكتوبة باللغة الصينية واللغة الإنجليزية ، وكل محل من هذه المحال يبذل كل جهده وفنه فى اجتذاب الجمهور ، بالعرض الخارجى ، والأنوار الساطعة ، وبالأسعار المغرية .<br /><br /><span style="color:#6633ff;">والتاجر الصينى</span> صبور ومهذب ، فهو يقلب لك المحل رأسا على عقب ويأتى بآلاف الأشياء من الداخل لتشترى شيئا بسيطا ، أو لاتشترى على الإطلاق ، الأمر سيان ، يظل مبتسما وادعا ، وإذا قلت له إنك ستمر غدا ، أحنى رأسه ، وكذلك إذا قلت له إنك لم تغير العملة بعد ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">وتغيير العملة</span> فى هونج كونج من أسهل الأشياء ، فلا داعى لأن تذهب إلى البنك وتقدم جواز السفر ، فالصيارفة كثيرون فى كل الشوارع وداخل المحال التجارية ، تجد الصراف يغير لك كل ما معك من عملة بسرعة فى دقيقة واحدة يأخذ منك ويعطيك دون أن يرى حتى وجهك ، ويقبل كل شىء ، كل أنواع النقود حتى العملة الزائفة ، ومحالهم صغيرة وأنيقة :<br />الشبابيك المعدنية المذهبة ، وطاولة الرخام المصقول ، والتليفون ، و " السكرتيرة " الحسناء ، وخريطة العالم دائرة بكل أنواع العملات ..<br /><br />وإذا ذهبت إلى البنك قد تأخذ أكثر مما يعطيك هذا الصراف ، ولكنك تذهب إليه هو لأن منظره يغريك ولأنه لا يسألك عن شىء ، ولا يعرف حتى جنسيتك ..<br /><br />والدولار الهونج كونجى بستة قروش مصرية ، وبهذه القروش الستة تفعل أشياء كثيرة :<br />تشرب القهوة فى مشرب صينى ، وتستمع إلى الموسيقى ، وتقدم لك الفنجان حسناء من مواليد هونج كونج ، تعطيها ما تبقى من الدولار كبقشيش ..<br /><br />وتركب به تاكسى إلى الفندق ، وتشترى به علبة سجاير ..<br /><br />أو تشرب منه فنجان شاى بخمسين سنتا وتشترى جريدة " جنوب الصين " بثلاثين سنتا ، وبالعشرين الباقية تركب الباخرة فى الدرجة الأولى وتدور دورة فى المحيط ، تقرأ وتشم هواء البحر وتتمتع بمناظر الطبيعة التى حولك ، وتستطيع بالدولار أن تدخل السينما من الدرجة الثالثة لترى صدر سيلفانا بنيانيتى وسيقان آفا جاردنر ، من غير مقص الرقيب على أن تجلس فى الصالة ، ولا تستطيع بالدولار أن تنظر أو تشترى كتابا ، أو حتى مجلة غير مصورة ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الفنادق<br /></span>والفنادق فى هونج كونج كبيرة ، وفيها الطعام الصينى والطعام الأوربى ، والخدمة ممتازة ، وللطعام مواعيد ، فإذا أغفلتها قد تنام من غير عشاء ، أو تذهب لتأكل فى الخارج . وإذا خرجت إلى الطريق ترى المطاعم الشعبية وبها الأرز ، والسمك ، وكل أنواع اللحوم ، والكرشة ، والشوربة ، والكبدة المحمرة .<br /><br /><span style="color:#6633ff;">وهذه المطاعم كثيرة ورخيصة ومنظرها يسيل له لعابك</span> ، وترى فى الشوارع الرئيسية المطاعم المختلفة التى تقدم كل أكلات العالم : المطعم الصينى ، والمطعم الروسى ، والمطعم الأسبانى ، والمطعم الفرنسى ، والمطعم الألمـانى ، ولكن لاتنسى وأنت تأكل فيها أن الطـاهى صينى أصيل .<br /><br />وتجد الساقية تحاول أن تبدو لك كالروسية أو الفرنسية ، وفى هذه المطاعم تسمع الموسيقى الأجنبية أو الصينية ، وترى جهاز التليفزيون أمامك يعرض مسرحية أو أوبرا .<br /><br />ومعظم الخدم فى فنادق هونج كونج الكبرى من الشبان ، والنساء قليلون جدا يقمن فقط بتغيير الفراش والعمل فى المطعم ، والصبيان يعملون فى الأسانسير ، وهم فى خفة القطط ، ويحييك فى الصباح والمساء ويده على " زر " الأسانسير . .<br />صباح الخير ، مساء الخير .<br /><br />وهو ينتظر منك البقشيش حتما ، والذى يحمل لك الحقيبة الصغيرة إلى غرفتك ينتظر منك البقشيش أيضا ، ولابد أن تعطيه دولارا ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">وفى بعض الفنادق مراقص</span> ، وأندية ليلية تظل ساهرة إلى الصباح ، وفى أسفل الفندق تجد متجرا كبيرا وفيه كل ما يحتاجه المسافر من بضائع وسلع ..<br /><br />***<br /><br /><span style="color:#6633ff;">والمحال التجارية</span> فى هونج كونج تعمل من الساعة العاشرة صباحا إلى العاشرة مساء ، دون توقف فى الظهيرة ، ودون عطلة فى يوم الأحد أو السبت . وبعض المحال الكبيرة تغلق بعد ظهر الأحد فقط ، كما أن بعض المحال تغلق أبوابها يوما فى الساعة السابعة مساء .<br /><br /><span style="color:#6633ff;">والبنوك والشركات</span> تعمل من التاسعة صباحا إلى الخامسة مساء ، وهناك فترة راحة فى الظهر للغداء .<br /><br />وتجد سيول الموظفين خارجة بعد الخامسة مساء من هذه المحال ومتجهة إلى الميناء ، وكثير منهم يسكن فى كاولون .<br /><br />ونصف العدد وأكثر منه من النساء ، وتجدهن أنيقات فى الملبس ، سريعات الحركة ، ولعل الجيب المشقوق يساعد على المشى السريع .<br /><br /><span style="color:#330099;">والصينية لينة الطبع رقيقة الصوت حلوة التقاطيع ، أنيقة الملبس ، وهى تدير المطعم والحانة ، وتعمل ساقية ، وعاملة تليفون ، وخادما فى الفندق ، وفلاحة فى المزارع ، ومضيفة فى الطائرة ، وأما فى البيت ، وبائعة تجيد الحديث بالإنجليزية</span> .<br /><br />كما أنها راقصة ، وممثلة فى الأوبرا ، وفتاة فى الحان .. كل هذا فى هونج كونج .<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">السينما</span><br /><br />ا<span style="color:#330099;">لسينما </span>فى هونج كونج تبدأ من الحادية عشرة صباحا فى " سينمات " الدرجة الثانية ، أما " سينمات " الدرجة الأولى فتبدأ عملها من الساعة الثانية والنصف ، وهناك حفلة أخرى فى الساعة الخامسة والنصف وحفلة فى الساعة السابعة والنصف وحفلة أخيرة فى الساعة التاسعة والنصف ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">وأسماء السينمات متشابهة فى كل العالم</span> : سينما الهامبرا ، وسينما برودواى ، وسينما روكسى ، وسينما أستا ، وسينما الحرية ، وسينما متروبول ، والأفلام معظمها أمريكى ، ونادر أن يعرض فيلم صينى .<br /><br />والسينما مزدحمة والكراسى مريحة ، والجمهور مهذب ، لايحدث تقبيل فتاة فى الظلام ، ولا تسمع كلمة نابية والتدخين ممنوع كلية . والمراقص الليلية جوها غريب ، وتعبق بالدخان والخمر ، والموسيقى الناعمة ، وهى مصيدة لإفراغ ما فى الجيوب ، وجذب السائحين إلى شىء تصوره الخمر ..<br /><br />وتجلس بجانبك فتاة تشرب كأسين من الشمبانيا ، وبعد ساعة تدفع خمسة جنيهات وتخرج ، وتدرك فى الطريق أنها لم تكن جميلة على الاطلاق وأنها شربت ماء ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">حى أبردين</span><br /><br />هو حى تصل إليه بعد عشرين دقيقة بالسيارة ، وهو حى الصيادين فيه 100 الف صياد يعيشون فى زوارق فى الماء ، وفى أكواخ ومنازل صغيرة على الشاطىء ، وحرفتهم صيد السمك .<br /><br />والنساء يستقبلنك بالقبعات العريضة ، والأسنان الذهبية ، وهن اللواتى يحركن المجاديف ، وينقلنك إلى الذهبية التى ستتناول فيها طعام الغداء وسط الماء .<br /><br />وتجد فى هذه <span style="color:#6633ff;">الزوارق</span> الفتيات من سن العاشرة يعملن ويربحن لأسرهن ، ويوصلنك بالزورق إلى السفينة وهى من طابقين ، ويذهب إليها السائحون للنـزهة والتمتع بمنظر الصيادين الغريب ، وتناول أكلة شهية من المطبخ الصينى المشهور بجودة طعامه فى العالم أجمع .<br /><br />إن <span style="color:#6633ff;">الطباخ الصينى</span> يستطيع أن يصنع لك مائة صنف من لحم العجول وحده ، ومائة صنف من السمك .<br /><br />وفى السفينة وسط الماء ، والجو الشعرى الحالم ، أكلنا أصنافا متعددة من السمك ، والجمبرى ، والأرز ، والبطاطس المحمرة ، واللحم المقدد ثم الشوربة وهى آخر الطعام ..<br /><br />وشربنا الشاى الخالص ، ودخنا فإن التدخين غير ممنوع فى السفينة ..<br /><br />ورأينا <span style="color:#6633ff;">السائحين </span>الأجانب بجوارنا من كل جنس ولون ، وبعد أن استرحنا نهضنا عن المائدة ..<br /><br />ووقف قبطان السفينة " مدير المطعم " يودعنا على المرساة بتحية وأدب ، وركبنا الزورق الذى جاء بنا ، وفيه فتاتان صغيرتان تجدفان ، وامرأة على الدفة ..<br /><br />وعندما خرجنا من الماء ، التف حولنا أكثر من خمسين صائدة يطلبن البقشيش ، وهن من كل الأعمار ، وعلى وجوههن لفحة الشمس ، وأثر الجوع ..<br /><br />***<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الترام الصاعد</span><br /><br />إن الترام الكهربى الصاعد peak tram يصعد بك إلى هضبة هونج كونج نظير 60 سنتا لهذه الجولة الممتعة ، ومن سنة 1888 وهذا الترام يتحرك ، إنه يريك أجمل مناظر هونج كونج . البيوت البيضاء على التلال الزمردية ، والخليج من تحتك ، والسفن تسبح كأنها مراكب الأطفال ، والهواء الحالم يصافح قلوب العشاق فى أعلى الربوة .<br /><br />إذا ذهبت هناك فى الليل فستقف مبهورا وأنت تعجب لكل ما صنع الإنسان .<br /><br />وإذا ذهبت فى النهار ، ستعتمد على السياج الحديدى فى البرج وتسبح عيناك فى بحر من الجمال ليس له أول ولا آخر ، <span style="color:#6633ff;">وستلعن معى كل الذين يثيرون الحروب فى العالم وكل الذين يشوهون جمال الطبيعة وجمال الإنسان</span> .<br /><br />وتجلس فى المقهى الصغير ، تشرب القهوة ، أو عصير البرتقال ، وأنت تحس بالدفء ، وحرارة الشمس الساطعة فى شهر ديسمبر .<br /><br />وتركب السيارة وأنت نازل من الربوة ، لترى كل معالم المدينة وكل طرقاتها الجميلة وكل المستشفيات والمدارس .<br /><br />وتمر بالشاطىء المخصص لاستحمام الإنجليز وحدهم ، وتراه مهجورا ، ليس فيه إلا إنجليـزية واحدة مستلقية على الرمال وفى فخذيها ، وساقيها الشعر ، ورجل يجلس بعيدا ، يدخن الغليون .<br />تترك هذا كله وراءك سريعا وتدخل شاطىء استانلى .<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">شاطىء استانلى</span><br /><br />إن حى استانلى فى هونج كونج هو <span style="color:#6633ff;">حى الفقراء</span> ، ضاحية تخرج لسانها فى الماء ، وسكانها صينيون خلص يعيشون على صيد السمك ، عيشة هادئة بسيطة .<br /><br />وترى القرية برغم البساطة والفقر نظيفة والشوارع ضيقة ومرصوفة ، والبيوت من طابق واحد ، وأمام كل بيت حنفية ، والماء يجرى فى مجراة صغيرة إلى البحر .<br /><br />وترى السوق ملآنة ، والدكاكين الصغيرة على جانبى الشارع فيها كل أصناف البضائع الشعبية ، وفى الشارع الرئيسى فى القرية أكثر من حانة ، وأجزخانة كاملة وبها فتاة تتحدث بكل اللغات .<br /><br />وتجد فى نهاية الصف الذى فيه البيوت النساء جالسات يغسلن ملابس الرجال ، والرجل عادة يذهب ليصيد السمك من الفجر .<br /><br />وإذا اشتهيت السمك تستطيع أن تأكل هناك وجبة شهية رخيصة من السمك المسلوق والسمك المشوى والأرز والشوربة الساخنة ، نظير خمسة وعشرين قرشا ..<br /><br />وتركب بعد ذلك السيارة عائدا إلى المدينة .<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">كاولون</span><br /><br />وقد تمزق جيب سترتى وأنا أخرج مندفعا من سيارة تاكسى فى كاولون ولم يكن معى بدلة سواها ، فقررت أن أصلحها فى الحال وسرت فى المدينة التى أصبحت أعرف كل شبر فيها ، وانحدرت إلى شارع جانبى حيث قدرت أن أجد " رفاء " ووجدته بعد ربع ساعة فعلا ، وكان فى مدخل إحدى العمارات ، وأريته السترة الممزقة فقال مبتسما :<br /><br />ـ اذهب إلى الفندق وأرسلها لى ..<br />ـ إنى لا أقيم فى أى فندق ، مجرد سائح عابر ، خرج من المطار ليجول فى المدينة ، وسأطير إلى طوكيو بعد ساعتين ..<br />ـ ستجد هناك أمهر الصناع فى العالم أجمع .<br />ـ ولكن السترة تمزقت هنا وسأرتقها هنا ..<br /><br /><br />فأشرق وجهه وقال :<br />ـ إذن اخلعها وسآخذ دولارا ونصف دولار ..<br />فقلت فى سرى " أى رخص " إن الدولار الهونج كونجى هو دولار أمريكى فى الواقع<br /><br />وأخرجت ما فى جيوبى وخلعتها وناولتها إياه فقال الرجل مبتسما وهو ينظر فى ساعته :<br />ـ ستخلص بعد نصف ساعة ..<br /><br />ولم يكن بجوارى مقعد ولم يكن هو يستطيع أن يجلب لى كرسيا ، ووجدته ينظر إلى الداخل كأنه يبحث عن شىء فقلت له :<br />لاتشغل نفسك ، سأسلى نفسى بمنظر العابرين فى الطريق ..<br />فعاد إلى عمله ..<br /><br />وأخذ السكان يهبطون من العمارة ، ويصعدون اليها ، وأنا واقف فى مكانى دون أن يسترعى منظرى فضولهم . كانت النسوة يصعدن بالخضار ، وما تسوقنه من السوق ، والرجال ينـزلون إلى عملهم ..<br /><br />وسمعت حركة باب يفتح فى الداخل ، ورفع " الرفاء " رأسه ، وتحدث بالصينية مع شخص لم أره ، ثم قال لى :<br />ـ تفضل استرح فى الداخل ، إن الوقفة ستطول ..<br /><br />فتلفت إلى حيث يشير ، فوجدت شابا يدعونى إلى داخل شقة أرضية ، وكان يتكلم بانجليزية قليلة ، فسلمت عليه ، وجلست فى مدخل الشقة ، قريبا من الباب المفتوح ..<br /><br />وكنت أتصور أن البيت هو سكن الرفاء ، ولكن عرفت بعد الحديث القصير أن البيت هو بيت الشاب ، وأنه ذاهب لعمله الآن فى هونج كونج ، ولهذا سيضطر لتركى مع اسرته ، وحملت إلى من الداخل فتاة فى العشرين الشاى ، ونظرت اليها ، كانت خجلى ومن عينيها يطل الطهر ، فنظرت متعجبا ، أهذه هى المرأة التى أراها فى الليل ، أم أنا مخدوع ؟ لم تكن الفتاة تعرف غير لغتها ، فابتسمت وانسحبت وهى تحيينى ، وأدركت أن هذه هى الصينية فى البيت ، ورأيت ، وأنا خارج ، أمها ، كانت قصيرة ، ولايزال شعرها أسود ، برغم كبر السن ، ابتسمت وأحنت رأسها .<br /><br />وكان الشاب قد ترك لى عنوان المتجر الذى يشتغل فيه ، فقررت أن أزوره فى هونج كونج فى اليوم التالى ..<br /><br />وارتديت سترتى وخرجت إلى الطريق ..<br />====================================<br /></strong><strong><span style="color:#6633ff;">كتاب " مدينة الأحلام " للكاتب محمود البدوى ـ ص 3 إلى ص 21 ـ الناشر الدار القومية للطباعة والنشر ط 1963<br /></span>====================================<br /><br /><br /></strong></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-47673693726257662852006-12-27T14:28:00.000-08:002006-12-27T14:40:48.047-08:00ص 3 أدب الرحلات ـ رحلة محمود البدوى إلى الدنمرك فى عام 1981<div align="center"><strong><br /></strong></div><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></strong><p align="center"></a><strong><br /><br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">كوبنهاجن<br />فى عيون محمود البدوى</span><br /><br />سبحانك ربى وزعت الأرزاق .. ووزعت الخلق<br />فى شمال وجنـوب وشرق وغرب وأبقيت العقل<br />البشرى هو مصـباح الحياة ونورها وقلبها النابض<br />*****<br /><br />خرج البدوى من المطار متأخرا عن سائر الركاب .. لسوء فهم حدث بينه وبين من كان ينتظره .. فقد انتظر خارج المطار وكان يتصور أنه ينتظره بالداخل .. وهو هابط من الطائرة .. ولما خرج جميع الركاب ويئس من كان ينتظره من وجوده معهم ترك له بطاقة فى الاستعلامات .. ومشى <br /><br />واستقبل البدوى الباب الخارجى والثلج يتساقط والسماء شهباء والبرودة شديدة .. ووقف فى غير المكان المخصص للتاكسيات .. ومر أمامه تاكسى ثم تاكسى وهكذا .. وهو يشير اليها وهى لاتقف وتعجب ..<br /><br />وأخذته الحيرة .. ولكن أنقذه من تعجبه وحيرته .. شخص أقبل نحوه مبتسما وسأله بالإنجليـزية <br />ـ السيد .. يريد .. سيارة ..؟<br />ـ نعم ..<br />ـ تفضل معى .. إن موقف السيارات هناك ..<br /><br />وحمل حقائبه على الفور .. وتقدم أمامه .. إلى موقف السيارات .. وفى أول الصف كانت سيارته .. وأخبره باسم الفندق ..<br /><br />وتحرك فى هوادة .. وكانت الشوارع خالية .. والثلج مازال يتساقط بغزارة .. والمنازل الدكناء تبدو صامتة وكأنها خالية من السكان .. وخيل إليه أنها تنظر فى تعجب إلى السائح الذى هبط هذه المدينة وسط البرد والثلوج ..<br /><br />وكانت الإضاءة القوية تكشف سحر المدينة .. ونظافة شوارعها .. وتألق النظام الهندسى فى مبانيها .. فهى فى لون واحد وطوابق خمسة لاتزيد عليها إلا فيما ندر من بروج الشركات الكبيرة .. كناطحة السحاب لشركة " ساس " وهى تطل بمظهرها الحديث بيضاء لاشية فيها .<br /><br />ويقول محمود البدوى بعد عودته من الرحلة التى قام بها فى بداية عام 1981 " كوبنهاجن هى مدينة الشعر والجمال والأمان " : ويستطرد قائلا :<br /><br />إن مدينة " طوكيو " تزهو على العالم أجمع بحى " جنـزا " لجماله وتألقه وروعة تنسيقه والشاعرية الأخاذة فى كل مكان .. ولكن " كوبنهاجن " لعين الخبير البصير تزهو الآن على حى " جنـزا " وعلى كل ما فى العالم من أحياء جميلة .<br /><br />إنك تدخل مدينة تتألق فى النهار والليل بالنظام والجمال والسكون .. تسير فى شوارعها رغم الثلج المتساقط فتحس بأنفاس الحياة الدافئة فى كل شبر وموقع .<br /><br />الحياة تجرى فى الشوارع بالعربات والناس .. ولا تسمع حديثا لمتحدث ولا صوت نفير لسيارة .. ولا تسمع هذا قط أبدا .<br /><br />وعلامات المرور تنفتح وتنغلق أتوماتيكيا .. ولاترى عسكريا واحدا للمرور يقف فى ناصية أو ميدان أو فى مفترق للطرق .<br /><br />ولا مخالفة تقع من عربة أو إنسان فى أى مكان فى نهار أو ليل .. انضباط فطرى يجل عن الوصف ولا يوجد نظيره فى أى مكان فى الدنيا .<br /><br />وقفت عشر دقائق تحت الثلج أرقب الناس والعربات .. كأنى جندى للمرور هبط عليهم من المريخ ! فلم أر مخالفة واحدة . . وخالفت أنا متعمدا لأرى موقف العربات منى .. فوجدتها تحترم جهلى وتقف حتى أعبر !<br /><br />ورأيت عجوزا فى الليل البارد تقف دقيقة كاملة إلى أن تفتح أمامها الإشارة .. ولا رقيب عليها إن عبرت قبل الإضاءة الخضراء ولا حسيب . ولكنه التعود واحترام الذات وانطباع السلوك .. ولم تكن هناك عربات قط لاقادمة ولاراجعة .. ولكنها وقفت بحس غريزى وانضباط فى أعماق النفس تكون على مدى عمرها كله .. فكيف تخالف ؟ !<br /><br />إن الأمم التى تفقد عنصر النظام تفقد بالتالى أهم مقومات حياتها .. إنها تموت فى بطء وتشيخ قبل الأوان .<br /><br />ولم تكن هذه العجوز التى تسير فى الليل وحدها هى الوحيدة التى تتحرك فى الليل على هذه الصورة .. فهناك غيرها من الشابات يعبرن الطرقات تحت الأنوار فى نشاط وقوة .. وهناك فتاة جميلة تسير وحدها فى طرق معزولة .. فلا تسمع من شاب كلمة نابية توجه اليها .. أو لفظة حلوة .. أو مطاردة من صفيق أو مخنث أو شارد عقل .<br /><br />إن الدول الأسكندنافية بلغت فى هذه الناحية أقصى درجات الرقى فى سلوكها الاجتماعى .<br /><br />إن كلمات الغزل والمطاردة تسمعها وتراها فى البلاد الأوربية الواقعة فى حوض البحر الأبيض ولكنها تنعدم تماما فى الشمال .<br /><br />وسكان كوبنهاجن يتميزون بالطيبة وحسن الخلق وأقصى درجات الذوق فى المعاملة .<br /><br />ففى المطاعم والفنادق والعربات والقطارات .. لاتجد إلا الابتسامة المشرقة .. وعراقة الخلق ودماثة الطبع .<br /><br />والمرأة الدانمركية تعمل فى كل مكان .. فى المتجر وفى عربات الأجرة الصغيرة والكبيرة وفى البنوك والمتاجر وفى الشركات ودور الحكومة وفى الجامعات والمدارس والمطاعم والفنادق وتزاول كل الأعمال وتتميـز بالنشاط والحيوية وطول القامة والجمال العديم النظير .<br /><br />كانت المرأة الرومانية فى نظرى من قبل أجمل نساء العالم .. فلما رأيت الدانمركية تغير رأيى .. وقلت تبارك الله فى خلقه وفى معجزاته .. وفهمت معنى قوله تعالى " لقد خلقنا الانسان فى أحسن تقويم " .<br />==============================<br />وعاد </strong><strong><span style="color:#6633ff;">البدوى من رحلته وكتب قصتين استوحاهما من الدنمرك وهما :<br />* قصة " الإنسان " ونشرت بصحيفة مايو فى 1531982<br />* قصة " السماء لاتغفل أبدا " ونشرت فى صحيفة مايو 431985 " وقد نشرت قبل وفاته بعدة أشهر حيث توفى فى 12 فبراير 1986"<br />==============================</span><br /><br /></strong></p>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-62649732135066877302006-12-27T14:26:00.000-08:002006-12-27T14:28:04.938-08:00ص 2 أدب الرحلات ـ رحلة محمود البدوى إلى اليابان فى عام 1957<a href="http://img153.imageshack.us/img153/8512/6429tx2.jpg"><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img153.imageshack.us/img153/8512/6429tx2.jpg" border="0" /></a><br /><br /><div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;"></span></strong></div><div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;"></span></strong></div><div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;"></span></strong></div><div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">طوكيو سنة 1957<br />مدينة الأحلام</span><br />ـــــــــــــــ<br /><span style="color:#333399;">اسم الكتاب : مدينة الأحلام<br />الكاتب : محمود البدوى<br />الناشر : الدار القومية للطباعة والنشر ط 1963<br />الصفحات من ص 22 إلى ص 30</span><br />ـــــــــــــــــــــ<br /><br /><span style="color:#6633ff;">إن طوكيو مدينـة جميـلة وجمالهـا لايدركه الخيـال ..<br /><br />إن الخيـال مهما سبح لايمكن أن يصـل إلى حقيقتها الجميـلة ..<br /><br />إنها المدينـة التى تتضـاءل أمامها كل المـدن وتذهب أمامها كل أحـلام اليقظة التى تدور فى ذهن الإنسـان ..<br /><br />إن المثل يقول : إن من لم يشاهد البسفور لم ير الجنـة ..<br /><br />وأصـدق من هـذا أن تقـول : إن من لم يشاهد طوكيـو لم ير شيـئا فى الحيــاة ..<br />إنهــا مدينــة الحيــاة ..<br /><br />إنها مدينــة لامثيـل لها ولا شبـيه ..<br /><br />إنهـا مبنـية على أحـدث طرق المعمـار ، وأجمـل مـا تخـط مدينـة فى الوجـود<br /><br /></span>***<br /><br /><span style="color:#cc0000;">ولقد ضربها الأمريكان من الجو فى الحرب الأخيرة ، ضربوها بوحشية لاتصدر من شيطان ، دكوها من مراكز الثقل والصناعة فيها وجعلوا قلبها حطاما ، ولكن السواعد القوية أعادت المدينة الشامخة أجمل وأنضر مما كانت ، وعاد قلب طوكيو كأجمل ما رأت العين من أشياء .<br /></span><br />إن طوكيو مدينة اجتمع على رسمها كل فنان فى اليابان وكل عقل متفتح فجاءت تحفة المدن . اجتمع هؤلاء الفنانون ليزينوها ويزخرفوها كأنها تصميم هندسى على الورق ، وجاءت الحقيقة أروع من التصميم وأجمل .<br /><br />وتراهـا فى الليـل ترقص تحت الأنوار الحمراء والخضراء والزرقاء والبنفسجية ، وتسبح تحـت أطواد من البالونات من كل الألوان وكل الأحجام .<br /><br /><span style="color:#6633ff;">وإذا كنت ستعبرها لمجرد ليلة ، فإنك لاتفكر فى النوم ، فحرام على النفس البشرية أن تحرمها كل هذا الجمال ، حرام أن تحرمها ليلة لاتأتى مثلها ليلة فى مدينة على الأرض</span> .<br /><br />وأنت ترى هذه الأنوار من الجو وأنت معلق بين السحاب ، وعندما تقبل الطائرة الضخمة أرض المطار ، تحس بشىء جديد فى أنوار الإشارة وفى مضخات الحريق والعجلات التى تستقبل الطائرة وهى هابطة على أرض فى نعومة الرخام .<br /><br />وعندما تخرج بالسيارة إلى المدينة الكبيرة ، تحس بالشىء الذى يروع ويفوق كل تصورات العقل والخيال .<br /><br />إن <span style="color:#6633ff;">سكان طوكيو</span> تسعة ملايين ، وفى هذه المدينة الكبيرة كل ما فى اليابان من جمال .<br /><br />لقد وضعوا كل شىء فى العاصمة ، جملوها وزينوها وجعلوها تحفة .<br /><br />وأنت تسبح تحت الأضواء من كل الألوان ، وترى الناس فى الشارع يمضون فى نشاط ، والحوانيت متلألئة ، والسيارات تطلق أقصى أنوارها الكشافة حتى تدخل الفندق .<br /><br />وعندما تدور مع الباب الدوار تجد نفسك فى مساحة فسيحة وعن يمينك مكتب الاستقبال ، وتحس من روعة المكان والفخامة ، أنك حقا فى عروس المدن على الاطلاق .<br /><br />وعندما تقف على الطاولة تحت الأنوار القوية ، تسمع الفتيات العاملات يتحدثن فى التليفون وهن فى لباس أزرق من قطعة واحدة ، وفى العنق ياقة ناصعة البياض . وفى الوسط حزام جلدى أحمر ، أدق من الخصر نفسه .<br /><br />وتختار لنفسك غرفة أوربية بحمام خاص أو غرفة يابانية بحمام مشترك .<br /><br />وتأخذ المفتاح فى يدك وتجتاز البهو إلى المصاعد ، وتجد صفا من الفتيات أمام المصاعد فى فساتين حمراء قصيرة وفى أقدامهن الصغيرة أحذية من الكاوتش ، وهن متأنقات فى أجمل زينة ، وتتقدم الواحدة وتريها رقم الغرفة ، فتقول برقة :<br />تفضل فى الدور السادس ..<br /><br />وفى الدور السادس تجد سربا آخر من الفتيات فى مكتب الاستقبــال ولكـن فى لباس جديد أزرق ، ويستقبلنك بالابتسام ..<br /><br />وتقدم لهن رقم الغرفة وتمضى معك الفتاة فى البهو الطويل حتى تصل إلى غرفتك ..<br /><br />وفى الغرفة اليابانية لايوجد سرير ، وإنما حشيات ووسائد على الأرض وتشرب الشاى وأنت مستلق على الأرائك وكذلك تأكل وتشرب وتسمع الغناء الحالم ..<br /><br />ولا ينقصك فى هذه الغرفة إلا الجيشا ، ولكن الجيشا لاتوجد فى مثل هذا الفندق ، إنها فى مكان آخر ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">والغرفة الأوربية</span> أنيقة بها سرير صغير ودولاب أصغر منه ومكتب عليه تليفون ، ومنضدة صغيرة عليها باقة ورد ، وتجد بجوار التليفون نسخة من الإنجيل ، تجد هذا فى بلاد عباد بوذا ، وعباد شين تو ، وتخلع سترتك وتدخل الحمام فتجد حماما أزرق اللون صغيرا ، وبه كل شىء : الصابون المعطر ، البانيو ، والدش ، والحنفيات بالماء الساخن والبارد فى كل مكان ، وتجد المناشف من كل الأحجام مكوية ومغطاة بأكياس النيلون ، وبعد ثلاث دقائق تأتى حقائبك على عربة صغيرة تدفعها فتيات يلبسن المرايل الحمراء ، وتخجل إذا كانت هناك حقيبة ثقيلة ، وتحاول أن تخرجها بدلهن من العربة ولكنهن يرفضن ويعملن فى رشاقة وسرعة ويضعن الحقائب فى مكانها من الغرفة ثم ينحنين لك مبتسمات فى دماثة ..<br /><br />وتحاول أن تعطيهن بقشيشا ولكنهن يرفضن بأدب ..<br /><br />وتسألك الفتاة المكلفة بخدمتك بعد أن ترتب لك كل حاجاتك إن كنت فى حاجة لشىء ، فتدور بعينيك فى الغرفة وترى كل شىء موجودا ، وأخيرا تطلب فنجانا من القهوة ..<br />هاى : يعنى حاضر ..<br />وتمضى سريعا ..<br /><br />وتحمل لك صينية القهوة فتاة أخرى غيرها فى لباس أبيض ، وشعرها أسود مقصوص ، وجمالها الطبيعى يغنى عن كل زينة ، ولكن على الشفة بعض الأحمـر ، وفى الخد مثل عصير الرمان الممزوج بالشهد ..<br /><br />وتعرف من كثرة من يدخل عليك من بنات أن فى الجناح الواحد أكثر من عشرين فتاة لخدمتك ، ولهن رئيسة تجلس بجوار التليفون ، وتتلقى كل رغبات النـزلاء ..<br /><br />وإذا نزلت إلى المطعم فى الدور الأرضى لتتعشى ، وجلست بعد العشاء فى " صالة " الفندق إلى ساعة متأخرة من الليل تتحدث مع من تجده هناك ، وترقب الداخلين والخارجين من الباب الدوار ثم أحسست بالنوم وأخذت الطريق إلى غرفتك ، ستجد أن الطاقم كله تغير قبل نصف الليل بساعة ، يصبح جميع الخدم من الغلمان ، حتى عمال المصاعد ، ولباسهم أسمر جميل ، وهم فى غاية السرعة والنشاط ..<br /><br />ولا يبقى من الفتيات فى الفندق فى أثناء الليل إلا المدلكات اللواتى تدغدغ أناملهن الناعمة فى أخريات الليل العجائز من النـزلاء ..<br /><br />وتجدهن إذا جلست فى " الصالة " لابسات المعاطف البيضاء فوق الفستان الأسود ومشمرات سواعدهن ، فى طريقهن إلى العمل ..<br /><br />وفى الساعة السابعة صباحا تسمع صوت الفتيات فى الممرات من جديد وتسمع ضحكهن ينتشر لأنهن سيحملن لك الشاى إلى الفراش وتأخذ حماما ساخنا وباردا وتجد جريدة أخبار اليابان تحت الباب تحمل لك الأخبار دون خوف أو رهبة ..<br /><br />وتتناول الإفطار سريعا فى قاعة الطعام وتخرج إلى المدينة ، فتجد الناس يتحركون زرافات على الأرصفة إلى مقر عملهم ، الشبان والشابات فى لباس أوربى ..<br /><br />النساء فى معاطف من الصوف الأزرق أو الرمادى أو " السنجابى " وهن يسرن الخطى وسيقانهن البللورية تبدو من أطراف المعاطف ، وشعرهن الأسود اللامع عار مقصوص ..<br /><br />والرجـال فى بدلة من سترة وبنطلون ، والسترة أحيانا مفتوحة من الخلف ..<br /><br />واليابانى ربعه ويمشى بصدره ، وخطوه سريع ..<br /><br />وإذا وقفت فى محطة شنياش تحصى الف شخص يمر عليك فى كل دقيقة وتهبط أفواج من المترو فوق الأرض والمترو تحت الأرض ، ومن الترام ومن الأتوبيس ومن التاكسى .. وتمضى فى سرعة إلى بغيتها ، وتجد المقاهى والمطاعم قد فتحت أبوابها وصفت موائدها فى استقبال الرواد ..<br /><br />وتجد الأسعار كلها فى واجهة المطاعم الصغيرة التى تقدم وجبة الافطار بطريقة حديثة وسهلة : فنجانة الشاى موضوعة وعليها 60 ين يعنى ستة قروش ، وكعكة وعليها ثلاثة قروش ، وتفاحة وفوقها خمسة قروش ، وهكذا كل ما فى داخل المحل من طعام موضوع فى الفترينة الخارجـية ، ليشاهده المارة ..<br /><br />وفى الساعة التاسعة تخف حركة الهابطين من المترو والترام والسيارات والعربات ، وتفتح المحال التجارية والمطاعم الكبيرة أبوابها وتبدأ الحياة فى الشارع ، وإذا تركت محطة شنياش وسرت فى حى جنـزا حى الملاهى والمحال التجارية الكبرى ستجد الملاهى كلها مغلقة وتجد بعد الكوبرى الصغير ، وعلى ناصية الطريق صفا من الفتيات جالسات على الرصيف لمسح أحذية العابرين ..<br /><br />وإذا تقدمت لواحدة منهن ستقدم لك كرسيا صغيرا لتجلس عليه وتضع قدمك على الصندوق وتأخذ فى العمل ..<br /><br />وتعجب أنها تمسح الحذاء ، بعشرات من " الفرش " الصغيرة والكبيرة بعناية ورشاقة ، وإذا كانت تعرف الإنجليـزية تحادثت معك فى كل شىء حتى عن الإقمار الصناعية ، وإذا لم تكن تعرف اكتفت بالابتسامة والإشارة ..<br />وتعطيها ثلاثين ين ، يعنى " ثلاثة قروش " وهذا هو السعر ، وخمسة قروش إذا أجزلت لها العطاء ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">*** </span><br /><br />وتمشى فى المدينة ، إن مدينة طوكيو مدينة متناهية فى الضخامة يمشى فيها التاكسى بالسرعة الخاطفة ساعتين وثلاث ساعات ..<br /><br />وهى مزدحمة بالسكان إذا قستها بالعواصم الأخرى ، ففى طوكيو يسكن 31 ألفا فى كل كيلو متر مربع ، وفى نيـويورك 21 ألفا فى كل كيلو متر مربع ، وفى لندن 12 ألفا فقط فى كل كيلو متر مربع ..<br /><br />فطوكيو متناهية فى الزحام ..<br /><br />وهذه المدينة مع ضخامتها ليس بها أسماء للشوارع على الإطلاق ، وإنما معروفة بالأحياء : حى جنـزا ، وحى كنشاسى ، وحى تاموزا شوين ، وفندق دانيشى مثلا لايوجد شارع تعرفه به ، وإنما هو بجوار محطة شنباش هى محطة صغيرة للمترو ..<br /><br />على حين أن فندق دانيشى به 626 غرفة ، وعندما دخل الأمريكان المدينة وضعوا أرقاما على الشوارع : الشارع 54 والشارع 86 بطريقتهم ولكن اليابانيين لايعترفون بهذه الأرقام ، ولايستعملونها قط ..<br /><br />وطوكيو بها عمارات شاهقة لامثيل لها فى الضخامة والارتفاع والنوافذ كلها زجاجية مكشوفة ، فإذا انطلقت بداخلها الأنوار فى الليل تصبح العمارة قطعة من الشهب ..<br /><br />وترتفع العمارات إلى أربعين طابقا ، وكلها مبنية على أحدث طرق المعمار والبنوك والشركات كلها مكشوفة لمن يدخلها ، فإذا كنت فى بهو الشركة استطعت أن ترى كل الموظفين أمامك على المكاتب من وراء حوائط البللور ..<br /><br />وإذا وقفت على ناصية أى شارع فى قلب طوكيو ، تروعك حركة السيارات فى الطريق ، إنها مروعة ، ويخيل إليك من كثرتها أن لكل عشرين شخصا سيارة فى المدينة ..<br /><br />واليابان تصنع كل أنواع السيارات من السيارة الصغيرة ذات المقاعد الثلاثة إلى الأتوبيس الذى يسع ثمانين راكبا ، ومع هذا فيها كثير من السيارات الألمانية والأمريكية ..<br /><br />وفى الليل تطلق هذه السيارات كل أنوارها القوية ، هذا هو النظام ، فليس هناك درجتان للإضاءة فى الطريق ..<br /><br />وإذا عبرت الشارع وسط هذا العاصف من السيارات ستقتل حتما ويضعك عزرائيل فى قائمة الشهداء ..<br /><br />إن شبكة المواصلات فى مدينة طوكيو عظيمة ، فالراكب لاينتظر أتوبيس فى المحطة أكثر من دقيقة واحدة ، فى كل دقيقة فى شارع جنـزا الفاخر تمر سيارة ، تقف على مستوى الرصيف تماما ، وفى مثل ارتفاعه فتخطو إليها ، كأنك نازل فى يخت ، ثم تغلق الكمسارية الجميلة الباب الأتوماتيكى ، فلايوجد سلم للسيارة ولا أحد يقف على السلم ، وكل الأتوبيسات فى طوكيو ، الكمسارى فيها أنثى تستقبلك على الباب بابتسامة ووداعة ، وهى فى لباس أزرق وفى أزرار صفراء لامعة ، وشعرها تعقده على طريقتها ، واليابانية أقدر امرأة فى العالم على تصفيف الشعر ، وعندما تجلس على الكرسى القطيفة ، أو الكرسى الجلدى تنسى الكمسارية وتنظر إلى الترام الذى يسير بجوارك وترى " الكمساري " فيه رجلا وكذلك كل ترام يمر ..<br /><br />وإذا كنت تحب الصوت الناعم ، فانك ستختار الأتوبيس فى كل جولاتك فى طوكيو ..<br />=====================<br /></strong><strong><span style="color:#330099;">نشرت بمجلة الجيل المصرية بعددها رقم 333 فى 1251958 تحت عنوان " طوكيو مدينة الأحلام " وأعيد نشرها فى كتاب " مدينة الأحلام " الصادر عن الدار القومية للطباعة والنشر 1963 وجزء منها منشور فى مقدمة كتاب " قصص من اليابان لمحمود البدوى " الصادر عن مكتبة مصر 2001 من تقديم على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى<br /></span>=================================<br /></strong><strong><span style="color:#6633ff;">والقصص التى استوحاها البدوى من اليابان منشورة على الرابط</span></strong></div><div align="center"><strong><span style="color:#6633ff;"><a href="http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_4655.html">http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_4655.html</a></span></strong></div><div align="center"> </div><div align="center"><strong></strong></div><div align="center"><strong>* قصة " الصورة الناقصة " ونشرت فى صحيفة الشعب المصرية<br />* قصة " الحقيبة " ونشرت بصحيفة الشعب المصرية<br />* قصة " الجرس " ونشرت بصحيفة الشعب<br />* قصة " حكاية من طوكيو " ونشرت بمجلة الجيل<br />* قصة " اللؤلؤة " ونشرت بصحيفة المساء<br />* قصة " الدليل " ونشرت بمجلة الجيل<br />* قصة " فتاة من جنزا " ونشرت بمجلة آخر ساعة<br />* قصة " الليل والنهار " ونشرت بمجلة آخر ساعة<br />* قصة " وقفة فى جنزا " ونشرت بصحيفة التعاون<br />* قصة " سأصنع له تمثالا " ونشرت بمجلة روز اليوسف<br />* قصة " التفاحة " ونشرت بمجلة القصة اكتوبر<br />* قصة " ليلة فى طوكيو " ونشرت بصحيفة أخبار اليوم<br />=================================<br /></div></strong>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-61369162201536938212006-12-27T14:21:00.000-08:002006-12-27T14:24:20.296-08:00ص 1 أدب الرحلات ـ رحلة محمود البدوى إلى الصين فى عام 1957<div align="center"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong></strong></span></div><div align="center"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong></strong></span></div><div align="center"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong></strong></span></div><div align="center"><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;"></span></strong></div><div align="center"><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;"></span></strong></div><div align="center"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;"></span></div><div align="center"><a href="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEg7Ru0xyq3RR2xwofnfAP7DNkXjfJLtQTywF6fYv7xeiWJGz4EOyJxOLy3kdg4Lo-wh_ahJNv1z1-Q0DqhseOAhTsl02T2PE_Bda-y4vKmfhLpzYzCrgWGZMLHZ016bo1_6xJ3pmUXqdCNm/s1600-h/Ù
دÙÙØ©+اÙأحÙاÙ
.jpg"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong><img id="BLOGGER_PHOTO_ID_5009785488697874226" style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEg7Ru0xyq3RR2xwofnfAP7DNkXjfJLtQTywF6fYv7xeiWJGz4EOyJxOLy3kdg4Lo-wh_ahJNv1z1-Q0DqhseOAhTsl02T2PE_Bda-y4vKmfhLpzYzCrgWGZMLHZ016bo1_6xJ3pmUXqdCNm/s200/%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9+%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AD%D9%84%D8%A7%D9%85.jpg" border="0" /></strong></span></a></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><span style="color:#6633ff;"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong>نشرت بمجلة الجيل المصرية ـ العدد 328 فى 7/4/1958<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">بكين المدينة ذات القصور</span><br /><br />بكين عاصمة الصين .. إنها المدينة العريقة ذات الحضارة وذات القصور .. فيها كل قصور الأباطرة ، وفيها عاش أعظم أباطرة الصين ، وفيها كل المعابد البوذية ، حتى معبد السماء ..<br /><br />وبكين مدينة صينية أصيلة لم تتأثر بأى احتلال ، كما تأثرت شنغهاى .. إن المبانى لاتزال محتفظة بكل أصائل الفن الصينى العريق وطابعه .. السقوف الخزفية المزركشة ، والتنين الهائل شعار الصين ، وأن مليونين وثلاثة أرباع المليون من الصينيين يعيشون الآن فى بكين يرون مدينتهم العريقة تبنى من جديد ، شقت الشوارع الواسعة وغرست الأشجار ، ورسمت الميادين الفسيحة .. ظهر ميدان تين آن فى قلب المدينة ، ومن برجه الأحمر يطل الرئيس ماو على الجماهير ..<br /><br />وأقيمت العمارات الكبيرة لدور الحكومة والمستشفيات والمصانع ، والفنادق .. حدث تغيير كبير وظهرت بنايات حديثة فى السنين الأخيرة ، ولكن بكين العريقة لاتزال باقية وغالبة بطابعها القديم ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">*** </span><br /><br />إن الطائرة التى تحملك إلى بكين ليس بها مضيفة تقدم لك الحلوى واللبن وعصير البرتقال ، أو تنبهك إلى حزام النجاة " إنها طائرة خشنة ليس بها حسناء تتكلف الدلال وليس بها شىء ناعم على الاطلاق " إنها تنطلق بك فى سرعة الصاروخ ..<br /><br />وعندما تهبط منها إلى مطار العاصمة تلاحظ أول ما تلاحظ تمثالا كبيرا للرئيس ماو فى صدر المكان ، وغلاية ضخمة يتصبب منها الشاى مجانا لمن يشاء من العابرين ، ومذيعة تذيع باللغة الصينية حركة الطائرات فى صوت رخيم ، وتجد أن الجو مألوفا ولا يختلف عن جو القاهرة ، وأن البرودة لم تنزل بعد والسماء لا تمطر ندف الثلج ، وأن المعطف لا لزوم له ..<br /><br />وعندما تخرج إلى المدينة لاتحس بالبيوت فيها ، لاتساع الشوارع ، وانخفاض المبانى ، ووجود الأسوار العالية تطوق البيوت ، ولا تشعر بزحام الناس إلا وأنت داخل فى حى المتاجر فى قلب المدينة ، وفيما عدا القلب تشعر بالسكون وتحس بأنك فى ضاحية صغيرة ولست فى مدينة كبيرة ..<br /><br />إن بكين قائمة على أرض واسعة ، ولهذا بنيت فيها القصور التى لايدركها العقل فى الاتساع .. إن قصر الصيف وحده مساحته 850 فدانا ..<br /><br />وكيف تمضى فى هذه المدينة المترامية الأطراف ، وترى قصر الصيف ، وقصر الشتاء ، وقصر الامبراطور ، الذى تقيم فيه الحكومة .. إن الركشا التى يجرها الإنسان ممنوعة ، منذ تحررت الصين ، والسيارات الخاصة نادرة ، والتاكسى يكلفك كثيرا لارتفاع ثمن الوقود ..<br /><br />والصينى يستعمل الآن الدراجة كما يستعملها الهولندى ، كوسيلة سهلة ورخيصة للانتقال .. وقد تطورت الركشا فأصبحت تسوقها الدراجة ..<br /><br />وندر أن تقع عينك على سيارة خاصة فى بكين ، أما الدراجات فتراها بكثرة مذهلة ويخيل إليك أن نصف الركاب يركبونها ..<br /><br />ومن الساعة الخامسة صباحا تراها تتحرك فى الطريق .. ويسير بعدها الترام والأتوبيس والتروللى باس ..<br /><br />وبعاصمة الصين 240 تراما تتحرك على سبعة خطوط و 401 من الأتوبيسات تتحرك على 14 خطا ..<br /><br />ومع كل هذا العدد الضخم من السيارات وعربات الترام فإنك تحس إن الجمهور يقول هل من مزيد .. والجمهور فى غاية النظام والأدب عندما يركب هذه السيارات وينزل منها ، وثوبه نظيف وهو لايدخن بتاتا فى داخل العربة ، ولا تسمع من راكب كلمة بذيئة أو سبابا ..<br /><br />وترى المرأة فى هذه السيارات فى زى الرجل .. اللباس الشعبى الأزرق ( الجاكت المضمومة إلى العنق والبنطلون ) ولا يمكن أن تميزها عن الرجل إلا بشعرها ووجهها ، فالثوب يخفى تقاطيع الجسم كله ..<br /><br />ومنذ تحررت الصين من الاستعمار ، والمرأة تعمل فى بكين فى كل الأعمال وقد ظهر تطورها وتقدمها بوضوح ، ونائبة رئيس الوزراء سيدة وهى زوجة الدكتور صن يات صن ..<br /><br />ولكن برغم الرقة والنظافة والجمال الذى كنت أراه فى كثير من وجوه النساء ، فإن زيهن لم يكن يعجبنى على الاطلاق لأنه يفقدهن كل ما فيهن من جمال وأنوثة ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">*** </span><br /><br />وشوارع بكين تمتلىء بالرجال والنساء بعد الخروج من العمل ، وتراهم يتسوقون الأشياء من الحوانيت فى سرعة ، والصينى سريع المشى والحركة ولا يتردد ولا يجادل ولا يغش ..<br /><br />ولا توجد مساومة فى البيع والشراء ، والأسعار كلها موحدة فى المتاجر الصغيرة والمتاجر الكبيرة ، وكل شىء يباع بفاتورة ، لأنه يدخل فى جيب الحكومة ..<br /><br />وكما يقف الصينى فى بكين فى طابور لينتظر الترام ، تقف المرأة الصينية فى طابور أمام البقال لتأخذ حاجاتها المنزلية ..<br /><br />وواجهات الحوانيت ليس فيها جمال على الاطلاق ، بل فيها كآبة ، والحروف الصينية تكتب كبيرة وتشوه الواجهة ..<br /><br />ولا تستعمل أضواء النيون كوسيلة للإعلان ، والمتاجر لاتغريك واجهاتها على الدخول كما تغريك المتاجر فى هونج كونج وشنغهاى ..<br /><br />والاضاءة على الجملة فى العاصمة ضعيفة ويقال إنهم يوفرون من الوقود ..<br /><br />وعندما تمر على المتاجر تجد حانوتا كئيبا من الخارج ، وبداخله أروع النفائس والتحف ..<br /><br />والملابس كلها جاهزة ، ندر أن تعثر على " ترزى " فى الشارع ليفصل لك بدلة ، وكل البدل شعبية ومن قماش واحد ..<br /><br />والحذاء لا يقل ثمنه عن ثلاثة جنيهات مصرية ، والقميص بجنيه ، والبدلة الشعبية بضعف ثمن الحذاء ..<br /><br />وكل الحرير والمنتجات الفاخرة تصدر إلى الخارج ، لاتجد صينيا واحدا يستعملها ..<br /><br />والصينى بسيط فى ردائه ، بمثل البساطة التى فى طباعه ..<br /><br />وعندما تدخل بكين سترى حسن رجب سفير مصر هناك ، الرجل الواسع الثقافة الذى جعل السفارة المصرية من أروع السفارات وأجملها ، وجعل قاعتها الشرقية ، قاعة نادرة المثال ، سترى الرجل الذى تعلم الصينية وأصبح يجيدها ، وعرف كل عادات وتقاليد الصين ..<br /><br />وسترى بدران مستشار الثقافة ، الرجل الضاحك الذى يحل بابتسامته كل مشاكل الحياة حتى برد بكين القارس ، سترى الرجل الذى يعمل على ترجمة أدب بلاده إلى اللغة الصينية ، ويحاول أن يجعل الاتصال الثقافى كما كان أيام العرب ..<br /><br />وسترى مس يونج مديرة العلاقات الخارجية بحكومة الصين ، السيدة التى تستقبل المصريين فى المطار بالفرحة الصادرة من القلب وترافقهم بنفسها فى كل الجولات ، ولا تشكو من أى تعب ، دائما مبتسمة ، ودائما تسمع ضحكتها الفضية ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">***</span><br /><br />إن بكين هى قلب المعرفة للصين " إن بها 28 مدرسة عالية ، وأكثر من ألف مدرسة ابتدائية وثانوية ، وبها أكثر من أربعين دارا من دور النشر ..<br /><br />وبها المكتبة الأهلية الكبرى التى بها أربعة ملايين ونصف مليون مجلد ، ولها 70 فرعا للمطالعة فى العاصمة ، ولقد رأيت الذين يترددون على قاعات المطالعة ، كانوا فى غاية السكون والنظام ، ومثل هذا الاختلاط بين الجنسين تراه فى كل مكان فى الصين : فى الحدائق والمتنزهات ، وفى الجامعات ، وفى المصانع ، وفى الحقول ..<br /><br />ومع أننى لم أشاهد قبلة فى الصين على المسرح ، أو فى الحياة ولكن يبدو لى أنهم حلوا ملكة المراهقه حلا سليما ، بدليل أنك لاتشعر وأنت تحادث الشباب بأى كبت أو أى انحراف ، ولا تسمع الكلمات البذيئة تخرج من الشفاة كتعبير عن العواطف المحبوسة ..<br /><br />وكما أن طبيب الأسنان فى الصين لا يكتفى بفحص اسنانك ، بل يفحص كل أعضاء جسمك ، لأن الجميع وحدة واحدة ، كذلك مشكلة الجنس فى الصين حلت بطريقة علمية وبعد دراسة طويلة ..<br /><br />وأنت لاتجد فى الصين الشاب يتهافت على المرأة ، أو يلقى بنفسه بين أحضانها ، أو يرتعش لمجرد سماع صوتها ، أو يطاردها بكلمات الغزل ، كما ترى من الشبان فى بعض البلاد الأوربية والشرقية ، وإنما تجده بجانب المرأة ، وكأنه لايفكر أنها من جنس آخر ..<br /><br />وهذا عجيب فى بلد قضت على الدعارة قضاء تاما ، وطهرت البلاد من كل أوكارها ، بلاد لاتجد فيها رقصا خليعا ، ولاكباريهات ، ولاحانات ، ولاوسيلة للترفيه والتنفيس غير السينما والمسرح ، وفى المسرح لايمكن أن تشاهد منظر قبلة ..<br /><br />إن هذا عجيب ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">جامعة بكين</span> </strong></span></span></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><span style="color:#6633ff;"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong>ــــــــ<br />وجامعة بكين من أقدم الجامعات فى الصين فقد أنشئت فى سنة 1898 " وكان من أساتذتها ماو ، والكاتب لوسون " وبها 7755 طالبا و 1196 أستاذا وأستاذة و 255 طالبا من الاتحاد السوفيتى والدول الديمقراطية ، وفى قسم اللغات الشرقية كثير من الطلبة والطالبات المسلمين من شمال الصين ..<br /><br />وبالجامعة مكتبة بها مليون وثمانمائة ألف مجلد ..<br /><br />ولا يوجد بلد فى العالم يعنى بالأدب ورجال الأدب كما تعنى الصين ..<br /><br />إن قاعة لوسون فى بكين ، من عشر حجرات كبيرة وهى تعرض بالصور والتماثيل حياة الكاتب من مولده إلى وفاته ، ومثل هذه القاعة للتخليد موجودة فى شنغهاى ..<br /><br />وعندما تدخلها تعرف حياة الكاتب ، وكل آثاره وأعماله الأدبية ..<br /><br />ترى شريطا مصورا مرسوما باتقان وبراعة ..<br /><br />وتقرأ كلمات ماو عن لوسون بخط كبير ..<br /><br />" إنه ليس بكاتب عظيم فقط ، ولكنه رجل من رجال الثورة الأفذاذ وبطل من أبطال بلادنا "<br /><br />وقريبا من القاعة دخلنا منزل لوسون نفسه ، وهو منزل بسيط من طابق واحد يتوسطه فناء صغير ، وأثاث المنزل فى غاية البساطة ، ورأينا مكتبه الصغير من الخشب العادى ، وغرفة نومه سرير من الحديد ، ودولاب خشبى صغير ، وغرفة والدته ، والقاعة التى كان يستقبل فيها ضيوفه .. وهى مؤثثة بكراس عادية من القش ..ورأينا الغلاية التى كان يشرب منها الشاى .. وفنجانه ، والفرشاة التى كان يرسم بها لوحاته .. لأنه كان من غواة الرسم .. ولاتزال الخادمة التى كانت تخدمه موجودة فى البيت الآن .. وهى التى كانت تفتح لنا الأبواب ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">***</span><br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الصحافة فى بكين</span> </strong></span></span></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><span style="color:#6633ff;"><span style="color:#000000;"><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><strong>ـــــــــــ<br />ويوجد فى بكين عدة جرائد يومية كبرى أهمها الشعب ، النور ، الجريدة الكبرى ، جريدة المعلمين ، جريدة جيش التحرير ، جريدة بكين ، جريدة الشباب ، جريدة العمل ، والجرائد اليومية تطبع نسخا منها فى كل مدينة من المدن الكبرى علاوة على طبعتها الأصلية فى بكين ..<br /><br />والشعب أكبر جريدة يومية فى الصين تطبع 800 ألف نسخة ، وفى المناسبات الكبرى تطبع مليونا ونصف مليون ، وتصدر فى ثمانية صفحات ، ومعظم قرائها من المشتركين توزع عليهم فى البيوت فى الصباح المبكر وثمنها 10 سنتيم ..<br /><br />وأكبر أجر للمحرر فى الشعب 300 ايوان فى الشهر والإيوان يساوى 24 قرشا تقريبا .. وأقل أجر 100 ايوان ..<br /><br />وبالدار 120 محررا و 500 مراسل و 24 مراسلا خارجيا ..<br /><br />ورأيت الجريدة تركب ماكينات جديدة ضخمة للطباعة ، لم تستعمل بعد وهى مستوردة من المانيا واليابان ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">*** </span><br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصر الصيف</span></strong> </span></span></span></span></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><span style="color:#6633ff;"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong>ـــــــ<br />ومن أروع المشاهد فى بكين قصر الصيف ، وقد بنى فى متوسط القرن التاسع عشر ، وبناه الامبراطور تشى ومساحته 850 فدانا ، وبهذا القصر أجمل المناظر الطبيعية على الإطلاق ..<br /><br />وتحيط به بحيرة واسعة فى وسطها برج يصل إليه الإنسان ، بعد أن يتخطى جسرا غاية فى الجمال ، وفى البحيرة الزوارق تتهادى ..<br /><br />وهناك أبراج كثيرة فى القصر وتماثيل من الذهب الخالص ، وقد سكن فيه الامبراطور لغاية سنة 1907<br /><br />وعندما يجىء الليل .. تعمل المسارح فى بكين والأوبرات ودور السينما ..<br /><br />وأوبرا بكين هى أشهر أوبرا فى الصين ، والفرق التى تمثل الأوبرات ممتازة والاخراج رائع .. والصينى يعشق الأوبرا ، كما يعشق المسرح ، ونصف الذين يترددون عليها من العمال ..<br /><br />وفرق الأكروبات عالمية ، وتقوم بألعاب خارقة ، والجمهور يحبها ويقبل عليها بشغف ، وترى المقاعد ممتلئة بالمشاهدين قبل رفع الستار ، وهم جميعا فى زى شعبى واحد الرجال والنساء ، وتسمع ضحكاتهم وتصفيقهم للمشاهد ، وترى البيت كله ذاهب للمسرح ، الزوج والزوجة والأولاد ..<br /><br />والنساء فى مثل عدد الرجال ، وتلاحظ تقارب السن ، الجميع بين العشرين والخامسة والثلاثين ، وقليل منهم الذى يلبس رداء يختلف عن الآخر ، أو الذى يتكلم غير اللغة الصينية ، وإذا خرجت من السينما أو المسرح لايمكن أن تجد فى بكين كلها مطعما تأكل فيه ، أو مقهى أو مشربا تستريح فيه ساعة ، الطعام والشراب فى الفنادق ، ولكن إذا كنت عابر سبيل ، أولا تنزل فى فندق ، أين تأكل ..؟ هذا هو السؤال كما يقول شكسبير ، وهو شىء يحير فى عاصمة الصين ..<br /><br />وإذا كنت من نزلاء الفنادق ، ولم تراع مواعيد الطعام ، فستنام من غير عشاء ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">***</span><br /><br />وإذا أردت أن تشترى شيئا من بكين فهناك محل الحكومة فى شارع وانج فوشنج ( waing foshing ) والمتاجر التى حوله وهى كثيرة والأسعار موحدة ، وستجد أصنافا مختلفة من السلع وكلها مصنوعة فى الصين ، إنهم لايبيعون منتجات البلاد الأخرى إطلاقا .. والصينى يكرم الضيف اكراما زائدا ويحتفى به ، وتجد هذا السلوك عاما فى كل مكان تنزل فيه ، ولأنه لايغش ، لايتصور طبعا أن أحدا يغشه أو يخدعه ، ولهذا ترى فيه بساطة مشرقة ..<br /><br />أما الأمانة فهى شىء عجيب ، وكأنها أصبحت صفة لازمة للصينى ..<br /><br />والجمهور فى غاية الوداعة ومسالم ، ولهذا لاتجد العسكرى فى بكين يحمل سلاحا ، ولايحدث أن ترى مشاجرة فى الطريق ، أو فى أى مكان ، أو ترى أوراقا أو مهملات ملقاة فى الشارع ، الشوارع نظيفة ..<br /><br />وخلال شهر فى الصين لم أر جنازة فى الطريق ، ولا زفة عرس ، ويبدو لى أن هذه الأشياء تتم بمنتهى البساطة ..<br /><br />وسكان بكين يتمتعون فى يوم الأحد ، وهو يوم الراحة من الأعمال ، يقومون بنزهات جميلة فى الضواحى ، ويزورون القصور التاريخية ، والحدائق ، وتجد الحدائق نظيفة ولا أحد يقطع الأزهار أو يتلفها ، أو يلقى بقايا الطعام على الأرض ، وكثيرا ما تشاهد الشبان والشابات جالسين فى صف تحت الأشجار ، يرسمون المناظر الطبيعية التى حولهم ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">السور العظيم</span> </strong></span></span></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><span style="color:#6633ff;"><span style="color:#000000;"><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;">ــــــــ<br />وإذا خرجت من بكين ، وزرت السور العظيم ، فأنت سترى أعجوبة من عجائب الدنيا السبع ..<br /><br />تصل إلى السور بعد ثلاث ساعات بالسيارة من بكين ، وترى أعجب شىء فى الدنيا " سور طوله 2700 كيلو متر "<br /><br />وقد بنى فى عهد أسرة الامبراطور شى هوانج وسمى بالسور الذى طوله عشرة آلاف ميل .. وذلك مبالغة فى اظهار ضخامته وطوله ـ بالأميال الصينية خمسة آلاف ميل ـ ويرتفع عن الأرض 15 قدما وهو عبارة عن سور له حائط من الجانبين .. وبعد كل مسافة توجد أبراج مراقبة وبه 35 الف برج حربى و 15 الف برج للحراسة ..<br /><br />وهذا السور يذكره الصينيون بالأسى ويسمونه " محزنة الشعب " لكثرة من مات فيه من الشعب .. وتروى عنه القصص التى تعبر عن هذا المعنى ..<br /><br />وعندما تعود من السور تكون متعبا ، وتكون الساعة قد قربت من السابعة مساء ، ولكن الصينيين لايعرفون التعب ، فقد حجزوا لك تذكرة لتشاهد فرقة الباليه الروسى ، وهى فرقة من سيبيريا ، جاءت إلى بكين لتعرض أروع فنونها ، وتذهب إلى هناك ، وتنسى تعب النهار ، وتحس بأن روحك تحلق مع الراقصات ، وهن يطرن كالفراشات فى سماء المسرح ، ولكن بعيدا عن النار ..<br />===================================<br /></span><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><span style="color:#6633ff;">نشرت بمجلة الجيل المصرية ـ العدد 328 فى 7/4/1958 وأعيد نشرها فى كتاب محمود البدوى " مدينة الأحلام " ـ الدار القومية للطباعة والنشر ط 1963<br />====================================</span><br /></span></span></strong></span></span></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><span style="color:#6633ff;"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong></strong></span></span></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><span style="color:#6633ff;"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong></strong></span></span></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><span style="color:#6633ff;"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong>نشرت بمجلة الجيل المصرية ـ العدد 324 فى 10/3/1958</strong></span><span style="color:#000000;"><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;"><br /><br /></span></strong><strong><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">شنغهاى أجمل مدينة فى الصين<br />فى سنة 1957<br />بقلم محمود البدوى</span><br /><br /></span></span></strong><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;">رفعت المذيعة شريط الاسطوانات الموسيقية عن الميكروفون ، وأعلنت بصوت فيه رنة الزهو " إن القطار يدخل الآن حدود شنغهاى " فنظرت من النافذة ، ورأيت الأنوار الساطعة من النوافذ البلورية ، والعمارات تناطح السحاب ، والشوارع تلمع كحجر الجرانيت المصقول ، والأشجار تسقط عليها أضواء المصابيح الزرقاء فتبدو للمشاهد عن بعد كأنها عرائس الكرنفال .. رأيت هذا ، فعرفت أنى داخل مدينة ليست كمدن الصين ، وأدركت السبب فى زهو الفتاة ..<br /><br />إن شنغهاى مدينة عديمة النظير ، إنها تتلألأ بالثريات وأنوار النيون القوية ، وكل مدن الصين ضعيفة الإضاءة حتى بكين العاصمة ..<br /><br />وعندما يتهادى القطار تسبح فى بحر لجى على الضفتين ، وتحار عيناك أتنظر عن يمين أم عن شمال ..؟ فإن الجمال متساو فى الحالتين ، ويظل القطار خمس عشرة دقيقة يشق قلب المدينة فى رفق ، ويلامس وجناتها فى حنان ، ويصافح عماراتها الشاهقة ، ويحيى سكانها بالصفير ، ثم يقف على الرصيف المسقوف ، وقد أطفأ نور الكشاف ، وأغلق كل الصمامات ، فإنها آخر جولاته فى هذا الليل ..<br /><br />وتخرج من المحطة وتدخل شنغهاى ..<br /><br />شنغهاى المدينة ذات الفخامة ، إن شنغهاى أكبر مدن الصين قاطبة .. مساحتها 630 كيلو متر مربع ، وعدد سكانها 000و800و6 مليون نفس سبعهم من عمال المصانع ..<br /><br />إن بها 000و980 (حوالى مليون ) عامل يشتغلون فى ستة عشر ألف مصنع ، وإذا نظرت من طوابق الفندق العليا فى النهار ترى مداخن المصانع السابقة ترسل الدخان المتصل إلى أجواز الفضاء ، ويخيل إليك من كثرتها أن بالحى الواحد أكثر من ألف مصنع ..<br /><br />إنها مدينة الصناعة والعمل ، وأضخم مدن الصين قاطبة ، وأعظمها حركة وتجارة ، وأنها تتبادل التجارة مع ثمانين دولة ..<br /><br />وعمدة شنغهاى هو نائب رئيس الوزراء ..<br /><br />وكانت المدينة ذات الفخامة محتلة بالإنجليز والفرنسيين واليابانيين ولا تزال هناك بعض آثارهم ..<br /><br />وفى 25 من مايو عام 1949 دخل جيش التحرير الصينى ضواحى شنغهاى ، وهز معاقلها ثم دك حصونها ، وفى 28 من مايو تحررت كل شنغهاى ..<br /><br />وقد تحولت كل أندية المحتلين ومواخيرهم إلى ملاعب ومسارح للشعب ، فنادى سباق الطلاب الذى بناه الفرنسيين أصبح مسرحا يسع أكثر من ثلاثين ألف متفرج للحفلات الموسيقية الكبرى والمحاضرات ..<br /><br />ونادى سباق الخيل الذى أقامه الإنجليز أصبح ميدانا عاما للشعب ، ومنه يطل الرئيس ماو على الجماهير ويخطب ..<br /><br />وأندية القمار تحولت إلى مراكز للثقافة والمعرفة ..<br /><br />وكانت المدينة ذات الجمال وكرا رهيبا للعصابات ، العصابات الدامية التى تعيش تحت الأرض ، وفوق الأرض ، كما كانت مسرحا متصل الحلقات لحوادث السرقة بالاكراه ..<br /><br />إذا سرت فى الشارع ، كان ينقض عليك اللص فى الظلام ، كما كان ينقض الصقر على الفريسة وينفضها نفضا ..<br /><br />كان بها ستة آلاف متشرد ولص يجتمعون فى قلب المدينة كأنه فيلق مدرع ..<br /><br />وكانت وكرا للشيطان والفسق وكل أنواع الفجور ، ومرتعا لبنات الليل من كل الأجناس ..<br /><br />وكانت غاصة بالحانات والملاهى والمواخير التى لايحلم بوجودها الشيطان نفسه ..<br /><br />وكانت مركزا مهما لتجارة الأفيون واستمرت على ذلك مائة سنة كاملة ..<br /><br />وقد تطهرت شنغهاى من هذا كله بعد أن تحررت الصين من الاستعمار ..<br /><br />والمدينة التى كان يقع بها 12 ألف حادث سرقة فى العام أيام الاحتلال وقع بها فى عام 1954 أربع حوادث سرقة فقط ..<br /><br /></span><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><span style="color:#6633ff;">***<br /></span><br />وأصبحت المدينة ذات الجمال أعظم مراكز الثقافة والمعرفة فى الصين .. إن بها الآن 20 جامعة ومدرسة عالية ..<br /><br />وبها 46 سينما و 73 مسرحا منها 3 مسارح كبيرة تعد من أكبر مسارح العالم ..<br /><br />وبشنغهاى 117 فرقة أوبرا أشهرها عشر فرق : ثلاث منها ينج شو أوبرا ، وأنهيو أوبرا ، وشنغهاى أوبرا تعد من أعظم وأشهر الفرق فى الصين ..<br /><br />والجمهور فى شنغهاى يعشق السينما والمسارح والأوبرات ويتردد عليها يوميا وتجد هذه الدور مزدحمة ، والناس تقف أمامها فى طوابير ..<br /><br /></span></span><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><span style="color:#6633ff;">***<br /></span><br />ويدخل نهر هوانج بو شنغهاى من الجنوب ..<br /><br />ويشق نهر سوشو قلب المدينة من الغرب إلى الشرق ، وفى النهر تسير البواخر الضخمة محملة بالبضائع ، وتسير لانشات الركاب من ضفة إلى ضفة ، وتسير زوارق الصيادين بالشراع الصينى الحالم ..<br /><br />وتسير أنت بقدميك على كورنيش طويل ، طوله 108 كيلو مترات ، إنها مدينة الفخامة ..<br /><br />وبشنغهاى مجلس الشعب ..<br /><br />وعاش فيها الرجال الذين يحكمون الصين الآن ، عاش فيها ماوتسى تونج ، وعاش فيها شواين لاى ، وعاش فيها كاتب الصين لوسون ومات فدفن فى حديقة " هنجو بارك " وهى الحديقة التى كان يتنزه فيها ..<br /><br />وعاش فيها الزعيم السياسى الدكتور صن يات صن ، وبيته هناك لايزال كما تركه بأثاثه وكتبه ..<br /><br />وبشنغهاى كل نقابات الصين ..<br /><br />نقابة الصحفيين ، ونقابة الأدباء ، ونقابة الموسيقيين ، ونقابة الممثلين فى الأوبرا ..<br /><br />وبها ثلاث جرائد يومية صباحية كبيرة : جريدة الحرية .. و جريدة الأخبار .. و جريدة العمال .. و جريدة مسائية واحدة ..<br /><br />وبها أكثر من 50 مجلة ..<br /><br />والصحافى فى شنغهاى وفى الصين كلها ليست متقدمة فى الاخراج والطبع والتوزيع .. إذا قارنتها بالصحافة فى الهند واليابان ..<br /><br />ففى شنغهاى جريدة كبيرة للأخبار والثقافة وتصدر فى 4 صفحات فقط ، وتزاد فى المناسبات إلى ثمانية ، ولا توزع أكثر من مائة ألف نسخة يوزعها الصبيان فى الصباح المبكر على البيوت ، ولا يوجد " سريحة " لبيع الصحف فى الصين ..<br /><br />وقد كانت جريدة ون هين ديلى تخصص كل صفحاتها فى أيام معركة السويس لمصر ..<br /><br />وقد رأيت فى صفحاتها صور المعركة برسوم الفنانين الصينيين ، وأكثر من صورة للرئيس جمال فى عدة مناسبات ..<br /><br /></span></span><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><span style="color:#6633ff;">***<br /></span><br />وما أكثر <span style="font-size:180%;color:#6633ff;">المكتبات العامة فى شنغهاى</span> :<br />مكتبة الشعب ، ومكتبة شنغهاى ، ومكتبة الآداب ، ثم مكتبة التاريخ ، وبكل ضاحية فى شنغهاى مكتبة ، وقاعات المطالعة كثيرة ، والجمهور الصينى يعشق القراءة ، تراه يقرأ فى الترام ، وفى القطار ، وفى الحدائق ..<br /><br />ولا تزال هناك أمية كبيرة فى الصين ، أمية فى دولة تعدادها ستمائة مليون ، وهم يحاولون محوها بكل الوسائل ..<br /><br />وإذا خرجت من الفندق إلى الشارع تجد شوارع شنغهاى غاصة بالرائحين والغادين والحركة متصلة وشديدة ..<br /><br />وتجد رجال شنغهاى يرتدون البنطلونات السمراء والسترات المضمومة إلى العنق ، لباسهم واحد ..<br /><br />أما المرأة فهى ليست موحدة الزى كما تراها فى بكين :<br />بعض النساء يرتدى الجونلة والصديرى الصوف ، والجونلة والجاكت ، والبنطلون الأسمر والرمادى والصديرى الصوف الأزرق والأبيض ..<br /><br />والغالبية ترتدى الملابس الشعبية التى يرتديها الرجل :<br />البنطلون والسترة السمراء المضمومة إلى العنق ..<br /><br />ولا توجد امرأة فى شنغهاى ترتدى الثوب المشقوق الجيوب الذى يبرز الفخذين ، لاتشاهد الزى الذى تلبسه المرأة فى هونج كونج ، ولا تشاهد من جسم المرأة أكثر من وجهها وشعرها ..<br /><br />والجمهور يسير بسرعة على الرصيف ويقف طوابير فى انتظار السيارات والعربات والترام والتروللى باس ، ويركب الدراجات بكثرة فإنها وسيلة سهلة ورخيصة للانتقال ..<br /><br />وعربة الركشا فى شنغهاى تتحرك بالعجلة ، ولا يجرها إنسان ، ولا توجد سيارات خاصة ، ندر أن تشاهد سيارة خاصة ..<br /><br />وإذا دخلت فى غمار الناس وانتظرت معهم السيارة والترام على المحطة وجدتهم يقفون فى صمت وصبر ، وكل فى مكانه من الطابور ..<br /><br />وإذا ركبت السيارة أو الترام أو عربة الركشا ، أو سرت على قدميك فأنت تتحرك فى شبكة متصلة من الشوارع الرئيسية ..<br /><br />إذا تركت الضواحى جانبا وكنت تريد قلب المدينة لتشاهد المارة أو ترى الحوانيت ، أو كنت تريد أن تتسوق ، فأنت تسير فى شارع ين آن شنج ، وشارع ماونج ، ثم شارع شى من ، ثم شارع نانكنج ، وشارع تسانج شنج ، ثم ميدان الشعب ، وشارع فوشو ، وشارع ين آن تنج ..<br /><br />وكل هذه الشوارع نظيفة وأرضها مصقولة كالرخام ، والحوانيت فيها على الصفين تعرض أحسن ما فيها فى " الفترينة " وهذا العرض الخارجى المتفنن لاتراه إلا فى شنغهاى ، فإن واجهة الحوانيت فى المدن الصينية الأخرى قاتمة وكئيبة ..<br /><br />والجمهور فى الشوارع يتحرك بسرعة عجيبة ، كل فى شأنه ، ولا تجد على الرصيف متسولا أو متسكعا ، أو شخصا ممزق الثوب ، أو امرأة تبرز مفاتنها لتصيد الرجال ، أو قوادا يقودك إلى ماخور ، لاتجد هذا فى شنغهاى ، ولا تشاهد جندى البوليس فى الشارع ، الذى تراه فقط هو شرطى المرور ..<br /><br />وإذا وقعت حادثة يظهر جندى البوليس بعد دقيقة واحدة ، ولا تدرى أخرج من بطن الأرض أم هبط عليك من السماء ..<br /><br />ومعظم المبانى والبيوت فى شنغهاى ذات طراز أوربى ، والعمارات ترتفع من تسعة طوابق إلى أربعة عشر طابقا ..<br /><br />وأعلى عمارة فى شنغهاى من 24 طابقا ..<br /><br />والأرقام على البيوت بالحروف اللاتينية ، أما اللافتات على المتاجر والحوانيت فكلها بالحروف الصينية ..<br /><br />وتجد فى شوارع شنغهاى المطاعم الصغيرة بكثرة ، وتجد القدور تغلى فى المدخل والبخار يتصاعد من الحساء ، والأرز ، والسمك ، والجمبرى ، وكل أنواع اللحوم موضوعة فى صحاف كبيرة بجانب المدخل ..<br /><br />والطباخ الصينى فى المطعم الشعبى الصغير ، وفى أفخم وأكبر الفنادق يرتدى سترة بيضاء ناصعة البياض ، وهو نظيف أنيق ، ويداه تتحرك بسرعة مذهلة ، إنه أعظم طباخ فى العالم ، إنه يصنع لك أربعة آلاف صنف من الطعام ..<br /><br />وهو فى الصين يعد فنانا ، وأستاذا ، ولا يقل فى المرتبة عن أستاذ فى المعمار ، أو أستاذ فى النحت ، أو أستاذ فى الأدب ، ولايزال الرجل فى الصين متقدما على المرأة فى الطهى وفنونه ، برغم أن المرأة متساوية مع الرجل مساواة تامة فى كل شىء ، متساوية معه فى الأجر ، وفى العمل ، ولكنها لم تصل إلى مرتبته فى فن الطهى ..<br /><br />سألت سيدة صينية عن الطعام فى شنغهاى :<br />ـ أيهما يجيد الطهى أحسن من الآخر .. المرأة أم الرجل ..؟<br />ـ الرجل مع الأسف ..<br />وأردفت وهى تبتسم :<br />ـ وما تأكله الآن من لذيذ الطعام هو من صنع الرجل ، والمرأة كما ترى عملها مقصور على تقديم الصحون ..<br /><br />وإلى جانب المطاعم توجد مشارب الشاى بكثرة ، والصينيون يشربون الشاى من غير سكر ، ويشربونه بكثرة ،الأسود والأصفر منه ..<br /><br />ولكثرة شربهم الشاى لايشربون الماء على الطعام إطلاقا .. وإذا طلبت ماء يأتون به مغليا يتصاعد منه البخار ..<br /><br />ويشربون على الطعام شرابهم الوطنى ، وهو مركز شديد ، كما يشربون النبيذ والجعة والمياه الغازية ، وكل هذه الأشياء من صنع بلادهم ، لا يأتون بشىء من الخارج على الاطلاق ..<br /><br /></span></span><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><span style="color:#6633ff;">***<br /></span><br />وفى شوارع شنغهاى الكبرى ، كل المحال التجارية ، والمتاجر الكبرى ، ومحال الحكومة الكبرى رقم 1 ورقم 2 ورقم 3<br /><br />وفى أيام الآحاد ، وهى أيام العطلة للعمال تجد هذه المحال مزدحمة وتتحرك فيها بصعوبة ..<br /><br />والأسعار موحدة وثابتة فى كل شنغهاى ، المحال الصغيرة كالمحال الكبيرة ، وكل شىء يباع بالفاتورة حتى قطعة الصابون ..<br /><br />وتستقبلك البائعة بالابتسام ، والرقة المذهلة ، وإذا اخترت شيئا تحرك " البلى " لتحسب الثمن ، ثم تبدأ فى كتابة الفاتورة ببطء وتأن ، وتعطيها ورقة مالية كبيرة ، فتأخذ الثمن وترد لك الباقى ، وهى تنحنى وتبتسم ، وتردد كلمة الشكر ..<br /><br />وتلف البضاعة عادة فى ورقة خشنة ..<br /><br />ومعظم العمال فى المتاجر الكبرى من الفتيات ، وهن يرتدين زيا موحدا ، وقليل منهن يعرف لغة أجنبية ، ولكنه تستطيع أن تكتب لك الثمن بالحروف اللاتينية ..<br /><br />والمحال تفتح من التاسعة صباحا إلى التاسعة مساء دون توقف .. والمحال الصغيرة تستمر ساهرة إلى نصف الليل ..<br /><br />وفى شنغهاى المفارش التى ليس لها نظير فى العالم ، وأحسن " بلوزة " تلبسها حسناء ، وأعظم نسيج من الحرير الطبيعى ، وأدق التحف والتماثيل الصغيرة والكبيرة ..<br /><br />وهذه الأشياء كلها تصدر إلى الخارج ، لتأتى لهم بالعملات الأجنبية ..<br /><br /></span></span><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><span style="color:#6633ff;">***<br /></span><br />والمرأة فى شنغهاى تشتغل فى المتاجر والفنادق ، والمطاعم ، وهى سريعة الحركة نشطة وثوبها نظيف وفى وجهها الصحة .. وهى ليست جميلة عادة ، ولكنها مشرقة باسمة ، والرقة أبرز صفاتها ..<br /><br />وعندما ترى سربا منهن تعطيهن جميعا سنا واحدة ، وغالبا سن العشرين ، وأنت لاتستطيع قط أن تقدر سن المرأة الحقيقى ..<br />================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت بمجلة الجيل المصرية ـ العدد 324 فى 10/3/1958 وأعيد نشرها فى كتاب محمود البدوى " مدينة الأحلام " ـ الدار القومية للطباعة والنشر ط 1963</span><br />=================================</span></span></strong></span><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;"><br /><br /></span></strong></div></span></span><div align="center"><span style="color:#000000;"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#6633ff;"><strong></strong></span></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><span style="font-family:times new roman;font-size:180%;color:#6633ff;"><strong>هانتشو مدينة البحيرات التى تكنسها النساء</strong></span></span></div><span style="color:#000000;"><div align="center"><br /><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;">" إن المثل الصينى القديم يقول :<br /><br /></span></strong></span><span style="font-family:times new roman;font-size:180%;color:#336666;"><strong>" </strong></span><span style="color:#000000;"><strong><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><span style="font-size:180%;color:#336666;">الجنة فى السماء ، وهانتشو على الأرض "</span><br /><br />وعندما تدخل مدينة هانتشو تحس أن هذا الكلام صادق ولا مبالغة فيه ولا تهويل ، لأن الصينيين لايبالغون ولايحسنون حتى وسائل الدعاية عن أنفسهم .<br /><br />ولو كانت هذه المدينة فى أوربا لتدفقت عليها الدولارات الأمريكية ، والفرنكات السويسرية والفرنسية والجنيهات الإنجليـزية ، والماركات الألمانيـة ، ولأصبحت المدينة التى يقصدها كل سائح فى العالم ، ولماتت بحيرات سويسرا ، ومتعرجات كابرى ، وسهول النمسا ، وسواحل الريفييرا ، ولكنها مدينة صينية معزولة ، كالحسناء الجميلة التى أبعدوهـا عن كل العشاق .<br /><br />إن جو المدينة ربيعى ممتع ، ومناخها نادر المثال ، وسكانها 676 ألف نسمة يسكنون على البحيرة الحالمة فى مساحة قدرها 223 كيلو متر مربع ، ولا تحس لهم صوتا ولا تسمع لهم حسا فى ليل أو نهار ، وأشجار الخوخ ، والشاى ، والتفاح تكسو التلال ، والهضاب .<br /><br />والباجودا ، والنمر الصخرى ، وجزيرة الشاى والمنظار بالأقمار الثلاثة ، وتماثيل بوذا وحوارييه من خالص الذهب ، وعلى ارتفاع 22 مترا تصبح كل هذه الأشياء لاقيمة لها ، إذا رأيت البحيرة ، ومن بعدها المصحة .<br /><br />إن البحيرة على اتساع لاتبلغه العين ومن ورائها التـلال المخضرة الساكنة ، وفى وسطها الجزيرة الصغيرة الخضراء ، والبحيرة مع كل هذا الاتساع ليس لها عمق . إن المجداف الصغير فى الزورق يبلغ قاعها فى أى مكان ، وقد تكونت هذه البحيرة من الروافد الصغيرة من ثلاثة آلاف سنة ، ولسحرها عاش بين ربوعها معظم شعراء الصين . إن الزوارق الصغيرة تتهادى فى عرضها ، كما تتهادى الأحلام الذهبية فى رأس الفنان الملهم ، وفى كل زورق فتاة ، وهذه الفتاة هى الملاحة الحسناء ، ترتدى قبعة الخوص الكبيرة ، والبنطلون الأزرق ، وهى تستعمل الدفة كمجداف يتحرك فى حركة استعراضية من الخلف ، كما يتحرك الرقاص فى مؤخرة السفينة فيسير الزورق الحالم فى بحيرة ساكنة كالغدير ، إنها وحدها التى تشق بك صدر الماء فى رفق وأناة .<br /><br />فإذا كنت تريد مزيدا من السرعة ، أو تريد أن تمرن عضلاتك ، أعطتك الفتاة مجدافا جانبيا صغيرا وجلست تساعدها ، وعيناك على أسنانها اللؤلؤية ، وشعرها الأسود الشديد اللمعان .<br /><br />إن نســاء هانتشو من أجمل نساء الصين ، والشاعر bai chu yi عاش يتغزل فى غادة نادرة الجمال من هانتشو ، ويصف البحيرة فى مثل جمالها ، حتى تحولت الأشعار إلى أساطير .<br /><br /></span></span><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><span style="color:#6633ff;"><span style="font-size:180%;">مدينة الزوارق من غير عشاق</span></span></span></span></strong></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><strong><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><span style="color:#6633ff;"><br /></span>ولكن غادة الأساطير القديمة ، والزوارق الحالمة ، تتهادى فى البحيرة الآن من غير أحلام ولا عشاق . إن طابع الجد يكسو المدينة ، وقل من يخرج فيها إلى النـزهة ، وفيما عدا الرحلات المدرسية فى صباح الآحاد تموت المدينة الجميلة وتلفظ أنفاسها بعد أن تستيقظ بساعة ، وتصبح البحيرة الراكدة فى وهج الشمس كسراب فى الصحراء ، والزوارق الصغيرة الراسية على الساحل ، كأسراب الحدأة وهى تحط على الأرض كاسرة جناحيها .<br /><br />إن الفندق الجميل الأنيق الذى أقامته الحكومة على شط البحيرة لم يكن فيه من النـزلاء أكثر من أربعين شخصا ، نصفهم هو الذى يتنـزه فى البحيرة فى ساعات الغروب وتحت ضوء القمر ، والسيارات المخصصة للفندق هى السيارات الوحيدة التى تجول فى المدينة .<br /><br />إن المدينة كذراعى رجل عملاق مفتوحتين إلى أقصاهما ، ووسط الذراعين ترقد البحيرة كما ترقد الحسناء مسترخية فى أسى ظاهر ، ووراء ظهر الرجل تقوم التلال المكسوة بالعشب ويقوم شجر الخوخ وشجر الكمثرى وشجر التفاح وشجر الشاى والأزهار من كل الألوان وكل الأنواع ، تكسو الأرض وتهزها .<br /><br />وبين كل هذه الأشجار الكثيفة وهذه الدغل والعرائش لايمكن بأية حال أن تعثر على عاشقين يتناجيان ، وتلتقى شفاهما فى قبلة ، فى ليل أو نهار ، لايمكن أن ترى هذا المنظر أبدا .يمكن أن ترى حبيبين يمشيان متهاديين وسط الأشجار والفتى يمسك براحة الفتاة ، وبينهما فاصل مقدار ذراع كامل .<br /><br /></span></span><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><span style="color:#6633ff;">***<br /></span><br />إنك تستيقظ فى الصباح على شقشقة العصافير الصغيرة على الشجر ، فإذا فتحـت عينيك ونظرت من شرفة الفندق إلى البحيرة ، ترى منظرا ساحرا ، البحيرة الساكنة ، ومن ورائها التلال السوداء ، والكناسات فى لباس أزرق وبيدهن المكانس يكنسن الشوارع ، ويجمعن الورق الساقط من الشجر .<br /><br />إن المدينة نظيفة ولو تركت أسبوعا من غير كنس لما جمع هؤلاء النسوة غير ورق الشجر . إن أحدا لايأكل فى الطريق ، ولايمكن إن يلقى أى شىء على الأرض ،وعلى كثرة الحدائق والبساتين فى المدينة لايمكن أن تعثر على وردة مقطوفة ، أو أى شىء أتلفته الأيدى ، أو سحقته الأرجل تحتها . والممتلكات العامة من المواد الخمس التى تلقن فى المدارس ويتعلمها الشعب كله : حب الوطن .. حب الشعب .. حب العلم .. حب الممتلكات العامة .. حب العمل .<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">مدينة الحرير</span><br /><br />وإذا جلت فى المدينة ستراها ككل مدن الصين ، حوانيتها بسيطة لم تبلغ حد الأناقة ، وشوارعها صغيرة ونظيفة وجميعها مرصوفة ، والأشجار الصغيرة والكبيرة مغروسة على الجانبين ، ولا ترى فى الشارع إلا جندى المرور ، والناس جميعا الرجال والنساء فى لباس شعبى واحد ، البنطلون الأزرق والسترة المضمومة الأزرار إلى العنق .<br /><br />وهانشو مشهورة بالحرير الطبيعى النادر ، إذا ضممت قبضة من النسيج ودعكتها سمعت أزيز النحل ، ومشهورة بالقبعات العريضة ، والمظلات الجميلة ، والأخفاف الحريرية الناعمة .<br /><br />والفندق الذى نزلنا فيه كان كل شىء فيه من الحرير : اللحاف من الحرير الطبيعى المطرز ، والوسائد من الحرير المشجر ، وعليها رسومات الباجودا ، وقصر الصيف ، وقصر الامبراطور ، والستاير من الحرير الخالص ، والمفارش على الموائد من الحرير .<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الحلة السحرية</span></span></span></strong></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><strong><span style="font-family:times new roman;"><span style="font-size:100%;"><br />وعلى ساحل البحيرة قادنى رفيقى الصينى إلى منـزل من طابق واحد ، وهناك استقبلتنا فتاة فى السادسة عشرة من عمرها بابتسامة مشرقة . إن هذا البيت يعتبر بيتا صينيا ، ولم أشاهد فى الصين سوى بيت الكاتب الصينى المشهور " لوسون " فى بكين وبيت الزعيم السياسى الدكـتور " سن يات صن " فى شنغهاى ، وكنت أود أن أشاهد بيت رجـل عادى من عامة الشعب ، وبيت عامل ، أو فلاح ، ولكننى لم أوفق ، ولعلهم يرون إن هذا البيت لم يبلغ المستوى اللائق فى الوقت الحاضر .<br /><br />إن البيت الصينى الذى فيه الحلة السحرية ، عبارة عن بيت رجل متوسط الحال فى الريف المصرى ، بيت من بيوتنا ، بيت من طابق واحد ، وفى الطابق أربع حجرات كبيرة ، وبين كل حجرتين فناء ، والحجرتان الخارجيتان لاستقبال الضيوف ، والداخليتان لأهل البيت مع دورة المياه ، وفى البيت الكراسى نفسها المغطاة بالجوت ، والحرير المشجر فى قاعة الجلوس ، السرير الخشبى الكبير نفسه ، والدولاب الكبير فى حجرة النوم ، ولكن الصينى يعتنى بالستائر الحريرية والمفارش على المناضد ، وعلى الوسائد ، ويعتنى بالتماثيل : تمثال بوذا ، ويعتنى بالأوانى الخزفية .<br /><br />وبعد أن قدمت لنا الفتاة الشاى الصينى ، فى الأكواب الصينية الكبيرة من غير سكر ، وقفت على حلة ممتلئة إلى حافتها بالماء ، وألقت فى هذه الحلة كل ما معها وما فى جيوب الواقفين من قطع فضية ، وبرونزية ، فلم تسقط من الحلة قطرة واحدة على الأرض ، ولم يزد الماء فيها بمقدار ملليمتر واحد .<br /><br />ثم حركت يديها على أطراف الحلة بحركة سريعة ، فخرج منها نغم موسيقى عذب ، وأصبح الماء يلف كالدوامة ، ثم ضربت على الحلة بيديها ضربا آخر ، فارتفع الماء من الوسط أكثر من ربع متر ، وبقى كما هو فى الجوانب ، ولم يســقط من الماء فى خلال هذه الحركة أى شىء على الأرض .<br /><br />وعندما انتهى عرض الفتاة السحرى أخرجت إيوانا من جيبى لأعطيه لها كمنحة ، ولكنها ردته ، وصافحت يدى الممتدة اليها بالنقود فى حرارة ، ولما كررت المحاولة ، قال رفيقى الصينى : إن أى الحـاح من جانبى سيقابل بالرفض ، لأن الفتاة ترفض البقشيش على طول الخط .<br /><br />شجرة الشاى والباجودا :<br /><br />وخرجنا من عند الفتاة لنجول بين الأحراج ، إن الأرض التى أسير عليها الآن مغطاة كلها بشجر الشاى ، وأنا فلاح .<br /><br />وعندما أرى الزرع ينتفض قلبى وتهتز كل مشاعرى ، إن شجرة الشاى لاتختلف فى شكلها عن شجرة الطماطم التى نزرعها فى بلادنا ، إنها فقط أكبر قليلا ، وأكثر أوراقا ، وهى تنمو فى كل مكان تحت ماء الأمطار ، والصينى يحب الشاى ، ويشربه مرات عدة فى اليوم ، ويشربه من غير سكر ، ولايغلى أوراقه فى مغلاة ، كما نفعل فى المقاهى عندنا ، بل يضع ورق الشاى فى الأكواب ، ويصب عليه الماء المغلى .<br /><br />وبعد أن شربنا الشاى قرب معبد من معابد بوذا ، صعدنا إلى الباجودا وكانت من 13 طابقا وبها 226 سلما .<br /><br />والباجودا عبارة عن بناية تشبه المئذنة عندنا ، ولكنها أوسع والسلم من الداخل دائما ، وهى تبنى وسط الأحراج ، وعلى ساحل الماء ، ولم يعرف أحد ممن سألناهم الغرض الحقيقى من بنائها .<br /><br />ولما وصلنا إلى الدور الأخير علمنا أنها بنيت منذ 1163 سنة .<br /><br />ونزلنا من الباجودا وركبنا السيارات إلى مصحة العمال ، وبلغناها بعد ثلث ساعة إنها مصحة على ربوة عالية تطل على البحيرة ، ومن حولها الأشجار والورود ، وأختير الموضع فى مكان هادىء ساكن بعيد عن المرور وعن كل حركة تهز أعصاب المرضى ، ولقد بنيت المصحة فى سنة 1954 وتم بناؤها فى 250 يوما على أحدث ما تبنى المصحات .<br /><br />إن الصينى يفخر بهذه المصحة ، وفى سجل زيارتها توقيعات كبار الزوار من أشهر أطباء العالم ، إنها تعالج ضغط الدم ، وأمراض الأعصاب والعلاج بالكهرباء والتنويم المغناطيسى ، وبالشمع ، وبالماء البارد ، والبخار .<br /><br />والبناية مرتفعة 1400 متر من سطح البحر ، والجو صحى جاف فى أشد أيام الشتاء برودة ، وبها مسرح كبير على استعداد كامل ومطعم يعد من أجمل وأفخم ما وقعت عليه العين .<br /><br />وهى معدة على أن يكون فى كل غرفة ثلاثة من المرضى وبها 60 ممرضة فى جمال الملائكة . والمقرر لإقامة المريض شهران ، وبعدها يقرر الطبيب الحـالة .<br /><br />ونقابات العمال تتكفل بمصروفات العلاج فى هذه المصحة .<br /><br />والمريض يدفع 45 سنتا فى اليوم للطعام ( حوالى سبعة قروش ) والحكومة تتكفل بباقى نفقات الأكل .<br /><br />والعلاج بالشمع وبالماء ، يعد من أحدث ما وصل اليه الطب الحديث فى علاج الأعصاب .<br /><br />والظاهرة البارزة فى المصحة هى نظافتها المطلقة وأناقتها وفخامتها ، وجمال موقعها ، ثم العناية الزائدة بالمرضى حتى أنهم كانوا يحسون صوت أقدامنا ونحن نجول بينهم .<br /><br />وأجمل ما فى المصحة أن المرضى هم الذين يعزفون الموسيقى ويقيمون الحفلات الراقصة وهم الذين يؤلفون الروايات المسرحية ويخرجونها ويمثلونها .<br /><br />***<br /><br />وبعد أن نزلنا من المصحة بالسيارة واقتربنا من البحيرة ، أبديت رغبتى لمرافقى الصينى فى أن نركب زورقا فى ساعة الغروب ، وحقق لى هذه الرغبة .<br /><br />ولما حركت الملاحة الزورق وأصبحنا فى وسط الماء طلع القمر ، فنظرت إلى الفتاة ، ولاحظت أنها جميلة جدا ، فقلت لمرافقى بالإنجليزية ليترجم لها :<br />ـ قل لها إنها أجمل من رأيت من النساء فى الصين ..<br />فابتسم وقال وهو ينظر اليها ..<br />ـ أنا لا أستطيع أن أقول لها هذا الكلام ..<br />ـ لماذا ؟ إن هذا إطراء عادى ..<br />ـ لا إنه غزل ، وليس من عادتنا إن نتغزل أمام الناس ..<br /><br />ولاحظت أن الفتاة أخذت تحرك المجداف برفق ، لتحاول أن تفهم ما يدور بيننا لأنها عرفت أن الكلام يدور حولها<br />وقلت له أخيرا ..<br />ـ قل لها إنها ماهرة جدا ، وأبرع ملاحة رأيتها ..<br />ـ هذا أقوله بكل ارتياح ..<br />وقال لها هذا الكلام بالصينية ، فابتسمت وشكرتنى ،ولما انتهينا من جولتنا ، تركت الفتاة الزورق وقفزت إلى الشاطىء .<br /><br />ورأيتها تسرع نحو شاب كان فى انتظارها ، فسألت مرافقى :<br />ـ هل هو صديقها ؟<br />ـ لا إنه خطيبها ..<br />ـ وأين يذهب بها ؟<br />ـ إنهما غالبا يتنـزهان بعد تعب النهار ..<br />ـ وهل يذهب بها إلى الهضبة بين الأحراج ؟<br />ـ إذا كانت لها رغبة فى هذه النـزهة ..<br />ـ وإلى متى تستمر فترة الخطوبة ؟<br />ـ ستة شهور أو سنة ..<br />ـ وفى خلال هذه المدة الطويلة ألا يحدث بينهما ما يحدث بين المتحابين : قبلة عناق ؟<br />ـ إن القبلة معناها الزواج ..<br />ـ أفرض أنه قبلها ..<br />ـ إن هذا لايحدث ..<br />ـ افرض.. أقول فرضا ..<br />ـ مادام سيتـزوجها فلا مانع ..<br />ـ وإذا لم يتـزوجها ؟<br />ـ إن هذا لايحدث أبدا ..<br />ـ ما الشىء الذى لايحدث ؟<br />ـ أن يعد شاب فتاة بالزواج ثم يتركها ، هـذا لايحدث ، هـذا لايحدث ..<br /><br />وكان يقول هذا الكلام بحماس عجيب ونحن نقترب من الفندق ، وعلى الباب صافحنى كعادته وهو يقول مبتسما :<br />ـ غدا فى الثامنة صباحا سأنتظرك فى البهو ..<br /><br />وكنت أضبط ساعتى على وقع أقدامه فى الساحة الخارجية ، المغطاة بأحجار صغيرة ملونة كحبات الزمرد ..<br />ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<br /></span></span></strong></span><span style="color:#000000;"><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;"><span style="color:#6633ff;">حينما عاد محمود البدوى من هذه الرحلة نشر هذا المقال فى مجلة الجيل المصرية تحت عنوان " هانشو مدينة البحيرات " فى 2291958 وأعيد نشرها فى كتاب " مدينة الأحلام " 1963 كما نشر الكاتبان على عبد اللطيف وليلى محمود البدوى مقتطفات من مقالاته فى مقدمة كتاب " قصص من هونج كونج " لمحمود البدوى الصادر عن مكتبة مصر 2001<br />=================================</span><br /><br /><br /></div></span></strong></span><div align="center"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong></strong></span></div><div align="center"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong></strong></span></div><div align="center"><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong>نشرت فى مجلة الجيل المصرية ـ العدد 356 فى 20/10/1958<br /><br /></strong></span><span style="color:#000000;"><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;"><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">تانكنج مدينة الأمطار وزهرة اللوتس<br /></span>ــــــــــــــــــــــــ<br /><br />كانت تانكنج عاصمة الصين فى زمن الاحتلال اليابانى ، وهى من مدن الصين العريقة .. والجائل فيها يشعر بهذه العراقة ، ويشعر بأنها تستحق أن تكون عاصمة حقا فهى أجمل من بكين وأكثر اشراقا وأناقة ، وهى مثل هانشاو .. تتمتع بالجمال ، والبحيرات ، والزهور ..<br /><br />إن زهور اللوتس تنمو فى كل مكان وتغطى بحيرة شوان وهو كلها حتى سميت بحيرة اللوتس ، وأصبح منظرها من أجمل المناظر وأبهجها للنفس ، وشوارع المدينة منسقة تنسيقا هندسيا رائعا .. ومن ميدان " سن شياكو " المتناهى فى الاتساع تتفرع شوارع هان شنج رود ، وشنج شان رود ، وشنج كيانج رود ، وهذه الشوارع الرئيسية توصلك إلى كل أنحاء المدينة ..<br /><br />إن المدينة مقامة على مساحة قدرها 778 كيلو متر مربع ويسكنها مليون وأربعمائة ألف نسمة ، يقيمون فى منازل من ثلاثة وأربعة طوابق ، منازل سقوفها محدودبة وعليها الطابع الصينى الأصيل ..<br /><br />ونوافذها كلها زجاجية ، ولا يوجد " شيش " من الخشب خارج الزجاج ، وإنما فى النافذة شباكان من الزجاج ، كل واحد وراء الآخر ، ويفتحان ويغلقان من الداخل ، وخلف ذلك يوجد الستار ، ولك أن تنشر الستار أو تطويه إذا شئت أن تتطلع إلى المطر ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">أمطار كأفواه القرب<br /></span>ـــــــــــــ<br />إن الأمطار فى تانكنج تتدفق كأفواه القرب ، وتباغتك فى كل لحظة ، فإذا لم تكن معك مظلة ، غرقت تحت سيل من الماء لاتدرى متى ينقطع ، فقد يستمر ساعات ، والمدينة مستعدة لهذه الأمطار ببالوعاتها وشوارعها المرصوفة ، وبالمظلات التى تراها موضوعة فى مدخل الأبواب ..<br /><br />فتتناول المظلة وتخرج إلى الطريق ، وعندما تعود من عملك تضعها فى مكانها ، وبغير هذه المظلة لاتستطيع أن تتحرك خطوة ..<br /><br />والأشجار الكثيرة المغروسة على جانبى الطريق لاتقيك المطر ، وكذلك الحدائق وما أكثرها وأنضرها فى المدينة ..<br /><br />إن الناس فى تانكنج يرتدون زيا شعبيا واحدا ويركبون السيارات العمومية وهى من صنع أيديهم ، وينتجون الصناعات الكيماوية التى تتدفق على كل مدن الصين ، والمصنوعات اليدوية الدقيقة التى تمتاز بالبراعة والدقة ويتميزون بالبشاشة والوداعة ، وخلق الرجل الدءوب الذى يعمل فى صمت وينتج شيئا تفخر به بلاده ..<br /><br />وأنت لاتشعر فى هذه المدينة بالزحام الذى تراه فى شنغهاى ، ولا بالغبار الذى يثور فى وجهك وأنت تقترب بالسيارة من بكين ، فتانكنج مدينة تمتص حدائقها وأزهارها كل غبار ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الفلاح الصينى والأرز</span><br />ـــــــــــــــ<br />والمدينة التى يحيط بها سور ضخم ، كأنه السور العظيم ، مركز حيوى للثقافة ..<br /><br />فيها أوبرا ، تضارع أوبرا بكين ، وبها مكتبة ضخمة وعشرة معاهد عالية وجامعة من أعرق جامعات الصين ، وبها 79 مدرسة متوسطة وثانوية وأكثر من 315 مدرسة ابتدائية ..<br /><br />ولو خرجت من المدينة إلى ضواحيها ترى الأرض كلها مخضرة ، وترى أشجار النبو كثيرة ، وتعرف أن الزراعة الأساسية فى هذه المنطقة هى الأرز ، والقمح ..<br /><br />فإذا اقتربت من الفلاحين تراهم يستعملون الطريقة المصرية نفسها ، فى ضم المحصول وفى التذرية ، ومعهم المذراة نفسها .. والأدوات اليدوية نفسها ، إن الفلاح الصينى لايزال يعيش فى عالمه القديم ، والتطور حدث فقط فى المراكز التعاونية ..<br /><br />ولكن الفلاح الصينى الذى يستعمل يديه تلازمه المرأة كظله ، لاتفارقه أبدا فى حقل أو بيت ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">المرأة والرجل</span><br />ــــــــــــ<br />إن المثل الصينى القديم يقول :<br />" إن عشرة نجوم لاتعطى ضوء القمر " .. يعنى أن عشرة نسوة لايساوين رجلا واحدا ، والظاهر أن هذا المثل لايزال ساريا إلى الآن ، فى الصين ، برغم كل ما حدث فى حياتها من تطور ..<br /><br />فالحفلات الرسمية فى تانكنج وفى كل مدن الصين لم يكن يحضرها من النساء إلا ممثلات الأوبرا ، وممثلات السينما ..<br /><br />ولم تشاهد غير هؤلاء ، والظاهر أن المرأة الصينية لاتدعى إلى الحفلات العامة ، ولاتزال هذه القاهدة سارية قبل الثورة ، وبعد الثورة ..<br /><br />والمرأة فى الصين القديمة كانت تحمل إلى منزل زوجها فى محفة ، كما تحمل عندنا فى الريف على جمل ، وهناك ترى زوجها لأول مرة ..<br /><br />وكان الزوج يستطيع أن يتزوج منهن ما يشاء ، حتى مائة ، ويتخذ منهن سرارى كما يحب ، ولقد أعتقت المرأة من كل هذا بعد قانون الزواج الجديد ، وأصبح الرجل لايستطيع أن يتزوج أكثر من واحدة ، وأصبحت المرأة مساوية للرجل فى كل شىء ..<br />ولكنها لاتزال حتى الآن لاتدعى إلى الحفلات العامة ..<br /><br />وأشهد أن ممثلة الأوبرا التى جلست تتعشى معنا فى حفلة العشاء فى فندق تانكنج كانت ثقافتها تعدل ثقافة عشرين رجلا ..<br /><br />وكانت قد مثلت على المسرح فى الليلة الماضية دور غلام عاشق ، فلما رأيتها أمامى هذه الليلة ذهلت من براعة المكياج الذى وصل إلى الحنجرة ..<br />فقد كان صوتها العادى أخشن من صوتها على المسرح ..<br /><br />ولما حدثتها عن عجبى ضحكت وسألتنى :<br />ـ أهذه أول مرة تزور فيها الصين ..؟<br />ـ نعم هذه أول مرة ..<br />ـ لابد أن تزورنا مرات ، لتعرفنا ..<br /><br />وسألتها بعد أن حدثتنى عن زوجها :<br />ـ أعندك أطفال ..؟<br />فضمت ذراعيها على صدرها وضغطت ..<br /><br />وقد فهمت من هذه الحركة حنان الأمومة الدافق ، الذى يفوق كل ما يعبر عنه اللسان ..<br /><br />وسألتنى :<br />ـ ما الذى زرته فى المدينة ..؟<br />ـ فير منج ، والمكتبة ، والجامعة ، وبيت الشباب ، وقصر العمال الثقافى ، وسور تانكنج وبحيرة شوان .. و .. و ..<br />ـ ورأيت زهور اللوتس ..؟<br />ـ إنها أجمل الأشياء طرا ..<br />ـ وقبر صن يات صن ..؟<br />ـ لم أره بعد ..<br />ـ لابد أن تراه ، لأنك سترى أعظم قبر فى العالم ..<br /><br /><span style="color:#6633ff;">*** </span><br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قبر صن يات صن</span><br />ـــــــــــــ<br />وكان كلامها صدقا ، إنه أعظم قبر فى العالم ، إن الرجل الذى أنشأ الصين الحديثة ، جعلوا له أعظم لحد لايمكن أن يصممه عقل بشرى .. إن قبور العظماء كثيرة فى العالم ، والأضرحة لاعداد لها وقد تكون من الرخام أو المرمر ، أو الجرانيت أو من الذهب المطعم بالأحجار الكريمة قد تكون من هذا ومثله ..<br /><br />ولكن قبر صن يات صن شىء غير هذا كله وليست فخامته لأنه من المرمر أو الذهب ، وإنما فخامته فى موقعه وفى اختيار المكان ..<br /><br />إنك تمر بالقبور ، ولاتحس بوجودها ولا تراها .. ولكن هذا القبر يجعلك تحس به وتراه ..<br /><br />إنه مقام على ربوة عالية ، وسط مناظر طبيعية خلابة .. مناظر عديمة النظير .. وأن شجر النبو المتناهى فى الجمال يزهو على الجانبين ..<br /><br />ولكى تصل إلى الضريح تصعد 392 سلما ..<br />وعرض السلم مائة متر ..<br />والقبر مقام على ارتفاع قدره 158 مترا فوق مستوى الماء ..<br />ولكى تصل إليه تصعد منحدرا من السلالم الرخامية طوله 356 مترا ..<br />وبناية الضريح غاية البساطة ، وتجد فى الداخل تمثالا من الرخام بحجم صن يات صن الطبيعى ..<br />وقد بدىء فى بناء القبر سنة 1926 وتم البناء فى 1929 وفيه يرقد الرجل ، الذى نادى بالمساواة والعدل للجميع ..<br />والذى كان يقول كل الأرض التى تحت الشمس للشعب ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">النظام فى الفندق<br /></span>ـــــــــــــــ<br />لماذا تقدمت الصين ونهضت ، وتخلصت من الأفيون ، ومن الدعارة ، ومن البلهارسيا ، ومن الذباب ، ومن القذارة ، ومن الغبار ، الذى يتطاير ، فى وجوه الركاب فى مركبات السكك الحديدية ..؟<br /><br />ولماذا تتطور بسرعة ..؟ والزائر فى سنة 1958 يرى فيها شيئا جديدا غير ما شاهده فى سنة 1957 وسنة 1956 إنها قضت على هذه الأشياء كلها بالعلم والحزم والنظام ..<br /><br />إن المقيم فى فنادق الصين يعجب للنظام الذى لاشبيه له برغم كثرة النزلاء وكثرة الوفود من مختلف أنحاء العالم احتفالا بثورة أول اكتوبر ..<br /><br />فإن آلاف الحقائب تنقل من بكين إلى شنغهاى ، وإلى كانتون ، وإلى تانكنج دون أن يحدث خطأ واحد ، ودون أن يكون للمسافر أى جهد يبذله فى نقل حقائبه من مدينة إلى مدينة ومن فندق إلى فندق ..<br /><br />يكفى أن يعرفوا أنك مسافر صباحا بالقطار ، أو بالطائرة ، وهم يتولون عنك كل شىء فى دقة عديمة النظير ..<br /><br />وفندق تانكنج يتمتع بالهدوء والجمال الساحر ، وبفتيات مكتب السياحة اللواتى يتميزن بالجمال والرقة والثقافة العالمية ..<br /><br />وكانت مرافقتى معيدة فى الجامعة ، وقد تطوعت لهذا العمل الجليل كمترجمة عندما كثرت الوفود على المدينة ، وأصبح عدد الذين يعرفون الإنجليزية لايكفى الزوار .. إنها أنيقة متأنقة فى العشرين من عمرها ، وهى تمثل فتاة الصين الحديثة ، بكل ما فيها من صحة وجمال وثقافة ..<br /><br />إنك تترك تانكنج ، وأنت تشعر بالأسف ، لأن المدينة جميلة وساحرة حقا ، ولا يشبع من حسنها زائر .. وفى ليلة السفر تضع حقائبك كلها على باب غرفتك من الخارج ، وتبقى معك فقط الحقيبة الصغيرة التى تضع فيها دفتر مذكراتك وأدوات الحلاقة ..<br /><br />وإذا فتحت الباب فى الصباح ونظرت إلى مكان الحقائب تجده خاليا ، ولاترى لها أثرا فى بهو الفندق أو فى السيارة التى توصلك إلى المطار ..<br /><br />وعندما تصل كاسكاو وتجلس فى بهو الفندق الخارجى تعطى بطاقة صغيرة عليها رقم الغرفة التى حجزت لك ..<br /><br />وعندما تصعد إليها تجد حقائبك كلها موضوعة بعناية فى داخل " الدولاب " المخصص للحقائب ..<br /><br />ولا يأخذك العجب من هذا النظام الدقيق ، لأنك ألفته فى الصين ..<br />================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت فى مجلة الجيل المصرية ـ العدد 356 فى 20/10/1958 وأعيد نشرها فى كتاب محمود البدوى " مدينة الأحلام " ـ الدار القومية للطباعة والنشر ط 1963<br /></span>=================================<br /><br />نشرت بمجلة الجيل المصرية ـ العدد 371 فى 2/2/1959<br /></span></strong></span><span style="color:#000000;"><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;"></span></strong></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;"><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">هنكاو أجمل مدينة على النهر</span><br />ــــــــــــــــــــــــــــــ<br /><br />هنكاو مدينة جميلة على نهر يانجسى أطول أنهار الصين ، وعندما تدخلها تحس بأنك تقترب من الريف ، ومن الأرض العذراء فى وادى العمالقة ..<br /><br />إن أهلها بسطاء كرماء يتجمعون حول السيارة التى تدخل مدينتهم ، كما يتجمع أبناء الريف عندنا حول أية عربة تدخل القرية وهم فى لباس شبه موحد ، ومن كل الأعمار ، ومن الجنسين . وقد شاهدوا عشرات السيارات من قبل ، ولكنهم مع هذا كله ينظرون إليك فى فضول لاتعرف سببه ، وعلى وجوههم الابتسام والوداعة ..<br /><br />وإذا دخلت المتجر انتظروك على الباب حتى تخرج إليهم ، إنهم فى رداء أزرق ملون من السترة والبنطلون ، الرجال والنساء ، ولكن النساء منهن لسن فى أناقة سكان شنغهاى ..<br /><br />إن مدينة هنكاو تضم ثلاث مدن صغيرة جميلة :هانكاو ، أوشان ، يوهانو<br />وتتمتع بموقع يجل عن الوصف ، إنها تقع على النهر ، وعلى البحيرة الشرقية وعلى تلال من الزمرد ، ويصلها كوبرى يانجسى ، وهو أعظم تصميم هندسى فى الصين الحديثة ..<br /><br />والمدينة طرازها أوربى خالص ، لاتفرقها عن أية مدينة فى وسط أوربا أو فى شرقها ، والمنازل من أربعة وخمسة طوابق ، وسقوفها محدودبة ، وتطل منها المداخن ..<br /><br />ولأول مرة ترى الشرفات الخارجة فى مدن الصين ، الشرفات المكشوفة لأن جو المدينة ليس باردا ، وفى خلال شهر نوفمبر تستطيع أن تنام ونوافذ الحجرة مفتوحة .<br /><br />إن الجو فى الخريف لايختلف عن جو القاهرة فى نوفمبر ، فقد يتساقط المطر رذاذا متصلا ثم ينقطع ، والسماء الصافية فى الصباح ما تلبث أن تتلبد بالغيوم ، وتظل مغشاة بمثل البرقع على وجه الحسناء الضاحكة ، وتتساقط بالطل فى هذا الجو الشعرى المنعش ثم ينقشع ..<br /><br />ولكن المطر لا تأثير له البته على عمل الناس ، وحركة البيع فى المتاجر فإنها تبلغ أشدها فى الساعات الأخيرة من النهار عندما يفرغ العمال من عملهم اليومى ..<br /><br />وهانكو ، وما يجاورها من مدن يشقها نهر يانجسى وهو أطول أنهار الصين طوله 500 ,5 كيلو متر ، وعرضه أكثر من 1760 مترا يشقها فى رفق ، وتتهادى مراكبه الكبيرة على الضفتين ..<br /><br />والمدينة تطل على البحيرة الشرقية وتحف بها التلال الخضراء والهضاب المكسوة بالعشب ، وشجر الكمثرى والورد ، فأينما نظرت وجدت الجمال ، فتسيح فيه وتتأمل ، كما يتأمل الشعراء والفنانون ..<br /><br />ومن خلال هذه الوقفة الحالمة تعرف أنك فى مدينة بها أجمل كلية للفنون ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">كلية الفنون</span><br />ــــــــــــــــــــــ<br />فى هذه الكلية عدد 70 طالبا فقط فى الأقسام العالية ، دخلوها بعد إتمام الدراسة المتوسطة ، ويتلقون العلم على عدد 74 أستاذا وأستاذة ، وبالكلية 180 طالبا فى الأقسام المتوسطة ، ويدخل الطالب هذه الكلية بعد تدقيق واختبار ، لأن الدولة ترغب فى اخراج فنانين حقا ، وتختار رغبة الطالب أولا ، ثم رغبة الدولة ..<br />ومدة الدراسة بالكلية خمس سنوات ..<br />ويقبل التلاميذ من سن 17 إلى 23 سنة ..<br />ويجب أن يتعلم الطلبة أنهم يعملون للشعب ، ويجب الاحتفاظ بالتقاليد الصينية القديمة ، ثم الاستفادة من فن الغرب ..<br /><br />والدراسة 5 ساعات فى اليوم ، والمدرس يعطى 20 ساعة فى الأسبوع ..<br /><br />وهؤلاء الطلبة جميعا داخلية ، يتلقون العلم فى المدرسة ، ويخرجون إلى الطبيعة وقد حبت الطبيعة مدينتهم بأجمل المناظر الطبيعية على الاطلاق ..<br /><br />وقد ظهر هذا واضحا على فنهم ومفروشاتهم ، وهم يتميزون بالوضوح وبروز الشخصية ، وعمق التعبير .. وتراهم يرسمون على البحيرة ، وعلى النهر ، وإذا عبرت النهر ترى كوبرى يوهان ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">كوبرى يوهان</span><br />ـــــــــــــــــــــــــــ<br />إن كوبرى يوهان هو أعظم بناية حديثة فى الصين قاطبة ، إنه كوبرى على ارتفاع عمارة من عشرين طابقا ، وتصور هذا الجلال وطوله 1760 مترا ، وارتفاعه عن قاع الماء 80 مترا ، وهو قائم على ثمانية بغال كبيرة ، وعرض الكوبرى من جانبه 18 مترا ، وهو مبنى من طابقين ، الطابق العلوى للعربات والسيارات والمشاة ، والسفلى للقطارات المحملة بالبضائع ، ويحتمل قطارين فى وقت واحد ذاهب ، وراجع ، بكل ما فيهما من حمولة ..<br /><br />ويمر على الكوبرى يوميا من 80 ألف إلى مائة ألف شخص ، ولارتفاعة الشاهق تمر من تحته السفن بسهولة دون أن يكون فى حاجة لأن يفتح ويغلق ، والقطر تمر عليه بعدل كل 20 دقيقة قطار ..<br /><br />وقد بدىء فى بناء الكوبرى فى سبتمبر سنة 1955 ، وتم فى سبتمبر 1957 .. وفتح فى 15 من سبتمبر سنة 1957 للمرور ..<br /><br />وتم البناء قبل الميعاد المقرر بسنة كاملة ، وهم فى زهو لهذا النصر ..<br /><br />وقد تكلف الكوبرى 000, 400، 138 ايوان " والايوان يساوى 14 قرشا " واشتغل فى البناء 12000 عامل ، وقد عاونهم الخبراء الروس فى التصميم والبناء معاونة صادقة ..<br /><br />وفى الكوبرى 4 مساكن كبيرة بالمصاعد : اثنان فى كل جانب ..<br /><br />وهذا العمل العظيم محوط بكل رعاية ، وصيانة الكوبرى ونظافته تفوق كل حد ..<br /><br />وهناك مهندس مقيم فى بنايتة ، بصفة دائمة يقدم لك الشاى فى قاعة فسيحة مؤثثة بأجمل الرياش ، ويشرح لك فى إسهاب بالغ وتفصيل دقيق كل الأشياء الفنية التى تحب أن تعرفها ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">عمل عظيم</span> </span></strong></span></div><div align="center"><span style="color:#000000;"><strong><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;">ــــــــــــــــــــــ<br />وهذا الكوبرى يعرف موقعه الآن وتاريخه كل فرد فى الصين ، كما يعرف المصريون موقع الهرم ..<br /><br />وعندما وزع مهندس الكوبرى علينا الشارة التى تحمل رسمه ، ووضعتها على صدرى ، كان كل من يراها من الصينيين فى أية مدينة أخرى يعرفها على الفور ويقول فرحا :<br />ـ آه كوبرى يوهان ..<br /><br />وفى مدينة هونج كونج ـ المدينة التى لا يزال يحتلها الإنجليز ـ كان الصينيون فى المحال يقولون لى بمجرد أن أدخل :<br />ـ أوه .. أنت قادم من يوهان ، ورأيت الكوبرى ..<br />ـ وإذا اخترت شيئا ، وسألت عن ثمنه ، قالوا لى :<br />إنه بعشرين دولارا ، ولكن لأنك قادم من يوهان ، ومن أمنا الصين سنجعله بسبعة عشر فقط ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">مبنى جمعية الصداقة الصينية الروسية</span><br />ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<br />وفى هانكاو بناء فخم ، إنه مبنى جمعية الصداقة الصينية الروسية وقد بلغ الحد فى الروعة ، ومن أعظم البنايات الحديثة جمالا وفخامة ، وبه قاعة فسيحة للرقص تسع أكثر من ثلاثة آلاف راقص ـ زوجين اثنين ـ .<br /><br />وفى قاعة المسرح بالمبنى شاهدنا رقصا شعبيا ، وفرقة أكروبات وألعابا بهلوانية رائعة من فرق صينية ..<br /><br />وكانوا يحتفلون بمرور 40 عاما على ثورة روسيا الصديقة ، ويحيون هذه الثورة بالأغانى والأناشيد الصينية ، ووقف أكثر من عشرين رجلا وامرأة من الروس على خشبة المسرح يردون على هذه التحية ، بنشيد مماثل ..<br /><br />وعاد الروس إلى مكانهم فى الصالة ، وكانوا يجلسوننا معهم فى الصف الأول ..<br /><br />ولاحظت أن الروسيات لايتأنقن فى الزى ، ولا يعنين بتجميل الوجه ، ومع أنهن سائحات وفى رحلة إلى بلد أجنبى ومن بينهن راقصات من أشهر فرق الباليه فى سيبيريا ، فكن يرتدين فساتين من كل الألوان ومنها المشجر ..<br /><br />وإذا جلست بجوارك واحدة منهن فإنك تحس بالرغبة فى محادثتها كما تحس بهذه الرغبة وأنت جالس بجوار الصينية ..<br /><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قاعة الرقص الكبرى<br /></span>ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<br />وبعد التمثيل دخلنا قاعة الرقص الكبرى ، ورأيت الفتيات الصينيات الشابات فى أجسام متقاربة ويخيل إليك أنهن جميعا فى سن واحدة ، وعلى وجوههن الصحة والنضارة يرقصن كأرشق ما ترقص النساء وهن يرتدين الزى الشعبى أو لابسات البنطلون الأزرق والبلوزة السمراء والسنجابية ، كن يراقصن الشبان الرقص الأوربى ، على أنغام الموسيقى الخفيفة الحالمة ..<br /><br />ولاحظت أنهن جميعا يرقصن هذه الرقصات الأوربية الحديثة فى براعة .. ويرقصن بقلوبهن ، ويرقصن عن شغف ورغبة ..<br /><br />وتخرج من السهرة شاعرا بالنشوة فإذا مررت على الكوبرى فى الليل رأيت السحر بعينه ..<br /><br />إن المدينة تتراقص أنوارها على صفحة الماء ، وتنعكس حبات الدر من كل الألوان ، فتتيه فى هذا الجمال ..<br /><br />والكوبرى نفسه يعكس نورا قويا حالما كأنه القمر تحيط به كل النجوم التى فى السماء ..<br /><br />فإذا بلغت الفندق رأيت الجنة على الأرض ..<br /><br />الفندق الجميل :<br />ــــــــــــــــــــــــــ<br />إن الفندق فى يوهان تملكه الحكومة ، وأقامته على شط البحيرة الشرقية كأعظم متعة للمسافر ..<br /><br />إنه من طابق واحد دائرى وصاعد على الربوة ، وشرفاته على الماء مباشرة ، وأنواره تعكس حبات الياقوت والمرجان ، على صفحة البحيرة الساكنة الغدير ..<br /><br />وفى الحجرة الواسعة المجهزة بفاخر الرياش حمام خاص " لوكس " وباب زجاجى وراءه باب آخر من السلك المضفر ، يفضى بك إلى شرفة طويلة ، تجلس فيها لتتأمل بدائع ما صنع الله ، أو تنزل منها درجات إلى الماء ، لتركب الزورق إلى الشاعر شى ين ، وشى ين مات من 2300 سنة ..<br /><br />ولكن تمثاله قائم هناك على البحيرة مباشرة وفى فضاء ، على اتساع سبعة كيلو مترات كاملة ، فتأمل أى موقع بين المروج والأزهار والماء ، والبلد الذى يحب الشعر ويخلد الشعراء ، أقام قاعة تخليدا لهذا الشاعر ، فى هذا المكان الفريد ..<br />وفى هذه القاعة مخطوطاته ، ومؤلفاته ، وتمثاله ..<br /><br />جامعة يوهان :<br />ـــــــــــــــــــــــــ<br />ومن شرفات الفندق الجميلة ترى ربوة تشرق مع شمس الصباح من خلال الضباب الخفيف ، وعلى هذه الربوة العالية تقع الجامعة ..<br /><br />إن جامعة يوهان جامعة قديمة ، أقيمت على هذه الربوة فى أجمل بقعة فى المدينة ..<br /><br />وعندما تدخلها تشعر أن الطلبة منصرفون إلى العلم حقا ، ومتفرغون بكليتهم له ..<br /><br />وفى الجامعة ثلاثة فروع رئيسية للعلوم ، والفنون ، والقانون ، وأحد عشر قسما ..<br /><br />وبها 530 مدرسا ..<br />و 3400 طالبا ..<br />والدراسة بها خمس سنوات ..<br /><br />والدراسة عملية قبل أن تكون نظرية ، فالطلبة يلحقون بالعمل فى المعامل كما أنهم يذهبون إلى الريف ، واسترعى نظرنا الأماكن المخصصة لاستذكار الطلبة ، فى جمالها ونظامها وإعدادها بكل سبل الراحة ..<br /><br />ثم ملعب الجامعة الكبير تحفه الأشجار العالية ..<br /><br />والمكتبة بها أكثر من مليونى كتاب ، وهى بناية مستقلة فخمة ..<br /><br />وعندما تركنا الجامعة ، وأخذنا نهبط المنحدر بين المروج والأزهار ، تمنيت لو أبقى هناك ساعة أخرى جالسا على العشب الندى بين الأشجار ، وبيدى " فرشاة " أرسم بها بعض هذا الجمال ..<br />====================================<br /></span></strong></span><span style="font-family:times new roman;font-size:100%;color:#000000;"><strong>نشرت بمجلة الجيل المصرية ـ العدد 371 فى 2/2/1959<br />وأعيد نشرها فى كتاب محمود البدوى " مدينة الأحلام " سنة 1963<br />====================================<br /><br /><br /><br /><br /><br /></div></strong></span>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-87429174483585569592006-12-27T10:54:00.000-08:002006-12-27T14:48:40.392-08:00البـــــاب الرابع ـ قصة القصةalyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-90984814477437012412006-12-27T10:49:00.001-08:002006-12-27T10:54:05.816-08:00ص 7 قصة القصة ـ الرنين ـ قصة محمود البدوى<div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة القصة<br />الرنين</span><br /><br />سافرت إلى " موسكو " فى صميم الشتاء ، وفى قلبى فرحة ، وفى نفسى لهفة إلى زيارة مقر العباقرة العظام دستويفسكى .. تولستوى ..<br />جوركى .. تشيكوف .. جوجول .. يوشكين .. الكسندر كوبرين .. جارشن .. هؤلاء القدامى الأفذاذ .. الذين ظلوا صامدين فى وجه كل أعاصير السياسة والتحول .. ولم يستطع أن يطمس نورهم لا قوى ولا ضعيف ..<br />هؤلاء هم الذين علموا كتاب العالم أجمع كيف تكتب القصة والرواية ..<br />وما من أحد من الأفذاذ إلا ودان لهم بالفضل .. كتبوا للحياة ومن الحياة .. وعاشت قصصهم ما دامت الحياة تجرى فى شرايين الوجود ..<br />كانت لهفتى وفرحتى لا حد لها .. وأنا أضع قدمى فى أرض المطار .. ونسيت البرودة الشديدة .. والثلج الساقط .. والشىء الرهيب الذى يجز رقبتك كحد السيف القاطع إن لم تكن قد تلفعت وغطيت الرأس والعنق والأذنين بالصوف السميك .. نسيت هذا كله لأنه بعد ساعات قليلة سأكون فى شارع غوركى .. ومنـزل تشيكوف ..<br />غوركى الذى علم نفسه وخرج من مدرسته وقلب الحياة كأعظم أستاذ وأعظم معلم ..<br />وتشيكوف الذى زار جزيرة سخالين .. ليكون قريبا جدا من نبض الحياة .. ونبض الواقع ..<br />وليكون أنبغ كاتب قصة قصيرة فى هذا العالم ..<br />كان يكتب على مائدة صغيرة فى غرفة الكشف على المرضى ..<br />وفى هذه الغرفة كان ينام أيضا .. وظل بيته فى موسكو محتفظا بكل دقائقه الصغيرة وطابعه .. كأن صاحبه لا يزال حيا ويتنفس فيه ..<br />القلم الذى كان يكتب به روائعه كما يكتب به روشتات المرضى .. ظـل موضوعا فى مكانه من المكتب .. أى حفاظ وأية رعاية .. بالخالدين ..<br />نزلت فى أكبر الفنادق بالمدينة .. وأصبح فى نظرى مدينة عامرة فهو من تسعة طوابق .. وضخامته لاحد لها .. واسمه يطابق المقاطعة التى ينتمى اليها ..<br />ولابد من ذكر كل هذه التفاصيل .. لتكون القصة أكثر وضوحا فى ذهن القارىء ..<br />أخذت الدور التاسع .. ليقع نظرى فى سهولة على أنوار المدينة فى الليل .. وعلى الثلج الساقط .. وعلى الحركة فى الشارع .. حتى إذا حبسنى البرد والثلج عن الخروج من الفندق .. أجد فى هذا المنظر المتجمع ما أتنسى به ، ويخفف عنى وحدتى ..<br />ولكن حدث ما خفف عنى وحـدتى من حيث لا أحتسب ولا أقدر ..<br />ففى منتصف الليل تماما .. وكانت الساعة الكبيرة تدق .. سمعت رنين جرس التليفون فى غرفتى .. فقمت من تحت الأغطية السميكة .. واتجهت إليه ..<br />ـ آلو ..<br />ـ آلو ..<br />ـ من المتكلم ..؟<br />ـ من المتكلم ..؟<br />كانت المتحدثة سيدة تتكلم بالإنجليزية بلهجة أجنبية واضحة .. فى نفحة صوتها .. وتردد نفس كلامى .. ولا شىء آخر .. ولا إيضاح أكثر ..<br />ـ أرجوكى .. ماذا تريدين ..؟<br />ـ أرجوكى .. ماذا تريدين ..؟<br />ـ لقد أخطأت فى رقم التليفون ..<br />ـ لقد أخطأت فى رقم التليفون ..<br />ـ أرجوكى أنا مريض ..<br />ـ أرجوكى أنا مريض ..<br />ـ لماذا هذا العبث فى الليل ..<br />ـ لماذا هذا العبث فى الليل ..<br />ـ ليس معى دولارات ..<br />ـ ليس معى دولارات ..<br />وكانت موسكو فى ذلك الوقت .. فقد فتحت أبوابها للجميع .. بعد إغلاق طويل .. ففكرت أن تكون واحدة من نزلاء الفندق .. أصبحت فى حاجة ملحة إلى شراء شىء تاقت إليه نفسها .. ولكنها لا تستطيع شراءه إلا بالدولار .. والبيع والشراء فى سوق الفندق الحرة بالدولار ..<br />وفى الليلة التالية .. وفى نفس الوقت .. سمعت رنين التليفون ..<br />فنهضت من الفراش .. وسمعت نفس الصوت يتحدث بالإنجليزية بلكنة أجنبية واضحة ويردد كلامى ..<br />تكرر هذا العبث أسبوعا بطوله .. وكان فى استطاعتى ألا أتحرك .. ولا أرفع السماعة .. ولكننى كنت أتصور أنها قد تفصح عن نفسها بعد كل هذا الغموض .. وينزلق من لسانها زلة تعرفها بشخصها ..<br />وهكذا أصبح هذا الرنين جزءا من اقامتى فى الفندق ، وطابعا من وجودى فيه ..<br />واتجهت إلى البحث عن هذه السيدة بين نزلاء الفندق بكل ما أملك من جهد .. وكان فى الطابق الذى أقيم فيه نزلاء .. من طاقم طيران يابانى ومن الهنود ومن الألمان ، وبعد أن سمعت صوتهن استبعدتهن تماما .. ومن السهل أن تكون من العاملات فى الفندق .. أو من مركز الاستقبال فيه .. ولكن معرفتها ستجرها إلى الفصل من الخدمة .. فما أشد النظام والصرامة فى موسكو وهما الطابع البارز لها ..<br />فهل جئت للسياحة والدراسة أم لقطع أرزاق الناس ..<br />ولكن كيف عرفت رقم تليفونى .. من السهل ذلك متى عرفت رقم الغرفة ..<br />تركت الأمور تجرى فى أعنتها .. وتركت التليفون يرن ..<br />ولكن حدث ما جعلنى أضيق من الحلقة التى كنت قد رسمتها حول المتحدثة ..<br />ففى كل طرقة من طرق الفندق .. عاملة تجلس إلى مكتب .. ويسلمها النزيل المفتاح .. عند خروجه ويأخذه منها عند عودته ..<br />وهذا النظام يعمل به فى كل طابق من الطوابق التسعة .. ولذا يكثر وجود هؤلاء العاملات وهن يتغـيرن ، فالتى فى الصباح غير التى فى المساء ..<br />وحدث وأنا أتسلم المفتاح فى الليل من العاملة المخصصة لطابقى .. أن وجدتها تبتسم .. وتبتسم ابتسامة خمنت أن لها معناها .. وأصبحت كلما أخذت المفتاح منها .. أرى على وجهها هذه الابتسامة ..<br />قد تكون هى .. أو أعطت رقم التليفون لنزيلة .. لمجرد العبث .. أو الترويح عن النفس فى وحدة الليل وبرده ..<br />ولكن ما جدوى هذا .. وأنا قد استبعـدت كليـة الاضرار بأى أنثى .. مهما لاقيت من عذاب وقلق ..<br />كانت الابتسامة الجميلة على ثغر الفتاة وهى تسلمنى المفتاح ..<br />وقالت برقة :<br />ـ انتظر دقيقة .. لك هدية ..<br />ـ لى أنا ..!<br />ـ نعم ..<br />وأخرجت كيسا من الورق .. فنظرت فيه فإذا بداخله " خرطوشة " سجائر .. وزجاجة فودكا .. وبعض الحلوى من الشيكولاته وغيرها ..<br />وقلت للعاملة بعد أن نظرت إلى هذه المحتويات :<br />ـ الهدية ليست لى ..!<br />ـ لماذا ..؟<br />ـ لأنى لا أدخن ..<br />ـ ولكن الذى جاء بها .. حدد رقم الغرفة .. وهى غرفتك ..<br />ـ هل ذكر اسمى ..؟<br />ـ حدد رقم الغرفة ..<br />ـ حدث خطأ .. وأنا لا أقبل هدية ليست لى ..<br />ـ وماذا أصنع الآن ..؟!<br />ـ تردينها للشخص الذى أرسلها ..<br />ـ أنا لا أعرفه .. جاء قبلك بساعة وقال هذه للغرفة .. ومضى سريعا ..<br />ـ اقبليها اذن هدية منى ..<br />ـ كيف أقبلها وأنت ترفضها .. وأنا لا أدخن مثلك ..!!<br />وضحكنا ..<br />ولما رجعت إلى القاهرة .. ظلت الصورة حية فى ذهنى .. وكتبت قصة " الرنين " ..<br />ومهما يكن وقع القصة عند القارىء ولكن كانت من القصص التى أحببتها ..<br />====================================<br />* </strong><strong><span style="color:#6633ff;">نشرت الذكريات فى مجلة القصة ـ العدد 43 ـ يناير 1985<br />* نشرت قصة " الرنين " فى مجلة الاذاعة والتليفزيون 3/4/1976 وأعيد نشرها فىكتاب " قصص من روسيا " مكتبة مصر<br />==================================</span><br />قصة الرنين منشورة على الرابط</strong></div><div align="center"><a href="http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_311.html">http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_311.html</a></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-48659716484797964952006-12-27T10:46:00.001-08:002006-12-27T10:53:33.673-08:00ص 6 قصة القصة ـ القطار الأزرق ـ قصة محمود البدوى<div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة القصة<br />القطار الأزرق<br /></span><br />سافرت إلى " كونستنزا " على باخرة رومانية قبل الحرب العالمية الثانية .. وكان الكساد والبطالة يعمان العالم .. والأسعار رخيصة فى كل مكان ..<br />وكان اقلاع السفينة من ميناء الإسكندرية .. وعلى ظهرها القليل من المصريين دون سواهم من الأجناس الأخرى ..<br />ولكن فى ميناء " بيريه " ثم بعدها ميناء " أثينا " طلع إلى ظهر السفينة ركاب جدد من كل بقاع الأرض .. فامتلأت السفينة بهم بعد فراغ ..<br />وعلى مائدة الطعام فى السفينة .. وجدت بجانبى شابا وشابة فى سن متقاربة .. ويبدوان كأخ وأخته .. ولكن بعد الحديث الذى دار على المائدة عرفت أنهما زوج وزوجة وائتلفنا وأصبحنا نقضى زمن السفر كله معا ..<br />ووجدت مع " خير الله " الزوج وهو فنلندى مسلم رواية مشهورة<br />" لأناتول فرانس " .. فزادت هوايته للأدب منى قربا .. وأصبح حديثا فى لون جميل جذاب تتخلله مشاعر الصبا ، وأحلام الجمال لكل ما نراه فى هذا العالم ..<br />وفى " استانبول " نزلنا نحن الثلاثة ، وكان " خير الله " يعرفها جيدا فوفر لنا البحث عن دليل .. وطفنا بكل ربوعها ومعالمها " ضلمة بغجة " و " كوبرى غلطة " وصلينا الظهر فى جامع " أيا صوفيا " ..<br />ووقفنا على البسفور .. وقال خير الله :<br />ـ ان من لم ير البسفور لا يرى الجنة ..<br />ويقصد بكلامه هذا جنة الأرض طبعا ، فتعالت جنة الآخرة عن كل وصف وتشبيه ..<br />وانتهت رحلة خير الله وزوجته فى " استانبول " وعدت أنا إلى السفينة وحدى لأواصل السفر إلى البحر الأسود ..<br />وحدث بعد ذلك بثلاثين سنة كاملة .. أن وجدت نفسى مع هذه الفتاة التى تركتها فى البسفور مع زوجها .. وكان اللقاء فى مصعد من مصاعد فندق " أوكرانيا " فى موسكو ..<br />وحدقت فى وجهها وحدقت .. وغفلنا عمن حولنا من ركاب المصعد ..<br />وتنبهت على صوت العاملة التى تدير المصعد وهى تقول :<br /><br />ـ الدور السادس ..<br />فخرجت .. وخرجت الفتاة معى ..<br />انها تقيم فى نفس الطابق .. يا للدنيا ..<br />وحتى لا أصاب بالخبل .. قررت عن يقين لا يداخله الشك .. أن هذه الفتاة هى ابنة صديقى القديم " خير الله " الذى التقيت به على ظهر الباخرة الرومانية منذ ثلاثين سنة ..وعمرها الذى لايجاوز الثالثة بعد العشرين يؤيد ذلك ويثبته ..<br />وفندق " أوكرانيا " ضخم كالمقاطعة المسماة باسمه .. ولذلك كنا نتناول وجباتنا فى نفس الطابق الذى نزلنا فيه ..<br />ووجدتها ساعة الافطار فى مطعم الطابق ، ولما كانت العاملة لا تعرف غير الروسية ويصعب التعامل معها بأية لغة أخرى فقد أشرت بأن تأتينى بطعام مثل الذى أمام الفتاة ..<br />وابتسمت الفتاة وهى ترى هذا .. ولما جاء دورى فى دفع الثمن ، أخرجت فى يدى روبلات كثيرة .. فتناولت الفتاة ثمن الطعام .. وردت الباقى وهى تضحك وتقول بالإنجليزية :<br />ـ هذا هو الثمن ..<br />وشكرتها.. وسررت جدا لأنها تعرف الإنجليزية .. وأصبحنا نتقابل كثيرا ، وعرفت منها أنها فى رحلة أثناء عطلة الدراسة فى الجامعة مع بعض رفيقاتها .. وأنها مسافرة بعد يومين إلى ليننجراد .. لتعود منها إلى فنلندا ..<br />ولما سمعت كلمة " فنلندا " اشتدت ضربات قلبى .. وقلت لها :<br />ـ اننى سأسافر مثلك إلى ليننجراد .. يوم الاثنين المقبل فى قطار الساعة الثامنة مساء ..<br />ـ اذن سنتقابل فى نفس القطار ..<br />ـ ستسافرين فى هذا القطار ..؟<br />ـ أجل .. ولا يوجد سواه فى الليل وهو قطار أزرق جميل ..<br />وتقابلنـا فى المحطـة .. وركبنا عربة واحدة .. ولما كانت مع رفيقاتها .. فقد تحرجت أن أدعوها لتجلس معى فى " قمرتى " ..<br />وقضينا الوقت قبل تحرك القطار .. وبعد التحرك .. وقوفا فى الطريق ننظر إلى المدن الصغيرة .. والريف الروسى .. وهو يتلألأ بألوان فى الليل .. والقطار يطوى .. ويطوى ..<br />ومرت علينا فى وقفتنا سيدة أجنبية ووزعت بطاقة وهى صامتة ..<br />وكانت البطاقة تدل على وجود " عرافة " فى العربة رقم 6 والديوان رقم 4 وهى على استعداد لخدمة المسافرين فى القطار ..<br />ونظرت إلىَّ " كريمة " وقالت مبتسمة :<br />ـ لماذا لانذهب .. انها تسلية جميلة ..<br /><br />فقلت لها :<br />ـ حقا .. انها تسلية لنذهب ..<br />ووقفنـا على باب العرافة .. وبعد النقر .. دخلنا .. وكانت وحدها .. واستقبلتنا مرحبة فى إنجليزية تشوبها لكنة الأجنبى ..<br />وسألت :<br />ـ من الذى يريد منكما .. أن يعرف طالعه ..؟<br />فردت كريمة :<br />ـ أنا ..<br />ـ ستدفعين عشرة دولارات أمريكية يا عزيزتى ..<br />وأخرجت كريمة المبلغ .. وطوته العرافة .. ثم نظرت إلى وجهى وكأنها ترانى أمامها لأول مرة .. وسألت :<br />ـ والسيد .. والد ..؟!<br />فهززت رأسى هزة يفهم منها الرفض والقبول ..<br />فقالت العرافة بحزم :<br />ـ حتى وان كنت والدها .. فإن الأمر يخصها وحدها .. ما سأقوله لها لا تحب هى أن يسمعه سواها .. وأرجو المعذرة ..<br />وخرجت وأنا أشعر بالغيظ ..<br />ولما بدأت العرافة تسـأل الفتاة عن اسمها واسم والدها .. ألصقت<br />أذنى بالباب وجمعت كل حواسى فى أذنى .. ولكن الفتاة عندما نطقت باسم والدها .. ضاع صوتها فى دوى القطار .. فلم أسمع منه حرفا ..<br />وهكذا أصبح والد الفتاة سرا يحير ككل ما يحير من أسرار فى هذه الحياة ..<br />وأصبح قطار ليننجراد الأزرق تدور فى عرباته قصة .. ليست كغيرها من القصص ..<br />ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ</strong></div><div align="center"><strong>قصة القطار الأزرق منشورة على الرابط</strong></div><div align="center"><strong><br /><a href="http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_311.html">http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_311.html</a><br /><br /><br /><br />====================================<br />* </strong><strong><span style="color:#6633ff;">نشرت قصـة القصـة فى مجلة القصة ـ العدد 45 ـ يوليو 1985<br />* نشرت قصة " القطار الأزرق " فى مجلة الثقافة ـ أكتوبر 1973 وأعيد نشرها فى كتاب " قصص من روسيا " مكتبة مصر<br /></span>====================================</strong></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-66856772428254964512006-12-27T10:44:00.000-08:002006-12-27T10:52:46.427-08:00ص 5 قصة القصة ـ الأعمى ـ قصة محمود البدوى<div align="center"><br /><strong>* يقول محمود البدوى فى مجلة القصة فى عددها رقم 41 ـ يوليو 1984<br /><br /><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة القصة<br />الأعمى</span><br /><br />اعتدت وأنا صغير أن أصلى الفجر فى مسجد الخطباء بالقرية وكان يقع فى الطرف الشمالى من حدودها وحوله البساتين وعلى إمتداد البصر المزارع ..<br /><br />وهو طيب الهواء فى الصيف والشتاء ، وفى الصيف على الأخص ، لأن أثره ولفحه يمتد فى الصعيد ..<br /><br />وفى هذا المسجد كان الكتاب الذى تعلمت فيه القراءة والكتابة ، وحفظ آيات من القرآن الكريم ، وكان المعلم من أسرة الخطيب الذى سمى باسمها المسجد ..<br /><br />وفى هذا المسجد بئر إشتهرت بمائها العذب ، فتحولت اليها نساء القرية يملأن منها جرارهن ، ويفضلن ماءها الصافى عن كل ماء ، مع أن القرية تقع على شاطئ النيل ، وينطح ماء الفيضان ( قبل عمل السد ) جدرانها وبيوتها ..<br /><br />ولكن لكل ماء عند هاتيك النسوة .. وكن يأتين إلى بئر المسجد فى صحوة الفجر ويفضلنها على عتمة الليل ..<br /><br />وكان يعمل على البئر " ملا " اسمه " سيد " مربوع الجسد كأنه صب صبا .. لا يكل ولا يمل وهو يحرك الدلو .. دون أن يراه .. إمتلأ أم خرج فارغاً .. وحسبه صوت الماء ..<br /><br />وكان جميل الصوت قويه ولهذا كان يؤذن الفجر فى المسجد .. وإذا جاءت النسوة إلى منطقة البئر فى ساعة الفجر لا يجدن سواه قائما .. فيداعبنه لأنه أعمى ومكسور الخاطر .. ويجد هو فى هذه الدعابة سلواه الوحيدة وأنيسه ، وينشط لمساعدتهن ويحمل عنهن الجرار الثقيلة إلى أن تستوى فى وضع هندسى على رؤوسهن ..<br /><br />ومن عادة الصبايا منهن اللواتى يتهن بجمالهن وصباهن ، أن يشمرن ويكشفن عن سيقانهن وخلاخيلهن ليغسلنها قبل حمل الجرار والعودة إلى البيت ..<br /><br />وأحس " سيد " بواحدة منهن تفعل ذلك كعادتها :<br />ـ عيب تشمرى وأمامك رجل يا صبية ..؟<br />ـ هو أنت شايفنى ..؟!<br />ـ شايفك يا سنية ..!<br />ـ وكمان عارف اسمى .. دا أنت داهية مسيحة ..<br />ـ عارف اسمك .. ولونك .. وطولك وعرضك ..!<br />ـ طيب لابسه إيه ..؟<br />ـ جلابيـة زرقة مطفية وفى عنقك كردان أصفر .. والطرحة مطوية ..<br />ـ أنت داهيـة وبيقولوا عليك أعمى .. هو المفتح حيشوف إيه أكثر ..<br /><br />***<br /><br />وحملت سنية جرتها بعد أن غسلت ساقيها وخلخالها ..<br /><br />وشعر " سيد " الملا على البئر بأنها فرغت من ذلك ..<br />فسألها :<br />ـ أنت مروحة ..؟<br />ـ أيوه ..<br />ـ مروح معاك ..<br />ـ خلصت ..؟!<br />ـ خلصت والنور طلع ..!<br /><br />وسارا .. والنور يشعشع .. وتخطا .. بساتين النخيل والسنط .. ودخلا فى المزارع .. وأحسا بالنسيم يداعب أوراق الذرة .. فى جانب الطريق .. واعترضهما " فحل " والفحل بلغة الصعيد قناة واسعة فى قلب الحقل ..<br /><br />وقال "سيد " " لسنية " قبل أن يعبرا " الفحل " ..<br />ـ عنك الجرة ..<br />وأنزلتها .. وأمسك بيدها وأمسكت بيده .. وشعر بريح تشتد وبعاصفة تلفه ..<br />ـ مالك ..؟!<br />ـ لا شىء ..!<br />ـ لونك تغير ..!<br />ـ قلت لك لا شىء ..<br />بعصبية ..<br />وحمل لها الجرة وعبر بها " الفحل " ..<br /><br />وعلى رأس الطريق قال لها بنبرة غريبة :<br />ـ روحى .. ياسنية وأنا راجع ..<br />ـ راجع ..؟!<br />ـ راجع للمسجد نسيت حاجة ..<br />وانصرف مهرولا دون عكاز ..<br /><br />***<br /><br />ومرت سنوات طويلة .. وأصبحت أعمل فى لاظوغلى .. وأسكن فى الحلمية الجديدة ..<br /><br />ومن لاظوغلى إلى البيت .. كنت أتخذ طريقا يبعد بى عن ميدان السيدة ..<br /><br />فأمشى من " الحنفى " .. إلى حارة قوارير .. وحوارى أخرى كثيرة ظليلة نظيفة " فى وقتها " منعشة الهواء ، تساعد على المشى والتأمل ، لهدوئها وسكون الحركة فيها ..<br /><br />ومن هذه الحوارى الظليلة أخرج إلى شارع الخليج ومنه أتجه إلى شارع قدرى والحلمية الجديدة ..<br /><br />وذات عصر وأنا أتجه إلى بيتى وأسير فى نفس الطريق سمعت مؤذنا فى جامع يؤذن لصلاة العصر .. ذكرنى صوته بصوت " سيد " الملا فى جامع القرية ..<br /><br />وأخذ ذهنى بعدها يشتعل ويعمـل بسرعة .. وتفتحت أمامى السبل .. لتكوين قصة ..<br /><br />وكلما مررت فى نفس الطريق كونت واسترجعت الصورة التى كانت لاتزال حية ، بكل نبضها وحرارتها ..<br /><br />وأكملت قصة " الأعمى " فى سبعة عشر يوما .. وشعرت بعد انجازها براحة كبرى لم أشعر بمثلها فى قصة ..<br /><br />ونشرت هذه القصة .. فى مجلة " الرسالة " لأستاذنا العظيم الزيات وفى مجلة " صوت الإسلام " .. التى كان يصدرها الأستاذ محمـد على غريب .. وفى كتاب " رجل " طبع المطبعة الرحمانية بالخرنفش ..<br /><br />وفى كتاب " الذئاب الجائعة " طبع مكتبة مصر وطبع الدار القومية للطباعة والنشر وفى " الذئاب الجائعة " فى سلسلة الكتاب الذهبى ..<br /><br />كما قامت فرقة تمثيل مدرسية ( كما قرأت فى الصحف ) إلى تحويلها إلى مسرحية ..<br /><br />ولم تلق قصة من قصصى ما لاقته هذه القصة .. من الرواج .. ولهفة القراء إلى معرفة تفاصيلها .. وأنا لا أستغرب لأنها واقعية وصادقة ..<br /><br />والعمل الصادق فى الأدب هو الذى يعيش .. كما قال الدكتور جونسون الكاتب الإنجليزى العظيم أستاذنا جميعا ..<br /><br /></strong><span style="color:#6633ff;"><strong>=================================<br />* نشرت قصة القصة فى مجلة القصة ـ العدد 41 ـ يوليو 1984<br />* نشرت قصة " الأعمى " فى مجلتى صوت الإسلام 25/8/1935 والرسالة فى تاريخى 29/6 و 6/7/1936 وأعيد نشرها فى ... و .. وفى كتاب " قصص من الصعيد " مكتبة مصر<br />=================================<br /><br /></strong><span style="color:#000000;"><strong>العمل الأدبى الأول لمحمود البدوى ونشرت القصة فى مجلة الرسالة بالعددين 156 و 157 بتاريخى 29/6 و 6/7/1936<br /></strong></span><strong><span style="font-size:180%;color:#6600cc;">الأعمى<br />قصة محمود البدوى</span><br /><br /></strong> <strong><span style="color:#000000;">تمر ترعة الكامل بقرية « س » وهى قرية صغيرة من قرى الصعيد ، فتشطرها شطرين غير متساويين ، فقد جارت على الجانب الأيسر بقدر ما أضفت على الأيمن ، فاتسع هذا واستفاض حتى أصبحت منازله وبساتينه ونخيله وأعنابه ، لا يحدها البصر ولا تحصرها العين ، واستدق ذاك واستطال حتى قامت منازله الصغيرة على شط الترعة ذليلة منكسرة واجمة ، تشكو إلى اللّه ظلم الطبيعة بعد أن شكت جور الإنسان الذى خلفها سوداء قذرة تمرح فيها الحشرات من كل لون وجنس .<br /><br /> وإذا استقبلت القرية وأنت قادم على جسرها الطويل ، بصرت أول ما تبصر بمنزل صغير من هذه المنازل بنى بالطوب الأسود ، وخط جواره بستان، ليس فيه سوى نخلتين !..<br /><br /> مالت إحداهما على الترعة ، حتى غرقت فروعها فى الماء ، وسمقت الأخرى فى الجو ، حتى ناطحت بسعفها السماء ، ولا تدر النخلتان ثمرًا الآن ، ولا يرجى منهما شىء فى المستقبل ، فقد جف عودهما وذهب شبابهما ..<br /><br /> وتقيم فى هذا المنزل منذ أكثر من تسعة أعوام أرملة فى الخمسين ، وهى امرأة دمثة الطبع ـ خلاف العجائز من مثيلاتها ـ ناحلة الجسم معروقة العظم واهية البناء ، تستريح فى بيتها معظم العام ، حتى يهل رمضان، فإذا هل ، خرجت فى الهزيع الأول من كل ليلة حاملة على ذراعها صفيحة قديمة تطوف بها على منازل القرويين ، وهى تنقر نقرًا خفيفًا ، وتتغنى بأغنية قديمة ، قل من يدرك معناها ومبناها من سكان القرية ! على أنهم كانوا يهبون من مضاجعهم عندما يصافح سمعهم إيقاعها وغناؤها ، ويبسطون موائد السحور ، وان كان الليل لم ينتصف بعد !! ..<br /><br /> وهذا العمل الضئيل لا يجلب لها فى الغالب رزق شهرين أو ثلاثة ، فكيف تقتات باقى العام ، وكيف تعيش ؟ هذا هو السؤال ! على أن الذين انحدروا من الريف ، يعرفون تمام المعرفة أن هناك الملايين من أمثالها يضعون دائما أيديهم على بطونهم ليحفظوا بذلك التوازن الاجتماعى لتخمة الأغنياء ..<br /><br /> مثل هذه الأيم السواد الأعظم من الفلاحين الذين لا يعرفون ، وخير لهم ألا يعرفوا ، أنهم أتعس المخلوقات البشرية فى الدنيا جمعاء ..<br /><br /> إنهم مخلوقات ذليلة تعسة ، لصقوا بالأرض ، حتى أكلتهم الأرض ، وأفنوا عصارة حياتهم فيها ، حتى استنفدت قوتهم واستفرغت جهدهم . ولو رأيتهم وهم عائدون من الحقول مع مغرب الشمس، والصفرة الباهتة تعلو وجوههم ، والغبار القذر يملأ أعينهم ويسد أنوفهم ، لعلمت أنهم أتعس الناس فى الناس ، وأشقى الطبقات العاملة على الاطلاق . .<br /><br /> انهم مخلوقات مريضة فقدت بهجة الحياة ونعيمها واستسلمت صاغرة للمرض والفناء . .<br /><br /> ويسكن مع هذه الأيم أعمى فى الثلاثين من عمره ، وهو شاب أسمر فارع ضليع الجسم مفتول العضل وثيق التركيب ، وهو المؤذن لمسجد القرية منذ أن شب عن الطوق وانخرط فى عداد الرجال ..<br /><br /> على أن الذى جمع بين هذه الأيم العجوز ، وهذا الأعمى الشاب ، لم يكن قرابة ولا نسابة ، وإن كان القرويون يسمون العجوز « أم سيد » وسيد هو الأعمى ، وكانت المرأة تمتعض وتهتاج لهذه التسمية فى أول الأمر ، وهى التى لا « سيد » لها ، ثم ما لبثت أن استراحت لها على مرور الزمن حتى قر هائجها وسكن ، وحتى تعمدت ألا تدفع هذا القول بما يكذبه ، وهى المتيقنة بأن الجدل فى أمثال هذه الأمور غير مجد فى الواقع ، فمن الذى يقف فى وجه التيار الجارف ، ومن الذى يمكنه أن يدفع السنة الناس الطويلة جدًا إلى حلوقها ، لا أحد على التحقيق ..<br /><br /> على أن المنزل لم يكن للعجوز والشاب فى الحقيقة ، وإنما هو لرجل ملاح يعمل فى النيل ويقضى فيه العام كله ، ولا يهبط القرية إلا زمن التحاريق ، فإذا جاء ، بات فى سفينته ، فقد ألف الرجل النيل ، ونسى منزله على توالى السنين .<br /><br /> وكان المسجد الذى يؤذن فيه الأعمى فى طرف القرية الشمالى ولكى يبلغه لابد له أن يجتاز الترعة وعليها جسر ضيق ، يجوزه المبصر وهو راجف حذر ، فكيف بالأعمى ! ثم يدور بعد ذلك فى دروب وينعطف فى منعطفات ، ويجتاز بساتين من النخيل يكثر فيها الحسك والشوك ..<br /><br /> وعلى الرغم من هذا كله ، فإن الرجل كان يبلغ المسجد وكأنه المبصر الحديد البصر، فلا يضل ولا يتباطأ فى سيره ، ولا يعتمد على حائط ، ولا يستند إلى جدار ، وشد ما تعجب لذلك وتدهش ، على أنك متى سمعت القرويين وهم يقولون أن الرجل يبصر بقلبه ذهب عنك العجب كله . .<br /><br /> وإذا طلع الفجر على القرية ، وهى غارقة فى سبات عميق ، وكل شىء فيها ساكن هاجع ، فلا نأمة ولا حركة ، اللهم إلا سامقات النخيل وهى تترنح مع النسيم الوانى ، وسيقان الزرع وهى تتمايل مع الريح الرخاء ، طلع الأعمى إلى سطح المسجد ، وانطلق يؤذن فى صوت حلو النبرات عذب الرنين ، ينفذ إلى كل قلب ، ويهفو إلى كل أذن ، ومن الذى يسمعه وهو يقول :<br /><br />حى على الصلاة<br /><br /> فيتأخر بعد ذلك عن الصلاة .. لقد كان صوته لينًا شجيًا يرن فى سكون الليل رنين اللحن العذب الأخاذ ، فيهب له القرويون من مضاجعهم ، ويخفون إلى المسجد خاشعين صامتين . .<br /><br /> وكان الرجل محبوبًا من أهل القرية جميعًا إلا النساء والأطفال ..<br /><br /> أما النساء فيكرهنه لأنه يزجرهن عن بئر المسجد ، ويمنعهن من ملىء الجرار منها بقسوة وغلظة ، حتى ينقلب صوته الحنون عند محادثتهن إلى صوت أجش خشن مرعب أحيانًا ! والقرية لا تستغنى عادة عن ماء البئر خصوصًا زمن الفيضان ، عندما يصبح الماء عكرًا نصفه طين .. وكم تغفلنه مرارًا ، وهو الأعمى ، وهن النجل العيون ..<br /><br /> على أن سمعه المرهف دائمًا كان يغيظهن أشد الغيظ !! فإذا أدلت إحداهن الدلو فى البئر وحركت « الحبيذ » ( البكرة ) وهو خشبى يحتاج للسقى بالزيت ليحبس صوته فى جوفه ، صر هذا ..<br /><br /> فيمد الأعمى قامته ويقول بصوت جاف :<br /> ـ مين ..؟<br /><br /> فيتركن الدلو والجرار ويرحن يقعقعن الحلى ، ويطرن على وجوههن هاربات ، وقد تقع احداهن على وجهها ، فتخوض فيها الأخرى من فرط الرعب ، ويقمن وجلات مذعورات ضاحكات أيضا ، على أن هذا لم ييئسهن من البئر اليأس كله ، فهن يعلمن أنه يتروح بعد العشاء ، فإذا بصرن به خارجا من المسجد انطلقن إلى البئر وهن راجفات أيضا ، فشد ما كانت تخيفهن عصاته الغليظة وإن كانت لم تصافح احداهن حتى الآن ..<br /><br /> ومن هنا نشأت العداوة بينه وبينهن واشتدت مع الزمن وتمكنت على الأيام . .<br /><br /> أما الأطفال فكانوا كلما بصروا به على الجسر ، وهو فى طريقه إلى منزله ، تقوده عصاته ، وصدره إلى الأمام ، وسمعه مرهف ، ورأسه مستو ، وقامته منتصبة ، وخطواته ثابتة متزنة ، جروا وراءه يسبونه ، وقد يحصبونه بالحصى أو يرمونه بالحجارة ، وهو صامت باسم لا يلتفت إليهم ولا يكلم أحدا منهم ، حتى يقرب من بيته ، وهنا يطلع عليهم كلب للجيران أسود ضخم يربض دائمًا على الجسر ، فينطلق وراءهم حتى يشردهم فى الدروب . .<br /><br /> وشد ما غاظ هذا الكلب الأطفال ، حتى تسمعهم يهمسون خوفا من أن يسمعهم الكلب :<br /> ـ لولا هذا الكلب ابن الكلب .. لكان الأعمى ..<br /><br /> وإن كانوا يقررون بينهم وبين أنفسهم أنه قلما كانت تصيب الرجل حصاة واحدة من كل ما يرمونه به من حصى وحجر . .<br /><br /> ولم يكن لهذه العداوة سبب ظاهر فى الحقيقة ، اللهم إلا الطبع الشرير الذى ينزع بالأطفال إلى السوء ، ويحبب لهم أذى الضعفاء من الناس .<br /><br />***<br /><br /> تأخر الأعمى مرة فى المسجد حتى زحف الليل ، وتكاثف الظلام واشتد ، فسمع وهو راقد فى ركن من اركان المسجد صوت الدلو فى البئر ..<br /><br /> فاستوى على قدميه ، ومشى على أطراف أصابعه كاتمًا أنفاسه ، وصدره يضطرب ، وجسمه كله يهتز ، حتى جاز صحن المسجد وتيامن إلى البئر ، وقلبه واجف..<br /><br /> وكان قد خفت صوت الدلو ، ووضح صوت « الحبيذ » فقال لنفسه ، لابد أن امرأة تجذب الدلو الآن وهى مشتغلة به فلا تسمع خطوات قادم .. ووقف برهة ثم صاح بصوت خشن :<br /> ـ مين .. ؟<br /><br /> فاستدارت المرأه وحملقت فى الظلام .. أواه .. إنه سيد الأعمى على مدى ذراعين منها ، ورمت الدلو وأذهلها الموقف المرعب عن إبداء حركة ما ، فوقفت فاغرة فاها ، ثم أسعفتها غريزة الهرب بعد ثوان ، فولت هاربة ..<br /><br /> فسمع وقع أقدامها فجرى وراءها ، وسمعه إلى خطاها ، وجرت حتى جاوزت المسجد ، وبودها لو تصيح بأعلى صوتها ، ولكن من أين لها القوة على ذلك ..؟ وكيف يطاوعها الصوت .. ؟ وعثرت قدمها بحجر فى الطريق ، فكبت على وجهها مذعورة ، وأنت عند ذلك أنة قوية ..<br /><br /> فجرى على الصوت وأهوى بيده العمياء ولمس كتفها ، وكان قد بلغ منه الجهد فوقف يلهث ويده ممسكة بكتفها ، ثم أنزل يده حتى قبض بعنف على رسغها ، وقامت المرأة متراجعة ، تود لو تفلت منه بكل ما تستطيع من قوة ، ولكنه ضغط على يدها بشدة ، وتحسس بيده الأخرى وجهها وقال فى صوت متزن :<br /> ـ جميلة ... ؟<br /> ـ ..........<br /><br /> ووقفت المرأة صامتة تهتز وترجف<br /> ـ لم لا تنادينى لأملأ لك الجرة .. ؟ <br />وقد رق صوته جدًا ، فدهشت من تطور حاله وصمتت ..<br /> ـ لماذا .. ؟<br /><br /> فشجعها صوته اللين وأجابت :<br /> ـ إنك لا تسمح لأحد بالدنو من البئر .. فكيف أناديك .. ؟<br /> ـ ليس لواحدة أو اثنتين .. وإنما عندما تجئن بالعشرات فتقطعن الحبل ، وتمزقن الدلو ، وتهشمن خشب الحبيذ .. فى البلد أكثر من أربع آبار قريبة ، فلماذا تجئن إلى هنا دائمًا .. ؟<br /> ـ لأن هذه أعذبها ماء ..<br /> ـ هذا الماء العذب كثيرًا ما ينزح ..<br /> ـ النيل فى فيضانه والماء كثير ..<br /> ـ أجل ... أ .. أ .. ولكن ... أملأت الجرة .. ؟<br /> ـ نصفها ..<br /> ـ سأ كملها لك ..<br /><br /> وانقلب إلى البئر ، فمشت وراءه مطمئنة ، وأدلى الدلو وهو يحس بعض الاضطراب ، فأخذ يدير الحبيذ بسرعة ليملأ لها الجرة ويصرفها عنه ، ويبعدها عن وحدته وسكونه .<br /><br /> وقال وهو يفرغ الدلو بصوت خافت لين المخارج :<br /> ـ إذا جئت مرة أخرى .. نادينى لأملأها لك . .<br /> ـ كتر خيرك . .<br /><br /> وساعدها على حمل الجرة ، وانطلقت بها إلى بيتها ، ووقف ينصت إلى هزيز الريح القوية فى الحقل البعيد ..<br /><br />***<br /> <br /> وأخذت جميلة بعد هذه الليلة تتردد على البئر دون خوف أو وجل ، كانت تجىء فى كل يوم مرة ، عند مطلع الفجر أو بعد آذان العشاء ، لأن زوجها لا يسمح لها بالسير فى طريق القرية إلا بعد أن ينام الناس ، وتنقطع الرجل ..<br /><br /> فهى فتاة فى رونق صباها رائعة الحسن غضة العود وزوجها يخشى عليها العين ! .. ولا يحب لها ملاقاة شبان القرية الذين يقفون على رأس الطريق فى ساعات معينة من النهار .. !<br /><br /> وكانت تقابل سيد الأعمى فى غالب الأوقات التى ترد فيها البئر ، وكثيرًا ما أترع لها الجرة ، وأعانها على حملها ، أو ملأ لها الحوض الصغير الذى على يمين البئر لتغسل وجهها ورجليها قبل ذهابها إلى بيتها ، وكانت تطوى كميها إلى مرفقيها ، وتحسر شالها عن شعرها ، وترفع ثوبها إلى ساقيها وهى منحنية على الحوض تغتسل .. كانت تفعل ذلك ، دون خجل أو حياء لأن سيدًا أعمى ..<br /><br /> واستراح سيد على مرور الأيام لمحضرها حتى أصبح يشعر فى الأيام التى تتخلف فيها بالانقباض والوحشة ، كان يحس ، من أعماق نفسه ، أن شيئًا ينقصه .. شيئًا يستريح معه ، وينشرح له صدره ، وتنتشى حواسه ، وتهدأ ثائرة أعصابه . .<br /><br /> وكانت جميلة تدفعها غريزتها أول الأمر إلى الخوف منه واتقاء شره كرجل ، بصرف النظر عن كونه أعمى ، ولكنها ما لبثت ـ بعد الانفراد معه مرة ومرات ـ أن استراحت واطمأنت ووثقت من عفته وخلقه ، حتى كانت تخرج معه إلى حد المداعبة ، كأن تخفى عكازه ، أو تخلع الدلو ، أو تقطع الحبل ، أو ترشه بالماء ، وكان يضحك لهذا حتى يرقص قلبه ، ويلوح لها بعصاته مهددا ..<br /><br /> على أن هذا التآلف الذى أصبح بين سيد وجميلة ، لم يشجع غيرها من النساء على القرب من البئر ، لأنهن كن لا يعلمن بتغير حاله ، وإن علمن لا يصدقن ..<br /><br /> ولم يكن هو يزجرهن عن البئر ، ويمنعهن من ملىء الجرار منها ، لأنه كان يخاف على الماء قط ، بل لأن شيئًا خفيا فى أعماق نفسه ، كان يدفعه إلى النفور منهن وإبعادهن عن جوه .. دافع باطنى عجيب كان يخرجه عن هدوئه وسكونه ، عندما يسمعهن يتحدثن على الماء أعذب حديث وأرقه ، كان يرجف له ويضطرب ، وهو الرجل وهن النساء .. شعور باطنى غريب كان يحمله على فعل ذلك ولم يستطع تحليله ولا تعليله ، وهو الجاهل الذى لم يذهب إلى المدرسة ولم يدرس علم النفس ..<br /><br /> لقد قضى الرجل حياته بعيدًا عن جو المرأة فأخرجها عن دائرة تفكيره ، بعد أن خرجت عن دائرة وجوده ، ولم يعد يفكر فيها مطلقا ..<br /> ولم يعد يفكر فيها ولا يحن إلى لقياها ولا يستريح لرفقتها ..<br /><br /> وكان يتضايق حتى من وجود أم سيد معه فى منزل واحد .. وإن كان ينام بعيدا عنها ، ولا يلاقيها إلا نادرا ـ غالبا فى الأوقات التى كان يرجع فيها إلى البيت مبكرا ليتعشى ـ فكان يتذمر ويضطرب لمحضرها ، وإن كان يعدها أما ..<br /><br /> كان يرجف لوجودها معه ويحس بروحه تثور ، لأنه ما كان يحب أن يتصورها جالسة أمامه ترقبه وهو يمضغ الطعام ، ويقطع الخبز بأسنانه . وكان لا يعود لهدوئه وسكونه إلا بعد أن يتنفس الصعداء فى قاعته ..<br /><br /> ولما اعترضت جميلة طريقه ، أول مرة ، كان يحمل معه عصاته ليضربها ، ولكنه لما سمع صوتها عن قرب ، ووقف عند رأسها ، وأمسك بيده رسغها ، وصافحته أنفاسها ، تراجع وأيقن أنه أمام مخلوق لا يستحق الضرب ..!<br /><br /> وأخذ بعد ذلك يترقب حضورها ، ويتأخر فى المسجد عامدا ليعينها على حمل الجرة ، ويملأ أذنيه من صوتها .<br /><br />***<br /><br /> بقى الأعمى فى المسجد بعد أن فرغ المصلون من صلاة العشاء بساعة ، ثم مشى إلى جانب المنبر فتناول عصاته وأم الباب ، ولما بلغ عتبته سمع صوت الدلو فى البئر ، فنصب قامته وأرهف سمعه ..<br /><br /> لقد جاءت جميلة على عادتها ، ولكنها متأخرة قليلا هذه الليلة ، واستمر واقفا وسمعه إلى الماء المتقاطر من الدلو كدفعات المطر غب سحاب ورعد ؛ ثم أنقطع صوت الماء ، فادرك أنها ملأت الجرة ، فدفع الباب وخرج ، ومضى تحت جدار المسجد خطوات .. ثم توقف عن سيره وأخذ يفكر .. ثم ارتد إلى حيث كان ، حاثا الخطى كأنما يسوقه سائق .. وعطف على البئر ، وقلبه شديد الخفقان . .<br /> ـ جميلة ..<br /> ـ نعم ..<br /> ـ أملأت الجرة ..؟<br /> ـ أجل ! ..<br /> ـ وذاهبة إلى البيت ؟<br /> ـ أجل . .<br /><br /> وكانت الجرة على رأسها ، وقد تهيأت للسير ، فاستدارت ووقفت ..<br /><br /> ومد عنقه وقال :<br /> ـ سأروح معك من غرب البلد .. لأن كلاب الشيخ عبد الكريم عادت من العزبة .. وهى تقطع على الطريق ..<br /> ـ هيا ..<br /><br /> ومشيا صامتين ، والليل ساكن والقرية نائمة ، والظلام مخيم ، حتى أحس بأنفاسه خلصت ، فأدرك أنهما خرجا إلى الخلاء . وبعد خطوات سمع حفيف الريح فى عيدان الذرة فأيقن أنهما قربا من الحقول ..<br /><br /> وسأل وقلبه يرجف :<br /> ـ أوصلنا بستان الشيخ حسين .. ؟ <br /> ـ قربنا ..<br /><br /> ولم يكن ألف هذه الطريق ، وإن كان يعرف أن هناك قناة صغيرة تمتد بين البستان وحقل الذرة وعليهما أن يعبراها لينحدرا منها إلى جنوب القرية ، ثم إلى حيهما ..<br /><br /> وكان منذ أن غادر البئر ، واقعا تحت تأثير خواطر عاصفة ، اشتعل لها رأسه ، وجاش صدره ، فكان يتخلف عنها قليلا ويجعلها تتقدمه خطوات ..<br /><br /> فهذه هى المرة الأولى الذى ينفرد فيها مع امرأة فى ظلام الليل وسكونه ، على أن تخلفه عنها لم يخفف من حاله ، بل على العكس من ذلك ، كان يفسح المجال لوضوح رغباته وتركزها وأخذها السبيل عليه ..<br /><br /> فمضى وراءها والاضطراب يعصف بقلبه وصدره وكيانه ، حتى وصلا القناة فدفع لها عصاه ، ونزل وراءها فى الماء ، وغاصت أقدامهما فى الوحل ، وخرج ينفض رجليه فى العشب الممتد على حافة الحقل ..<br /><br /> وأنزلت هى جرتها وانحنت على الماء تغسل رجليها ، ثم انتصبت تصلح ثوبها ، وهو واقف خلفها يفتح رئتيه وصدره لهواء المساء العليل ، ويحاول أن ينحى عن رأسه الخواطر العاصفة التى ألهبت أليافه وهيمنت على كيانه ..<br /><br /> وواجهته وقالت بصوت ناعم :<br /> ـ ناولنى ..<br /><br /> فمد يده إلى الجرة .. فلمست يدها ، فكأنما لامسه لهب كاو ، فوقف ويده تلاصق يدها ..<br /><br /> ثم أمسك بيدها ورفعها عن الجرة ، حتى استطاع أن يقبض عليها بقوة ، فمدت وجهها مشدوهة وقالت وصوتها يرتعش :<br /> ـ ناولنى ..<br /><br /> فرفع يده إلى ذراعها وضغط ، وقد أحس بألياف لحمه تلتهب ..<br /> ـ نـ ... ناولنى .. !<br /><br /> فأبقى يده ضاغطة على ذراعها ، وهو واقف يتردد ..<br /> ـ ما الذى تريده منى .. ؟<br />فلم يقل شيئًا .. ثم مال عليها وضمها إلى صدره وضغط على جسمها فتراخى ، وحملها على ذراعيه بسرعة ودخل بها حقل الذرة ..<br /><br />***<br /><br /> مشت جميلة إلى بيتها خائرة القوى ، مرضوضة الجسم ، ذاهبة اللب ، وقد اسود فى نظرها الوجود ، واحلولكت الدنيا ..<br /><br /> مشت ذاهلة ساهمة لا تحس بشىء مما حولها ولا تعرف إلى أين هى ذاهبة .. على أن رجليها كانتا تقودانها، بحكم العادة ، إلى بيتها ..<br /><br /> مشت تحملق فى الظلام ، وهى والهة مرتاعة ترى بعد كل خطوة شبحًا ، وتتصور عند كل قدم حفرة ..<br /><br /> لقد فعلتها.. مع من .. ؟ مع سيد الأعمى .. لقد ساقتها قوة أزلية إلى الهاوية ، لقد حملها المقدور الحتم إلى الوحل .. لقد جرفها التيار ، فغاصت فى الوحل إلى ساقيها..<br /><br /> إننا نسير فى الطريق مسوقين بقوة أعلى منا وأقوى ، قوة جارفة لا نستطيع ردها ، ولا نقوى على دفعها ، تسوقنا فى الظلام إلى المصير الحتم ..<br /><br /> لقد غدت جميلة ، فتاة الريف العفيفة الطاهرة ، المرأة الدنسة القذرة التى غاصت بقدميها فى الوحل .. سيظل الوحل عالقًا بها دائمًا ، وإن غسلت رجليها صباح كل يوم ومسائه ، سيظل الوحل عالقًا بها أبدًا ..<br /><br /> ستذكر دائمًا أن قوة خفية ساقتها ، بمحض إرادتها ، إلى الوحل ، قوة أعلى منها لا تستطيع فهمها ولا تحاول فهمها ولا تعليلها ..<br /><br /> هذه القوة الخفية الأزلية تعمل دائمًا من وراء الحجب ، تعمل أبدًا من وراء الغيب ، وتسوقنا إلى المصير المحتوم ..<br /><br /> ستذكر جميلة ، الفتاة الريفية الجميلة المزهوة ، أن قوة خفية ساقتها إلى البئر ، لتقودها إلى الأعمى ، ولتجرفها إلى الحقل . .<br /><br /> لا لذه ولا متعة ، ولا إحساس بشىء من هذا كله ، ولكنها استسلمت ورضيت ، لأنه حكم عليها بأن تستسلم وترضى . .<br /><br /> لا إحساس بنشوة ولا شعور بمتعة ، وإنما مر كل شىء كالعاصفة الهوجاء وهى تلف كل شىء لفًا ..<br /><br /> لما فتحت عينيها على الدنيا الرحيبة الباسمة ، من قبل ، كان كل شىء قد تغير ، كل شىء قد تغضن وأربد وعلته غشاوات ، ولفه السواد فى جلبابه ، وطوته العاصفة الرعناء فى طياتها ، كل شىء قد انمحى من باصرتها ومات وذهب مع العاصفة ، وبقيت ظلمات يأخذ بعضها برقاب بعض .. وعليها أن تسير فى جوف الظلام وتمضى ..<br /><br /> ستطلع شمس الصباح الجميلة على القرية الوادعة ، وستقابل القرويات ، وستتحدث وتبتسم وتضحك ولكن بأى وجه .. ؟ وأى لسان .. ؟؟ وستقابل الزوج ، عندما يطلع النور ستواجه زوجها وتقف أمامه ، ولكنه لن يعرف شيئًا ولن تعرف النسوة شيئًا ، ولكنها مع هذا ستشعر بالخجل وتغض الطرف وتنكس الرأس ، وهى الجميلة المزهوة التى تعلو على أقرانها ولداتها .<br /><br /> ستسير فى القرية مطأطئة الرأس ، خافضة الطرف ، لا تستطيع أن تقابل نظرة امرأة بمثلها .. ستفعل ذلك ما دام الإحساس بالجريمة يلازمها ، وإذا ما بارحها هذا الإحساس ستنسى ، ولكنها لن تستطيع أن تنسى كل شىء ..<br /><br /> ستذكر دائمًا أنها فعلت ذلك بمحض إرادتها ، وكان عليها أن تقاوم ، وتمزق الثوب وتشق الجيب وتملأ الدنيا صياحًا .. إنها لم تأخذ شيئًا ، لم تأخذ شيئًا مطلقًا ، وأخذ الرجل كل شىء ..<br /><br /> ولن تذهب إلى البئر بعد اليوم ، لا فى الصباح الباكر ، ولا فى الليل الزاحف ، لا وحيدة ولا برفقة أحد ، كل ما توده الآن هو أن تنسى ، هو أن تحاول أن تنسى ..<br /><br /> كل شىء فى الحياه يتغير فى ساعة ، يتغير فى ساعة أزلية مسطورة فى صفحة حياتنا .. لقد غدت الفتاة المشرقة الضاحكة الناضرة ، المرأة المشوهة المنكسرة الواجمة .. بعد ساعة مرت كالعاصفة ..<br /><br /> فتاة الريف لا تزال بخلقها البكر ، لا يزال ضميرها حيا ، لم تخدره بهارج المدينة الكاذبة ، إنها لا تزال ترى الأشياء على حقيقتها .. لا تزال بطبعها البكر ، طاهرة نقية ، قوية الإيمان عفيفة الأزار .. تستهول الجريمة الجنسية ، وتستفظع الخيانة الزوجية ، وترجف حتى من مجرد التفكير فيها .. هكذا شعورها بفطرته ..<br /><br /> تعرف من غير معلم ولا مدرسة أنها خلقت لرجل واحد ليس إلا ..<br /><br /> رجل واحد يأخذ منها قلبها وجسمها ، ويستغرق تفكيرها ووجودها ، وتدفعها فطرتها على أن تكون له أبدا ..<br /><br /> أما إذا زلت قدمها ، وجرفها التيار إلى الوحل مرة ! فما الذى تفعله .. ؟ تحاول بكل ما تستطيع من قوة أن تنسى ... لأنها لو ذكرت ، ربما عاودتها مع الذكرى أشياء لا تحبها ، ولا تود التفكير فيها ..<br /><br /> ولما أشرفت على الجسر الذى ستنحدر منه إلى حيها راعها نباح الكلاب الشديد ، إنها لم تنبح بمثل هذه الشدة مطلقا ، إنها تطارد فى ظلام الليل أشباحا مخيفة تروعها ، وأحست بوخز الابر فى جسمها ، أخذ جسمها يرتعش ، ومع الرعشة برودة الثلج ..<br /><br /> فمالت إلى جدار قائم فى الطريق واعتمدت عليه دقائق .. ولما رجعت لها بعض قوتها استأنفت سيرها ، وتقدمت تسحب رجليها سحبا ، وقد آب لها بعض حسها ، على أن جسمها كان يشوكه مثل الشوك دائما ..<br /><br /> وأخذت عينها الترعة ، وماؤها يتدافع ويجرى .. وقد تراقصت الصور فى مخيلتها واختلطت ، بعد خطوات ستصل المنزل وتلاقى زوجها ..<br /><br /> وحدقت فى الماء وهو يجرى متدفقا منطلقا كالسهم ، لا شىء يقف فى طريقه ، يجرف معه دقيق الحصى والتراب ، ويحمل على متنه خفيف الريش ، لقد حملها التيار ، إلى أين ذاهبة ..؟ إلى أين ذاهبة .. ؟<br /><br /> ما الذى سيحدث لو علم زوجها .. ؟ سيذبحها كما تذبح الفروج .. ليس أيسر على الريفى من ذلك فى سبيل عرضه وشرفه ، وهو ثروته الباقية على الأيام ..<br /><br /> ماذا يحدث لو علم لداتها .. ؟ ، ما الذى سيحدث لو علم أقرانها اللاتى تزهو عليهن بجمالها وتشمخ .. سيمزقنها بألسنتهن وستغدو حديثهن فى كل سمر ، ومتعتهن فى كل مجلس ..<br /><br /> ما الذى سيحدث لو علم أهلها .. ؟ أخوها أقوى شباب القرية سيدفنها حية ، كما دفنت ناعسة ومبروكة وعزيزة ، من فتيات القرية اللواتى حامت حولهن الشبهات ، وعفى عليهن الآن ذيل النسيان ، فلا يستطيع أحد أن يذكرهن لأن فى الذكرى جريمة .. حتى ذكراهن عند القروى جريمة ..<br /><br /> ونزلت من الجسر إلى الدرب الذى فى نهايته منزلها ، ومشت مستريحة إلى الظلام المتكاثف ، كل ما توده الآن هو أن تسير فى جوف الظلام متقية به أعين الناس .. لقد مشت على الجسر راجفة مروعة تخاف أن يبصرها خفير الدرك ، ولكنها الآن فى جوف الظلام آمن وأسلم ..<br /><br /> وتقدمت فى الدرب متخاذلة متثاقلة تحس الأرض تنشق تحتها ، تصعد أكوام الرماد الملقاة عند أبواب المنازل وتهبط معها ، وهى تتصور أنها ترقى تل الصحراء .. ولما بلغت باب البيت وقفت لحظات .. ثم تجاسرت ودفعته ..<br /><br /> وكان زوجها نائمًا على السطح فانتبه على حركة الباب ، وصاح بصوت جاف :<br /> ـ تأخرت ياجميلة ..<br /><br /> وكان صوت زوجها يرعد . أواه ظنته نائمًا فإذا بعينه ساهرة .. فلم تجب ، وغضت رأسها ووقفت فى صحن البيت جامدة .. ولو بصر بها زوجها لرأى أغرب صورة .. ولم ينتظر جوابها فصمت ، ثم قال بعد مدة :<br /> ـ اسقى البقرة واعلفيها ..<br /><br /> ومضت فترة قصيرة سمع بعدها بكاء عاليا فسأل بغضب وقسوة ، فأسخف ما فى نظر القروى بكاء امرأة :<br /> ـ ما الذى جرى .. ؟<br /> فلم ترد .. وزاد نحيبها ..<br /> ـ ما الذى جرى ..؟<br /><br /> وانتصب وأطل على صحن البيت ..<br /> ـ ما الذى جرى ..؟ <br /> ـ الجـ .. الجر ... الجرة .. آه .. اهىء ..<br /> ـ كسرت .. ؟ <br /> ـ أجل .. آه .. اهىء ..<br /> ـ وهى تستحق كل هذا البكاء ؟ .. كفى .. ! <br /> ـ آه .. اهىء .. آه ..<br /> بصوت راعد<br /> ـ كفى ..<br /><br /> فحبست زفراتها وغيضت عبراتها ودفنت وجهها فى حجرها ..<br /><br /> ونام الزوج وشخر .. !<br /><br />***<br /><br /> زحف الأعمى إلى المسجد قبل الفجر وهو متخاذل الجسم متسعر الجمجمة ، وكانت قد ساورته فى الليلة التى خلت حمى شديدة تصبب لها عرق يملأ القرب ، وبات ليلته يتقلب على مثل الشوك ، ويود من فرط الحمى المتأججة فى جسمه من يقذف به إلى اليم .. بيد أنه تحامل على نفسه لما لاح النور ومشى إلى المسجد متوكئا على عصاه ، فما من الأذان بد . أجل ما من الأذان بد ، كيف يغفل عن آذان الفجر .. !<br /><br /> وصعد إلى سطح المسجد ووقف ناصبا قامته مادًا عنقه ، ويده على الساعة يتحسس بها العقرب ، حتى حان وقت الفجر فوضع يده عند أذنه وانطلق..!! ولكن ما هذا ؟ ما الذى جرى .. ؟<br /><br /> لقد اختنق صوته واحتبس ، وأصبحت الحروف تخرج من حنجرته مصفرة عاوية عواء الذئب .. ما الذى حدث ؟ ما الذى جرى .. ؟ حاول مرة ثانية فأخفق .. وتمهل لحظة ، وحاول مرة ثالثة ، فأخفق أيضا ..<br /><br /> وهبط إلى صحن المسجد ، وهو يهتز اهتزاز القصبة الجوفاء فى مهب الريح العاصف ، وتقدم حتى وقف على رأس رجل نائم ..<br /> ـ شيخ على .. شيخ على .. <br /> ـ نعم ..<br /> ـ قم لتؤذن الفجر .. فصوتى لا يطاوعنى اليوم .. أصابنى البارحة برد شديد ..<br /><br /> وبارح المسجد قبل مطلع الشمس ، وسار على الجسر حتى بلغ الحقول المجاورة ، وكان قد نال منه التعب ، وبلغ منه الجهد ..<br /><br /> فاستراح تحت شجرة من شجر السنط ، وضربه هواء الصباح على أذنه فنام حتى القيلولة ، وقام وقد حميت الشمس وتوقدت الهاجرة ، وانقلب الهواء راكدًا خانقًا يلفح الوجوه بوهج السعير ..<br /><br /> واستوى على قدميه وأمسك بعصاه واتجه إلى القرية ، وكل شىء فيها ساكن وادع إلا الأطفال ، الذين لا يقيمون للجو وزنًا ولا يبالون بحر أو برد ..<br /> ـ أحمد ! .. سيد الأعمى <br /> ـ صحيح ..؟ ..<br /> ـ والنبى ..<br /><br /> وتجمع الصبية على الجسر ، ووقفوا صامتين وعلى شفاههم بسمات خفيفة ، حتى جاوزهم الأعمى ، وهو يسير سيره المألوف ..<br /><br /> ولما بعد عنهم قليلا ، رماه أصغرهم بحصاة استقرت عند صدغه .. ما هذا .. ؟ لقد أصابته للمرة الأولى أول رمية من أصغر صبى ، ما الذى جرى .. ؟ وانهالوا عليه بعد ذلك يدا واحدة ، حتى أمطروه وابلا من الحصى والحجارة ..<br /><br /> فاستدار لهم الرجل ، وقد تميز غيظًا ، ولوح بعصاه يهدد ويتوعد ، فتفرقوا عنه واستأنف سيره بعد برهة قليلة ، واستأنفوا هم بدورهم حصاهم وحجارتهم ، فما أقل الصبر عند الأطفال ، وأصابه حجر فى الجانب الأيسر من صدغه فشجه وسال الدم .. وآلمه الجرح جدًا حتى خرج به عن رشده ، فدار على عقبيه وجرى وراء الصبية يضرب بعصاه يمينًا وشمالا ، ولا يبالى أين تقع وتصيب ، وهو مخبول تمامًا ، حتى أصابت ضربة قوية صبيًا فى رأسه فجرحته جرحًا بليغًا ، ونزا دمه الأحمر فلطخ وجهه ..<br /><br /> وكان الكلب رابضًا على الجسر فى ظل جدار لمنزل خرب .. وعينه إلى المعركة التى حميت واشتدت ، فقام ينفض جسمه نفض الليث ، وتوثب وثبات جامحة ، ثم دار دورات سريعة يقذف فى خلالها الهواء بغبار رجليه ، ثم انقض على الرجل فمزق الجزء الأمامى من ثوبه .. ! وطار به .. والصبية تبصر هذا ولا تكاد تصدق ..<br /><br /> وشجعهم الكلب على معاودة الكرة على الرجل فانهالوا عليه ، وقد حموا ونشطوا ، يرجمونه بالحصى والحجارة ، حتى انطلق الرجل يسابق الريح .. وما زالوا يتبعونه حتى أجلوه عن القرية ، ولما كلت سواعدهم رجعوا إلى القرية ضاحكين .. وانطلق هو يجرى كالمخبول لا يلوى على شىء ..<br /><br />***<br /> وبصر القرويون فى صباح اليوم التالى وهم فى الطريق إلى سوق « المركز » بحثة ملقاة على قارعة الطريق ، ومنهم من قال أنها لسيد الأعمى ، ومنهم من أنكر ذلك ..<br /><br /> على أن الذى نحن على يقين منه أن الرجل لم يدخل مسجد القرية بعد ذلك .. أبدأ<br /></span><br />================================= <br />العمل الأدبى الأول لمحمود البدوى وقد نشرت القصة فى مجلة الرسالة بعدديها رقمى 156 و 157 بتاريخى 29/6 و 6/7/1936وأعيد نشرها بمجموعة قصص الذئاب الجائعة 1944 وبمجموعة " قصص من الصعيد " 2002 من تقديم على عبد اللطيف و ليلى محمود البدوى ـ مكتبة مصر<br />=================================<br /><br /></strong> </span></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-20625298809947453512006-12-27T10:43:00.000-08:002006-12-27T10:44:02.093-08:00ص 4 قصة القصة ـ الأعسر ـ قصة محمود البدوى<div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة القصة<br />الأعسر</span><br /><br />سافرت فى عمل إلى مدينة كبيرة فى الصعيد .. وكنا فى الشتاء والجو ينذر بالمطر والعواصف فى القاهرة التى سافرت منها على الأقل .. وقدرت أنه لن يكون على درجة أخف فى الصعيد ..<br /><br />ولكنى عندمـا ركبت القطار وجـدت الحالة من السوء فى كل محطة .. والمطر يغطى أرصفة المحطات وأسطح القطارات .. ويكون بركا فى الشوارع ..<br /><br />ومع كل هذا فقد كان علىَّ أن أعود إلى القاهرة فى نفس اليوم .. لأمر يتعلق بالأسرة أكثر من أى شىء آخر له صلة بالعمل الذى سافرت من أجله ..<br /><br />وفى الغروب دخلت المحطة التى نزلت فيها ظهر اليوم .. لأعود إلى القاهرة .. فلم أجد تذكرة واحـدة فى كل القطارات الراجعة من أسوان ..<br />وقد جربت ركوب القطار من غير تذكرة من قبل ودفع الغرامة ..<br />وكرهت هذا ونبذته إلى الأبد .. فإنك تقف فى وسط عربة جوها يخنق الأنفاس .. ونصف ركابها من النائمين .. وقل من يعبأ من الصاحين منهم والفاتحين عيونهم حتى بسيدة حـامل تقف متوجعة وهى فى شهرها التاسع ..! الكل يحرص على المقعد الجالس عليه بوحشية وأنانية .. انمحت كل الصور الكريمة من النفوس المريضة وذبلت وضاعت ..<br />كرهت الوقوف فى بطن أو جانب العربات لهذا السبب ..<br /><br />وفى أثناء وقوفى فى المحطة وحيرتى وحرصى على السفر .. اقترب منى شيال وقال لى :<br />ـ ادفع خمسة جنيهات وأجىء لك بتذكرة يا بيه ..<br /><br />وقلت له لغرض المحاورة :<br />ـ يكفى الجنيه ..؟<br />ـ لا .. يا بيه .. هل تفكر أنى سآخذ الجنيهات الخمسة وحدى ..! وتركنى ومضى .. وأخذت طريقى إلى البسطة الخارجية للمحطة .. ووقفت هناك أنظر إلى السماء والنجوم ..<br /><br />وسمعت من يقول .. بصوت حاد .. موصول :<br />ـ مصر .. مصر .. مصر ..<br /><br />ومصر تعنى القاهرة .. عند أهل الصعيد وعند الدنيا كلها .. وقاهرة المعز هى مصر .. ومصر كلها بنيلها وأهراماتها وقباب مساجدها وكنائسها .. وأنوارها وحصونها وقلاعها .. مصر ..<br /><br />ونزلت من المحطة إلى حيث المنادى .. فوجدت عربة بيجو بيضاء .. اللون جديدة وزاهية .. وكانت فارغة من الركاب ، فركبت دون تردد أو سؤال فى المقعد الخـالى بجوار السائق .. وكنت أول راكب ..<br /><br />وبعد ربع الساعة .. ركب ثلاثة فى المقعد الخلفى .. ولم أر وجوههم ولكنى سمعت صوتهم ولهجتهم ..<br /><br />ثم جاء السائق بجلباب أخضر .. وكوفية من لونها .. ووجه طويل أسمر .. تطل منه عينان أخذتا الركاب الأربعة بنظرة سريعة فاحصة .. وبعدها تحرك على الفور ..<br /><br />ولما خرجنا من حدود المدينة .. أشهر الركاب الثلاثة فى الخلف .. أسلحتهم ..<br /><br />وجعلنى هذا أدير رأسى وأنظر إليهم .. الثلاثة فى عود واحد .. ولون نحاسى واحد .. وسن واحدة .. كأنما صبوا صبا فى قالب .. ثم خرجوا منه هكذا .. وكانت عيونهم تبرق فى سماء العربة .. التى اطفأت أنوار سقفها .. وملافحهم تدور على أعنـاقهم .. وتغطى عروقها النافرة .. وعلى وجوههم سكينة لم أشهدها من قبل فى وجه مسافر ولا عابر طريق .. والأسلحة مدافع رشاشة قصيرة جدا .. تطوى وتوضع فى أى مكان يختار حاملها ..<br />وكان سائق العربة فى سنهم وشبابهم أيضا .. ولاحظت أنه بعد أن خرجنا من المدينة يسوق العربة بيد واحدة .. ولا يستعمل يده الثانية إلا عندما نتوقف أو ندور فوق الكبارى والأهوسة .. وكان يسير على نهج واحد وسرعة واحدة .. لايقيدهما قسط ..<br /><br />وكان المطر قد انحسرولكن آثاره واضحة فى الطريق .. وترعة الابراهيمية على يميننا سـاكنة .. والجو كله عقب المطر .. قد هجع تماما ..<br /><br />وبدأت الحركة المألوفة بين المسافرين .. فى عربة واحدة .. ومكان واحد .. حركة توزيع السجائر ..<br /><br />أخرج راكب من الخلف علبته .. وقدم للسائق سيجارة ثم لى أنا ..<br />وقلت بصوت لا أعرف سبب رنة الخوف التى بدت فيه :<br />ـ شكرا .. اننى لا أدخن ..<br />ـ واصل .. ( يعنى أبدا ) ..<br />ـ واصل .. ( ما دخنت قط ) ..<br />ـ ربنا يرحمك ..<br /><br />ثم واصل التوزيع لرفيقيـه بجواره .. وأصبح الدخان يملأ سقف العربة .. لأن النوافذ كانت مغلقة .. والنافذة التى بجوار السائق نصف مفتوحة ..<br /><br />وأثار الدخان أعصابى .. وأصبحت أفكر فيهم .. لماذا السلاح ..؟ وفى أيدى الثلاث ..!<br /><br />ولماذا لا يفكرون أنى أحمل فى جيبى مالا .. وأنى راجع بعد تجارة أو صفقة .. وما أكثر التجارة والصفقات الرابحة فى هذه الأيام ..<br /><br />ودار الهوس العقلى فى رأسى على هذه الصورة .. حتى غفلت عن السائق الذى بجوارى الذى يقود بأعصاب من حديد .. كما غفلت عن اسماء المدن التى نجتازها وبعدها دون توقف أو حتى تهدئة للسرعة ..<br /><br />ثم سكنت نفسى وهدأت أعصابى التى أثارها الدخان ووترها .. وأخذت أردد أن الخوف يولد الخوف .. ولو أظهرت أمامهم أنى خائف منهم لطمعوا فى ّ .. بل ربمـا أكون قد أوحيت اليهم بما لم يفكروا فيه قط .. وما لم يخطر على بالهم أبدا ..<br /><br />وهكذا رجعت إلىَّ نفسى المطمئنة وأخذت أتطلع من نافذة السيارة إلى المدن والحقول وهى تطوى وتطوى .. والسيارة تمضى فى الليل الأشهب ..<br /><br />غاب القمر .. وتكسر نصف النجوم .. وراء السحاب ..<br /><br />وتذكرت وأنا أنظر إلى الليل والنجوم .. قصة للعظيم همنجواى عندما وضع البطل فى حالة مثل حالتى ..<br /><br />كان البطل نائما فى الدور العلوى من الحانة .. وصعد إليه عامل الحانة ليوقظه ويقول له :<br />ـ هناك جماعة تحت .. سألوا عن اسمك .. وعرفوا أنك هنا .. وجاءوا ليقتلوك ..!<br /><br />ولم يغير هذا من وضع البطل الذى كان نائما .. ولم تحركه كلمات عامل الحانة .. وظل فى مكانه ينتظر قدره ..! كما ظل همنجواى العظيم فى مكانه من الدنيا إلى أن جاءه قدره وأنهى هو حياته بيديه ..<br /><br />همنجواى الذى يكاد يكون هو الكاتب الوحيد من كتاب الدنيا الذى تطوع باختياره فى الحرب الأهلية الأسبانية ليلمس بأظافره ولحمه ودمه الحرب ومساوىء الحروب وويلاتها على الإنسانية ..<br /><br />ولما أدرك عن وعى كامل أنه لا يستطيع أن يوقف حربا أو ينهى مجاعة تصيب بقوارعها العـالم .. خرج هو من هذا العالم .. بنفس راضية ..<br /><br />كان همنجواى يدور فى رأسى عندما دارت العربة إلى جانب فى الطريق .. لتزود بالوقود .. ثم خرجنا منه وأصبح يقود بسرعة أكثر ..<br /><br />ولمحت شبحا فى سواد .. لمحته من بعيد .. وكان على يمين الطريق .. ولما اقترب منه السائق هدأ من سرعة السيارة .. ثم توقف تماما عنده ..<br /><br />وسمعت الشيخ يقول :<br />ـ خذنى معك يا طه .. لغاية ..<br />ـ حاضر اركب بجوار البيه ..<br /><br />وركب .. وكان متلفعا كله .. ولكنه قبل أن يركب سدد إلى الثلاثة الذين فى الخلف نظرة قوية .. ثم ردها إلى شخصى ببسمة ود ..<br /><br />ولاحظت بعد أن جلس بجوارى أن الجزء الملاصق لى من جسمه مقطوع الذراع ..! وأن رشاشه بيده اليمنى ، ولكنه لم يشهره كمن جلسوا فى الخلف ..<br /><br />وقدم لى أنا وحدى سيجارة .. ولما عرف أنى لا أدخن .. طوى سيجارته .. وقال بابتسامة :<br />ـ لا داعى لمضايقتك ..<br /><br />وأكبرت فيه هذه الفعلة وهذا الذوق السامى .. ومال بنا السائق بعد أربعة فراسخ من السير الجاد إلى مطعم فى زاوية من الطريق ..<br /><br />وأكل الثلاثة فى الخلف لحوما وخضارا كثيرا ، وأكلت جبنا وبيضا وشربت القهوة ..<br /><br />ودخل السائق فى جوف المطعم فلم أعرف ما أكله ..<br /><br />وشرب الراكب الأخير الشاى وحده .. وكان على رأس الطريق .. والظلمة تخيم .. وريح الشتاء أخذت تدور وتتحرك بعد سكون ..<br /><br />وجاء السائق يقول لى تفضل :<br /><br />وركبت وحدى فى مكانى .. وسألته بعد أن تحرك :<br />ـ وباقى الركاب ..؟<br />ـ كانت التوصيلة إلى هنا فقط ..<br /><br />وتحركنا .. والريح أخذت تعصف بشدة .. وأسلاك البرق فى شريط السكة الحديد .. كأنها تتحدث بلغة غير مفهومة .. وانطلق دوى الرصاص فجأة مع عويل الريح .. واستمر دقائق ثم انقطع فجأة .. وخيم سكون القبور .. حتى الريح كنت والأشجار سكنت ..<br /><br /><br />====================================<br />* </strong><strong><span style="color:#6633ff;">نشرت قصة القصة فى مجلة القصة ـ العدد 44 ـ أبريل 1985<br />* ونشرت قصة " الأعسر " فى مجلة الثقافة ـ العدد 71 ـ اغسطس 1979 وأعيد نشرها فى كتاب " قصص من القرية " مكتبة مصر<br /></span>====================================<br />قصة الأعسر على الرابط</strong></div><div align="center"><a href="http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_5580.html">http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_5580.html</a></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-70955280153483187972006-12-27T10:41:00.000-08:002006-12-27T10:42:20.983-08:00ص 3 قصة القصة ـ المهاجر ـ قصة محمود البدوى<div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة القصة<br />المهاجر</span><br /><br />كان الدكتور رمزى من خيار أصدقائى .. وكان نبيل النفس بشوشا فى وجه زبائنه ويتقن عمله إلى درجة التفرد .. ولم يكن سبب معرفتى به لأنه طيب .. وإنما لأنه أديب .. وأديب أصيل فحل من الأدباء الفحول الذين برزوا فى الدراسة والنقد والترجمة .. فى عصر النهضة الأدبية ودوران الفلك مع الأدب ورجاله ..<br /><br />وكانت عيادته فى ضاحية من ضواحى القاهرة .. تتميز بالهدوء والجمال والنظافة ..<br /><br />ولكنا كنا نجتمع كل مساء بعد أن يفرغ من العيادة .. فى مقهى " بور فؤاد " بشارع " فؤاد " .. وكان المقهى فى وقتها نظيفا وجميلا ومن أشهر المقاهى فى قلب القاهرة ..<br /><br />وكنا نجلس هناك ساعة أو ساعتين مع صحبة طيبة من الأدباء الشبان المتفتحين للحياة والأدب .. نقلب فى المجلات والكتب .. التى كانت تصدر فى ذلك الوقت " الرسـالة " للزيات و " الثقافة " لأحمـد أمين .. والسياسة الأسبوعية .. أما الكتب فكانت عن العقاد .. وحسين هيـكل .. والمازنى .. وطه حسـين .. وتوفيق الحكيم .. وصادق الرافعى .. وسلامة موسى .. وعباس حافظ ..<br /><br />دراسات وتراجم .. وكان المازنى قد أتحف جمهور القراء بأول أعماله الروائية " ابراهيم الكاتب " كمـا أن أهل الكهف لتوفيق الحكيم .. كانت تدور على كل الألسنة .. والاعجاب بها وصل إلى غايته ..<br /><br />وكان أول من يأتى إلى المقهى .. الأستاذ هلال شتا .. وكان يعمل فى مجلس النواب .. ( وقد صرفته الوظيفة عن الأدب ) ثم الأستاذان ابراهيم طلعت .. و أحمد فتحى مرسى .. وكانا يتمرنان كمحامين فى مكتب الأستاذ الكبير عبد الرحمن البيلى الذى فعل فعلته العظيمة وغسل أوضار المعاشات عندما كان وزيرا للمالية .. وصان أعراض الأرامل والذرية من البنات .. بضربة بكر جاءت فى الصميم .. وذكرها له التاريخ .. وسيظل يذكرها ..<br /><br />وكان عمله مثالا لمن يفكر فى عمله باخلاص ويريد أن يخدم وطنه حقا .. لا زيفا ولا تهريجا ..<br /><br />وكان ابراهيم طلعت .. وأحمد فتحى مرسى .. من الصحبة المختارة لى فى مجلة الرسالة لأستاذنا الزيات ..<br /><br />وكنا نذهب إلى مقر الرسالة بالعتبة فوق محل الفرنوانى .. قبل أن تنتقل نهائيا إلى عابدين .. ونجلس هناك بالساعات ..<br /><br />وكان فتحى وطلعت ينشران فى المجلة الشعر .. وأنا أنشر القصة وأستاذنا الزيات يراجع وجوه بروفات المطبعة .. ويقرأ المقالات والقصص .. ولم يكن قد استعان بعد بالأستاذ عباس خضر .. ولا الأستاذ فهمى عبد اللطيف ..<br /><br />وقد تعلمنا من الزيات .. الصبر والمثابرة .. واتقان العمل .. ومجابهة كل الصعاب ..<br /><br />وطلعت الآن من كبار المحامين فى مدينة الإسكندرية .. وفتحى مرسى .. من كبار أعضاء مجلس الشورى .. وأنا أذكرهما فى الكثير مما أكتب من ذكريات ( وإن ندر لقاؤنا فى هذه الأيام ) لارتباطهما معى بمجلة الرسالة التى شققت بها طريق حياتى الأدبية وتوسعت فى المجال وسهلت لى الطريق وشجعتنى على الترجمة أولا ثم التأليف ثانيا ..<br /><br />وكان الدكتور " رمزى " آخر من يأتى إلى المقهى .. ويعتذر لبعد المسافة بين مصر الجديدة وقلب القاهرة ..<br /><br />وظلت الصحبة هكذا .. إلى أن تفرق الجميع بعد الحرب العالمية الثانية كل ذهب إلى وجهته ..<br /><br />وأصبحت أنا والدكتور رمزى فى ضاحية واحدة .. فظل الاتصـال بيننا على حاله ..<br /><br />وكنت أذهب للعلاج أو لأسمع رأيه فيما أنشر من قصص .. وكنت أعتز برأيه وأفخر به لأنه كان ناقدا دقيق الملاحظة ملهما واسع الاطلاع على كل تطورات الأدب وفنونه ..<br /><br />وكبر سنه كما كبرت ووهن العظم منـا .. وأصبح يشكو من المرض .. كما أشكو .. فانقطع عن قيـادة سـيارته وأصبح يركب المترو .. إلى مكتبه فى الظاهر .. ويعمل فى العيادة .. صباحا فقط ولأنه أعزب .. فقد كان يتغدى فى العيادة قبل أن يذهب إلى البيت .. وكان يأتى له بالطعام غلام المطعم ..<br /><br />وكان غلام المطعم يحمل صينية الطعام ويدخل من باب العيادة الذى يظل على الدوام مفتوحا .. لأن التمرجى روح .. فاما أن يجد الطبيب نائما على كرسيه بعد تعب العمل .. أو يجده صاحيا .. فيضع الصينية على المائدة .. ثم يعود ليأخذها فارغة ..<br /><br />ولكثرة تردد الغلام على العيادة لاحظ كل شىء فيها .. لاحظ الدولاب الكبير فى غرفة الكشف الممتلىء بالأوراق والأدوية ..<br /><br />كما لاحظ أن هذا الدولاب يظل على الدوام مفتوحا بمصراعيه .. إما لأن المفصلات تلفت أو لأن الطبيب لايريد أن يتعب نفسه فى كل مرة بالفتح والغلق ..<br /><br />وذات مرة فتح عينيه مندهشا ومرعوبا وهو يرى الطبيب يضع فى هذا الدولاب لفة كبيرة من الأوراق المالية مطوية فى جريدة .. وظل وهو يذهب بصينية الطعام ويجىء يفكر فى هـذه اللفة من الأوراق المالية .. ويفكر بجنون حتى أصبح يدخل العيادة حابسا أقدامه كأنه طيف أو شبح .. ولا يرى أمام باصرته إلا هذه اللفة .. هذه اللفة تدور وتصرخ وتناديه .. خذها وأجر ..<br /><br />ورسم له الشيطان الطريق ببراعة .. فعندما دخل وجد الطبيب نائما والسكون يخيم والصمت صمت القبور ..<br /><br />وتحرك سريعا وفعل فعلته .. وجاءت القصة .. خير قصة ..<br /><br />جاءت قصة " المهاجر " أحسن قصة .. لأنه اجتمع فيها مع الواقعية الصدق .. كما أنها مرت سريعة وهادئة وخلت تماما من كل افتعال ..<br /><br /><br />====================================<br />* </strong><span style="color:#6633ff;"><strong>نشرت قصة القصة فى مجلة القصة ـ العدد 42 ـ اكتوبر 1984<br />* نشرت قصة " المهاجر " فى صحيفة مايو 20/7/1981 وأعيد نشرها فى كتاب " السكاكين "<br />====================================</strong></span></div><div align="center"><strong><span style="color:#6633ff;">قصة المهاجر منشورة على الرابط</span></strong></div><div align="center"><a href="http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_5327.html">http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_5327.html</a></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-55113290868482753082006-12-27T10:39:00.000-08:002006-12-27T10:40:59.164-08:00ص 2 قصة القصة ـ المشلولة ـ قصة محمود البدوى<div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة القصة<br />المشلولة</span><br /><br />خرجـت ذات ليلة صيفية من قطار الصعيد ، أحمل معى غبار السفر ، ومشقة الطريق ، وزادتنى محطة القاهرة على اتساعها غما على غم .. فلم أجد فى ساحتها من صنف العربات ما يحملنى إلى سكنى ..<br /><br />وكنت أسكن فى عابدين فى عمارة كبيرة من ستة طوابق .. فاتجهت إليها ماشيا بعد أن عجزت عن الركوب .. وساعدنى على ذلك كونى لا أحمل جنس الحقائب فى أى سفر طال أو قصر ، وعلى الأخص إذا كانت وجهتى الصعيد ..!!<br /><br />ومن باب العمـارة دخلت إلى المصعد ، وخرجت منه إلى باب الشقة ، وأخرجت المفتاح .. وقبل أن أديره فى القفل وجدت من يفتح لى الباب من الداخل فدخلت صامتا ..<br /><br />واستقبلتنى الشغالة التى فتحت الباب صامتة أيضا .. وتحركت بسرعة إلى الداخل ..<br /><br />وجلست على أول كرسى فى الصالة وأنا أدير بصرى فى المكان .. وأغلقت عينى وفتحتهما سبع مرات على الأقل .. وأنا أشعر بالدوار .. إنها ليست شقتى والكرسى الذى أجلس عليه ليس من الكراسى التى فى صالتى .. وان كانت الصالة هى هى فى طولها وعرضها .. واتساع أركانها ..<br /><br />وظللت رغم مـا أدركته جالسا متخشبا ، وسمعت صوتا نسائيا يسأل :<br />ـ من الذى دخل يا سعدية ..؟<br />ـ دا البيه يا ستى ..<br />ـ طيب حضريله العشا ..!<br />ـ حاضر .. حالا ..<br /><br />وتحركت أمامى سعدية مرة أخرى وكانت طويلة ملفوفة .. ودخلت المطبخ .. وخيم سكون شلنى لحظات ثم جعلنى أتحرك بسرعة ليست من طباعى فقد أحسست بأن الست خارجة من غرفتها .. لتستقبل البيه العائد من الخارج ..!<br /><br />وحبست صوت أقدامى وخرجت من الشقة كالمطارد .. وحرصت على أن أغلق الباب بهدوء ..<br /><br />وفى طرقة العمارة أدركت الخطأ .. فقد أخرجنى المصعد إلى الدور الثالث بدل الرابع .. وإلى الشـقة التى تحت شقتى تماما .. وكان ما كان ..<br /><br />وبعد هذا بسنوات وجدت من السهل علىَّ جدا .. أن أكتب قصة " المشلولة " التى نشرت فى جريدة مايو ..<br /><br />ومن الغريب أنه بعد نشرها .. وكنا فى مجلس أدبى من الأصدقاء وأكثرهم من كتاب القصة .. وجدت الأساتذة حسين الطوخى .. وأمين ريان .. وعزت ابراهيم .. يحكى ظروفا مشابهة حدثت له فى حياته .. أو دخل شقة أو بيتا وهو يتصور أنه بيته .. وحدثت له من ذلك أعاجيب أغرب مما وقع لى .. وكم فى الحياة من قصص أروع مما نبدع ..<br /><br />====================================<br />* </strong><span style="color:#6633ff;"><strong>نشرت قصـة القصة فى مجلة القصة ـ العدد 40 ـ أبريل 1984<br />* نشرت قصة " المشلولة " فى صحيفة مايو 19/4/1982 وأعيد نشرها فى كتاب " الغزال فى المصيدة " وفى كتاب " قصص من القاهرة " مكتبة مصر<br /></strong></span></div><div align="center"><span style="color:#6633ff;"><strong> ====================================</strong></span></div><div align="center"><strong><span style="color:#6633ff;"></span></strong> </div><div align="center"><span style="font-size:180%;color:#6633ff;"><strong>المشلولة<br />قصة محمود البدوى</strong></span><br /><br /> <strong>أعطانى الحاج أبو اسماعيل المفتاح .. وسافرت فى قطار الظهر .. وكانت الشقة فى شارع " المقريزى " وكنت أعرف الشارع والحى ولكن لم أدخل الشقة من قبل أبدا ..<br /><br /> وتأخر القطار خمس ساعات كاملة لانقلاب عربات بضاعة فى الخط .. ووصلت محطة القاهرة فى الثلث الأول من الليل بدل أن أصل قبل الغروب ..<br /><br /> وركبت المصعد إلى الشقة .. وضغطت على الزرار وكانت فى الدور الخامس .. ولما وضعت المفتاح فى القفل استعصى علىّ .. وسمع حركة القفل فى الباب شخص فى الداخل .. ففتح لى الباب وهو يقول :<br /> ـ تفضل ..<br /> وجرت الشغالة إلى الداخل بعد أن فتحت الباب وهى تصيح :<br /> ـ البيه .. وصل يا ستى ..<br /> ـ البيه .. وصل ..<br /><br /> وجلست على أول مقعد فى الصالة .. وأنا أحاول أن أحدد كل ما وقع من خطأ .. فأنا أخطأت فى الشقة .. وقد أكون أخطأت فى العمارة كذلك .. فالعمارات فى هذا الشارع متشابهة فى الطراز والحجم .. ومع يقينى بوقوع الخطأ ولكنى بقيت فى مكانى .. أتطلع إلى ما حولى على ضوء ثلاثة مصابيح أشعلتهم الشغالة مرة واحدة .. كأنها تحتفل بقدومى .. ساعة حائط كبيرة تدق .. وصورة زيتية لمنظر فى النيل ..<br /><br /> ثم صورة لشاب فى الثلاثين من عمره .. وقد تهندم أمام المصور وبرز فى أحسن حالاته .. وكان وجها سمينا .. وعيناه تتطلعان إلى شخصى ، مهما حاولت الابتعاد عنه .. ومن الغريب أننى وجدته قريب الشبه منى إلى حد مذهل ..<br /><br /> وكنت قد وضعت جانبا .. كيسا من التفاح اشتريته وأنا خارج من المحطة فى ميدان رمسيس .. فأخذته الشغالة إلى المطبخ وهى تصيح ..<br /> ـ البيه .. جاء لك بتفاح حلو .. يا ستى ..<br /> ـ مرسى .. خليه .. يتفضل يا سنية .. أنا صاحية ..<br /><br /> وعادت الشغالة تقول لى :<br /> ـ تفضل .. عند الست .. هى صاحية ..<br /> ـ حاضر .. بعد قليل .. لتأخذ هى راحتها أولا ..<br /><br /> وأدركت من مصدر الصوت أن الست مستريحة فى أول باب فى مواجهتى من الصالة .. وبعد أن فتحت الشغالة الباب ودخلت وخرجت منه .. استطعت أن أرى بعض محتويات الحجرة .. كالسرير .. وطاولة الزينة .. ومرآة الدولاب .. التى تكاد تعكس الشخص النائم فى الفراش ..<br /><br /> ولم يكن طابع الفضول هو الذى أبقانى فى المكان بعد أن أدركت مقدار ما وقعت فيه من خطأ .. وأننى دخلت مكانا لايمت لى بأية صلة .. ولا أعرف أحدا فيه ..<br /><br /> وإنما وجدت شيئا رهيبا .. فوق طاقتى يسمرنى بالمقعد الذى أجلس عليه .. كما أن التعب وسوء الحظ لازمنى طوال السفر .. بعد أن تعطل القطار جعلانى فى حالة من البلادة التى تلازم الكثير من الناس إذا وضعتهم الأقدار فى مثل موقفى ..<br /><br /> فقد وجدت بعد التعب ومشقة السفر .. مقعدا مريحا أرحت جسمى عليه فى شقة جميلة .. هادئة .. ليس فيها صراخ أطفال ، ولا صوت راديو .. ولامأتم وندب تليفزيونى ..<br /><br /> جلست فى مكانى شبه نائم وشبه حالم .. ونسيت كل ما يترتب على وجودى فى هذا المكان من عواقب .. فمجرد صرخة فزع من السيدة التى بالداخل إذا وقع بصرها على شخصى .. سيكون فيها هلاكى ..!<br /><br /> دار هذا الخاطر فى رأسى وأنا جالس ، ودار ما هو أكثر منه احتمالا .. ولكن مع ذلك بقيت ساكنا أتطلع إلى ضوء المصابيح الثلاثة التى تتراقص فى الصالة .. وقدرت انقطاع النور .. وهذا يحدث الآن فى أحياء القاهرة فى كل ساعة وحين ..<br /><br /> وفى الظلام الأسود تكون كل أركان الجريمة قد نسجت خيوطها حولى .. بإحكام يفوق كل تطلعات الذهن البشرى ..<br /><br /> وفى جيبى المسدس .. وأنا كريفى أتحرك به دائما لصق محفظتى .. ولكن من يفهم هذا .. من يفهم .. إذا دارت عجلة الظلام .. وطال دوارها .. وامتد وامتد ..<br /><br /> ولكن النور لم ينقطع .. وظلت مصابيح الكهرباء تتلألأ ..<br /><br />***<br /><br /> وطلبت من الشغالة كوب ماء .. فنظرت إلى وجهى وقالت بنعومة :<br /> ـ سأعمل لك قهوة .. يا بيه .. ظاهر عليك التعب .. وكانت نصف .. ووديعة ..<br /> وقلت لها وهى تتحرك :<br /> ـ كتر خيرك ..<br /><br /> وغابت تصنع القهوة .. وخيم السكون المطبق على الشقة .. ولم أعد أسمع كلام السيدة .. ولم أر من مكانى حركة لفراشها على السرير .. لعلها نامت أو استسلمت لرقادها ..<br /><br /> وجاءت الشغالة بالقهوة وهى تقول :<br /> ـ أتريد حضرتك شيئا آخر ..؟ أنا مروحة ..<br /> ـ مروحة ..؟<br /> ـ نعم .. والعشاء .. على السفرة ..<br /> ـ مروحة .. الآن .. كيف ..؟<br /> ـ أروح بالليل لأولادى .. يا بيه ..<br /> ـ والست تعرف هذا ..؟<br /> ـ نعم وسأحضر بدرى .. قبل الشمس .. لأن الست تعبانة وحضرتك رايح شغلك .. فلا نتركها وحدها ..<br /> ـ وكيف تتركينها الآن وحدها .. وهى تعبانة ..؟<br /> ـ لأن حضرتك عدت من السفر .. جاء للست خطاب بأنك ستحضر مساء اليوم ..<br /> ـ مساء اليوم ..!!<br /> ـ وقرأته الست بدرية .. قريبة الست .. ولما علمت بحضورك مساء اليوم روحت .. وجعلتنى أبقى إلى أن تحضر ..<br /> ـ والست تعبانة إلى هذه الدرجة ..؟<br /> ـ إنها لاتتحرك من سريرها .. ركبها ..<br /> ولم تشأ كشابة من بنات البلد الحسنة التهذيب والتى تحسن انتقاء الألفاظ .. أن تقول مشلولة .. بل اكتفت بأن قالت ركبها تعبانة ..<br /> <br /> وقلت لسنية .. حتى لا أكشف نفسى بأنى غريب ومتورط ..!<br /> ـ والسيدة بدرية لاتزال فى مسكنها القريب منا ..<br /> ـ إنها فى العمارة 34 جنبنا على طول ..<br /> ـ جنبنا على طول .. إذن أنا أخذت مفتاح الشقة فى العمارة 32 ولم يحدث أى خطأ .. وقد أكون فى شقة توفيق .. ولكن توفيق أعزب .. ويعيش وحده .. وسافر منذ سنتين .. وقد ترك المفتاح لأبيه الحاج أبو اسماعيل لينزل فيها فى غدوه ورواحه إلى القاهرة .. وليحافظ عليها .. وعلى نظافتها .. ولم يشأ قط أن يؤجرها مفروشة .. لأن فى هذا ما يعد ابتذالا لوضع الأسرة فى الصعيد .. لأن الحاج أبو اسماعيل نفسه لايحب أن ينزل فى فنادق القاهرة بعد أن لمت كل من هب ودب ..!<br /><br /> وظلت الشغالة تعود وتذهب إلى المطبخ .. ثم دلفت إلى حجرة الست .. وعادت مرة أخرى إلى المطبخ ..<br /> وسمعتها تقول وهى على الباب الخارجى :<br /> ـ تصبح على خير .. يا بيه ..<br /> ـ تصبحى على خير .. يا سنية .. تعالى بدرى ..<br /> ـ قبل الشمس .. وسأصحيك ..<br /> وسحبت الباب الخارجى وراءها وخرجت ..<br /><br />*** <br /><br /> وبقيت وحدى .. اتطلع إلى الجدران .. وإلى السكون المخيم .. وخيل إلىَّ أن الست نامت .. ولكنى سمعت صوتها وهى تقول :<br /> ـ تعال .. يا منير .. أنا مشتاقة إايك .. وصاحية .. وطيبة ..<br /> ـ كنت عندك .. منذ لحظات .. ووجدتك نائمة ولم أشأ أن أوقظك .. ورأيتك أكثر جمالا ونضارة مما كنت .. وليس على وجهك أى علامة للمرض ..<br /> ـ دخلت .. ورأيتنى ..؟<br /> ـ نعم .. منذ لحظات ..<br /> ـ ولم أحس بك ..!<br /> ـ كنت نائمة ..<br /> ـ إننى دائما .. أنام وأصحو .. وعيناى سادرتان هدمنى المرض .. بعد زواجنا بستة أشهر فقط سافرت يا منير ولم أشأ أن أحرمك من هذه المنحة .. منحة ألمانيا الغربية .. إنها فرصة العمر ..<br /> ووجدت لسانى يردد كلامها :<br /> ـ فرصة العمر ..<br /> ـ ولكن فرصة العمر .. انقلبت علىَّ .. وطحنتنى .. ثلاثون يوما مرت كثلاثين سنة من العذاب .. وأنا على هذه الحالة .. لا أقوى على الحركة .. ولا حتى التفكير .. تعطلت فيها كل خلايا حياتى ..<br /> وانقطع صوتها ..<br /><br /> وسألت نفسى منذ شهور وهى مريضة ومشلولة هذه المسكينة .. وفى غياب زوجها ، أى عذاب تتحمله الأنثى وأى مشقة .. وتظل صابرة ..<br /><br /> وسألتها :<br /> ـ والدكتور .. ما رأيه ..؟<br /> ـ دكتور .. إيه .. يا منير .. الدكاترة كانوا زمان .. الله يرحم الدكتور عبد العزيز إسماعيل عالج المرحوم والدى من الجلطة فى اسبوع .. قضى عليها تماما .. وقال له روح بقيت كالحصان ..!<br /> الدكاترة كانوا زمان .. الدكتور الذى كان سيعطينى الحقنة اليوم لم يحضر .. لازم كان بيتفرج على الكرة .. فيه لعب اليوم ..!<br /> ـ أنزل وأجىء لك بواحد ..<br /> ـ بقينا فى نص الليل .. ليس كل واحد ينفع .. إنه متخصص ويعطى الحقنة فى عظم الركبة .. وأعطيه خمسة جنيهات على كل حقنة .. ولكن رأى مع ذلك أن الفرجة على الكرة أنفع وأحسن ..! الكل وحياتك يا منير .. يكتب روشتات .. نفس الدواء ونفس النوع .. شهر وأنا فى عذاب .. رحم الله أنور المفتى .. كان فخرا لمصر .. ولكنه ذهب .. كما يذهب كل طيب ونافع .. ويبقى<br /> ـ ولكنى رأيتك متقدمة .. ووجهك أكثر جمالا ..<br /> ـ صحيح ..؟<br /> ـ حقا .. هذا ما رأيته ..<br /> ـ لكن صوتك متغير .. يامنير .. يا منير .. من البرد هناك ..<br /> ـ ثلج ..<br /><br /> ووقع علىَّ السؤال كلوح الثلج .. وكيف ميزت الآن .. والآن فقط بعد كل هذا الحوار الذى دار بيننا اختلاف صوتى .. كيف أدركت الآن فقط .. لعله تأثير المرض عليها .. أو لعل صوتى فى جرسه قريب من صوت زوجها .. أو لعل المرض فى شدة وطأته عليها جعلها تنسى صوت زوجها .. وشكل زوجها .. كل ذلك شبه ..<br /> <br /> وعاودت تقول :<br /> ـ كنت أرعى همك وتعبك وأقول ملعون أبو الوظيفة والبعثات التى تجعل الزوج يترك زوجته فى الشهور الأولى من زواجهما ويغيب سنة وسنة .. وسنة ..<br /> ـ والآن الحمد لله لقد رجعت ..<br /> ـ رجعت بعد إيه ..<br /> ـ كله خير .. والخير فى ارادة الله ..<br /> ـ أشعر الآن بقرب الشفاء .. بل لقد شفيت .. وعندما قرأت عمتى بدرية رسالتك التى تعلن فيها قدومك اليوم .. سرت فى كيانى رعشة .. وأحسست بساقى ينبض فيهما الدم .. وتندفعان للحركة .. هذا ما سيحدث هذا ما سيحدث ..<br /><br /> وصمت .. وسرحت أنا فى دوامة الأحداث .. ثم سمعتها تقول بغيرة الأنثى .. وبلهجة مؤكدة :<br /> ـ والحقائب لن يفتحها سواى ..!<br /> ـ بالطبع لن يفتحها غيرك ..<br /> ـ وأين هى ..؟<br /> ـ وضعتها سنية فى غرفة المكتب ..<br /> ـ هذا أحسن .. ويدل على حسن تصرف .. إنها مدربة جاءت اليوم .. وجاء الخير على قدومها .. جئت معها فى نفس اليوم ..<br /> ـ بنت طيبة ..<br /> ـ آه .. لو شفت .. رأيت منهن العذاب .. كل واحدة بشكل .. التى تنظف لاتطبخ .. والتى تطبخ لا تنظف .. والتى تجىء برضيعها والتى تذهب بدون سبب .. والتى تخلف الميعاد .. والكاذبة واللصة على طول الخط .. وأخيرا جاءت الست مفيدة بهذه وتبدو طيبة .. ما الذى نعمله بعد أن عدت بالسلامة كله يهون .. <br /><br /> سمعت منها كل هذا الكلام .. وحرصت كل الحرص على ألا أكشف نفسى ..<br /> أقول لها بأنى دخلت شقتها غلط فى غلط .. وأننى لست منيرا .. ولست زوجها ولا أمت له بأية صلة .. وأننى مجرد عابر .. جاء فى سماء القاهرة لمدة يومين أو ثلاثة ليشترى جرارا .. وما يحمله من نقود فى جيبه جعلته لاينزل فى فندق والشكر للحاج أبو إسماعيل صاحب الفضل والمروءة ..<br /> إن كشفت نفسى سيؤذيها .. وهى فى أشد حالات مرضها وربما قضت عليها المفاجأة ..<br /><br />*** <br /><br /> ودقت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل .. وانقطع ما بيننا من حوار ..<br /><br /> وأيقنت هى أننى دخلت عليها .. واطمأنيت على صحتها .. وأن حالتها الصحية هى التى جعلتنى لا أثقل عليها بالكلام .. ولا أقرب منها أكثر مما اقتربت لأن كل ذلك فى الساعات الأولى من اللقاء قد يؤذيها .. وقد يسبب لها النكسة .. وما هو شر منها ..<br /><br />*** <br /><br /> وبعد دقات الساعة جالت عيناى فى الصالة ورأيت صورة لسيدة .. معلقة فى اطار ذهبى .. وكانت فوق رأسى مباشرة ..<br /><br /> فلما نهضت رأيتها .. إنها هى دون شك .. فما من أنثى تحمل مثل هذه الفتنة .. وهذه النضارة فى العينين والشفتين .. وهذه البشاشة فى الوجه ..<br /><br /> إنها صورتها هى وحدها .. وقدرت أنها بعد الزواج .. أو قبل الزواج بسنة على الأكثر .. وكانت فى فستان وردى وعلى الصدر مشبك من الزمرد الأخضر .. وفى الأذنين قرط مما تلبسه الإسبانيات .. وهن فى ساعة الذروة من البهجة والإحساس بنشوة القلب ..<br /><br /> يا إله السموات والأرض .. من الذى يشل هذه الحسناء وهى فى أوج نضرتها .. وأوج شبابها .. سوء الإدارة .. حادث فى السوق .. فى الطريق .. سارق سلسلة .. سائق تاكسى يشتغل بلطجيا فى ظل رخصة ..<br /><br /> يا إله السموات والأرض .. أى جمال خلقت وأى إبداع فى الأنثى كونت وأعطيت الحياة ..<br /><br /> رأيت نظرة متأنية فى عينيها تحمل معنى التأنيب .. جعلتنى أخجل من وقفتى فجلست .. عدت كما كنت إلى مقعدى .. وأنا ما زلت فى كامل ملابسى ..<br /><br />*** <br /><br /> كانت الشقة من ثلاث حجرات والصالة التى أجلس فيها .. وكان كل شىء أنيقا ولامعا .. ولم يكن ذلك من سنية ولا لأن البيت ليس فيه أطفال .. وإنما لأن الست كما خمنت كانت تحرص على الهدوء وعلى نظافة بيتها إلى حد كبير ..<br /><br /> ولم أكن وأنا جالس أسمع حركة الشارع .. ولا حركة البيوت .. كان السكون يخيم إلى درجة الموت .. ومن خلال هذا السكون الشامل سمعت صوتها :<br /> ـ أجئت بكل ما طلبته منك يا منير ..؟<br /> ـ بالطبع .. بالطبع .. وهى فى حقيبة يدى ..!<br /> ـ تصورتك ستنسى .. سيمفونيات بيتهوفن .. وبشارف تركية حتى لو ذهبت من أجلها إلى استانبول ..<br /> ـ وكيف أنسى لك طلبا .. وأنت مهجة حياتى .. وأعرف تعلقك بالموسيقى التركية .. منذ الصغر .. ومعى شريط .. لبعيون .. عازف الطنبور ..<br /> ـ بعيون أنه كنز .. أو تعلم .. وسيريح سماعه أعصابى .. أحسن من ألف حقنة ودواء والآن تعال لتنام ..<br /> ـ حاضر .. سأتوضأ .. أولا .. وأصلى .. وأقرأ لك سورة من القرآن ..<br /> ـ سنقرأها معا ..<br /><br /> ونهضت كأنى ذاهب لخلع بدلتى .. وسألتها وأنا أتثاءب ..<br /> ـ المهندس توفيق لايزال ساكنا هنا فى العمارة ..؟<br /> ـ المهندس توفيق فى الشقة التى فوقنا على طول ..! لكنه مسافر فى بعثة .. والشقة فاضية .. وأبوه يأتى من وقت لآخر ..<br /><br /> وشعرت بما يشبه الدوار .. بعد أن أدركت خطأ فعلتى .. فقد أدرت المفتاح فى الشقة التى تحتها مباشرة .. لأن المصعد أخرجنى فى الطابق الرابع بدل الخامس .. لأنى ضغطت على الزر خطأ ..<br /> هكذا دخلت كصاحب بيت فى شقة سيدة مريضة .. فأى عبث للأقدار ..<br /><br /> ان السيدة المريضة تنتظر زوجها .. وقد وصل الزوج فى شخصى .. طبقا لمواصفات الخطاب .. فهل أكشف نفسى الآن ..؟ لا .. ثم .. لا .. قد يكون فى ذلك هلاكها .. ليست المسألة إلى هذا الحد من البساطة فى مواجهة الحدث ..<br /><br /> ان أى تبسيط للأمر سيجر إلى عواقب وخيمة .. وما دمت قد أخذت على أننى الزوج العائد فلأظل فى الدور إلى النهاية ..!<br /><br /> ولكن أى عبث للأقدار .. من الذى كتب الخطاب .. أهو زوجها حقا ..؟ وإذا كان قد فعل ذلك فلماذا لم يحضر كما وعد ..<br /><br /> إن تخلفه كان من أجلى .. ليعطينى الصورة ولينفسح لى المجال لأمثل الدور كاملا ..<br /><br />***<br /><br /> عدت إلى المقعد ووضعت يدى على رأسى .. كاد رأسى أن ينفلق من فرط احساسى بالموقف الصعب .. ما الذى يفعله الإنسان فى مثل هذه المواقف .. سيترك الأمور تجرى فى أعنتها ..<br /><br /> واسترخيت .. وغلبنى النعاس وأنا جالس وتنبهت على صرخة مفزعة .. صرخة خرجت منها ..<br /><br /> وجريت إلى غرفتها .. وصدمنى وأنا أجرى شبح رآنى وأنا أتقدم نحوه وبيدى المسدس فأشهر فى وجهى سلاحا .. فأطلقت عليه النار طلقة واحدة فسقط خارج بابها ..<br /><br />*** <br /><br /> وخيم السكون من جديد وسمعتها تقول بعد دقائق وثوان حسبتها دهرا :<br /> ـ قتلته .. يا منير ..<br /> ـ نعم ..<br /> ـ حرامى ..؟<br /> ـ نعم .. حرامى ..<br /><br /> وسألتها :<br /> ـ أسرق منك شيئا ..؟<br /> ـ أبدا .. عبث فى الدولاب ..<br /> ـ أدخل .. من المنور ..؟<br /> ـ أو من باب المطبخ .. أو أى مكان ..<br /><br /> وأضافت بهدوء :<br /> ـ أتبقيه هنا ..؟<br /> ـ لا .. سأخرجه .. حتى لايزعجك ..<br /> وسحبته على البلاط .. إلى خارج شقتها .. ووضعته فى المصعد ..<br /><br /> وسمعت صوتها .. تنادينى وأنا أغلق بابها الخارجى ولكنى لم أرد .. لأنى سمعت حركة أقدامها ورائى ..<br /> وأنستنى الفرحة بشفائها .. كل ما حدث لى فى هذه الليلة ..<br /><br />================================ <br /><span style="color:#6633ff;">نشرت القصة فى صحيفة مايو بعددها الصادر بتاريخ 19 أبريل 1982</span> <br />================================<br /></strong> </div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-77157320995456166892006-12-27T10:37:00.000-08:002006-12-27T10:38:12.592-08:00ص 1 قصة القصة ـ المأخوذ قصة محمود البدوى<div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة القصة<br />المأخوذ</span><br /><br />التقيت بالصديق الكريم الأسـتاذ فتحى الابيارى وأنا فى الطريق إلى " دار الكتب " .. وعلى درجات السلم تصافحنا ..<br /><br />وسألنى :<br />ـ إلى أين ..؟<br />ـ إلى الحسابات ..<br />ـ لماذا ..؟<br />ـ لصرف المبلغ الذى تعرفه .. والذى سبق لك أن حدثت أستاذنا صلاح عنه ..<br />ـ إذن سأذهب معك .. والجميع أصدقائى ..<br />ـ يكفيك ما بذلته من جهد .. وأنت لا تزال فى دور النقاهة ..<br />ـ لا تذكرنى بالمرض .. وهيا ..<br /><br />وانطلق يدفع الهواء بصدره فى الطرقة الطويلة ..<br /><br />***<br /><br />وفى قاعة الحسابات الفسيحة .. وجدت وجوها طيبة سمحة .. على خلاف المألوف فى دواوين الحكومة .. وقابلونا بالابتسـام والترحيب ..<br /><br />وقال الابيارى :<br />ـ أين شيك الأستاذ .. له مدة ..<br />ـ لسنا السبب فى التأخير .. والاستمارة جاءت هذا الصباح .. وإن شاء الله .. يمر الأستاذ غدا فى أى وقت ويأخذ الشيك ..<br />وشكرناه وخرجنا ..<br /><br />وفى الطرقة قال لى الابيارى ..<br />ـ سأنزل إلى المطبعة .. ولا تنس الغد ..<br /><br />وصافحنه وخرجت إلى الشارع الطويل الذى كان قد ازدحم بالعربات الصغيرة والكبيرة وبالمارة .. إلى درجة تفقدك الاحساس بجمال المنظر فى النيل ..<br /><br />وفى صباح اليوم التالى .. اتجهت إلى الدار .. ولم أجد فى القاعة الموظف الذى استقبلنا بالأمس .. وجدت مكانه موظفا آخر .. وحدثته عن الشيك ففتح درجا وقلب ونظر فى ربطة من الشيكات فلم يجد فيها اسمى ..<br /><br />فقلت له أرجـو معاودة البحث .. لأنى على يقين من وجود الشيك ..<br /><br />فتحرك بعـد هذا الكلام .. ورفع صوته إلى موظف فى أقصى القاعة :<br />ـ توفيق .. هل اسم الأستاذ .. فى الكشف الذى عندك ..؟<br />ـ نعم .. موجود ..<br /><br />وعاد الموظف الأول الذى جلست أمامه .. يبحث فى الشيكات مرة أخرى .. فوجد الشيك الخاص بى .. فمده إلىّ مبتسما ..<br />وتناولته منه شاكرا .. وخرجت ..<br /><br />وفى الطرقة عجبت .. ما كل هذه السماحة .. والثقة البالغة كل حد وكل تصور فى معاملة الإنسان لأخيه الإنسان .. انه لم يطلب منى بطاقة شخصية ولم يتأكد من شخصى .. ولم يكن يعرفنى ولم تربطنى به أية صلة .. فكيف يعطينى شيكا بمبلغ كبير كهذا .. دون أن يساوره الشك أو يطرق ذهنه الوسواس الذى يدور دوما فى ذهن موظفى الحسابات فى الدواوين ..<br /><br />وظل العجب يدور فى رأسى نحو هذه الشخصية الإنسانية العديمة النظير .. والخالية من كل عقد .. والمتفتحة لحياة غير الحياة التى عشناها وألفناها ..<br /><br />***<br /><br />وفى الحال نبتت فى ذهنى بذور قصة المأخوذ .. وجعلت الموظف الذى سلمنى الشيك بطلا إنسانيا .. وحافظت على روحه الطيبة وسماحته .. ولم أجعله عرضة للأذى رغم ما وقع فيه من خطأ ملموس ..<br /><br />ودارت القصة فى رأسى ودارت .. أياما وأياما .. وأصبح الشيك مكافأة عن مدة خدمة لشاب استقال من وظيفته فى أجهزة الدولة .. وأراد أن يهاجر ليوسع من رزقه ويؤسس حياته .. ولانشغاله بأمر السفر والهجرة وما فيهما من متاعب وعقد ، كلف صديقا له باستلام الشيك .. واستلم الصديق الشيك فعلا .. وفى طريقه ليلا إلى منزل صديقه المهاجر ، واختار ساعة الليل ليتأكد من وجوده لعلمه بانشغاله بأمور السفر ، علم من صاحبة البيت بموته فجأة وأنه نقل سريعا .. إلى قريته .. القريبة من الجيزة ..<br /><br />وجعلت قرية المهاجر .. " مزغونة " وهى قرية صغيرة على مسافة قريبة من الجيزة .. كنت أمر عليها كلما ركبت قطار الصعيد .. ونزلت فيها وعرفت مسالكها ..<br /><br />وجعلت صاحبة البيت وهى امرأة متناهية فى الطيبة والرحمة .. تشير على أهل المهاجر ، بعد أن ابلغتهم بموته الفجائى .. بنقله سريعا كأنه حى تفاديا من التعقيدات والعذاب والجشع الذى يلاقيه أهل الميت .. لو نقلوه كميت .. فى بلد كالقاهرة .. تطحن الطواحين ..<br /><br />وهذه السيدة بلمساتها الانسانية سكنت أنا فى بيتها فى حى عابدين وكانت أرمل .. توفى عنها زوجها الذى كان يعمل فى سراى عابدين .. ومعظم البيوت فى قطاع كبير من هذا الحى يمتلكه من يعملون فى السراى ..<br /><br />وكانت لطيبتها وإنسانيتها موضع الحب من سكان البيت وأهل الحى ..<br /><br />ولهذا جعلتها بطلة لها دورها الفعال فى القصة .. فقد نقلت الميت فى سيارتها وقائد السيارة ابنها .. نقلته كأنه حى وعجلت بذلك فى الليل لتريح أهله من عذاب طويل ..<br /><br />***<br /><br />وفى مطعم نظيف هادىء كنت آكل فيه نقلته بكل صورته والفتاة التى تعمل فيه .. إلى جو القصة ..<br /><br />وقد استغرقت منى هذه القصة أكثر من شهر .. على الرغم من أن أبطالها وكل العناصر التى فيها مرت بى ..<br />فلم أخترع شخصية ولم أكتب من فراغ ..<br /><br />وقد زاملنى فى أحداثها الزميل الكريم الأستاذ فتحى الابيارى ولهذا يسعدنى أن أهديها لمجلته ..<br /><br /><br />====================================<br />* </strong><span style="color:#6633ff;"><strong>نشرت قصة القصة فى مجلة عالم القصة ـ العدد 15 ـ يوليو .. أكتوبر 1984<br />* نشرت قصة " المأخوذ " بصحيفة مايو فى 16 و 23/11/1981 وأعيد نشرها فى كتاب " قصص من القاهرة " مكتبة مصر<br />====================================<br /><span style="color:#000000;">قصة المأخوذ منشورة على الرابط</span></strong></span></div><div align="center"><span style="color:#6633ff;"><a href="http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_7526.html"><span style="color:#000000;"><strong>http://stories1908.blogspot.com/2006/12/blog-post_7526.html</strong></span></a></div></span>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-49438258930658126932006-12-27T10:34:00.000-08:002006-12-27T14:49:36.483-08:00البــــاب الخامـس ـ نماذج من القصة القصيرة ل محمود البدوىalyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-14250361287127651232006-12-27T10:32:00.000-08:002006-12-27T10:33:49.669-08:00قصص قصيرة من المجر ل محمود البدوى<div align="justify"><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></strong></a><strong><br /></strong><br /><br /><strong></strong><br /><br /><div align="center"><strong>نشرت القصة فى عام 1944<br /></strong><span style="font-size:180%;"><span style="color:#6633ff;"><strong>فى القطار<br /></strong></span><span style="color:#6633ff;"><strong>قصة محمود البدوى<br /></strong></span></span><br /><strong>مررت ببخارست وأنا فى طريقى إلى سينايا .. أجمل المدائن الرومانية على الاطلاق ، وعدت إليها وأنا عائد من جورجو على الدانوب .. فبت فيها ليلة واحدة ، فى فندق متواضع يقرب من محطة الشمال ، وقمت مبكرا لأطوف بالمدينة قبل رحيلى عنها .. فمن العسير على المرء أن يمر بباريس الصغرى ، ولا يشاهدها مرة ومرات ، رغم جوها الحار فى الصيف .<br /><br />ولما أقبل المساء ، كنت فى طريقى إلى المحطة ، لآخذ القطار إلى كونستنزا .. وكنت قد حجزت لى مقعدا ، ولهذا بلغت المحطة قبل قيام القطار بدقائق قليلة ، وكانت معى حقيبة واحدة ، أما باقى الحقائب فقد خلفتها عند صديق لى فى كارمن سيلفيا .. ولما أخذت مكانى فى القطار ، راعنى أن صاحب المكان المقابل لى يملأ الديوان بحقيبة ضخمة مكتظة .. فتصورته تاجرا من تجار الفراء ، أو مهراجا فى طريقه إلى الهند .<br /><br />وعندما دق جرس القطار مؤذنا بالرحيل .. كان خادم العربة يفتح الديوان ، وينحنى مفسحا الطريق لسيدة فى لباس أسود ، وقبعة طويلة تكاد تحجب عنى بريق عينيها النجلاوين .. وملت إلى الوراء وشغلت نفسى بالنظر من النافذة إلى المحطة الجميلة ، وهى غاصة بالمسافرين إلى مختلف الجهات .. وإلى حركة القطارات فيها .. وعندما تحولت عن النافذة ، كانت السيدة التى ترافقنى فى السفر ، مضطجعة فى ركن من الديوان ، وقد فتحت كتابا .. ورفعت بصرى إليها ، ورأيت وجهها الدقيق وملامحها الساكنة ، والسواد الشديد الذى يبدو من عينيها ، وأدركت أنها رومانية أو بلغارية أو تركية ، فهذا الوجه بملامحه وسماته الشرقية ، لاتراه إلا فى هاتيك البلاد ..<br /><br />وتحرك القطار ، وخلف وراءه تلك المدينة الساحرة تتلألأ بالنور ، وتدفق بالحياة .. وخفق قلبى .. فأنا أحمل لهذه المدينة فى أعماق نفسى أطيب الذكر .. وعلى الرغم من أننى مررت عليها أكثر من مرة ، ومكثت فيها أكثر من عام ، فما من مرة زرتها إلا وجدت فيها سحرا جديدا ، ولونا جديدا من ألوان الحياة ، فيه كل ما يسر النفس ويثلج الفؤاد ..<br /><br />ولقد زرتها فى أول مرة ، وأنا فى حالة موئسة من التعاسة وخيبة الأمل ، فما رأيتها ، ورأيت ما فيها من جمال .. حتى غمرنى السرور ، وتفتحت نفسى لمباهج الحياة من جديد .. ولهذا شعرت ، عندما تحرك القطار ، بالأسى الذى يغمر النفس ، ويكرب الصدر ، ويبعث الحزن فى الفؤاد .. هل أعود إلى هذه البلاد ، وهذه المدينة ؟ .. هذا ما أرجوه من الله ، وأتمناه لنفسى ..<br /><br />ملت عن النافذة ، وأغلقت عينى .. هل غفوت ؟ .. لا أدرى .. والنوم لايليق فى هذه الساعة ، وفى رفقة سيدة جميلة ..<br /><br />أرسلت بصرى إلى السماء الزرقاء .. والقطار ينطلق كالسهم فى وادى الدانوب ، وقد سكنت حركة المسافرين ، وانقطعت أصواتهم .. ونظرت إلى هذه السيدة من جديد ، وبدا لى أنها نظرت إلىّ ، وملأت عينيها منى ، وأنا فى سباتى .. وكونت لنفسها فكرة عنى .. فكرة ما .. فما أسد نظر المرأة .. وعندما جاء مفتش التذاكر ، وحدثنى بالرومانية وجاوبته بالفرنسية التى لايعرفها ، ابتسمت السيدة ابتسامة خفيفة ولكنها لم تحاول انقاذى أو انقاذه ! فتركتنا فى ارتباكنا .. وانسحب الرجل ، وقد رأى أن ذلك خير ما يعمله ..! ولا زلت إلى هذه الساعة أجهل ما كان يريده .<br /><br />وأشعلت المصباح الكهربائى الذى بجوارى ، وفتحت كتابا معى ، وكنت أرفع نظرى عن الكتاب إلى رفيقتى فى السفر ، بين حين وحين ..<br /><br />وكان النور الهادىء قد زاد وجهها تألقا وفتنة .. وجعلنى أنجذب بكليتى نحوها .. يا الله .. إن حياتى كلها أسفار .. ولكم رأيت وجوه .. نساء من كل جنس ولون .. ولكن لم أشاهد وجها كهذا الوجه ، فى سكون ملامحه ، وروعة حسنه .. هل أبدأ بالحديث ؟ .. لا .. إن تجاربى علمتنى غير ذلك .. فالرجل الذى يفاجىء المرأة بالحديث ، دون مناسبة ، يسقط فى نظرها ، ويجعلها تدل عليه وتزهو .. ومع كل ، فما كنت رجل أحلام .. فما الذى أوده من مسافرة فى طريقها إلى زوجها أو بيتها أو مصيفها .. خمس ساعات فى القطار ، ثم يمضى كل لوجهه .. وما أكثر الوجوه التى نلتقى بها عرضا ، ثم تفترق إلى الأبد .. هل يمكن أن أكون أهدأ أعصابا ، وأنعم بالا ، لو كنت مسافرا فى الديوان وحدى ؟ .. ربما .. فأنا وحيد على الباخرة .. ووحيد فى القطار .. ووحيد فى الفندق .. بيد أن ذكريات قلبى جميعا تنشأ من هذه الوحدة .. وهل يمكن أن يظل رجل وامرأة فى سفر طويل كهذا دون أن يتحادثا ؟ّ..<br /><br />تراجعت إلى الوراء ، وطويت الكتاب .. وكانت سحب الصيف الخفيفة قد انتشرت فى رقعة السماء ، وبدا القمر من خلالها يتسحب ، ووادى الدانوب مخضر بالزرع ، يانع بالنبت ، يزهو ويميد !<br /><br />كانت الطبيعة سافرة فى أروع صورها .. وكان القطار يطوى المدائن الصغيرة ، والقرى المزهرة على ضفاف النهر ، بمنازلها البيضاء الصغيرة ، وسقوفها المحدودبة ، وكنت أرى على ضوء القمر ، عند سفوح بعض التلال البعيدة ، قطعانا من البقر وحولها الفرسان بملابسهم الوطنية الزاهية .. ثم يمضى القطار ويطوى هذه المناظر طيا ! انثنيت عن النافذة وأنا اتنهد .. أسفت على هذه المناظر الجميلة التى أطويها من صفحة حياتى ، وقد لا أراها مرة أخرى ، وقد تنمحى صورتها من ذهنى .. من يدرى ؟..<br /><br />كانت رفيقتى فى السفر قد استراحت فى ركن من العربة ، وأغلقت عينيها ..<br /><br />رأيت هذه الأهداب الوطف ، تسبل على هاتين العينين الساجيتين .. وهذا الأنف الدقيق ، يتنفس فى هدوء .. وهذا الشعر الغزير الفحم ينسدل على الجبين .. وهذا الجسم الممشوق يسترخى ، ويستقبل نسمات المساء اللينة فى كسل ظاهر .. كانت قد تركت جسمها يتمدد على حريته ، وحد طاقته .. دون أن تقيد نفسها بوجودى .. وكان القمر كلما تخلص من السحاب ، أراق ضوءه الفضى على وجهها ، فضرج وجناته ، وعلى شعرها فذهب حواشيه !<br /><br />وخفت سرعة القطار .. وأخذت السيدة تتحرك .. حركت ساقيها ، ومالت بجسمها إلى الخلف ، ووقف القطار على احدى المحطات فسألتنى :<br />ـ أهذه ت ..؟<br />ـ آسف يا سيدتى .. لا أعرف .. أنا غريب عن هذه البلاد<br /><br />وكأنها أدركت حالها فزمت شفتيها .. ربما كانت تحلم ، وفتحت عينيها ، وهى تحسبنى زوجها أو رفيقها .. فلما أدركت أنها فى القطار وفى رفقة رجل غريب ، عادت إلى صمتها .<br /><br />وكان القطار قد تحرك ، وعاد السهوم إلى وجهها ، فقلت وقد أردت أن أزيل عن ذهنها ما كانت تفكر فيه :<br />ـ كل المحطات صغيرة ومتشابهة ..<br />فمدت رأسها إلى الأمام قليلا ، وقالت :<br />ـ أجل .. ولكنها جميلة ..<br /><br />ثم سألت وهى تشير إلى النافذة :<br />ـ هل عشت فى بعض هذه القرى الصغيرة على الدانوب ؟.. انها آية من آيات الجمال .. لقد مضيت هناك شهرا كاملا ..<br />ـ لم أحظ بهذا النعيم بعد .. ولكننى أفكر فى ذلك ..<br />ـ هل ستعود إلى هذه البلاد مرة أخرى ؟..<br />ـ بالطبع .. كلما استطعت إلى ذلك سبيلا ..<br />ـ وهل أنت فى طريقك إلى الآستانة ؟..<br />ـ إلى أبعد من ذلك ..<br />ـ إلى أين .. ؟<br />ـ إلى القاهرة ..<br />ـ فكرت فى هذا ..<br />ـ كيف ؟..<br />ـ من هناك يجىء أمثالك من الرجال .. صمت .. وحزن .. وهدوء الصحراء ..<br />ـ هذا حق ..<br />ـ هل أنت ذاهبة إلى كونستنزا ؟..<br />ـ أجل .. لبضعة أيام .. اعتدت على ذلك فى الصيف من كل عام ..<br />ـ وقادمة من بودابست ؟..<br />ـ أجل من بودابست ..<br /><br />وأضافت :<br />ـ كنت أشاهد معرضها للصور ..<br />ونظرت إليها نظرة طويلة !<br /><br />فسألتنى :<br />ـ لماذا تنظر إلىّ هكذا ..؟<br />ـ آسف يا سيدتى .. لا أستطيع أن أجيب .. فقد يكون فى جوابى بعض القحة ..<br /><br />فأخذت تضحك ولانت ملامح وجهها جدا ، ورأيت على وجهها شعور الإيناس ، وفى عينيها السرور المحض<br /><br />ـ هل شاهدت الشرق ..؟<br />ـ أبدا .. أود ذلك ..<br />ـ هل قرأت كثيرا عن الشرق ..؟<br />ـ أجل .. قرأت كثيرا .. قرأت تاريخ العرب ..<br />ـ كان العرب عظماء فى حياتهم ومماتهم .. وقد حرمنا فى كثير من الأوقات حتى من لذة الذكرى .. وفى هذا بعض الشجن ..<br />ـ هذا صحيح ..<br />ـ هل يضايقك تيار الهواء ..؟<br />ـ أبدا دعنى أملأ رئتى من نسيم الليل ..<br />ـ إن السفر عندى هو خير متع المسافر ..<br />ـ هل سافرت كثيرا ..؟<br />ـ رأيت نصف العالم تقريبا ..<br />ـ وتود أن ترى نصفه الآخر ..؟<br />ـ لا .. لا .. لقد اكتفيت بما رأيت .. نفس الوجوه .. نفس المشاعر .. ونفس الحماقات .. فى كل مكان .. واعذرينى إذا قلت ونفس النساء أيضا ..<br />ـ تكلم كما تحب ..!<br />ـ هل قرأت شيئا جديدا فى التاريخ ..؟<br />ـ أبدا .. كل شىء يتكرر ، فقط تتضخم الصور ..<br />ـ آسف لقد أثقلت عليك .. هل تشعرين بجوع ! هل تسمحين بأن تتناولى معى قليلا من الجعة ..؟<br />ـ أشكرك لا أشعر بجوع ..!<br />ـ ولكنك عطشى .. ولن أتركك وحدك .. لابد من مرافقتى !<br /><br />فضحكت ، ونهضت معى إلى عربة الطعام .. وكانت خالية إلا من بعض المسافرين ، تناثروا فى أركانها ..<br /><br />ـ لن تشاهد فى هذه العربات أناسا بلباس السهرة ، كما تشاهد فى بعض البلاد الأخرى .. ليس من بين هؤلاء الناس من يضيع عمره فى حياة متكلفة بغيضة .. كلها مظاهر كاذبة !<br /><br />وعلى الرغم من أننى كنت قد تعشيت فى بخارست ، فإنى أكلت .. وأكلت كثيرا .. وأكلت السيدة أيضا ، وشربت من الجعة .. أكثر مما شربت ! وتضرجت وجنتاها ، وازداد احمرار شفتيها ..<br />ولما عدنا إلى مكاننا من الديوان كنا أصدقاء ..<br /><br />***<br /><br />وبلغ القطار كونستنزا مع الصبح ، وكنت أود أن أنزل فيها ، ولكن السيدة أشارت علىّ بالنزول فى فندق هادىء فى ايفوريا فقبلت مشورتها .. وبقينا فى العربة التى ستلحق بقطار آخر يسافر إلى ايفوريا بعد دقائق قليلة ..<br /><br />وبلغنا ايفوريا والشمس ترسل أول أشعتها الصفراء على تلك المدينة الصغيرة المتألقة على ساحل البحر .. ونزلنا فى الفندق ، وكانت غرفتى مجاورة لغرفتها ..<br /><br />ونمت واستيقظت قبل الظهر .. ووجدتها جالسة فى شرفة الفندق الكبيرة ..<br />وابتدرتها بسؤالى :<br />ـ أنمت ..؟<br />ـ بعض الوقت .. فأنا لا أحب النوم فى النهار مطلقا ..<br /><br />ونهضنا لنتغدى على مائدة صغيرة تطل على البحر .. وليس فى فنادق الدنيا جمعاء ، فندق يماثل هذا الفندق فى جماله وروعته .. فهو يقوم على هضبة عالية ، ويطل من جهاته الثلاث على البحر ، وتشرف جهته الرابعة على بروج ايفوريا الخضراء ، وحدائقها الناضرة ، فلا تطل منه فى أى ساعة من ساعات النهار إلا على أبدع منظر .. فإذا ما أسدل الليل أستاره ، خلته سفينة ضخمة عائمة فى المحيط ، وقد أحاط بها الجمال من كل جانب ..<br /><br />وفى الأصيل نزلنا من الفندق إلى سيف البحر .. وكانت الشمس ترقص على صفحة الماء .. وبدت الطبيعة فى أحسن حللها ، وأبدع مناظرها ..<br />ـ هل تستحمين ..؟<br />فرفعت إلىّ وجها لونه الخفر ، وقالت :<br />ـ كنت أحب ذلك فى طفولتى .. أما الآن فأنا أرهب البحر .. أحب أن أشاهده من بعيد ..<br />ـ ولكنك ستستحمين يوما ما ..<br />ـ ربما .. ولكن ليس اليوم ..<br /><br />وانحدرت الشمس ، وغاب قرصها فى الماء .. وبدت الزوارق الشراعية الصغيرة تتجه نحو الشاطىء .. وأخذ المستحمون يخرجون من البحر .. وغصت طرق ايفوريا بهم .. واتخذوا طريقهم إلى الفيلات الصغيرة المتناثرة فى رقعة الهضبة ..<br /><br />ولما هبط الظلام ، صعدت مع السيدة إلى الفندق ..<br /><br />***<br /><br />كان الليل فى هزيعه الأول ، والريح رخاء والهواء منعشا .. وكان الظلام سادلا أستاره ، والقمر لم يطلع بعد .. وكان البحر على مدى أذرع قليلة منا ، هادىء الصفحة ، مصقول الأديم ..<br /><br />وجلست بجوارها على كرسى طويل ، فى الشرفة الكبيرة التى تدور بالجوانب الثلاثة المشرفة على البحر .. وكان هناك بعض النزلاء جالسين عن قرب منا .. ولكنا لم نكن نسمع لهم حسا .. كان كل شىء يبعث على السكون والتأمل ، ويفتح آفاق النفس .. ونظرت إليها فإذا نظرها عالق بالبحر .. وقد علاها بعض السهوم .. لعلها كانت تسترجع الساعات التى دفعت بها إلى هذا المكان دفعا .. لقد مضى كل شىء سريعا ، ولم يستطع واحد منا أن يفترق عن الآخر ..<br /><br />لقد كانت جالسة لأول مرة ، فى أول فندق نزلنا فيه بعد رحلة القطار ، وكأنها تجالس انسانا عرفته منذ فجر حياتها .. لقد أصبحنا بين عشية وضحاها عاشقين متيمين ..<br /><br />وتعشينا عشاء خفيفا .. وشربت كثيرا ، وتمشينا قليلا فى الشرفة .. ثم سرت معها إلى باب غرفتها .. وشددت على يدها فى حرارة ..<br /><br />***<br /><br />واضطجعت على السرير ، ونظرى مسدد إلى الباب الذى يفصل غرفتى عن غرفتها .. كان هذا الباب موصدا .. وكانت غرفتها لاتزال مضيئة ، فهى لم تنم بعد .. ولعلها تطالع قبل نومها .. تناولت مجلة مصورة ، وأخذت أقلب البصر فيها .. ولكن نظرى كان يعود بين الفينة والفينة ، ويستقر على الباب .. وطويت الصحيفة ، ووضعت يدى على رأسى .. ونظرت إلى الساعة فى يدى .. لقد أزفت الساعة الأولى بعد منتصف الليل .. فهل يمكن أن تظل ساهرة هكذا إلى الصباح ؟! ما الذى تفكر فيه الآن ؟ هل كانت حماقة أن أطلب لكل واحد منا غرفة مستقلة ؟! ..<br /><br />ونزلت من فوق السرير ، وأخذت أتمشى فى أرض الغرفة ، وأنا حافى القدمين ! وكنت أمر على الباب وأكاد التصق به .. ووضعت أذنى عليه وتسمعت .. لم أسمع حسا ولا حركة ، انها مستغرقة فى النوم .. ودارت يدى حول الباب فى الظلام .. وكنت قد أطفأت النور .. فوجدت مزلاجا من ناحيتى فأزحته .. وعالجت الأكرة فانفرج الباب قليلا .. فأعدت اغلاقه بهدوء .. وتراجعت إلى الوراء ، وقلبى يزداد خفقاته ، وتشتد ضرباته .. واتجهت إلى السرير .. هل أنام ؟.. وهلا تعد حماقة منى أن أدع هذا الجمال يفلت من يدى .. وربما إلى الأبد !..<br /><br />ومشيت إلى النافذة ، والليل قد نشر غياهبه ، والبحر من تحتى يرغى ويزبد .. وعوت الرياح .. وتحركت الستر على النوافذ .. وتطلعت إلى السماء .. إلى أسرار الليل .. وأسرار النجوم البراقة ، فى الليل الموحش ، وأخذت أتأمل وأفكر .. هل أظل هكذا مضعضع الحواس ، مضطرب القلب ، قلق النفس ، حائر الفؤاد ؟.. وهى على أذرع قليلة منى ، وفى ملك يدى !.. وما من قوة ستجعلها ترفض .. وما من شىء سيجعلها تقول لا .. لماذا لاتفكر هى فيما أفكر فيه الآن .. ما أشقى الإنسان ، وما أشد عذابه !..<br /><br />تطلعت إلى السماء .. ونظرت إلى الماء .. وكان الظلام ناشرا أستاره .. وكانت هناك سفن تعبر البحر الأسود .. وأنوارها تتراقص على الماء .. وكان الخليج الذى يقوم عليه الفندق قد اشتد موجه وصفق .. وعادت الطبيعة تزمجر كأننا فى الشتاء .. ولذ لى المنظر وأخذ بلبى ومجامع قلبى .. فأنا أحب السكون فى كل شىء إلا فى الطبيعة ، التى لا تبدو على فتنتها إلا وهى صاخبة ثائرة ..<br /><br />ولقد انثنيت عن النافذة ، وأنا أفكر فى هذه الفتاة .. وعدت إلى السرير ، وأنا لا أزال محيرا ملتاعا .. وبعد طول عذاب وتفكير ، رددت نفسى عن غيها ، وأخذنى النعاس ..<br /><br />***<br /><br />ونهضت من فراشى قبل أن تطلع الشمس .. وجاءت لى الوصيفة بالقهوة ، وحييتها تحية الصباح ، وسألتها :<br />ـ هل صحت الماظ هانم ..؟<br />ـ صحت ..! وهل نامت حتى تصحو ؟.. إنها ساهرة طول الليل ترسم ..<br />ـ ترسم ..؟<br />ـ أجل .. تعال إلى هنا وانظر ..<br /><br />وتقدمت نحو النافذة المطلة على البحر .. ورأيت الماظ هانم ، جالسة ومكبة على لوحة كبيرة ، وكان ظهرها إلينا ووجهها إلى الخليج .. وكانت ترسم فى استغراق وسكون .. وترفع بصرها ، ثم ترتد به إلى اللوحة ، وفرشاتها تتحرك بين أناملها الرقيقة .. ما أجملها فى جلستها هذه .. وما أروع ما يحيط بها من مناظر ..<br /><br />لقد أدركت الآن لماذا كانت ساهرة طول الليل ، ولماذا تسافر ومعها هذه الحقيبة الضخمة .. إنها ترسم فى كل مكان تنزل فيه ، وحقيبتها ملآى بمثل هذه اللوحات .. قد تكون فقيرة ووحيدة تعيش من هذا العمل ، ولكنها غنية بفنها ..<br /><br />نقرت على زجاج النافذة فسمعتنى ، وتلفتت فرأتنى .. فاحمر وجهها قليلا وقالت :<br />ـ صحوت ..؟<br />ـ منذ مدة .. ولى ساعة وأنا أنظر إليك من هذا المكان ..<br />ـ ولم أحس بك !..<br />ـ أجل ..<br />ـ تلك مصيبة الفن على الحواس .. تعال وانظر .. إنى أرسمك ..!<br /><br />وذهبت إليها ، وجلست بجوارها .. وكانت ترسم طلوع الفجر على الخليج ، ومن ورائه الربى والمروج .. وكان المنظر فى بدايته ، ولكنه كان يشعر الناظر ببراعة اليد التى رسمته ..<br /><br />فقلت لها ، وأنا أنظر إلى أناملها الدقيقة :<br />ـ أهنئك .. إن هذا رائع ..<br />ـ اشكرك .. الروعة فى هذا الجمال الذى تراه حولك ..<br />ـ لابد أنك رسمت كثيرا من مناظر البسفور ، ما دمت شغوفة بجمال الطبيعة إلى هذا الحد ..<br />ـ البسفور .. هذا سحر آخر .. ولقد عشت بين رياضه .. وأنا أرسم مناظره فى كل مكان ، لأنها منقوشة فى ذاكرتى .. وقد بعت لوحتين فى بودابست أثناء رحلتى هذه .. وسأريك بعض ما بقى فى الحقيبة ..<br />ـ إن من لايرى البسفور لايرى الجنة ..<br />ـ هذا أحسن اطراء سمعته ..<br />ـ أنا أقول الحقيقة .. بل وأقل من الحقيقة ، وما رأيت منظرا يأخذ بلب المسافر كالبسفور .. وأتمنى على الله أن ينتهى بى المطاف إلى هناك .. وهناك أقيم إلى نهاية حياتى ، وهناك أرقد .. وليكن آخر منظر أراه هو قباب أيا صوفيا ، وهى تدور مع الشمس ..<br />ـ ها هى الشمس قد طلعت .. فاذهب إلى الشاطىء قبل أن يزدحم بالمصيفين .. وعندما تعود ، سأكون قد ارتديت ملابس الخروج ، وسنذهب إلى كونستنزا ..<br />ـ ألا تنزلين معى إلى البحر ..؟<br />ـ ليس الآن .. أنا متعبة جدا .. وسأستحم معك فى الأصيل ..<br />وقبلت يدها ونزلت إلى الشاطىء ..<br /><br />***<br /><br />وذهبنا إلى كونستنزا ، ورجعنا إلى الفندق بعد الظهر فتغدينا .. وتركتها لتستريح ، فقد كان النوم يداعب أجفانها .. وأيقظتها قبل الغروب بقليل .. وكانت لاتزال تشعر بتعب ، ولم تأخذ قسطها من النوم .. ونزلنا إلى البحر ، وطلعنا منه بعد أن هبط الغسق ..<br /><br />ولاحظت على العشاء أن وجهها شاحب قليلا .. فأمسكت بيدها ، فإذا بها شديدة البرودة .. وجلسنا بعد العشاء نستمع للموسيقى ، وكانت هناك فرقة رباعية من فينا .. وكانت تستمع فى سكون ، ووجهها لايزال شاحبا ، ومن عينيها يبدو التعب الشديد ، فقلت لها :<br /><br />ـ يجب أن تستريحى يا الماظ ..<br />فحولت وجهها إلىّ ، وقالت فى هدوء :<br />ـ أجل يا مراد .. فأنا أشعر ببرودة شديدة ..<br /><br />واعتمدت على ساعدى ، ومشينا إلى غرفتها .. وفى منتصف الطريق لم تقو على السير .. وسقطت بين ذراعى ، وحملتها إلى سريرها .. وجاءت إلزا ورفيقتها لندا ، الوصيفتان فى هذا الجناح من الفندق .. وتركتهما معها ليغيرا ملابسها .. وعدت إليها بعد قليل .. وطلبت من إلزا أن تتصل بأى طبيب فى المدينة .. فسمعتنى ألماظ وأشارت إلىّ بيدها ، فاقتربت منها ، ووضعت وجهى على الفراش .. وهمست فى صوت متقطع :<br />ـ إننى بخير .. وقد مرت النوبة .. بسلام ..<br /><br />وبقيت بجوارها ، وأنا شاعر بتعاسة مرة .. فأنا الذى حببت لها الاستحمام فى تلك الساعة .. وهى منهوكة القوى ، بعد سهر الليل بطوله فأثر ذلك على قلبها ..<br /><br />وظلت ساهرة .. وبعد منتصف الليل نامت .. وأخذت أنظر إلى وجهها وهى تتنفس فى هدوء .. وإلى جسمها وقد لف فى الأغطية ..<br /><br />فى الليلة الماضية .. تحت تأثير الخمر وتعب الأعصاب من السفر الطويل .. وتحت تأثير كل ما طاف فى رأسى من فكر .. ودار من هواجس .. اشتهيت هذا الجسم .. وتمنيت أن يكون لى ساعة من الزمان .. وهو الآن فى متناول يدى .. وأراه بجميع تقاطيعه وكل محاسنة .. وأضع يدى على صدرها ، وألمس ذراعها العارية ، وأنا أضم إليها الأغطية ، وأعطيها بعض المقويات .. ومع كل ذلك فشعورى الليلة غير شعورى بالأمس .. فقد سكنت ثورة العاصفة التى كانت تشتعل فى جسمى فى الليلة الماضية .. ولازمنى الليلة إحساس جديد ، فيه روحانية جارفة .. ألأنها مريضة ؟.. ألأنى أدركت سمو نفسها ؟.. ألأن صلتى بها قد توثقت واشتدت عن ذى قبل ؟ لم أكن أدرى ..<br /><br />***<br /><br />فتحت عينيها فى الثلث الأخير من الليل ، فرأت أنى ما زلت ساهرا ..<br /><br />فقالت وهى ترتفع بجسمها قليلا :<br />ـ ألا تزال ساهرا ؟.. يكفيك إلى هذه الساعة ، واسترح الآن ..<br />ـ لن أدعك وحدك ..<br />ـ لن تتركنى وحدى ؟!..<br />ـ أبدا ..<br />ـ أبدا .. ؟<br /><br />وأخذت أمسح بيدى على جبينها ، وألمس شعرها ، فنظرت إلىّ نظرة متكسرة فيها كل إحساسات قلبها ، وقالت وهى تحرك أناملها :<br />ـ أعطنى هذا المشط .. وافتح الدرج الذى تحته ، وستجد صورة مغلفة فهاتها ..<br /><br />وفتحت الدرج ، وتناولت المشط .. ورجلت شعرها .. وفضت غلاف الصورة وهى تبتسم .. كانت صورتى وأنا فى القطار ..<br /><br />نظرت إلى الصورة ، وأغمضت عينى .. شعرت بسعادة لاحد لها ، وخيل إلىّ أننى أسبح فى طبقات الأثير ..<br /><br />وسمعتها تقول :<br />ـ هل استطعت أن أرسم عينيك .. وهما تلتهمان الكتاب ، وتغفلان عنى ..!<br /><br />وضحكت ، وتناولت يدها .. فغمغمت :<br />ـ لن أدعك تتعذب ليلة أخرى .. فقد أحسست بك أمس .. وأنت تدور فى غرفتك !..<br /><br />وشعرت بالخجل ، فنظرت إلىّ فى رقة وأضافت :<br />وسنذهب فى الصباح إلى كارمن سلفيا .. وسنعيش هناك إلى نهاية الصيف .. وسأطلق الرسم ما دمت معك .. وسنرجع إلى استانبول .. وسترى البسفور مرة أخرى وأنت معى .. وسنعيش فى هذا الفردوس إلى نهاية حياتنا ..<br /><br />================================<br /></strong><strong><span style="color:#6633ff;">نشرت القصة فى مجموعة قصص لمحمود البدوى بعنوان " الذئاب الجائعة " فى عام1944<br /></span>================================ </strong></div></div><br /><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></strong></a><strong><br /></strong><br /><strong></strong><br /><div align="center"><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الغجرى<br /></span><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة محمود البدوى</span><br /><br /><br />فى سنة 1934 ركبت البحر إلى أوربا .. وكان فى السفينة أجناس مختلفة من البشر .. تلاقوا فى صفاء ومودة .. فلم تكن هناك حروب ..<br /><br />وكان الناس قد نسوا ويلات حرب 1914 لطول ما مر عليها من زمن .. ولم تكن السفينة مزدحمة بالركاب .. رغم أننا أقلعنا فى فصل الصيف .. وهو الفصل الذى يهرع فيه الناس إلى أوربا ..<br /><br />وكان الكساد والرخص يعمان العالم كله .. وكل إنسان فى جيبه القليل من الجنيهات يستطيع أن يسافر كما سافرت .. ورغم ذلك الرخص فإن السفينة لم تكن مكتظه .. وهذا ما جعل المسافر على ظهرها يشعر بالراحة والمتعة .. فالزحام لايريح أحدا ..<br /><br />ولكن فى مدينة " بيريه " فوجئنا بفوج من السياح ينـزل إلى السفينة قبل ساعة الاقلاع .. وكان معظم أفراده من المصريين فى طريقهم إلى الدانوب ، جمعتهم شركة سياحية على هذا النحو .. وبعد أن قضوا أياما فى اليونان ركبوا هذه السفينة .<br /><br />ولم أكن بطبعى أحب هذه الأفواج ، ولا أسافر فى ركبها .. ولكنهم ركبوا السفينة ، ولم يركبوا القطار فكيف ابتعد عنهم ..<br /><br />واستلفت نظرى شاب على رأس الفوج .. ضخم الجسم قمحى اللون .. حاد النظرات .. يعنى بهندامه .. وينادونه بالأستاذ " شكرى "<br /><br />وكان " شكرى " هذا يحمل آلة تصوير ، ولا يفتأ يصور ويصور .. ومن وقفته الطويلة حول جموع الركاب لاحظت أنه كثير الفضول ومتسلط .. وكانت زوجته مصرية وسمعت اسمها " الهام " .. وكانت شابة نحيفة القوام بيضاء جميلة .. بل آية من آيات الجمال .. وتبدو وادعة وحزينة .. وكنت أغفر له فضوله .. ما دامت تقف بجواره ، وتحاول أن تخفف برقتها من وقع كلماته الغليظة وتسلطه .<br /><br />وكان يرافقهما كأصحاب ، زوجان أجنبيان ، لاعلاقة لهما بالفوج ولكنهما التقيا بشكرى وزوجه فى ربوع اليونان فتصاحبا .. كرفقة سفر .. وهما من فنلندا والزوج والزوجة حسن ونادية .. الاثنان يدرسان فى جامعة واحدة بفنلندا .<br /><br />وعندما دخلت السفينة حدود تركيا .. تعرفت على الشاب الفنلندى " حسن " وسرنى أنه يعشق الأدب وله اطلاع واسع .. وكان هو وزوجه فى نفس الطابق من السفينة الذى يقيم فيه شكرى والهام .. وفى كمرتين متجاورتين ..<br /><br />وقد نشأت علاقة قوية بين الزوجة المصرية والزوجة الفنلندية .. حتى اننى كنت أشاهدهما معا ، فى كل خطوة أخطوها على ظهر السفينة ، أو فى ممراتها الداخلية والجانبية .. وقد عللت ذلك لجمال المصرية ورقتها .. واتقانها اللغة الفرنسية .. وأن السيدة الفنلندية لم تقع فى الفوج كله على من هو أنضر منها وجها .. وأطيب عشرة .. وعلى من يحدثها عن مصر والشرق بوضوح .. وفى ثقافة واسعة مثل هذه الزوجة .<br /><br />وفى صباح مبكر ، وقبل الافطار وجدتهما متجاورين ، وتستندان الى الحاجز ، وعيونهما الى البحر ..<br /><br />ولاحظت بعد النظرة المتأنية .. أن السيدة المصرية تكفكف عبراتها .. والفنلندية تخفف عنها الأمر ، بوضع ذراعها كله على كتفها ، كأنها تود احتضانها ..<br /><br />وتكرر مشهد الدموع فى عين " الهام " ولأن وجهها فى جملته يعبر عن الحزن ، فقد رددت ذلك إلى كونها فقدت عزيزا عليها منذ زمن قصير .. ولهذا خرج بها زوجها الى هذه الرحلة لتنسى .<br /><br />وقد جعلتنى الدموع التى كنت أراها فى عينيها كل صباح ، أشفق عليها ، وأحاول أن اقترب من زوجها " شكرى " لأعرف حقيقتها .. ولكنه كان فى طباعه منفرا ولايشجع أحدا على الاقتراب .<br /><br />وكان يعنى بهندامه وزينته مع أننا فى سفينة ، والأمر لايحتاج لكل هذا التبختر .. ويلوك الكلمات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية .. بمناسبة وغير مناسبة ، كأنه مرشد سياحة .<br /><br />***<br /><br />وكان البحر هادىء الموج والريح طيبة فخرج الركاب من الكباين إلى الشرفات والظهر ، وجلسوا على الكراسى الطويلة والدكك .. وعلى لفات الحبال ، وناموا على أطواق النجاة التى تستعمل فى حالة الطوارىء .<br /><br />ولم يفكر أحد فى العاصفة ولا فى مخـاطر البحر .. وكان الأستاذ " شكرى " يقف وسط حلقات المسافرين متحدثا ، وراسما الخطط للرحلة ، وحوله بعض من يعرفهم من اليهود المصريين والأجانب .. وكان يتردد على محلاتهم فى قلب العاصمة ، ويعرفهم بأسمائهم .. وكانوا يسألونه عن الدردنيل والبسفور وجامع أيا صوفيا ويمازحونه ، وهم يعرفون طباعه من مغالاته فى الوصف ، وكان الجو كله يخيم عليه الحب ، لأن العداء الذى سببته الحروب لم يكن فى قلب مخلوق يسعى لخير البشرية جمعاء .<br /><br />وكان علينا أن نمضى يومين آخرين فى البحر ، لنصل إلى استانبول .. التى سنمكث فيها ثلاثة أيام متصلة .. لتفرغ السفينة بعض شحناتها التى كانت فى الباطن وتمتلىء بغيرها .. وبعدها نقلع إلى البحر الأسود .. إلى كونستنـزا وهى نهاية خط السفينة .<br /><br />وكان يطيب لنا أنا والشاب الفنلندى " حسن " أن نستمتع بمنظر الغروب فى البحر ، وكانت زوجته مشغولة بصديقتها المصرية " الهام " وتقضى معها معظم الوقت .<br /><br />وفى جلسة فى مقدمة السفينة سألنى " حسن " .<br />ـ هل تعرف السيدة الهام ..؟<br />ـ أبدا .. والتقيت بها لأول مرة معكما ..<br />ـ ولازوجها شكرى ..؟<br />ـ ولا زوجها شكرى ..<br />ـ لماذا تبدو حزينة وفى عينيها الدموع ..<br />ـ سألت نفسى هذا السؤال .. ولم أهتد إلى جواب ..<br />ـ حاولت أن أعرف السبب من زوجتى الملازمة لها فلم أعرف .. يبدو لى أنه يضربها لأنه لايملك أعصابه حتى وهو يتحدث مع الغرباء ..<br />ـ أبدا لاتفكر فى هذا .. وما أظنه يحدث .. هل تشعر نحوها بالعطف ..؟<br />ـ قطعا .. وإذا كان لايحبها فلماذا لايسرحها بالمعروف .. ونحـن مسلمون ..؟ والطلاق ليس صعبا .. وهما ليسا صغارا ..<br />ـ لو كان السبب الكراهية لطلبت هى الطلاق ..<br />ـ لا أظن هذا .. فهى مسكينة لاحول لها ولاطول ..<br /><br />وشعرت بعد هذا الحديث بالأسف والخجل .. وأخذت أحد النظر فى " شكرى " كلما التقيت به ، لأجد فى سحنته العلة التى تجعله هكذا شاذا متسلطا لايسمع زوجته كلمة حب ، ولا ينظر اليها نظرة عطف .. ولكننى لم استطع الاهتداء إلى شىء ملموس .<br /><br />***<br /><br />ولما بلغنا مدينة " استانبول " شعرنا جميعا بفرحة غامرة ، فقد كان الجمال المحيط بنا فوق مستوى خيالنا .. ودخلنا نحن الخمسة مسجد أيا صوفيا متفرقين ..<br /><br />ورأيت السيدة الهام فى ركن المسجد ، تطيل السجود ، وفى عينيها الدموع .. ولم أر أجمل من عينيها فى هذه الساعة .<br /><br />***<br /><br />وخرجت من المسجد وحدى .. وقضيت فى " استانبول " الأيام الثلاثة منفردا لأنى اخترت ذلك ، لأقطع المدينة طولا وعرضا وأرى فيها كل موضع جمال .<br /><br />وعدت إلى السفينة فى عصر اليوم الثالث قبل السفر بساعة ..<br /><br />وتحركت السفينة .. وتجمع الركاب على الظهر ، وفى كل الجـوانب ، ليشاهدوا البسفور عن قرب .<br /><br />وسمعت المثل ..<br /><br />ـ من لم ير البسفور لايرى الجنة ..<br />ـ هذا ظلم للفقراء ..والناس عند خالقهم سواسية .. فمن أين لهم المال للسفر ..<br />ـ إذن من يرى البسفور كأنه رأى الجنة ..<br />ـ هذا أحسن ..<br /><br />وابتسمت ، وأنا أسمع هذا الحوار حولى ..<br /><br />***<br /><br />ودخلنا البحر الأسود .. وفى صباح يوم مبكر .. رست السفينة على ميناء كونستنزا ..<br /><br />واتفقنا نحن الخمسة على أن نقضى اسبوعا فى مصيف جميل قريب من كونستنزا اشتهر ركن فيه طينى بعلاج الكثير من الأمراض .<br /><br />ووصلنا مصيف كارمن سيلفا بعد الغداء .. واخترنا نزلا صغيرا أشبه بالبيت .. فنـزلنا فيه .. وأخذنا نتجول ، واعترضنا الكثير من الغجر ، يعرضون ملابسهم المزركشة المنسوجة باليد ..<br /><br />وفى الصباح التالى انفرد شاب من هؤلاء الغجر " بالهام " واغراها بشراء ثوب جميل النسج فابتاعته منه ..<br /><br />ولما رآه زوجها شكرى سألها عن ثمنه ، وخرج إلى الغجرى مسرعا ليرد له الثوب ويسترد النقود .. وحدثت مشادة بينه وبين الغجرى ، وقال له هذا أنه باع الثوب للسيدة وليس له .. وإن كانت هذه الليات (اللي عملة رومانى ) القليلة تعضله فانه يقدم الثوب للسيدة هدية .. واستشاط شكرى غضبا وصفع الغجرى .. وتحمل الغجرى الصفعة ولم ينبس ومشى وعيناه تقدح نارا .<br /><br />وسمعنا بالخبر ولمنا " شكرى " على تصرفه هذا وحماقته ، وكانت زوجته مرتاعة .. وخشينا على أنفسنا من تجمع الغجر علينا ونحن غرباء فى مصيف صغير .. وقررنا ألا نتجول فى هذه الليلة .<br /><br />***<br /><br />وفى الصباح التالى كنا قد نسينا ما حدث واتجهنا إلى البلاج .. وهو مقسم قسمين .. قسم للنساء على اليمين .. وقسم للرجال على الشمال .. وبينهما حاجز طويل وذلك لأن النساء يسبحن عرايا ..<br /><br />ونزلنا نحن الخمسة فى الماء .. كل فى قسمه .. وكان الرجال منا يجيدون السباحة .. وكان شكرى أمهرنا فأبعد .. وسبحت وراءه ، ولكنى لم أكن فى مثل براعته ، واختلطنا بغيرنا من المصيفين .. ولمحت الغجرى يسبح وحده ، حتى جـــاوز الحاجز الذى بين الرجال والنساء .. وغاص فى الماء ..<br /><br />***<br /><br />وخرجنا نحن الأربعة من الماء فى ساعة الظهر .. ولم يخرج " شكرى " وانتظرناه على الشاطىء ، وكان الغجرى يتجول بيننا حاملا بضاعته على ذراعه .. ولم يبد على سحنته أنه نزل الماء قط .. حتى أننى شككت فيمن أبصرته مثله وأنا أسبح ..<br /><br />وبعد ساعة أبلغنا رجال الانقاذ بغياب شكرى .. وبحثوا فى الماء فى طول وعرض الشاطىء .. ولما دخل الليل سلطوا الكشافات ولم يهتدوا إلى شىء ..<br /><br />***<br /><br />وانتظرنا فى المدينة ثلاثة أيام لتطفو جثته .. إن كان قد غرق .. ولكن خاب فألنا فلم نعثر له على أثر فى الأرض ولا فى الماء .<br /><br />وكانت زوجته المسكينة فى حالة اغماء وقىء وتكرر منها ذلك .. فطلبت " نادية " أن نستدعى طبيبا لفحصها ، خشية أن تكون حاملا ويضر حزنها الجنين ..<br /><br />وجاء الطبيب ورافقته " نادية " عند الفحص ..<br /><br />ولما خرج الطبيب .. سألتها ..<br />ـ هل تم الفحص ..؟<br />ـ أجل ..<br />ـ ووجدها حاملا ..؟<br />ـ وجدها عذراء ..!<br /><br />ولم أنبس .. وأخذت أبحث فى الجدول عن أول قطار مسافر إلى بوخارست ..<br />================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت القصة فى مجلة الثقافة عدد يونيو 1979 وأعيد نشرها فى مجموعة الظرف المغلق لمحمود البدوى</span> عام1980<br /><br /></strong></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0tag:blogger.com,1999:blog-8926603490264039241.post-11904122421209417682006-12-27T10:29:00.000-08:002006-12-27T10:31:02.378-08:00ص 28 قصص قصيرة من حياة الأطباء ل محمود البدوى<div align="center"><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></strong></a><strong></strong></div><div align="center"><strong><span style="color:#333399;">القصص المنشورة</span></strong></div><div align="center"><strong><span style="color:#333399;">ــــــــــــــــــــ</span></strong></div><div align="center"><strong><span style="color:#333399;">ـ المنارة</span></strong></div><div align="center"><strong><span style="color:#333399;">ـ عضة الكلب</span></strong></div><div align="center"><strong><span style="color:#333399;">ـ المهاجر</span></strong></div><div align="center"><strong><span style="color:#333399;">ـ المعجزة</span></strong></div><div align="center"><strong><span style="color:#333399;">ـ أكسير الحياة</span></strong></div><div align="center"><strong><span style="color:#333399;">ـ الطبيب</span></strong></div><div align="center"><strong><span style="color:#333399;">ــــــــــ</span>ـ</strong></div><div align="center"> <span style="font-size:180%;"><span style="color:#6633ff;"><strong>المنـارة<br /></strong></span><span style="color:#6633ff;"><strong>قصة محمود البدوى<br /></strong></span></span><br /><strong>كان الدكتور عبد الفتاح من أبرع الأطباء الشبان .. وكان قد قضى ثلاث سنوات فى الخارج يدرس طب المناطق الحارة .. فلما عاد إلى مصر اشتغل سنتين فى مستشفى الدمرداش بالقاهرة ثم انتقل طبيبا لوحدة مجمعة باحدى قرى الصعيد ..<br /><br />وكان متزوجا من شابة جميلة ومتعلمة مثله .. ولكنها رفضت أن تذهب معه إلى الريف .. فسافر وحده وأقام فى البيت الذى أعدته له الحكومة ..<br /><br />وكان يعمل باخلاص وعن عقيدة متمكنة ، وقد أفادته رحلته فى الخارج ، فأصبح أكثر تجربة ودراية بأحوال البشر ..<br /><br />وكان هو المحرك فى الواقع للمجمع كله .. وعليه يتركز العمل .. لأن باقى الموظفين كانوا يتركونه بعد أن ينتهى عملهم ويسرعون إلى بيوتهم فى البندر .. أما هو فكان يبقى ويغرى الموظفين على البقاء .. لأنه كان يعتقد أن الريف المصرى لايمكن أن يتقدم أبدا .. مادام الموظفون يتركونه إلى المدينة ..<br /><br /><br />وكان يعتقد اعتقادا راسخا .. أن هذا المجمع نفسه .. سيخيم عليه الظلام وينسج عليـه العنكبوت خيوطه إذا ترك أمره للتمورجى والخفير .. وفراش المدرسة ..<br /><br />وفى الشهر الأول من قدومه .. قابله الفلاحـون بالصدود والتوجس .. وكانوا يتركونه ويذهبون إلى أطباء البندر ..<br /><br />وظل فى حيرة حتى عرف السبب .. فقد كان الطبيب الذى قبله يمتص دماءهم ويفرض عليهم أن يأتوا إلى عيادته ليتقاضى منهم أتعابه أضعافا مضاعفة .. فكره المرضى من الفلاحين المجمع .. وأصبح بناية بيضاء من غير روح تسيره ..<br /><br />وظل الدكتور عبد الفتاح .. يقاوم هذا الجفاء بانسانيته وبصيرته حتى أعـاد ثقة الفلاحين إلى بناية الحكومة .. وتدفق عليه الناس كالسيل .. وكان المرضى يأتون إليه من كل القرى المجاورة ..<br /><br />وكان إذا سمع بمريض عاجز عن الحركة يذهب إليه بنفسه .. ويظل يتردد عليه حتى يشفى ولا يتقاضى منه أجرا على الاطلاق ..<br /><br />وإذا ذهب إلى البندر يكون كل همه أن يحصل على الأدوية النادرة التى تنفع الفلاحين .. وتعالج أمراضهم المزمنـة .. ويدفـع ثمنها من جيبه ..<br /><br />وفى خلال فترة قليلة .. تحول الفلاحون إليه بقلوبهم .. وأصبح معبودهم وأدركوا أنه المصباح الحقيقى المنير فى القرية ..<br /><br />وكان هو يشعر بسعادة غامرة .. وهو يرى الوجوه المنقبضة تتفتح للحياة وتتطلع إلى المستقبل ..<br /><br />وكان الماضى يمزقهم .. خـداع الموظفين لهم .. واستغلالهم جهلهم .. وحيل الصراف عليهم .. وغشهم فى الشونة وسرقتهم فى الميزان .. عند توريد المحصول .. ومشاكل السماد والبذور .. ومياه الرى .. واضطرارهم .. إلى الاستدانة بالفائدة الباهظة ..<br /><br />ثم الآفات الزراعية التى تنزل بهم .. كل هذه الأشياء حطمتهم .. وجعلتهم .. يمكرون .. ويسرقون .. ويكذبون .. ويخدعون .. ويقتل بعضهم بعضا ..<br />وكانوا يتوجسون شرا .. من كل شىء جديد ..<br /><br />ولما قام المجمع .. بعيدا عن القرية .. تطلعوا إليه فى وجوم .. فلما سرت فيه الروح الإنسانية .. وأصبح منارة فى هذا الظلام .. أقبلوا عليه .. ونسوا الماضى كله ..<br /><br />وسر الدكتور عبد الفتاح من نجاحه فى الريف .. سر لأنه استطاع أن يلمس قلوب الفلاحين .. وكان يزورهم فى القرية ويقضى الليل فى مجالسهم فى " المندرة " .. يستمع إلى شكاياتهم .. وأحاديثهم عن الزراعة وأحوال السوق ..<br /><br />وكان الشىء الذى يحزنه .. أن زوجته بقيت فى القاهرة وتركته يجابه الحياة وحده ..<br /><br />وكان يفكر فى أن يجعل حول البيت حديقة ناضرة .. وفى وسط الحديقة تكعيبة عنب ..<br /><br />ويجعل من البيت جنة صغيرة تغنيه عن الذهاب إلى أى مكان ..<br /><br />وكتب لزوجنه يصف أحلامه وما يعده لها ليحبب اليها الريف ويرجوها أن تحضر ولو فى زيارة قصيرة .. وردت عليه بأنها ستحضر فى يوم الخميس .. لتقضى معه أياما قليلة ..<br /><br />وذهب ينتظرها على المحطة وعاد بها إلى بيته .. ورأت بعينيها البيت صغيرا ونظيفا .. ومضاء بالكهرباء .. وحوله الغيطان .. ولكن كيف تعيش وحيدة .. وسط أشجار النخيل .. ومع من تتحدث ومع من تقضى النهار .. وإلى أين تذهب فى الليل .. ولمن ترتدى الفساتين الشيك .. ولمن تتزين ..<br /><br />قضت أربعة أيام فى عذاب وكأنها تعيش فى واحة .. وفى اليوم الخامس قررت أن تعود إلى القاهرة ..<br /><br />وطلب الدكتور سيارة من البندر .. لتقلهما إلى المحطة ..<br /><br />وفى الوقت الذى وصلت فيه السيارة .. جاءه خفير المجمع .. وأخبره أن فلاحا مريضا بالخارج فى حالة اعياء شديد يطلب الكشف ..<br /><br />وأسرع إليه الطبيب فوجده بين الحياة والموت .. وكان قلبه فى حالة هبوط شديد فأعطاه حقنة مقوية ..<br /><br />ولكن الرجل مات فى أثناء الحقنة .. وتألم الطبيب .. وصرخ أهل الميت .. وسرى خبر فى القرية .. أن الدكتور عبد الفتاح قتل الشيخ عبد الجليل بالحقنة التى أعطاها له ..<br /><br />وتجمـع أهـل الميت .. وزحفوا على بيت الطبيب وفى عيونهم الشر .. وخرجت طلقة من أحد الفلاحين .. زادتهم هياجا .. ونسى الفلاحون كل حسنات الطبيب فى ساعة واحدة .. وتحولوا جميعا إلى وحوش ..<br /><br />وبقى الطبيب فى الداخل يقابل هياجهم بالهدوء .. والصمت ..<br /><br />وكان الخبر قد وصل إلى وكيل العمدة فأسرع إلى المكان .. ونهر الفلاحين وضرب الذى أطلق النار .. وقال لهم فى غضب :<br />ـ هل نسيتم كل ما فعله لكم الرجل .. انكم أنذال حقا .. ولا تستحقون الخير من انسان ..<br /><br />واستمر يعنفهم ويوضـح لهم حقيقة الأمر .. حتى هدءوا وانصرفوا ..<br /><br />***<br /><br />وقالت ناهد لزوجها الطبيب .. بعد أن انصرف الفلاحون ..<br />ـ كيف تعيش وسط هؤلاء الوحوش ..؟<br />ـ هذا لامناص منه .. لأعيد إليهم انسانيتهم .. التى سلبت منهم على مدى السنين ..<br />ـ وهل أنت مسئول عن هذا ..؟<br />ـ إذا لم أكن مسئولا فمن هو المسئول ..؟<br />ـ ولكنك ستلاقى العذاب .. والأمر سيطول ..<br />ـ هذا صحيح .. ولكنى سأصـل إلى بغيتى حتما .. وأنا على يقين ..<br />ـ ألا تفكر .. فى النقل ..؟<br />ـ أبدا .. لن أفكر فى هذا .. سأبقى هنا .. لتظل هذه المنارة .. مضاءة ..<br />ـ إذن سأبقى معك .. لايمكن أن أتركك وحدك بعد اليوم ..<br /><br />وسر منها وطوقها بذراعيه .. وطبع على فمها قبلة ..<br /><br />وصرف العربة التى كانت ستقلهما إلى المحطة ..<br /><br />====================================<br /></strong><strong><span style="color:#6633ff;">نشرت فى مجموعة قصص لمحمود البدوى بعنوان " غرفة على السطح " فى مايو 1960ومجموعة " قصص من القرية " ـ مكتبة مصر ط 2006<br /></span>====================================<br /><br /><br /><br /><br /></div></strong><br /><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></strong></a><strong><br /></strong><div align="center"></div><div align="center"><strong></strong></div><div align="center"><strong><span style="font-size:180%;"><span style="color:#6633ff;">عضة الكلب</span><br /></span><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة محمود البدوى<br /></span><br /><br />فى شتاء عام 1964 نقل طبيب الأسنان الدكتور " حسن بهجت " من القاهرة إلى وحدة صحية فى الريف ..<br /><br />وكان الطبيب الشاب على عكس الأطباء الذين هم فى سنه .. والذين ينقلون من المدينة إلى الريف دون رغبة .. ودون تمهيد .. فيشعرون بالمرارة والضيق النفسى والقلق .. كان على عكسهم تماما .. فقد شعر بالبهجة .. والتفتح النفسى والتطلع الواسع .. وكان فى أعماقه يتوق إلى هذه التجربة الحية .. إلى العيش فى قلب الريف .. مادام قد عاش إلى هذه اللحظة مدنيا صرفا .. ليخرج بشىء لايجد مثله فى الكتب .<br /><br />ولما كان غير متزوج فقد أقام فى السكن المخصص له بالوحدة .. وكانت القرية التى تقع فيها الوحدة من القرى الكبيرة والمواصلات إليها سهلة .. فهى قريبة من محطة السكك الحديدية .. ومن الطريق العام لسيارات الأجرة .. وأهلها وادعون مسالمون يشتغلون بالزراعة وتجارة المواشى .. وفيها سوق كبير يتجمع فيه أهل القرى المجاورة فى يوم الإثنين من كل أسبوع .. ويتبادلون السلع بكل الوانها وأشكالها ..<br /><br />***<br /><br />ولاحظ الطبيب الشاب شيئا فى المرضى الذين يترددون على الوحدة .. شيئا لم يلتفت إليه أولا .. ثم شد انتباهه بعد أن برز بوضوح كطلعة الشمس ..<br /><br />لاحظ ندبة فى الصدغ الأيمن من كل رجل يدخل الوحدة .. ورأى أن الندبة برزت وأصبحت كالدمل المقروح فى وجوه الرجال فقط .. ولم يرها فى وجوه النساء والأطفال ..<br /><br />وأدركه العجب وخرج يمشى على جسر القرية وبين دروبها ليتأكد مما شاهد فوجد الندبة ظاهرة فى وجوه الرجال .. وبارزة بوضوح .. واضطر بعد هذا التعميم أن يسأل أحد مرضاه عن سببها فعرف أنها عضة كلب .<br /><br />ودخل شيخ البلد العيادة فرآه الطبيب وفى صدغه العضة .. فسأله فى استغراب :<br />ـ حتى أنت ياشيخ على ..؟<br />ـ حتى أنا يادكتور .. لم يترك الكلب رجلا فى القرية إلا عضه .<br />ـ الرجال فقط ..؟<br />ـ أجل .. وبفراسة شديدة .. اختار الرجال لفعلته وترك النساء والأطفال .. لم يقترب من أحد من هؤلاء .<br /><br />ـ ومتى حدث هذا ..؟<br />ـ منذ أكثر من سنتين .. وبنظام وترتيب .. بدأ بالذين فى البيوت والدروب ثم خرج إلى الغيطان .. وكان يثب كالليث .. ويتخطى الحواجز .. ولم يعض إنسانا مرتين أبدا .. فعلها مرة واحدة .<br /><br />ـ وقتلتموه ..؟<br />ـ أبدا .. لقد كان فى ضراوة الأسد وشدة بأسه .. فمن الذى يجرؤ على الاقتراب منه .. إنه هو الذى كان يستطيع قتلنا .. ولكنه اكتفى منا بترك هذه العلامة .<br /><br />ـ وهل لايزال فى القرية ..؟<br />ـ أبدا .. خرج فى ليل ولم نعد نراه ..<br /><br />وشغلت هذه الظاهرة العجيبة بال الطبيب .. واستغرقت كل تفكيره .. وكلما مشى على الجسر وشاهد الفلاحين العائدين بدوابهم من الغيطان .. والسائرين فى الدروب وعلى وجوههم نفس الندبة فى الصدغ الأيمن يتعجب ويتساءل .. قد يكون كلبا مسعورا ككل الكلاب المسعورة .. انتابته حالة سعار من مرضه .. ولكن لماذا التعميم والتخصص ..؟ أهو شيطان فى جسم كلب ..؟<br /><br />وأخذ الطبيب يسأل الموظفين فى الوحدة وزملاءه الذين جاءوا إلى القرية فى زمن قبله .<br /><br />فعلم أنهم هبطوا القرية ووجدوا أهلها على هذه الصورة .. ولم يشغلهم الأمر أو يستلفت نظرهم لأنهم ظنوها خلقة طبيعية .. ومنهم من سمع أنها عضة كلب .. ومرت الأيام وألف من فى الوحدة هذه الوجوه على حالها .<br /><br />***<br /><br />ولكن الدكتور بهجت .. ظل فى حيرة من أمر هذه الظاهرة .. وتعجب كيف تكون عند الكلب هذه القدرة على ترك هذه العلامة فى رجال القرية جميعا أمام سطوته ..؟ وهم يعرفون أنه يطاردهم فى كل مكان .. قد تكون عضة واحدة فى صدغ رجل واحد وانتقلت بالتصور إلى جميع الوجوه .<br /><br />***<br /><br />وأخيرا قرر الطبيب أن يصلى الجمعة فى مسجد القرية الذى يجمع صورا مختلفة من أهلها .. الشيوخ والشبان .. ليتأكد من هذه العلامة الغريبة .. ولما دخل المسجد رأى الندبة برسمها وحجمها على وجوه المصلين جميعا .<br /><br />وخرج المصلون من الجامع .. واختار الطبيب أكبر المصلين سنا .. وكان شيخا وقورا ..<br /><br />مال به الطبيب إلى جلسة تحت المحراب وسأله وهو يشير إلى صدغه :<br />ـ وهل هذه الندبة عضة كلب أيضا .. ياشيخنا الكبير ..؟<br />ـ أجل .. يادكتور ..<br />ـ إنه شيطان إذن مادام يعض الصالحين المتوضئين من أمثالك ..<br />ـ إنه ليس بشيطان .. إنه نذير ..<br />ـ وهل إذا رأيت الكلب تعرفه ..؟<br />ـ بالطبع أعرفه .. وكل القرية تعرفه .. لقد كان من كلاب القرية .. وأخذه " عبد الجابر السحلاوى " وأصبح من زمرة كلابه .. إلى أن حدث ما حدث واختفى الكلب بعدها ..<br /><br />ـ وما السبب الذى أهاج الكلب .. لقد سألت الكثيرين فلم أعرف السبب الحقيقى .. الأقوال متضاربه ..<br /><br />ـ الناس يشعرون بالخجل يادكتور .. من تصرفاتهم .. عقدة الذنب .. استقرت فى أعماقهم .. فمنعتهم من الكلام .. لأن فى التصريح بالكلام ورواية الحقيقة عارا .. وعارا أبديا .. على أهل الريف .. أهل الريف الذين عاشوا طول عمرهم يتعاونون فى السراء والضراء .. ويغيثون الجار ويدافعون عن المظلوم .. ولكنهم تغيروا الآن يادكتور .. وانقلب حالهم .. وتسلطت عليهم الأنانية فى بشاعة .. حتى لاتجد فيهم من مروءة الرجال من يذوذ عن امرأة مسكينة .. لقد اقتص الكلب من أنانيتهم وانشغال كل منهم بحاله .. غافلا عن حالة أخيه .. مادام لايصيبه من أمرها مكروه .. فكر فى السلامة لنفسه .. ولم يفكر فى سلامة الآخرين الذين يعيشون بجواره وفى حضن قريته وزمامها ..<br /><br />لقد كان " عبد الحافظ " مدرسا فى المدرسة الاعدادية بالقرية .. وغريبا عن أهل القرية .. جاء ليهديهم ويعلم أبناءهم .. ولكنهم خذلوه فى خسة وضعف .. أشفق المسكين على حالهم عندما رأى " السحلاوى " يستولى على ريع السوق ويتاجر فى سماد الجمعية المخصص لهم .. ويسرق قوتهم وقوت عيالهم .. ويسيطر على كل شىء بنفعية وتسلط .. فحرك الفلاحين ليقفوا فى وجهه .. ويطالبوا بحقهم .. ولكنهم تخاذلوا فى ضعف مشين ..<br /><br />وطلب منهم أن يشتكوه لمن يرد لهم حقهم المسلوب .. ولكنهم كانوا يعرفون بالخبرة أن الشكوى لاتنفع وسترتد إلى صدورهم .. فسكتوا ..<br /><br />ولم يرض " عبد الحافظ " بهذا وكتب هو الشكاوى بلسانهم .. ولكن الشكاوى كانت تموت لسطوة " السحلاوى " وكثرة معارفه من ذوى النفوذ ..<br /><br />وعلم .. " السحلاوى " .. أن كاتب هذه الشكاوى هو " عبد الحافظ " .. وفكر فى الانتقام منه سريعا ..<br /><br />وكان " عبد الحافظ " لأنه أعزب .. وليس من أهل القرية قد اختار مضيفة الحاج " حسانين " القريبة من المدرسة كمنزل إقامة ..<br /><br />وكانت المضيفة قريبة من حوش البهائم الخاصة " بالسحلاوى " ومن منزله .. وعند " السحلاوى " كلاب شرسة مدربة على الحراسة ونهش من يقترب من البهائم .. وكل من سار فى الليل واقترب من حوش " السحلاوى " ومنزله يخافها لشراستها .. وكان " السحلاوى " لايريد اغتيـال المدرس الغريب مواجهة وإنما فكر فى تعذيبه وإذلاله .<br /><br />وفى ليلة من ليالى الصيف أطلق عليه وهو نائم كلبا من كلابه الشرسة .. وشاءت إرادة الله أن يعرف الكلب " عبد الحافظ " ويحفظ له صنيعه عنده .. فقد أطعمه " عبد الحافظ " ذات ليلة من ليالى الشتاء الشديدة البرودة .. وأواه فى المضيفة .. وكان الكلب وقتها طريدا شريدا .<br /><br />وعرفه الكلب .. فنام بجواره يحرسه بدلا من أن ينهش لحمه .. وجن جنون السحلاوى عندما رأى " عبد الحافظ " لم يمس بسوء .. وما كان يفعله مستخفيا .. أخذ يفعله علانية وهو فى حالة هياج .. فأخذ يضرب الكلب .. ويطلقه على المدرس .. ولكن الكلب لم يستجب له اطلاقا .. فرأى أن يضع مع الكلب كلبا آخر ليحرضه على افتراس المدرس المسكين الذى أخذ يستغيث بأهل القرية فلم يغثه أحد .. كانوا مشغولين بحالهم .. ويخافون من بطش " السحلاوى " فتخاذلوا عن غوث الغريب .<br /><br />وأخذ " السحلاوى " بعين الوحش يرقب ما يجرى أمامه ولكن .. خاب فأله .. فقد افترس الكلب الأول الكلب الثانى وألقاه جثة هامدة .<br /><br />ولمح " السحلاوى " عين الشر فى عين الكلب الأول فلم يقترب منه وإنما قرر أن يقتله بمسدسه .<br /><br />وفى اللحظة التى فكر فيها أن يفعل هذا كان الكلب الأول قد وثب عليه وألقاه على الأرض .. بعد أن عضه فى صدغه تلك العضة .. ووضع فى وجهه تلك العلامة المميزة ..<br /><br />وارتعب " السحلاوى " وغشى عليه .. ولما أفاق كان الكلب قد خرج من القرية ..<br /><br />ولكنه عاد إليها وأخذ يعض الرجال من أهلها بالصورة التى رأيتها فى وجوههم .<br /><br />وبعد هذه الحادثة لفق " السحلاوى " تهمة للمدرس المسكين ونقله من القرية ..<br /><br />وسافر " السحلاوى " ليعالج نفسه من عضة الكلب وطال غيابه ..<br /><br />وصمت الشيخ قليلا ليرى أثر حديثه فى وجه الطبيب الشاب ثم قال :<br />ـ هذه هى قصة " العضة " التى تراها فى وجوهنا يادكتور " بهجت " وأرجو أن تساعدنا أنت وزميلك الجراح على إزالتها ..!<br />ـ مع الأسف ياحاج .. لاأستطيع ذلك .. لاأنا .. ولا زميلى الجراح ..<br />ـ كيف .. يادكتور .. كيف ..؟<br />ـ لأنها من عملكم وخصائص نفوسكم .. ومتى تغيرتم ستزول ..<br />ـ بغير جراحة ..؟!<br />ـ بغير جراحة ..<br /><br />وشكر الدكتور " بهجت " الشيخ الكبير على حديثه .. وأخذ طريقه إلى الوحدة ، وهو يفكر فى طريقة عملية ليخرج الخوف من نفوس هؤلاء المساكين الذين أصابهم الكلب بهذه الوصمة .. وتمنى أن يرى " السحلاوى " والكلب والمدرس وبعد هؤلاء الثلاثة سيعالج الخوف بطريقته .<br /><br />***<br /><br />ومع دوامة الحياة تصور " عبد الحافظ " أنه نسى ما حدث له .. ولكن تصوره كان خاطئا .. فقد كان الجرح عميقا وضاربا فى أعماق النفس .<br /><br />وذهب يسأل عن " السحلاوى " فعلم أنه مات .. ومات مع قوته الانتقام .. ونسى عبد الحافظ ما حل ولكنه فوجىء بعد ذلك بمن يخبره أن " السحلاوى " حى وفى بلده .. فأشعلت فى نفسه جذوة الانتقام التى حسبها تحولت إلى رماد .. وقرر أن يغتاله فى نفس المكان الذى عذبه وأذله فيه .. نفس المضيفة .<br /><br />وركب القطار إلى القرية بعد أن تسلح .. ووصل إلى بساتينها ساعة العصر .. ورأى أن يظل فى البستان إلى الساعة التى يختارها فى الليل للتحرك .<br /><br />وبعد وصوله بأقل من ساعة شاهد جنازة طويلة تتجه إلى المقابر القريبة من البساتين .. فسأل عنها .. وعلم أنها جنازة " السحلاوى ".<br /><br />وتعجب وقال لنفسه :<br />ـ مات " السحلاوى " فى اليوم الذى قصدته فيه .. ما أعجب الدنيا بتصاريفها ..<br /><br />وتعجب أكثر من طول الجنازة وعرضها .. فقد خرج وراءه رجال القرية جميعا .<br /><br />وردد لنفسه :<br />ـ إنهم يخافونه ميتا .. أكثر مما يخافونه حيا ..<br /><br />***<br /><br />ودخل " عبد الحافظ " فى خط الجنازة مع الرجال .. وتلفتوا بأصداغهم التى عضها الكلب .. وتهامسوا ..<br /><br />ـ جاء المدرس .. يشترك فى الجنازة .. ونسى ما فعله فيه ..<br /><br />ـ إنه نبيل ..<br /><br />وفجأة اضطربت الصفوف المتراصة الواجمة .. ورفعت رؤوسها المنكسة .. وصاح الرجال :<br /><br />ـ الكلب .. الكلب ..<br /><br />وأصابهم الذعر .. ووضعوا النعش على الأرض .. وانطلقوا يمينا وشمالا فى الغيطان يسابقون الريح ..<br /><br />ونظر " عبد الحافظ " فوجد الكلب واقفا على القنطرة التى سيعبر منها الرجال إلى المدافن .. إنه نفس الكلب ولكنه تضخم أكثر وغدا أشبه بالأسد فى ضراوته ..<br /><br />تقدم " عبد الحافظ " نحوه بثبات وناداه :<br />ـ تعال .. يامبروك .. تعال إلى صاحبك ..<br /><br />واتجه الكلب إليه بعد أن عرفه .. وهو يحرك ذنبه فرحا بلقاء صاحب قديم ..<br /><br />ووضع " عبد الحافظ " يده على رأس الكلب ومسح على ظهره بنعومة .. وطوقه بذراعيه .. ثم أشار إليه بأن يبتعد ..<br /><br />فانسحب الكلب وهو يشيع صاحبه بنظرة لم تصدر مثلها من إنسان ..<br /><br />وانحنى " عبد الحافظ " على النعش ليحمله .. وشجعت هذه الحركة الرجال .. فعادوا إلى الجنازة من جديد ..<br /><br />عادوا وهم يشعرون أن حركة الكلب قد فعلت شيئا فيهم لم يدركوه بعد .. وهم يتحركون فى صمت .. والمدرس الغريب بينهم وفى رأس الصفوف ..<br />=================================<br /></strong><strong><span style="color:#6633ff;">نشرت القصة فى صحيفة مايو 20/4/1981 وأعيد نشرها فى مجموعة السكاكين لمحمود البدوى 1983<br />=================================</span><br /><br /><br /></strong></div><br /><br /><div align="center"><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></strong></a><strong> </strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;"><strong>المهاجر<br /></strong></span><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة محمود البدوى<br /></span><br />الدكتور " صبحى " طبيب أسنان كهل يعيش وحيدا فى المنزل رقم 105 فى شارع سيدى جابر بمصر الجديدة .. عيشة رضية خالية من أمراض الشيخوخة ومتاعبها ..<br /><br />واتخذ الطابق الأول من المنزل للعيادة والسكن معا .. أما الطابق الثانى فكان يسكنه شاب فى الثلاثين من عمره ويشتغل موظفا فى احدى الوزارات ..<br /><br />والطبيب والموظف من العزاب وقد جمعتهما العزوبة فى بيت واحد فى شارع هادىء .. قليل الحركة خفيف الضوء ..<br /><br />واتخذ الطبيب لنفسه نهجا منذ جاوز سن السبعين .. فقد خفف من عمله كطبيب وأصبح لا يستقبل إلا القليل النادر من مرضاه وكانوا يأتون إليه فى فترات متباعدة فى الصباح والمساء ..<br /><br />ومنذ سنوات طويلة وهو يفكر فى السفر إلى الخارج كمهاجر ويعيش فى " لندن " فقد تعب من كد الحياة وأراد أن بذهب إلى هناك ويستريح من كل عمل ..<br /><br />وعندما فرضت الحراسة على بعض الأفراد ضاعت الثقة بينه وبين البنوك فسحب أمواله من البنك الذى يتعامل معه وأودعها فى بيته واختار لها مكانا تصور فيه الأمان المطلق وهو أن يحشرها بعد وضعها فى ظرف كبير .. بين مراجعه العلمية فى مكتبته ولا أحد يفكر فى سرقة الكتب ..!<br /><br />وأخذه الوسواس فكان يطمئن على هذا الظرف وما فيه من نقود فى الصباح والمساء وقد ربط كل الف جنيه فى ضمة واحدة ليسهل عليه العد والمراجعة ..<br /><br />وكان قرار السفر قد جعله يستعجل كل الأمور .. كما كان من عادته أن يزور " لندن " كل عام وبقضى فيها شهرين على الأقل .. لأنه قضى فيها سنين الدراسة وهو طالب وله فيها من المعارف المصريين ما يؤنس وحدته ..<br /><br />ولكنه أجل السفر فى هذا العام بعد أن قرر الهجرة إليها نهائيا واختار فى ذهنه الحى الذى سينزل فيه .. والبيت الذى سيأويه ..<br /><br />واضطر وهو الطبيب المثقف الذى يؤدى عمله بكل أمانة أن يلجأ إلى وسيط ليستطيع أن يهرب كل المبلغ الذى معه بعد أن صفى جميع أعماله ..<br /><br />وفى أثناء الدوامة التى انشغل فيها الطبيب مع كبر سنه لاستخراج اجراءات السفر وتصفية أموره .. جاءته قريبة له من " المنصورة " لتزوره لما علمت باعتزامه الهجرة ..<br /><br />وأثناء صعودها سلالم البيت وجدت شابا يخرج من عيادة الطبيب فلم تكلمه لأنها حسبته من المرضى كما حسبها هو ..<br /><br />ولما دخلت هى العيادة وجدت الدكتور " صبحى " فى مكتبه جالسا على كرسيه ولكنه مخنوق وحسبته أولا مغمى عليه .. ولما تبينت موته صرخت .. وجاء الناس على صراخها من الشارع على قلتهم .. وحدثت الناس والبوليس بالشاب الذى رأته يخرج مسرعا من العيادة وهى داخله ..<br /><br />كما روت للبوليس أن الدكتور صبحى كان يحتفظ فى بيته بكل أمواله بعد سحبها من البنك .. ووجدت المكتبة والأوراق والكتب مبعثرة .. والنقود مسروقة ..<br /><br />ولما كان القتل قد حدث للسرقة وليس لشىء آخر .. فقد أخذ البوليس يراجع أسماء المترددين على العيادة فى الأيام الأخيرة وكان الطبيب يقيد الأسماء والعناوين بدقة وعناية ولم يتعد عدد هؤلاء ثمانية أشخاص .. وبعد سؤالهم بعدت عنهم الشبهة ..<br /><br />وحددت الشبهة فى الشاب الذى رأته السيدة " مديحة " قريبة الدكتور وهى طالعة السلم ..<br /><br />وكان هذا الشاب هو آخر من تحرك وشوهد وأعطت أوصافه .. وتبين أنه الساكن الوحيد فى المنزل ويقيم فى الطابق الذى فوق الطبيب .. ولا طوابق بعده ..<br /><br />ولما عرض عليها مع صف من الشباب فى مثل سنه .. أخرجته من بين الصفوف ثلاث مرات ..<br /><br />وطالت الاجراءات وظل الشاب فى الحبس .. مع أن بصماته غير البصمات التى وجدت فى المكتبة التى سرق منها المبلغ .. كما أن تفتيش بيته لم يسفر عن شىء له علاقة بالحادث .. والتحريات عنه دلت على أنه مثال الاستقامة والأمانة فى عمله وسلوكه الخارجى ..<br /><br />ولكن شهادة السيدة " مديحة " كانت قوية ضده .. فهو آخر من شاهدته خارجا من باب العيادة وهى طالعة السلم كما كان مسرعا ومضطربا ..<br /><br />***<br /><br />وكانت هناك شغالة تنظف عيادة الطبيب وبيته كل صباح وهى فى الوقت نفسه ممرضة فى مستشفى الدمرداش .. وتأتى مبكرة جدا لتستطيع أن تزاول عملها فى المستشفى بعد ذلك فى المواعيد المحددة لها واستجوبها البوليس وفتش بيتها ثم أخلى سبيلها بعد أخذ بصماتها ..<br /><br />واعتاد الطبيب أن يتناول طعامه من مطعم قريب وكان عامل المطعم يأتى له بطعام الغداء .. فى الواحدة والنصف بعد الظهر .. وطعام العشاء بعد الساعة الثامنة مساء ..<br /><br />ولكن الطبيب بعد أقل من ثلاثة أشهر استغنى عن هذا المطعم لأنه وجده يغش فى أصناف اللحوم وبعض الأصناف الأخرى دون رقيب وأخذ الدكتور يخرج بنفسه فى ساعة الغداء والعشاء ويختار ما يروقه من المطاعم ..<br /><br />ولكنه فى اليوم الذى مات فيه أحس بتعب شديد ولم يستطع النزول ليأكل فى الخارج فاضطر أن يطلب طعام العشاء بالتليفون من المطعم الذى كان يتعامل معه من قبل ..<br /><br />وجاء عامل المطعم يحمل الصينية وصعد السلالم فى الليل ووجد باب العيادة مفتوحا فدخل وألفى الطبيب جالسا على كرسيه فى حالة استرخاء فحسبه نائما ووجد درج المكتبه الذى على يمينه مفتوحا وتطل منه أوراق وكان العامل يرى الطبيب من قبل يفتح هذا الدرج ويقفله كثيرا فاقترب منه وأزاح مجلدا طبيا باللغة الإنجليزية غطى سطح الدرج .. وبرز الظرف .. وبحلق مذهولا فقد تكشفت له الأوراق المالية فى صفوف ..<br /><br />جحظت عيناه وكف وجيب قلبه وتحول إلى الدكتور فألفاه لايزال مستغرقا فى نومه .. حدق فى وجهه طويلا .. ثم سحب سريعا الفوطة التى كانت على صينية الطعام ولف بها عنق الطبيب وضغط وأخرج حزم الجنيهات من الدرج بظرفها ووضعها فى صندوق أدوية ودلق الطعام الذى جاء به للطبيب فى صندوق الزبالة حتى لا يثير الشبهات .. ووضع صندوق النقود على صينية الطعام وغطاها بالمفرش .. ونزل سريعا .. وكان فى حالة فزع أولا .. ثم وقف على السلم قليلا ليستكن ويسترد أنفاسه ..<br /><br />ووجد بائع كشك فى مواجهة البيت ينظر إليه .. ثم يسأله لما وجد الصينية كما هى مغطاة بالمفرش .. لأنه لم يكن من عادته أن يغطيها بعد الأكل .. وكان يطوى المفرش ..<br />سأله بائع الكشك :<br />ـ الم تجد الدكتور .. يا شعبان ..؟<br />ـ لا .. وجدته ..<br />ـ وأكل ..؟<br />ـ نعم .. أكل سريعا .. الظاهر .. عنده مشوار ..<br /><br />واضطر أن يجارى بائع الكشك فى حديثه .. وأن يشترى منه زجاجة عصير .. ويشربها وهو واقف وعلى رأسه الصينية وسأل نفسه متعجبا لماذا يسألنى هذا الوغد هذه الأسئلة الآن ..؟ وما وجه إلىَّ من قبل سؤالا قط ..<br /><br />ولما دخل بالصينية المطعم .. لم يجد صاحب المطعم .. ووجد الفتاة العاملة على الخزانة فأعطاها المبلغ الذى اعتاد الطبيب أن يدفعه لعشائه وقال لها أنه يشعر بالتعب وذاهب إلى البيت لينام .. وسيعود مبكرا فى الصباح ..<br /><br />وسار فى شوارع مصر الجديدة فى الليل وهو يفكر فى المكان الذى سيخبىء فيه الصندوق .. فلو أخذه إلى البيت فسيراه زوج أمه ويضربه ويستولى عليه .. وإذا حمله إلى بيت رفيق له لم يأمن شره ..<br /><br />وكان قد بصر بكوم عال من التراب عند مساكن الألف مسكن والمكان قريب أيضا من سكنه فاستقر رأيه على أن يدفن الصندوق فيه ..<br /><br />وذهب إلى المكان وكانت الاضاءة معدومة فيه والظلام يخيم .. ووضع الصندوق جانبا وعاينه ولكنه رآه قريبا من مساكن الرحل الذين يجمعون الأوراق والحشائش على الحمير فى أحياء مصر الجديدة ويفتشون فى الأرض وينبشونها فخاف من شرهم وعدل عن هذه الفكرة ..<br /><br />وشل تفكيره تماما وهو يحمل الصندوق بعيدا عن المكان الذى اختاره وعن بيته .. ان هذا الوحش الذى فى البيت والذى يضرب أمه فى الصباح والمساء لأنها دنست فراش أبيه وتزوجته ويضربه هو ويستلب منه أجره اليومى من المطعم ليس من الصواب أن يقترب منه ويراه مرة أخرى وسيفر منه الآن إلى الأبد ..<br /><br />وأخيرا هداه تفكيره أن يذهب بالصندوق إلى خاله فى " طنطا " ..<br /><br />***<br /><br />ونزل من الأتوبيس ودخل محطة مصر وبيده الصندوق وكان الليل قد انتصف والأنوار متألقة فى الداخل والخارج وسأل عن قطار مسافر إلى " طنطا " فقيل له أنه لايوجد إلا قطار الصحافة وهو يتحرك فى الساعة الثالثة صباحا فجلس على قهوة هناك عند مكان قطع التذاكر ..<br /><br />وكانت القهوة مزدحمة بالمسافرين إلى بحرى وقد وضعوا لفائفهم وسررهم وأقفاصهم بجانبهم ومنهم من نام فى مكانه وكان هناك بعض النسوة المسافرات بأطفالهن على صدورهن وبين أرجلهن وقد تجمعن فى ركن واحد على البلاط .. ومنهن من مدت رجلها وظهر خلخالها الفضى .. ومنهن من جلست متربعة ومنديلها يغطى شعرها .. بعد أن حسرت عنها الطرحة من شدة حر شهر يوليو الخانق ..<br /><br />وكان الهواء راكدا فى القهوة مع أنها غربية وبناية المحطة لا تحجب عنها الهواء ..<br /><br />وكان عامل القهوة يحمل كوب الشاى الأسود لكل الناس من يطلب ومن لايطلب .. بمجرد جلوسه على كرسى القهوة يأتى له بالكوب .. باردا .. أو ساخنا هذا لايهم .. ومر باعة السجائر بكثرة من بين الكراسى .. وباعة الطعام الجوالة فاشترى شعبان منهم وتعشى وقد شعر بنهم شديد فأكل رغيفين وطعمية وبيضة ومع هذا ظل شاعرا بالجوع ..<br /><br />وشاهد وهو جالس رجلا يشترى " سبتا " من امرأة تبيع " السبات " خارج بوابة المحطة .. ففكر أن يضع فيه الصندوق ويكون أوفق وأضبط فى حمله واشترى " سبتا " من المرأة بأقل مساومة فقد كان يبحث عن الشىء الذى يريحه فى السفر .. وباعت المرأة ثلاثة أسبته أخرى لبعض الجالسين فى القهوة ..<br /><br />ووجد " شعبان " نفسه بعد أن اشترى " السبت " ليس معه نقود يقطع بها تذكرة السفر .. ففكر أن يخرج ورقة بعشرة جنيهات من الصندوق .. أول ورقة فى ربطة على السطح .. ولكن كيف يخرجها أمام الناس ..<br /><br />فمنذ دخل القهوة وهو يشعر وسط هؤلاء المسافرين بالأمان المطلق وبعدت عن رأسه كل الهواجس التى كانت تطن فى رأسه وتطارده فى المترو والأتوبيس والشارع إنه هنا وسط هؤلاء الناس من طبقته من ركاب الدرجة الثالثة فى كل قطار .. إنه هنا فى أمان مطلق ومسافر فى غير رجعة إلى مكان لاتقع عليه عين البوليس ولا عين الشيطان نفسه إذا فكر الشيطان أن يطارده ..<br /><br />***<br /><br />حمل " السبت " بعد أن وضع فيه الصندوق وخرج من القهوة ولف إلى الشمال ودخل من البوابة الكبيرة التى تدخل منها العربات وجلس تحت الباب المزخرف المعد لكبار المسافرين .. وبعيدا عن أعين الناس وضع يده فى داخل الصندوق وأخرج بحذر وخفة ورقة بعشرة جنيهات .. طواها بسرعة فى جيبه .. وعاد كما كان إلى القهوة ..<br /><br />وبعد كل نصف ساعة كان يطلب الشاى ليظل متيقظا فى مكانه هذا فلو نعس فسيفقد كل شىء ..<br /><br />ومرت لحظات رهيبة على عقله الممسوخ .. كانت فرحته بهذا المبلغ الكبير الذى يحمله .. والذى أصبح ملكا له قد أبعدت ذهنه المريض عن كل تفكير مما فعله فى الطبيب المسكين عندما طوى على عنقه الفوطة فى لحظة خبل .. الطبيب الذى كان يجزل له العطاء بعد كل وجبة ويعطيه بالعشرة قروش والعشرين قرشا وأكثر من هذا البقشيش ويعالج ألم أسنانه وأسنان من يعرفه دون أجر على الاطلاق ..<br /><br />ما فعله الطبيب من خير وحسنات لم يخطر على باله .. ولم يفكر فيه بعقله الملوث قط .. مادام قد هرب وأفلت من التجريم فإن ذهنه لا يندم على شىء شرير فعله أبدا ..<br /><br />إن الندم لايدور فى ذهن هؤلاء الناس أبدا .. والخوف من العقاب يأتى من الخوف من البوليس والوقوع فى قبضة القانون .. وغير ذلك لا شىء .. ولهذا يعودون إلى الجريمة ويكررونها بعد استعذاب وقعها فى نفوسهم ..<br /><br />***<br /><br />وجد الجمهور يقف على الشباك ليقطع التذاكر .. فوقف معهم .. ولما جاء دوره أخرج الورقة ذات العشرة جنيهات .. فبحلقت فى يده العيون ..<br /><br />ورأى الورقة شخص كان لايزال جالسا على القهوة فظل فى مكانه يرقب بعين الصقر فريسته قبل أن تفلت منه ..<br /><br />***<br /><br />ودخلت الجموع المحطة لتركب القطار .. وكان الزحام على أشده .. فهناك أناس يركبونه ليدخلوا المدن فى الصباح الباكر مع الشمس .. وينجزوا عملهم ويعودوا إلى بيوتهم فى نفس اليوم .. دون حاجة إلى الفنادق والمصاريف الأخرى .. وهناك الذاهبون إلى البحر .. وهناك .. وهناك غيرهم ..<br /><br />وعندما صعد " شعبان " إلى العربة كان كل من حوله من الصاعدين يحمل " سبتا " مثله ..! وبشق الأنفس كان قد استوى فى بطن العربة ولكن " السبت " أفلت من يده .. ثم عاد وأمسك به فى قوة ..<br />وعندما جلس أمسك به أيضا وشد من قبضته عليه ..<br /><br />ووجد بعض الركاب والجنود يجلسون فوق الرفوف العلوية المعدة للحقائب والأمتعة .. وعلى الحواجز وقفوا .. ومن الشباك دخلوا .. وفى لمحة عين تحولت العربة إلى مركب ..<br /><br />وتحرك القطار وأخذ الباعة الجائلون يجلجلون بالجرادل المملوءة بالزجاجات .. والمقاطف المحشوة بالطعام ويتحركون كالمردة فى بطن العربات ..<br /><br />كان القطار يخرج من جو القاهرة الخانق فى ليل يوليو وهو يزفر .. كأنه يزمجر صارخا على مافعله وصنعه فيه الإنسان .. عندما أفسد عرباته ومقاعده ومقابضه ومصابيحه وأفسد طبعه أيضا ..<br /><br />وكان هناك انسان واحد نزل من القطار وهو يتحرك قبل أن يخرج من دائرة الرصيف ..<br /><br />وكان يسير وحده على ضوء المصابيح القوية خارجا من المحطة وبيده سبت ..<br />وكان السبت خفيفا ولكنه كان يعرف محتوياته ..<br /><br />ومن الجذب والشد فى زحمة القطار برزت من الصندوق .. ورقة فى المجلد الطبى الإنجليزى .. كانت على السطح ..<br /><br />وكان البهلوان يرقب عقرب الساعة فى محطة كوبرى الليمون وفى ذهنه خاطر جديد ..<br /><br />كان فى أشد حالات الغبطة لأنه لم يبذل إلا أقل جهد فى هذه المرة ومع ذلك ظفر بأكبر غنيمة حصل عليها فى حياته .. وتحرك عقرب الساعة كما تحرك هو ..<br /><br />***<br /><br />وفى الأسبوع الذى أفرج فيه عن الشاب الذى أتهم فى هذه الجريمة وهو برىء طرقت " مديحة " هانم بابه .. وفتح لها واستقبلها بوجوم ..!<br />وقالت له فى خجل :<br />ـ أتسمح بدقيقة من وقتك ..؟<br />ـ نعم ..<br />ـ جئت أعتذر .. فلم أكن أعرف أنك تسكن هنا فوق المرحوم .. وكان الحادث مفاجئا لى وبشعا وأرجو أن تعذر ظروفى ..<br />ـ أنا يا سيدتى أعرف عذرك .. ولا داعى لتعبك والمسألة انتهت ..<br />ـ أبدا .. لقد سببت لك الكثير من المتاعب ةدوالآلام النفسية .. ولا أدرى كيف أمحو أثر هذا من نفسك وأرجو أن تسمح لى الآن بأن أدخل دقيقة ..<br />ـ أنا يا سيدتى أعيش وحدى ..<br />ـ وما دخل هذا فى مجرد الكلام ..؟<br />ـ دخولك فى شقة عازب سيعرضك للأقاويل والمسألة انتهت كما قلت ..<br />ـ أظن أنه ليس من الذوق أن ترفض استضافة سيدة أكبر منك سنا ..!!<br /><br />ودخلت .. وكانت فى رداء أسود محكم التفصيل أبرز تقاطيع جسمها وأكسب وجهها الأبيض نضارة فوق نضارته .. وأخذت الشقة بنظرة سريعة وقالت برقة :<br />ـ ولكن شقتك جميلة ومرتبة ولابد أن يد أنثى هى التى تعمل كل هذا ..<br />ـ أبدا إنى أنظفها وأرتبها بنفسى ..<br /><br />ودخل المطبخ وعاد بكوب من عصير الليمون فتناولته منه شاكرة .. وقالت :<br />ـ أكنت تعرف المرحوم ..؟<br />ـ كان من أعز أصدقائى .. وقد حزنت على مقتله كما لم يحزن إنسان .. ولو رأيت هذا المجرم لقتلته والنفس بالنفس ..<br />ـ إن الدكتور لم يقتل ..<br />ـ كيف .. هذا أغرب خبر أسمعه ..؟<br />ـ الدكتور كان ميتا .. عندما دخل عليه عامل المطعم بالصينية .. وقد حسبه نائما .. وأغراه المال الذى رآه .. أغراه بالقتل والسرقة .. وحسب حساب الوقت قبل أن يصحو الدكتور .. ولهذا أسرع ووضع فى عنقه الفوطة ليجهز عليه .. ولكنه فى الواقع .. كان ميتا منذ عشرين دقيقة ..<br />ـ ومن أين عرفت كل هذا ..؟<br />ـ من تقرير الطبيب الشرعى ..<br /><br />وسألته وقد نكست رأسها :<br />ـ هل رأيت " شعبان " هذا ..؟<br />ـ طبعا رأيته .. وكان يحمل الطعام للدكتور .. ثم انقطع مدة طويلة لأن المرحوم غير المطعم .. واستبدله .. وأخذ يخرج بنفسه إلى مطاعم مصر الجديدة القريبة والبعيدة .. وشعبان هذا تافه وممزق وخائر النفس ولا يفكر أذكى الأذكياء بأنه يستطيع ارتكاب مثل هذه الجريمة ..<br />ـ ان الجرائم تأتى دائما من هؤلاء المرضى عقليا ونفسيا .. هؤلاء الذين تمزقوا فى داخل البيت وخارجه ..<br /><br />وتطلعت إلى وجهه وقالت :<br />ـ أتعرف أن المبلغ سرق منه فى المحطة وهو يركب القطار ..<br />ـ نعم أعرف .. وقد اعترف " شعبان " بكل هذا بعد القبض عليه وأخذ بصماته ولولا اعترافه ما خرجت أنا من السجن فشهادتك ضدى كانت قوية جدا فأنا آخر شخص كان فى عيادة الدكتور .. وبعدها دخلت أنت وصرخت .. فمن يكون المجرم غيرى ..<br /><br />وقالت معقبة وعلى فمها ظل ابتسامة :<br />ـ الحقيقة أن الأدلة كلها كانت ضدك وأنا معذورة .. واسمح لى أن أسألك الآن وقد انتهى كل شىء ..<br />ـ لماذا دخلت العيادة ..؟<br />ـ كان من عادتى وأنا نازل من شقتى أن أمر عليه واسأله إن كان فى حاجة إلى شىء .. ولما دخلت فى هذه الليلة .. وجدته نائما فلم أشأ أن أوقظه .. وقلت أتركه فى غفوته إلى وقت آخر .. ولهذا خرجت مسرعا .. وقابلتك على السلم وكانت مقابلة لها تاريخ ..!<br /><br />ووضحت لها الصورة التى لم تدركها .. وتألمت وظهر أثر ذلك على وجهها ..<br /><br />وقال وهو ناظرا إلى الأرض :<br />ـ ان أشد ما آلمنى هو جو الوظيفة الذى أعيش فيه وبعضهم صدق الخبر لما علم أن حادث القتل اقترن بسرقة مبلغ كبير خمسين ألف جنيه وحتى الأصدقاء استبشعوا الأمر أولا واستنكروه أن يحدث من مثلى ثم قبلوه بعد ذلك تحت اغراء الشيطان .. كأن الشيطان هو الذى يحرك مصيرنا على هذه الأرض ويقلب انسانا سويا فى لحظة إلى قاتل ولص ..<br />وذلك ما يحير الألباب فى تصرفات البشر أجمعين عندما تصادق إنسانا أمينا واخترته لنفسك لأمانته يجب ألا تتزعزع هذه الثقة أبدا مهما كانت الأحوال ..<br />ـ هذا حق فالأمانة لا توزع .. والذى يسرق القرش يسرق المليون .. والذى يسرق قلم الرصاص من جاره فى الفصل الابتدائى سيظل سارقا بعد ذلك فى كل مركز ووظيفة ..<br />وأرجو أن توافقينى على هذا ..<br />ـ طبعا أوافق ..<br />وضحكت ..<br />وقال هو مستطردا :<br />ـ منذ شهور كنت أشترى شيئا من بقال فى الشارع وعلى بابه جموع من الأهالى تصرف التموين .. وجاءت امرأة فقيرة حافية وقالت وهى تمد يدها بشىء :<br />" خد ياعم " حسين " هذا الجنيه .. "<br />" ماله ..؟ "<br />" أنت أعطيته لى زيادة فى الأسبوع الماضى وأنا أصرف التموين "<br />ونظر إليها الناس الواقفون على باب الدكان فى عجب وذهول فالمرأة لم تقبل الجنيه .. وهى حافية وفى حاجة إلى كل قرش منه وتعرف أن البقال لص والذى يوزع عليه التموين أكثر منه لصوصية ..<br />ـ ولكن لا شأن لهذا بأمانتها فهى أمينة وهى حافية وهى أمينة ولو ماتت جوعا ..<br />ـ صدقينى لقد احتقرت هؤلاء الزملاء بعد الذى حدث لى فأما أن تضع ثقتك المطلقة فى صديقك أو لاتكون هناك ثقة ولا صداقة اطلاقا ..<br />ان تهمتك يا سيدتى جرت علىَّ الوبال من الناس والناس فى مجموعهم تخرج من أفواههم ألسنة من النار .. إذا اجتمعوا انقلبوا إلى شياطين يطنون كالذباب ولا تستطيع أن توقف طنينهم قط ..<br />ـ ما الذى أفعله لتغفر لى ذنبى ..؟<br />ـ لا شىء يا سيدتى سوى العزاء .. والصبر .. لقد كان المرحوم من أخلص أصدقائى وموته أنسانى كل مصيبة حلت بى ..<br />ـ هل حدثك عن سفره ..؟<br />ـ بالطبع ورسم محل اقامته فى لندن .. وكان سعيدا بهذه الرحلة تواقا إليها ..<br />ـ نقوم بها نيابة عنه .. ارضاء لروحه ..<br />ـ من يدخل فى حرف الجمع ..<br />ـ أنا .. وأنت ..<br />ـ أنا لم أركب القطار حتى إلى بنها .. فمرة واحدة إلى لندن ..<br />ونظرت إليه فى استغراب وحسبته يسخر<br />ـ ألم تركب القطار إلى بنها .. هل هذا معقول ..؟<br />ـ هو الواقع ..!<br />ـ فى مثل سنك هذا كثير ..<br />ـ اننى بحق فى رونق شبابى وأستطيع أن أتحرك مع وثبة الشباب وطوحه .. ولكن الفقر يعصرنى .. هل تعرفين معنى الفقر .. الذى يخيم على أسرة بأكملها ..؟<br />ـ فى سنك هذا درت حول العالم ..<br />ـ المال زينة الحياة وحياتك ناعمة وسهلة فلماذا تدخلين معى فى حرف الجمع .. لقد أصبح الحرف كئيبا لأول مرة ..<br />ـ لا أستطيع أن أجاريك فى الكلام ولكن أشعر بثقل الذنب وحسبت السفر يخفف عنك ..<br />وسألها وقد رآها تملأ بصرها منه :<br />ـ السيدة أخت المرحوم ..؟<br />ـ أبدا أنا قريبة له فقط وعدت من لندن منذ اسبوع ولما علمت باعتزامه الهجرة جئت لأراه قبل السفر .. كان ودودا وطيبا للغاية ..<br />ـ وكنت فى سياحة هناك ..؟<br />ـ لا .. كنت أعيش .. عشت خمس سنوات متصلة فى لندن ولما مات زوجى قلت لنفسى أعود لبلدى وهذا خير مكان ..<br />ـ دكتورة ..<br />ـ أجل وزوجى كان طبيبا ..<br />ـ كلكم أطباء وهذا يبشر بالخير لكل مريض .. ولكن إذا مرضت فلن أعرض نفسى عليك ..<br />ـ لماذا لقد تمرنت فى أحسن المستشفيات فى العالم ودرست على أعظم الأطباء ..<br />ـ لأنى لن أمرض وسأموت واقفا ..<br />ـ كان الدكتور صبحى يقول هذا وقد صدق فى كلامه ..<br />واخضلت عيناها بالدموع ..<br /><br />وشعر بالعطف عليها وبالود .. ونسى كل ما سببته له ورآها تجاوب على مشاعره بمشاعر دافقة من الحب وكأن الأيام التى قضاها فى الحبس قد ولدت بينهما شعورا بالظلم الذى لا يدرك سببه والقسوة التى تصادف كل البشر فى حياتهم ..<br /><br />وظلت تسأل عنه كل يوم وتقرع بابه بعد الافراج عنه .. ولكنه سافر إلى قريته مباشرة ليمنع أهله من الحضور إلى القاهرة ويسبب لهم المتاعب ..<br /><br />فلما أحست بعودته طارت إلى بابه ورأته على حقيقته صبوح الوجه ناضر الشباب والرجولة ضاحكا على عكس ما كانت تتوقع بعد الاتهام الذى لوثته به ..<br /><br />***<br /><br />وبعد هذه الزيارة أصبحت تخرج معه إلى كل مكان فى القاهرة ..<br />وقالت له :<br />ـ سآخذ شقة المرحوم التى تحتك فهل تساعدنى ..؟<br />ـ وهل هذا الأمر يحتاج لسؤال ..؟<br />ـ يعنى تفعل كل شىء ..؟<br />ـ مازلت " رازكولنيكوف " لدستويفسكى ..<br />ـ لا .. لا .. لا أرغب فى هذا ولا أحب أن تفعل هذا فى سبيلى ويكفى أن تكون " سيدنى " لديكنز ..<br />ـ كل امرأة تحب أن تكون محبوبة ..<br />ـ والرجل ..؟<br />ـ الرجل مشاغله كثيرة .. والحب دائما فى الظل أما المرأة فلا ..<br />ـ ولكن المرأة تعمل الآن ولها نفس المشاغل ونفس المتاعب التى للرجل ..<br />ـ ولكن الحب هو فى البؤرة من قلبها .. ومن حياتها وبه تعيش ..<br />ـ كل ما أرجوه هو أن تساعدنى كجار وأنت تعرف معنى أخذ شقة من صاحب بيت فى هذه الأيام ..؟<br />ـ اطمئنى وضعى فى الثقة التى حدثتك عنها ..<br /><br />***<br /><br />وقال لها باسما :<br />ـ بعد أن غيرت العقد وأقمت فى الشقة أرجو ألا تضعى فيها نقودا أو كنوزا فتجرينى إلى تهمة جديدة ..؟<br /><br />وضحكت وقالت بنعومة وعلى وجهها التأثر :<br />ـ أعرف أن الأثر لا يزال فى نفسك فمتى تغفر لى متى .. واطمئن ليس معى نقود أخزنها وما دمت فى حمايتك فأنا لا أخاف من شىء .. وشكرها وعجب لأحوال النساء وصعد إلى شقته صامتا ..<br /><br />***<br /><br />وجعلت الشقة عيادة وسكنا كما كانت وجاءت بشغالة من البلد وممرضة من القاهرة وأخذت الحياة تجرى ..<br /><br />***<br /><br />ووجدت أنه صنع منشرا فى السطح غير المسور للبيت وأمامه فى ركن منه مكان يستريح فيه ويسترخى وفرشه بالحشيات والمخدات ..<br />فاستأذنته وقالت :<br />ـ أتسمح بأن ننشر فيه الغسيل .. إن البلكونة لاتصلح وأنا لا أحب أن أنشر غسيلا فى البلكونات وربما تولدت هذه العادة فى اقامتى الطويلة فى لندن ..<br />ـ على الرحب .. السطح كله لك ..<br /><br />***<br /><br />وصعدت وعجبت للمكان ولما نزلت خادمتها بعد نشر الغسيل سألته :<br />ـ اتخذته مكانا أيضا ..؟<br />ـ إنى أسكن الأدوار العلوية دائما وأحب أن أكون قريبا من النجوم .. وفى الحرب العالمية الثانية كنت صغيرا وأسكن فى شقة صغيرة فى المنيل قريبة من النيل .. وقريبة أيضا من السماء وكنت أرى منها مآذن القلعة ومساجد القاهرة وقبابها وأبراج الكنائس .. كلها مضاءة وشامخة وصامدة فى وجه العدو .. وكانت الطائرات تروح وتجىء وتلقى قنابلها .. ولكن المساجد والكنائس والقباب ظلت شامخة وصامدة ولم يصبها السوء قط ..<br /><br />وفى الحرب مع اليهود .. ظلت القاهرة أكثر شموخا .. وحركهم جبنهم ككل عادتهم فى الحروب إلى ضرب مدرسة بحر البقر وما تحت مرماهم فى الاسماعيلية والسويس .. ليثيروا الشعب ضد حكامه .. لأنهم لا يعرفون طباع الشعب ..<br /><br />الشعب المصرى يتحرك فى المحن بقلب واحد وعزيمة صلبه .. ينسى كل متاعبه ليحقق هدفه .. كل شىء يقبل إلا الهوان ..<br /><br />وقالت لنفسها إنه يخطب كأنه فى حفل ونسى أنى معه وقريبة منه وأشم رائحة عرقه بل وأسمع دقات قلبه ..وهكدا الرجل دائما ..!<br /><br />وسمعها تقول لترجعه إليها .. وهى تشير بيدها :<br />ـ فى ليلة قمرية سنصعد معا إلى هذا السطح ..<br />ـ شاعرية جميلة من طبيبة .. أن ترى القمر ..<br />ـ اننا لانراه فى سماء القاهرة وكأنه غير موجود .. إلا إذا خرجنا فى الليل إلى الخلاء .. أو صعدنا إلى فوق .. أطبقت البيوت وخنقتنا .. وتبلد احساسنا بعدها .. ولم نشعر بالجمال ..<br />ـ إنى أشعر به دائما يملأ طيات نفسى ..<br />ـ أين ..؟<br />وأمسك بيدها وضغط .. وشعرت كأنها تطير ..<br /><br />=================================<br /><span style="color:#6633ff;">* نشرت قصة " المهاجر " فى صحيفة مايو 20/7/1981 وأعيد نشرها فى كتاب " السكاكين "</span><br />=================================<br /><br /><br /><br /></strong></div><br /><div align="center"><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></strong></a><strong><br /></strong><br /><br /><strong></strong><br /><br /><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">المعجزة<br /></span><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة محمود البدوى<br /></span><br />كانت هند طريحة الفراش منذ تسعة شهور ، استيقظت ذات صباح فوجدت نفسها لاتستطيع أن تنهض من سريرها ، لقد أصيبت بالشلل النصفى على إثر صراع نفسى جبار استمر سنوات وأحزان قاتلة هدت كيانها ..<br /><br />كانت تعتقد أنها دميمة قبيحة الصورة لاتصلح للرجال ولايحبها إنسان .. وقد رسخ هذا الاعتقاد فى نفسها منذ الطفولة وكبر مع الأيام .. كانت أمها تقول لها وهى صغيرة تلك الكلمة القاتلة " يا وحشة " كانت تسمع منها هذه الكلمة فى اليوم عشرين مرة .. فرسخت الكلمة فى أعماقها واستقرت فى طوايا نفسها ، فنشأت مريضة حزينة منطوية .<br /><br />ولما كبرت رأت أختيها الصغيرتين تتزوجان قبلها وبقيت هى فى المنزل لايتقدم لها أحد حتى تعدت سن الزواج . وكانت تتصور أن جميع من فى البيت يكرهونها لهذا السبب ، وزادت أحزانها وآلامها .. وانفجر شريان غضبها أخيرا فأصيبت بالشلل ..<br /><br />وأحضر لها أبوها أبرع الأطباء فى المدينة ، ودخلت كل المصحات وطافت بالأضرحة ، ونذرت لها النذور ، ولكن دون جدوى ..<br /><br />ولجأت أمها ـ بعد أن تطرق إلى قلبها اليأس ـ إلى الدجالين ، فكانوا يكتبون لها الأحجبة والطلاسم والألغاز .. وأخذت تطلق البخور فى حجرة ابنتها لتطرد الشياطين .. وتنتظر الفرج من ملائكة الرحمة ..<br /><br />وكانت الفتاة بعد الحادث الذى نزل قد زهدت فى كل شىء .. فى الحياة .. وقد علمتها الشهور الطويلة التى قضتها فى الفراش التأمل .. والقراءة .. فكانت تطلب الكتب وتقرأ .. وتقرأ وتفكر .. وقد خرج بها الألم عن الدائرة الضيقة التى كانت تعيش فيها من قبل ، فأصبحت إنسانية النزعة تتألم لآلام الناس وتشاركهم عواطفهم ..<br /><br />وكان أبوها يسير أصيل يوم فى أحد شوارع القاهرة ، فلمح لافتة صغيرة تشير إلى طبيب نفسانى .. ومع أنه لم يسمع به من قبل ولم يحدثه أحد عنه ولكنه صعد إليه .. واستقبله الطبيب مرحبا .. فقد كانت العيادة خالية تقريبا من المرضى ، وتحدث الأب عن فتاته المريضة ..<br /><br />فقال الدكتور وهو يبتسم :<br />ـ قبل كل شىء سنشرب القهوة لأن جلستنا ستطول..<br />وشرب القهوة .. وقال الدكتور وهو يفتح دفتر مذكراته :<br />ـ أنا على استعداد لأن أذهب معك إلى البيت الآن وأرى المريضة ، ولكنى أود قبل هذا أن أعرف كل شىء عنها .. فأسرد علىّ سيرتها من الطفولة إلى الآن ، وحاول أن تتذكر كل شىء فإن ذلك من الأهمية بمكان ..<br /><br />وتحدث الأب واستمع اليه الطبيب ساعة كاملة ، ثم ركب عربة إلى البيت ، ودخل الطبيب على المريضة واستقبلها بوجهه الضاحك ، وأخذ يوجه اليها بعض الأسئلة ويشيع الطمأنينة فى نفسها ..<br />واسـتراحت اليــه الفتــاة كثيرا على خلاف من سبقه من الأطباء ..<br /><br />ثم استأذن وأخذ طريقه إلى الخارج .. وسأله الأب فى لهفة :<br />ـ أين الروشته يا دكتور ؟<br />ـ ليس بابنتك أى شىء ..<br />ألا تصف لها دواء ؟<br />ـ أنا لاأعالج بالسموم .. وسأعالجها على طريقتى .. وسترى نتيجة ذلك قريبا ..<br />ـ وستشفى ؟<br />ـ بإذن الله .. ما فى شك ..<br /><br />ونظر إليه الرجل بين مصدق ومكذب .. ودفع يده فى جيبه ليخرج المحفظة ويدفع الأتعاب .. فقال له الطبيب وهو يربت على كتفه :<br />ـ دع هذا الآن .. وسأحضر غدا فى مثل هذه الساعة ..<br /><br />وفى اليوم التالى جاء الطبيب ومكث مع الفتاة أكثر من ساعة يحادثها فى مختلف الشئون ، ولم يجر ذكر المرض على لسانه قط ، فعجب الأب لهذا الطبيب المعتوه ..<br /><br />وفى صباح يوم جميل حمل البريد إلى الفتاة رسالة ففضتها وهى تعتقد أنها من احدى صاحباتها ، ولكنها عجبت بعد قراءة سطرين منها إذ وجدتها بخط رجل يبثها غرامه .. ويقول انه جارها ويسكن فى الشارع الذى تقيم فيه .. وأنه رآها أكثر من مرة فى شرفتها ولكنها كانت فى شغل عنه فلم تلتفت اليه مرة واحدة .. وأنه لم يرها منذ شهور فى الشرفة أو فى النافذة فهل هى مسافرة أو مريضة ؟ إنه يود أن يعرف لأنه قلق .. ولأنه معذب ولأنه متيم بها ..<br /><br />وقرأت الرسالة مرة ومرات وتورد وجهها .. وكانت عندها خادمة تحبها وتثق فيها فطلبت منها أن تضع الرسالة فى خزانة ملابسها ففعلت ..<br /><br />وبعد يومين جاءتها رسالة ثانية .. فقرأتها فى لهفة .. وكانت أشد عنفا إذ كتبها بدم قلبه .. ثم تدفقت عليها الرسائل بعد ذلك .. وكان الطبيب فى خلال تلك المدة يزورها ، ويلاحظ التغيـــر الذى طرأ على نفسها وجسمها .. فيسر لذلك ..<br /><br />وحملت إليهـا الخادمة رسالة معطرة من حبيبها المجهول ..<br /><br />وقال لها فيها إنه عرف رقم تليفون منزلها بعد أن عرف اسم والدها من البواب .. وإنه سيطلبها الليلة فى التليفون الساعة العاشرة مساء ويرجو أن تكون وحدها ..<br /><br />ومن غروب الشمس كانت آلة التليفون بجوار سريرها ، وفى الساعة العاشرة دق الجرس .. فرفعت السماعة وظلت ممسكة بها برهة وقلبها يخفق خفقان الطائر المذبوح .. ثم قربت السماعة من أذنها وجاءها صوته من وراء الأبعاد .. وأخذ يتحدث .. وكانت هى تستمع فى نشوة وقد عقد الخجل لسانها .. ثم تشجعت وأسمعته صوتها .. ورأته يسر لذلك ويتدفق فى الحديث كالسيل ..<br /><br />ووضعت السماعة وأحست بشىء جديد يسرى فى كيانها ، وبالدم يتدفق فى عروقها .. ويسرى فى جسمها كله حتى فى نصفها المشلول ، وكان خداها فى حمرة الورد .. وكانت عيناها تلمعان ببريق غريب .. بريق الحياة التى أخذت تدب فى جسمها ..<br /><br />وظلت تحلم أحلام اليقظة إلى ساعة متأخرة من الليل ..<br /><br />وأخذ بعد ذلك يحادثها فى التليفون كل يوم .. وكانت تطلب من خادمتها أن تغلق عليها الباب وتظل تتحدث معه ساعة وأكثر .. وكان إذا تصادف وخرج أهلها للتنزه وبقيت وحدها مع خادمتها ودق جرس التليفون كانت تشعر بسعادة غامرة لأنها تستطيع أن تحادثه بحرية ولمدة أطول وأطول .. وكانت قد ألفت صوته واستراحت إليه وازداد تعلقها به .<br /><br />وذات مرة قال لها :<br />ـ عاوز أشوفك ..<br />ـ صحيح ..؟<br />ـ والنبى ..<br />ـ فين..؟<br />ـ فى أى مكان تحبينه ..<br />ـ لكن أنا مبخرجش ..<br />ـ أبدا ..؟<br />ـ أبدا..<br />ـ طيب ..<br />ووضعت السماعة وبكت ..<br /><br />وفى اليوم التالى حادثها وقال لها :<br />ـ أنا زعلان منك ..<br />ـ ليه ..؟<br />ـ مررت تحت البيت فلم أرك ..<br />ـ والله فيه عذر قوى .. وأنا معذورة ..<br />ـ بكرة سأمر .. ولازم أشوفك ..<br />ـ سأحاول ..<br /><br />ووضعت السماعة .. ولكنها لم تبك بل أحست بشىء يعمل فى داخل نفسها .. وبقوة دافقة تسرى فى كيانها ..<br /><br />وقبل الموعد بساعات طلبت خادمتها وأخذت تتزين ، والبستها الخادمة أحسن أثوابها .. وقربت منها المرآة .. فأخذت تنظر فى وجهها طويلا .. وتصفف شعرها ، ولاحظت التغيير الذى طرأ عليها ، ورضيت وابتسمت .. وصرفت الخادمة ولما اقترب الموعد خيل اليها أنها تسمع صوته يناديها فتحركت من فوق السرير ووجدت نفسها لأول مرة فى حياتها تحرك رجليها .. وأنزلتهما برفق وقد غمرتها فرحة عارمة ونزلت على الأرض وتماسكت واستمرت واقفة وحلت المعجزة ومشت فى أرض الغرفة نحو الشرفة ..<br /><br />واستندت على الحاجز ، ورأته هناك فى الجهة المقابلة من الشارع ولوح لها بمنديله الأبيض كإشارة للتعارف كما اتفقا .. وظلت متماسكة تنظر اليه فى سرور ..<br /><br />ورأت الخادمة سيدتها واقفة فصاحت :<br />ـ شوفو ستى .. شوفو .. ستى ..<br /><br />ورأت الأم ابنتها واقفة فى الشرفة .. فجرت نحوها ، وارتمت هند على صدرها وأخذت تبكى .. بكاء الفرح ..<br /><br />وبعد ذلك بساعة كان الطبيب جالسا فى مكتبه يسجل فى دفتر مذكراته ..<br /><br />إنتهى العلاج وحدثت المعجزة<br />=================================<br /></strong><strong><span style="color:#6633ff;">نشرت القصة فى صحيفة الزمان المصرية 1121952 وأعيد نشرها بمجموعة حدث ذات ليلة 1953 لمحمود البدوى<br /><br /></span><br /><br /><br /></strong><br /><br /><strong></strong></div><br /><br /><div align="center"><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></strong></a><strong> </strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">أكسير الحيـاة<br /></span><br /><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">قصة محمود البدوى</span> </strong></div><div align="center"><strong>التقيت وأنا أعبر شارع الشيخ حمزة إلى عيـادتى فى أمسية من أمسيات الخريف بصديقى لطفى .. وكان من رفاق الحداثة فى المدرسة الخديوية .. ولما دخلت مدرسة الطب كان هو قد ترك الجامعة واشتغل فى الصحافة .. وغمره تيارها وأصبحت لا أراه إلا قليلا ..<br /><br />وسر لما رآنى عرضا فى الطريق وسررت أنا أكثر منه .. ولكن شيئا على خديه وفى عينيه أشاع الرجفة فى قلبى ..<br /><br />سلم فى بشاشة وهو يقول :<br /><br />لى ستة شهور وأنا عازم على زيارتك فى العيادة ، وكل يوم أقول غدا .. تصور .. ولكن ما دمنـا قد التقينا الآن سأحـدد الميعاد فى هذه الساعة .. وسأجىء فى الخامسة بعد ظهر غد ..<br /><br />وجاء .. وأخذ يحدثنى عن حياته وعمله .. وكيف أنه يقضى الليل كله فى المطبعة بين الحروف والرصـاص .. ومنـذ شهور طويلة أحس بشىء فى صدره .. ويخشى أن يكون قد تمكن منه الداء ، ولولا أنه أحب فتـاة حبـا جارفا ويفكر فى الزواج منها .. ما اهتم بالأمر ، ولهذا يود أن يطمئن تماما قبل أن يشرك فتاة بريئة فى نفس المصير ..<br /><br />وابتسمت .. ونفيت له الخاطر الذى دار فى ذهنه ، ولكن نظرة فاحصة إلى وجهه جعلت قلبى يدق بشدة ..<br /><br />وقال ووجهه يضطرم :<br />ـ هل يمكن أن أكشف الآن ؟<br />ـ تفضل ..<br /><br />وادخلته الحجرة ..التى فيـها جهاز الأشعة .. وخلـع ملابسه ووقف بصدره العارى وراء اللوحة .. وسلطت الجهاز .. ورأيت تمزقا ظاهرا فى الرئة اليمنى .. وخيـطا أسـود كضربة موسى يبعـد عن التمزق بمقدار عشرة سنتيمترات .. واسود وجهى وتندت عيناى بالدموع .. فقد كانت الحـالة ميئوسا منها تماما ولا ينفع فيها أى علاج ..<br /><br />ولما خرج صاحبى من وراء الجهاز وارتدى ملابسه .. لم أشعل نور الغرفة وتركتها فى الظلام حتى أخفى تعبيرات وجهى ..<br />ـ ماذا رأيت ..؟<br />ـ صدرك سليم .. بل أقوى من صدر مصارع الثيران ..<br />ـ لاشىء ..؟<br />ـ لاشىء على الاطلاق ..<br /><br />فنـظر إلىّ فى شـك .. ولكـن الفرحة هزته وأجرت الدم فى خديه ..<br />ـ أتزوج إذن ..؟<br />ـ توكل على الله .. هل حددت ميعاد الزواج ..؟<br />ـ بعد خمسة شهور ..<br /><br />وقدرت حياته الباقية بثلاثة شهور على أوسع مدى .. وقدرت للفتاة النجاة .. وسألته :<br />ـ والعروس قريبتك ..؟<br />ـ لا .. إنها من المنصورة .. وأنا لا أراها إلا مرتين فى الشهر .. ولهذا أتعجل الزواج ..<br /><br />واسترحت لأنها لاتعيش فى القاهرة معه .. وأسفت على شبابه وصحته ..<br /><br />وكنت أحادثه وأنا أكتم انفجار الألم فى نفسى .. وأضغط على مخارج الحروف حتى لا أبدو ضعيفا أمامه ..<br /><br />وعندما بارحنى مسرورا بنتيجة الفحص كنت غـارقا فى دوامـة من الأسى ..<br /><br />وفكرت فى أن أتصل به بعد ذلك بأيام .. وأقول الحقيقة بطريقـــة مخففة .. أو أعرف عنوان الفتاة وأبعث لها برسالة ..<br /><br />ولكننى وجدت أن فى إخباره قسوة بشعة وتعذيبا لإنسان سيموت حتما .. وفى الاتصال بالفتاة قسوة مثلها ..<br /><br />وظللت أتعذب وأنا غير مستريح إلى كذبتى .. وكنت كلما دخلت على فتاة مريضة فى العيادة تصورتها خطيبة صاحبى .. وأنها جاءت تحمل إلىّ اللعنة والعذاب .. ومر عام وأكثر .. ونسيت الحـادث ونسيت صاحبى فى غمرة الحياة ..<br /><br />***<br /><br />ثم التقيت به عرضا منذ اسبوع وأنا داخـل إلى استراحة " شل " على الطريق الصحراوى وكان على حالة من الصحة .. والعافية أدهشتنى .. ولما جلسنا .. نشرب القهوة فى الاستراحة وجدت نفسى أوجه إليه هذا السؤال وأنا لا أشعر :<br />ـ ألم تسافر إلى سويسرا فى العام الماضى ..؟<br />ـ سويسرا لماذا .. اننى لم أبرح مصر قط ..<br />ـ خيل إلىّ أننى رأيت شخصا يشبهك فى " بادن "<br />ـ اننى مشغول بعملى ولا أستطيع السفر إلى الخارج ..<br />وكنت أود أن أسأله :<br />ـ ألم تدخل مصحة ..؟<br /><br />ولكننى " بلعت " هذا السؤال .. وأنا أنظر إلى سيدة رائعة الحسن تقبل علينا فى رشاقة حلوة .. وأدركت بعد أن قدمنى إليها .. ونظرت إلى عينيها ووجهها .. سر نجاته من ذلك الداء ..<br /><br />فقد كانت " سميحة " زوجته تبتسم له ابتسـامة مشرقة فيها الأمـل والحــياة ..<br />=================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت القصة فى صحيفة الأهرام المصرية فى 1731956 وأعيد نشرها بمجموعة " الجمال الحزين 1962 " لمحمود البدوى</span><br /><br /><br /><br /><br /><br /><br /></strong></div><br /><br /><div align="center"><a href="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg"><strong><img style="DISPLAY: block; MARGIN: 0px auto 10px; WIDTH: 200px; CURSOR: hand; TEXT-ALIGN: center" alt="" src="http://img177.imageshack.us/img177/7378/2mg2.jpg" border="0" /></strong></a><strong><br /></strong><strong><span style="font-size:180%;color:#6633ff;">الـطبـيـب<br /><br />قصة محمود البدوى<br /></span><br />حدث منذ سنوات بعيدة .. أن سطا ثلاثة من عتاة اللصوص ـ فى ليلة شتوية مظلمة ـ على قصر ثرى من أثرياء الصعيد ..<br /><br />وتنبه لهم خفراء القصر رغم شدة الظلام .. أحس بهم الخفراء قبل أن يصلوا إلى الخزانة .. واشتبكوا معهم فى معركة نارية ..<br /><br />ولكن اللصوص كانوا أشد مراسا وأقوى سلاحا ..<br /><br />فاضطر صاحب القصر لنفوذه أن يستنجد بعساكر المركز والمديرية وأسرعت قوة كبيرة وحاصرت اللصوص وقبضت عليهم .. ولكنهم كانوا فى ساعة الاشتباك قد قتلوا اثنين من العساكر وجرحوا ثلاثة .<br /><br />وسيق اللصوص الثلاثة إلى المركز فتلقفهم العساكر بالضرب المبرح والركل انتقاما لما حدث لزملائهم فى المعركة واشفاء لغل صدورهم .<br /><br />***<br /><br />وحول اللصوص والدماء تنزف منهم إلى السجن .. وخشى مدير السجن المغبة لشدة الاصابات وأكثرها ظاهرة للعيان .. فحولهم إلى المستشفى الحكومى .<br /><br />وكشف عليهم الطبيب المختص ودون كل ما وقع عليه نظره ولمسه كطبيب خبير من إصابات وجروح فى اللحم والعظم .. كتب هذا فى تقرير دقيق مفصل .<br /><br />وشاع كل ما كتب فى التقرير فى أرجاء المستشفى بعد ما رفعه الطبيب إلى رئيسه مدير المستشفى .<br /><br />وكان حكمدار البوليس فى مكتب مدير المستشفى بسبب ما وقع .. فاطلع على التقرير وهاله ما دون فيه ونهض مسرعا إلى حجرة الطبيب وفى عينيه شرر الغضب ..<br /><br />وابتـدره بقوله فى غلظـة :<br />ـ ما هذا .. يا دكتور ..؟!<br /><br />ولوح بالتقرير ويده ترتعش غضبا .<br /><br />ورد الطبيب بهدوء مالكا أعصابه<br />ـ تقرير من طبيب مختص عن اصابات حدثت للناس .<br />ـ ولكن هؤلاء الناس لصوص .. وقتلة .<br />ـ القتلة ستحاكمهم المحكمة يا سعادة الحكمدار على جريمتهم ولا أحد غير القضاء هو المختص بمحاكمتهم .. فلا أحاكمهم أنا ولا سعادتك .<br /><br />ـ ولكن التقرير فظيع .. وواضح الإدانة على العساكر .<br />ـ دونت الحقيقة خالصة من كل غرض .<br />ـ لم يحدث مثل هذا فى تقرير يكتبه أطباء الحكومة .<br />ـ لكنه حدث ..<br />ـ تقول هذا بكل هوء وأنت لاتعرف العواقب .<br />ـ لو فكرت فى العواقب .. ما زاولت هذه المهنة قط .<br /><br />ولانت ملامح الحكمدار وغير من لهجته تحت إصرار الطبيب وعناده .<br /><br />ـ يا دكتور .. أنت فى سن ابنى مراد .. وأنا أنصحك الآن كما أنصح ابنى .. وأرى لصالحك أن تغير من بعض ما كتبته فى هذا التقرير .<br />ـ هذا لايمكن أن يحدث .<br />ـ هل فكرت أن هذا سيذهب بهيبة السلطة .. ويشل حركتها .. وإذا ضاعت الهيبة ضاع الأمن فى البلد .. وبهذه الهيبة نحميك أنت قبل أن نحمى غيرك .<br />ـ ليس الأمر على النهج الذى تصورته سعادتك .. ولو اتبع من بيده القانون لاستراحوا وأراحوا .<br />ـ يعنى نترك المجرمين والقتلة وقطاع الطرق يعيثون فى الأرض فسادا .. وإذا وقعوا فى أيدينا نربت " نطبطب " على ظهورهم .<br />ـ لم أقل هذا ولا أقبل أن أدافع عن مجرم ولا سفاح .. ولكنى أقرر الحقيقة كطبيب .. فى عمل من أخص خصائص مهنتى .. فمن الذى يكشف عن الجريح . الطبيب أو غيره ..؟ انه عمل الطبيب وحده .<br />ـ ولكن ما كتبته سيجر .. إلى أمر لاتدركه أنت فى هذه الساعة سيجر إلى ضياع السلطة وشيوع الفساد .<br /><br />وأشعل الحكمدار سيجارة .. واستطرد :<br /><br />ـ طيب عدم بعض العبارات .. مثل جرح عميق بطول .. وتهتك فى قفص الصدر .. وكسر فى الترقوة .. ومثل هذا كثير يحتاج إلى التعديل .<br />ـ ولا حرف .<br />ـ يابنى .. تعبت معك .. سأرى مدير المستشفى وقد يثنيك عن عزمك .. وتقبل منه النصح .<br /><br />وجاء مدير المستشفى ولكن الدكتور " اسماعيل " ظل على إصراره ورفض .<br /><br />وأخيرا قال له المدير :<br />ـ يا بنى أنت متزوج حديثا .. وأصبحت أبا لطفل .. وعليك مسئولية الأبوة .. وأرجو أن تقدر المئولية .. وأنت لاتعرف ما يجرى تنقصك التجارب .<br /><br />وسقط مدير المستشفى فى نظر الطبيب الشاب .. سقط سقطة أبدية .<br /><br />وسأل الطبيب الشاب مديره :<br />ـ وما الذى تريده منى ..؟<br />ـ تغير من لهجة التقرير الحامية ..!<br />ـ أغير الحقيقة .. وأكتب الباطل .. أزور .. هل هذا هو ماتعلمته من الدكتور عبد العزيز اسماعيل .. والدكتور على ابراهيم .. والدكتور محمد صبحى .. والدكتور أحمد شفيق .. هل تعلمت من هؤلاء الأفذاذ التزوير .. حتى أكتبه .. حرام عليكم حرام .. وحرام أن يصل الهوان بنا إلى هذه الدرجة .<br />ـ يعنى تصر على رأيك ..؟<br />ـ إلى يوم القيامة ..<br /><br />وتناول المدير التقرير وخرج غاضبا .. وعلم زملاء الدكتور اسماعيل بما حدث .. فانقسموا قسمين قسم رأى التغيير .. وقسم رفض .<br /><br />وشاع أمر التقرير فى المستشفى بين المرضى والجرحى والممرضات والأطباء .. كان ما فعله الدكتور إسماعيل بقوله الحقيقة هو شىء شاذ وغير مألوف فى حياة المستشفيات .<br /><br />***<br /><br />وعندما رجع الدكتور إسماعيل إلى بيته .. لاحظت زوجه حاله .. وعلمت بالخبر .. فظهر على وجهها الألم .. وحاولت كتمان آلامها فى تحركاتها فى الشقة وانشغالها بطفلها وعملها البيتى .<br /><br />ثم لما سألها عن رأيها قالت له :<br />ـ من رأيى أن تنزل عند رغبتهم .<br />ـ هكذا بكل بساطة ..!<br />ـ نعم ..<br />ـ يا لخيبتى فيك .. كان يسعدنى أن أسمع عن سيدة مصرية من هذا الجيل وقفت بجانب زوجها فى وجه العاصفة حتى تمر .<br />ـ أنت تعيش بخيالك وبعيدا عن عذاب العيش ولقمة العيش وهو الشىء الذى تشعر به المرأة .. وتعمـل له الحساب قبـل الرجـل .<br />ـ ولماذا هذا المنظار الأسود .. وتتوقعين الشر ..؟<br /><br />ـ لأنى أرى فى كل ما حولى .. انتصار الشر .. وسيبقى صراع الخير والشر أزليا .. سيبقى الصراع أبديا إلى قيام الساعة ، وتلك إرادة الله وحكمته .<br /><br />ـ ولهذا علينا أن نقاوم الشر بكل ما أعطانا الله من قوة .. حتى نقضى عليه .<br /><br />ـ لو أراد الله الخير الخالص فى هذه الدنيا .. لما أبقى الشيطان فى الأرض بعد أن عصاه وأخرجه من الجنة .. أبقاه يعيش مع الإنسان فى الأرض لأنه جل وعلا هو الذى خلق الإنسان ويعرف طبيعة تكوينه عندما ينزع إلى الخير .. وعنـدما يكون شرا من الوحش فى ضراوته إذا نزع إلى الشر ..<br /><br />ـ يعنى أبقى الشيطان على الأرض لأن الحياة الدنيا لاتستمر فى مسيرتها بغير شيطان وشياطين ..!<br /><br />ـ نعم .. والا فكيف تختلف عن الجنة .. فى الجنة النعيم المقيم .. وفى الأرض الخير والشر وإذا قاومت الشر وحدك وأنت ضعيف ستخذل حتما .. تلك سنة الحياة .<br /><br />ـ ولكن أشعر بكل الناس معى .<br /><br />ـ أين هم .. أنى لا أرى حتى زميلا لك من أطباء المستشفى .. جاء ليزورك ..؟<br />ـ سترينهم .<br /><br />وسمعت قرعا على الباب فمشت اليه وهى تتوقع زيارة صديق ممن يزورنه فى بيته .. ولكنها وجدت خالة لها قادمة بزيارة من الريف فانشغلت بها .. ودخل إسماعيل إلى حجرته بعد أن حيا الضيفة ورحب بها .<br /><br />وفى اليوم التالى زاره وكيل الحكمدار فى بيته .. وكان الدكتور اسماعيل يتصور أنه جاء ليرجوه كغيره تغيير ما كتبه فى التقرير .. ولكنه وجده يشجعه على شجاعته ووقوفه فى وجه العاصفة التى أثيرت حوله .<br /><br />وأخيرا قال له وكيل الحكمدار فى حماسة وهو يبتسم :<br />ـ يابنى أنت لم تر جدك " عبد المنعم " ولكنى رأيته .. فيك كل طباعه وكل صفاته .. أنا كنت ضابطا صغيرا فى النقطة ببلدكم .. وطوال مدة خدمتى فى النقطة والمركز لم يدخل فلاح واحد من أهل قريتكم نقطة ولا مركز .<br /><br />عاش جدك عبد المنعم ومات وهو عمدة ولم يذهب فى حياته فلاح واحد من أهل القرية نقطة ولا مركز .. وكان يقول لى :<br /><br />ـ أهين أهل بلدى .. وأجرهم إلى سجن المركز .. لا .. قد يخرج الطيب منه شريرا فى يوم وليلة .. لا لن يحدث هذا وأنا بصحتى أن وظيفتى كعمدة فى حسم الأمور هنا .. وإلا فلا خير فينا للناس المساكين الذين لاحول لهم ولا قوة ..<br /><br />كان يعالج الأمور بطريقته الفذة .. سرقت جاموسة من " شريفة " وجاءت تشكو له ..<br /><br />فيقول لها بابتسامته الوضاءة :<br />ـ طيب روحى يا شريفة .<br /><br />وفى الصــباح التــالى تعــود الجاموسه إلى بيت " شريفة ".<br /><br />وهكذا ما يحدث من سرقة وعراك مع الفلاحين .. وما يحدث فى سوق القرية .. وفى غيطانها ونجوعها .. وفى زمن الفيضان وفتح الخزانات .. والنزاع على الرى .. وجنى القطن .. وضم المحصول .. وحراسة الأجران والجسور ..<br /><br />مئات الأشياء التى كان ينهيها بقوة مراسه وهيبته وتجاربه ومعرفته بخلق الفلاحين وطباعهم .<br /><br />وكانت قريتكم أول قرية أضيئت شوارعها بالفوانيس وأول قرية لم تحدث فيها حادثة قتل واحدة طوال مدة حكمه التى جاوزت عشرين عاما .. كنا نسميها القرية الآمنة .. فأنا يا بنى لم أدهش لفعلتك ولم أستغرب كما فعل غيرى فأنت خليفة والدك وجدك .<br /><br />وشكر الدكتور اسماعيل وكيل الحكمدار وسره أن يكون من رجال القوة فى المديرية من هو على هذه الصفات الحميدة .<br /><br />***<br /><br />وبعــد ثلاثة أســابيع نقـل الدكتــور إسماعيــل إلى " أرمنت " .<br /><br />ولما علمت زوجته بأمر النقل تركته إلى أهلها .. ووقف هو على رصيف المحطة وحده ينتظر القطار الذى سيقله إلى مقر عمله الجديد .<br /><br />ولمح شبحا يتحرك فى سكون الليل .. والسنافورات تتحرك والريح تعوى وتصفر فى الأسلاك ..<br /><br />ولمــا اقتــرب عرف الدكتور إسماعيل أنه معاون المحطة ..<br /><br />وقال المعاون وفى صوته رنة الأسى :<br />ـ جئت أودعك يا بنى وأسلم عليك وأحيى شجاعتك فى هذا الزمن النكود ..<br /><br />ـ شكرا يا عم " سمعان " فيك الخير ..<br /><br />ـ لا تتصور أنهم انتصروا عليك بنقلك .. أبدا أنت المنتصر والناس تتصور دائما لغباوتها .. أن الحق مطموس وضائع .. والشر ينتصر على طول الخط .. وهذا خطأ .<br /><br />اذهب الآن إلى المدينة بعد ما عرفوا فعلتك تجد الجميع يفخر بك ويصفق لك .. دخلت فى قلوب الملايين .. وسترى هذا الأثر فى عملك لو فتحت عيادة خاصة .. الناس لاتنسى الشجاعة أبدا ولا موقف البطل .. ولا تغفر قط للجبان الرعديد .. حتى وان كانوا هم فى أعماقهم جبناء لأنهم يقدرون من عبر عن شعورهم وما عجزوا هم عن فعله .. ومن هنا تكون صفات البطولة للبطل . أنه الفرد الذى تكلم وعبر عن خلجـات الجماهير الضائعة فى تيه الحياة .<br /><br />ولا تفكر بطريقتهم ولو ضربنا وعذبنا كل مجرم وسفاح .. ما كانت هناك محكمة ولا محاكم فى الأرض .<br /><br />ـ شكرا ياعم " سمعان " ملأتنى ثقة فى جوانب نفسى .. ولكن أشد ما يؤلمنى الآن ألا أجد زميلا واحدا جاء ليودعنى على المحطة .<br /><br />ـ اعذرهم .. يا بنى .. قد يكون لهم عذرهم .. وقد يعوضك الله فى مقرك الجديد من هو خير منهم .<br /><br />ـ شكرا لكلماتك الطيبة .. شكرا ..<br />ـ جاء القطار .. وقد حجزت لك أحسن المقاعد .. وخذ منى هذا التذكار البسيط .<br /><br />وتناول الدكتور اسماعيل التذكار من المعاون وعيناه مخضلة بالدمع ..<br /><br />وكان القطار وهو يدخل المحطة يصفر وأنوار عرباته تتوهج فى الظلمة .<br />=================================<br /><span style="color:#6633ff;">نشرت القصة بصحيفة أخبار اليوم المصرية فى 26111983 وأعيد نشرها فى كتاب " الغزال فى المصيدة " لمحمود البدوى 2002</span><br />=================================<br /><br /></strong></div>alyabdellatif & lailamahmoudelbadawyhttp://www.blogger.com/profile/03028285403434072899noreply@blogger.com0